المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : موقعة الأنبار .. جسر الجمال



نبيل الجلبي
04/10/2011, 11:45 PM
موقعة الأنبار.. جسر الجمال


المكان: الأنبار - شمال غرب الحيرة - العراق

الموضوع: جيوش الإسلام بقيادة خالد بن الوليد تؤمن فتوحات العراق.

الأحداث:

بعد أن فتح الله تعالى معظم بلاد العراق للمسلمين وذلك في أربعين يومًا فقط حتى فتحت الحيرة عاصمة الفرس العربية وأهم مدينة بعد المدائن, جاء الأمر من الخليفة أبي بكر الصديق رضي الله عنه لخالد بن الوليد بأن يتوجه لإنقاذ المسلمين المحاصرين في دومة الجندل وكان خالد تواقًا لأن يهجم على المدائن لينهي الوجود الفارسي في العراق ولكنه امتثل لأوامر قائده العام الخليفة أبي بكر..
ولكن خالد رأى أنه إذا توجه لإنقاذ المسلمين في دومة الجندل فإن ذلك سوف يعرض المسلمين في الحيرة لخطر داهم, خاصة في ظل وجود قوات فارسية ضخمة ترابط في منطقة الأنبار وعين التمر, لذلك قرر خالد مهاجمة تلك المنطقتين وإزالة ما بهما من حاميات فارسية وذلك وهو في طريقه لإنقاذ المسلمين بدومة الجندل ورأى خالد أن يبدأ بمدينة الأنبار أولاً.
لم يكن خالد من القواد الذين ينتظرون المفاجآت بل كان يعمل دائمًا على بث عيونه واستخباراته قبل خوض أي معركة وهو ما يسمى في الجيوش الحديثة بـ "سلاح الاستطلاع" وهو يعد من أهم أسلحة الجيوش وقد نقلت استخبارات خالد له شكل المدينة وحالها وموقفها التحصيني وكانت المدينة شديدة التحصين, مما يجعل مسألة السيطرة عليها ليست سهلة وذلك لسببين الأول موقع هذه المدينة على الشاطئ الشرقي لنهر الفرات وهذا يجعل بين الفرس والمسلمين حاجزًا مائيًا يهابه المسلمون..
الثاني وجود أسوار منيعة حول المدينة, ذلك بالإضافة لوجود خندق عميق يحيط بالمدينة من كل ناحية وكان أهل هذه المدينة عامتهم من النصارى عليهم قائد فارسي عاقل هو "شيرازاذ" في حين أن خالدًا قد عين قائدًا له على جيشه في هذه المعركة 'الأقرع بن حابس' رغم أنه ليس من السابقين ولكنه صاحب كفاءة حربية ممتازة.
بدأ خالد يزحف بجيشه الصغير على هذه المدينة الحصينة فبدأ أولاً باجتياز نهر الفرات على الرغم من فيضان مائه في هذا الوقت وكان الرعب مستوليًا على الفرس والمتنصرة فلم يجرؤ أي منهما على الخروج للقاء جيش المسلمين على الرغم من خبرتهم بالنهر عن المسلمين, ولكن سمعة خالد وفتوحاته السريعة والقوية في العراق جعلت الجميع في حالة من الرعب الشديد..
وبعد أن عبر المسلمون كانت أول بوادر المقاومة هي قيام مجموعة من أهل المدينة برشق المسلمين بالسهام من على أسوار المدينة وكان هذا الرمي وبالاً عليهم إذ كشف خالد من خلاله أن هؤلاء المحاربين سذج لا يعرفون شيئًا عن علم الحرب والرمي فأمر كتيبة الرماة في جيشه -وكانوا من أمهر رماة العرب- برمي المحاربين رشقًا واحدًا كثيفًا على أن يوجهوا سهامهم إلى عيون هؤلاء المحاربين وبالفعل انطلقت السهام دفعة واحدة وكأنها لكثافتها كسرب من الطير فأصابت هدفها بدقة فقأت هذه السهام قرابة الألف عين فسميت هذه المعركة "ذات العيون", فصاح أهل المدينة: "ذهبت عيون أهل الأنبار", وصاحوا وماجوا وعمتهم الفوضى فسأل القائد الفارسي عما حدث, فلما علم أسرع لعقد صلح مع خالد ولكنه اشترط شروطًا تختلف مع شروط الإسلام في الحرب فلم يوافق خالد.
كان الخندق المائي يمثل مشكلة حقيقية أمام جيش المسلمين فالخندق عميق ويحيط بالمدينة من كل الجوانب ولكن ذلك لم يكن ليمنع الأسد الضاري خالد صاحب العقلية العسكرية الفذة حيث قام بالدوران حول سور المدينة لدراسة هذا الخندق جيدًا حتى وقف عند نقطة معينة في الخندق وتفتق ذهنه عن فكرة عبقرية حيث وقف على أضيق نقطة في الخندق وأمر بذبح كل الجمال الهزيلة والمريضة وإلقائها عند هذه النقطة فردم تلك النقطة وصنع جسرًا من الجمال استطاع الجيش المسلم أن يعبر عليه بسهولة وأصبح الجيش المسلم محيطًا بأسوار المدينة استعدادًا لاقتحامها..
وعندما رأى القائد الفارسي"شيرازاد" ذلك سارع وعقد الصلح مع خالد بشروط الإسلام المعروفة على أن يخرج هو سالمًا بماله وعياله ويبلغ مأمنه, فوفى له خالد ذلك وبلغه مأمنه ودخل خالد وجيشه المدينة وأمن الناس على معايشهم.
عندما عاد القائد "شيرازاد" إلى القائد العام الفارسي للعراق "بهمن جاذويه" لامه بهمن بشدة على الصلح مع خالد والتنازل عن هذه المدينة الحصينة رغم ضخامة قواته وكان "شيرازاذ" عاقلاً فقال له: "إن هؤلاء القوم -يقصد أهل الأنبار- قد قضوا على أنفسهم بالهزيمة عندما رأوا جيش المسلمين وإذا قضى قوم لأنفسهم بالهزيمة كاد هذا القضاء أن يلزمهم", ففهم بهمن كلامه واقتنع به.

المصدر: موقع مفكرة الإسلام.