المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : وشهد شاهد من أهله: بوش يكابر ويضلل الرأي العام الأمريكي



سعادة خليل
22/10/2006, 02:11 AM
وشهد شاهد من أهله: بوش يكابر ويضلل الرأي العام الأمريكي

الدكتور سعادة خليل

على ضوء استمرار التخبط الإستراتيجي للرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش وإدارته الحائرة البائسة في العراق، لقد صدر حديثا كتاب بعنوان حالة إنكار: بوش في الحرب ج 3 للصحفي المعروف (بوب وودورد) والصادر عن الناشر (سايمون وشوستر) في أكتوبر 2006. بوب وودورد، الصحافي في الواشنطن بوست منذ عام 1971، كتب أو شارك في عشرة كتب في النيويورك تايمز الأكثر مبيعا بما فيها خطة الهجوم، بوش في الحرب، الظل، الأجندة، القادة، الحجاب، الأخوة، الأيام الأخيرة، رجال الرئيس. وهو أيضا أول من كشف فضيحة ووترغيت في عهد الرئيس نيكسون.
ولأكثر من ثلاثة عقود قضاها في كتابة التقارير عن كيفية اتخاذ القرار في وكالة الأمن القومي – بما فيها كتاباه الأكثر مبيعا على الحربين في أفغانستان والعراق وهما: بوش في الحرب (2002) وخطة الهجوم (2004) – يلقي وودورد الضوء على ما تعانيه إدارة بوش من حالة الإنكار المستمرة للفشل الذريع للمشروع الأمريكي في العراق ويقدم شرحا وافيا عن أداء جورج دبليو بوش وتشيني ورامسفيلد ورايس وموظفين سابقين ولاحقين في البيت الأبيض. ومن الواضح ،بسبب تراثه وسمعته أو أنها صحوة ضميره المهني أو أنه لم يعد من المحتمل السكوت على ما يروج في مطبح البيت الأبيض من أكاذيب ودفن الرؤوس في الرمال ، قرر وودورد الخروج من العتمة والتضليل ويكشف بعض الحقائق عن الفشل الذريع fiasco الذي يدعى إدارة بوش.
يأتي صدورالكتاب قبل بضعة أسابيع من الإنتخابات النصفية للكونغرس ومجلس الشيوخ في نوفمبر القادم وكذلك في وقت يزداد فيه التخبط الإستراتيجي واشتداد الورطة في العراق واستمرار العنف وتصاعد المقاومة ضد الاحتلال وحرب الإبادة التي بدأت بالاجتياح الأمريكي ولا تزال مستمرة.
وقد تسرب حتى الآن الشيء الكثير عن حالة إنكار ليصبح بمثابة حصان طروادة للمعارضين للحرب في العراق وأفغانستان، في معسكر بوش وإدارته. ومن هنا لا عجب إذ رأينا البيت الأبيض قد قلل من أهمية الكتاب إلى حد تسخيفه. ويرى المؤلف، كما يشير عنوان الكتاب، أن الرئيس بوش ومستشاريه يعيشون في حالة إنكار شديد للموقف المتدهور في العراق.
يجيب الكتاب على مجموعة من الأسئلة الهامة: ماذا حصل بعد غزو العراق؟ ولماذا؟ كيف يتخذ بوش القرارات وكيف يدير الحرب التي اختارها لتكون مسارا لرئاسته؟ وأخيرا هل يوجد هناك أية خطة للخروج من العراق تحفظ ماء الوجه؟
إن كتاب وودورد، حالة إنكار ، عن الرئيس بوش عبارة عن قصة شاملة تمتد من الأيام الاولى عندما قرر أو فكر جورج دبليو بوش جديا في ترشيح نفسه للرئاسة وعند اختياره لفريق الأمن القومي، وعند لجوئه للحرب على أفغانستان، وعند غزو واحتلال العراق، وعند القتال من أجل البقاء السياسي في الولاية الثانية. ولذا من الصعب إلإحاطة الكاملة بما جاء في الكتاب وعرض أفكاره الكاملة في مثل هذه العجالة.
إن حالة إنكار يبين كيف حجبت إدارة بوش الحقيقة عامدة متعمدة عما يحدث في العراق منذ اليوم الأول للحرب على العراق وضللت الرأي العام الأمريكي والكونغرس ومجلس الشيوخ وحتى بعض أعضاء الإدارة أنفسهم. فمثلا، ورد في تقرير البنتاغون الذي تم تقديمه للكونغرس أخيرا أن " الحافز والدافع لاستمرار أعمال العنف سوف تبدأ بالإنخفاض في بداية عام 2007." ما يعني استمرار الخداع والتضليل بشأن الموقف في العراق.
لقد كان أهم مستشاري بوش على خلاف بين بعضهم البعض إلى درجة تصل إلى القطيعة بينهم فلا يكادون يتبادلون الحديث مع بعضهم البعض ولكنهم يجمعون على إبعاد وإقصاء الفكرة التشاؤمية عن التقديرات التي تصل من القيادات العسكرية حول الوضع في العراق.


لقد نقل عن بوش في أواخر نوفمبر 2003 قوله عن الوضع في العراق:"لا أريد أحدا في الإدارة أن يقول أو يذكر أي شيء عن التمرد. لا أعتقد أننا وصلنا إلى هذا الحد."


يظهر الكتاب الرئيس بوش قائدا سلبيا، متسرّعا، طفوليا لا يتمتع بأي فضول عقلي أو ثقافي. يرئس إدارة حرب لا هدف ولا وظيفة لها سوى التفكير في الحرب الاستباقية. رئيس تنتابه شطحات دينية لا تسمح له بإعادة التفكير أو تقويم قرارات تم اتخاذها بشأن الحرب. وهذه الصورة تختلف تماما عن الصورة الإطرائية التي وضعها وودورد في كتابه "بوش في الحرب" سنة 2002، التي أظهرت الرئيس – كما أوضحها مكتب الصحافة للبيت الأبيض نفسه – على أنه قانوني وقائد ذو عزيمة وتصميم وصاحب رؤية افتقدها والده وهو ربان يسيطر تماما على السفينة. وبوضوح هناك أشياء كثيرة في هذا الكتاب جاءت لتدين البيت الأبيض بغض النظر عن المديح الذي كاله وودورد في بعض الأحيان.

والعديد من أعضاء إدارة بوش في هذا الكتاب ليسوا فقط يائسين ولكنهم أيضا حائرون في بعض قرارات الرئيس. ينقل المؤلف عن (لورا بوش) أنها أخبرت (أندرو كارد)، كبير موطفي البيت الأبيض، أنها لا تفهم لماذا لا ينزعج أو يغضب زوجها من رامسفيلد ومن الضجة التي تدور حول معالجته لأمور الحرب في العراق؟ وكذلك ينقل عن (أرميتاج)، نائب سابق لوزير الخارجية، قوله لوزير خارجيته (كولن باول) بأنه محتار في تردد الرئيس بوش للإقدام على تعديلات على طريقة تعاطيه مع الحرب في العراق. إن ما يقوله الرئيس دائما هو "أننا يجب أن نركز ونؤكد على سمو وشرف هؤلاء الذين سقطوا في الحرب. وبمعنى آخر، يريد أن يقول أنه يجب علينا أن نرى سقوط رجال أكثر وأكثر لينالوا الشرف نفسه كأولئك الذين سقطوا من قبل."

وعلى سبيل المثال أيضا، ورد في الكتاب أن جورج تينيت، مدير السي آي إيه وقتئذ، و (كوفر بلاك)، رئيس محاربة الإرهاب، أظهرا قلقا بالغا حول احتمال هجوم من القاعدة في صيف 2001 مما جعلهم يطلبون حالا اجتماعا في البيت الأبيض ليلفتوا انتباه أعلى مراكز اتخاذ القرار في الدولة. اتصل تينيت برايس، مستشارة الأمن القومي آنذاك، من سيارته ليسألها اللقاء على أمل أن الاجتماع المفاجئ سيلقى اهتماما كبيرا. وتابع وودورد أن اجتماع 10 تموز 2001 ترك تينيت وبلاك في إحباط وشعور بالتجاهل والإهمال، واعتقدا أيضا أن رايس لم تشعر بنفس الأهمية والعجلة حول التهديد وكانت مقتنعة بأن تنتظر إلى حين مراجعة سياسية قادمة.

إن التقرير الصادر عن هذا الاجتماع يأخذ أهمية كبرى بعد أن اشتكى الرئيس السابق كلينتون بأن فريق إدارة بوش لم يعمل بما يكفي لقتل أسامة بن لادن قبل 11 أيلول 2001.
لقد ردت رايس في دفاعها عن الرئيس الحالي قائلة إن إدارة بوش"كانت على الأقل أكثر عدوانية" في خلال 8 شهور مما فعله كلينتون في 8 سنوات.

إن اجتماع تموز الذي تم بين رايس وتينيت وبلاك لم يذكر التحقيقات في هجمات 11 أيلول وكتب وودورد أن بلاك"شعر أن هناك أشياء أرادت هيئة التحقيق معرفتها وأشياء لم ترد أن تعرف عنها شيئا."
وفي رواية أخرى جاءت من داخل البيت الأبيض الحائر، يكشف بوب وودورد كيف حاول رئيس موظفي البيت الأبيض أندرو كارد، بتأييد غير مباشر من الموظفين المرموقين الآخرين، لمدة 18 شهرا استبدال وزير الدفاع دونالد رامسفيلد لكنه اصطدم برفض ومعارضة الرئيس ونائب الرئيس. وفي بداية الولاية الثانية لبوش، قلل ستيفن هادلي، الذي حلّ محل كونداليزا رايس كمستشار للأمن القومي، من قدرة الإدارة على تنفيذ سياساتها. وفي تقرير سري لمستئار وزيرة الخارجية ،كونداليزا رايس، ذكر فيه أنه بعد سنتين من الغزو، أن العراق أصبح مشروع "دولة فاشلة."
يكشف الكتاب، بناء على إلحاح نائب الرئيس تشيني ورامسفيلد، أن المستشار الأكثر حظوة لدى البيت الأبيض بشأن العراق كان هنري كيسينغر على الرغم من ماضيه الفاشل في فيتنام والمطارد بهزيمتها حتى اليوم. يكشف وودورد أن وزير الدفاع نفسه يعتقد أن نظام التنسيق بين الوزارات والوكالات الحكومية المختلفة معطل. وفي مذكرة سرية في 1 مايو 2006، ذكر رامسفيلد أن" عمل النظام الحالي للحكومة فاشل ومن الإستحالة أن يعمل بالحد الأدنى من الكفاءة."

لقد نقل المؤلف أيضا عن القائد العسكري (جون أبي زيد) أنه أخبر زوار مقر قيادته في قطر في خريف 2005 أن رامسفيلد لم يعد يملك أي مصداقية على الإطلاق ليتمكن من وضع استراتيحية أمريكية "للانتصار" في العراق.


وقد ورد في مقالته، وودورد، عن ظهوره في برنامج Minutes 60 دقيقة، أنه أخبر (مايك ولاس) أن إدارة بوش لم تقل الحقيقة عن مستوى العنف، وخاصة ضد القوات الأمريكية في العراق. وكذلك كشف أيضا معلومات استخبارية هامة تتنبأ بازدياد التمرد في السنة التالية. ويستطرد قائلا: "إن هجمات المتمردين ضد قوات التحالف بلغت في المعدل هجوما واحدا كل 15 دقيقة. وهذه حقيقة صارخة أخفتها الإدارة واحتفظت بها سرا." " وما يحدث الآن من هجمات هو بمعدل 800 إلى 900 هجوم أسبوعيا، أي أكثر من مائة هجوم في اليوم الواحد، أي أربع عمليات كل ساعة ضد قواتنا."


لقد جاء في التقرير السري للبنتاغون الذي أرسل للبيت الأبيض في أيار 2006 أن " المتمردين والإرهابيين يملكون المصادر والقدرات لإبقاء بل وزيادة المستوى الحالي للعنف للنسة القادمة." لقد تنبأ أن العنف سيزداد في سنة 2007 في العراق. وهذا يتناقض مع التصريحات والمؤتمرات الصحفية والخطابات المتفائلة للرئيس بوش حيث قال قبل أيام "إننا على أبواب نقظة تحول سوف يسجلها التاريخ ولاح الوقت الذي بدأت قوى الإرهاب في الإنحسار والهزيمة."

وهكذا شكل الكتاب صفعة لإدارة بوش وجعلها في حيرة من أمرها بين الدفاع والتكذيب والنفي والخداع والإخفاء. ومع استمرار بوش وزبانيته في هذا النهج نهج الإنكار تتوالى أخبار حرب الإبادة في العراق التي تسببت في قتل 655 ألف نسمة، حتى الآن، حسب آخر التقارير الصادرة عن مجموعة من الباحثين في جامعة جونز هوبكنز منذ سنة 2003. وجاءت تصريحات العسكريين من حلفاء الإدارة الأمريكية في الحرب على العراق لتؤكد عمق ورطة الإحتلال واشتداد الأزمة ولتكشف مدى الكذب والتضليل الذي يمارس بحق الأمريكيين والآوروبيين. لقد صرح رئيس أركان الجيش البريطاني بأن على القوات البريطانية الخروج من العراق في أسرع وقت ممكن. لقد كشف الكتاب تخبط الإدارة الأمريكية وفشلها في اتخاذ القرارات المناسبة مستغلة انحياز وسائل الإعلام إلى هذه الإدارة في حربها على "الإرهاب". ولا شك أن هذا الكتاب يكتسب في هذا الوقت أهمية خاصة لا بد لبوش وإدارته أن يحسب له ألف حساب إلى جهة مهنية المؤلف وكلمته المسموعة في وسائل الإعلام المختلفة.