المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صورة عشق



د. نزيه بريك
20/11/2011, 12:23 AM
صورة عشق



النهار كان لا يزال بكامل وعيه، وهي مستلقية في أحضان الموقد ... بدأ النعاس والتعب يحتلاّن جغرافية وجهها.
لا شيء يُخرِجُ الهدوء من إيقاعه سوى شهيق وزفير نعاسها.
أخذت تعبث برماد الذكريات، محاولة أن تطرد النعاس من فمها، ثم دفعت بإصبعها نحو باطن شفتها السفلى ليَصدَّه لسانُها الأرجواني، وراحت تتصفّح دفاترَ حكايات كاد النسيان أن يدوِّنَها عل صفحاته.
فجأة لامست أناملُها جمرَ حكاية ما زالت مشتعلة في موقد فؤادها. تذكّرت، متنهّدة، إذ خرج يومها متبخّرًا غاضبًا منها ولم يعد.. علمت بعدها أنه وقع أسيرًا في أيدي جيوش السماء.

قد مضى زمن على غيابه، لكنها أحسّت بأيدي الماضي تعانق طفل حنينها بشغفٍ لتنفي الحاضر. أمسكت بيديها رأسَها المثقلَ حزنًا وشوقًا، لئلا يهوي من فوق عنقها، وراحت تتحسّس بفؤادها هذا الذي يعانقها، والدمع الأسود ينساب من سماء عينيها، ليرسم على وجهها الشاحب خطوطًا سوداء.

بكت، ثم بكت صراخًا بلون الألم، كأنها أرادت أن تتقيّأ حمم الحزن المتراكم منذ سنين في بركان أعماقها... خيّم هدوء المستنقع لبرهة، ثم تنفّست الصعداء وراحت تلملمُ أشلاء قواها المتناثرة على شواطئ أحزانها. قرّرت أن تنتقم لأسر حبيبها.
خرجت ولون الغضب يختلط بالشوق في عينيها... من فمها تمتدُّ ألسنة الانتقام.
"لن أتوقّف حتى يُفكُّ أسري" صرخت الخطوط الأفقية في أعلى جبينها.

شرعت تحصد كل ما يصادف دربها... لا تعرف الشبع كأن لا بطن لها، وتُحَوّل جميع الألوان إلى لونها المفضّل... .
اشتمّت الريحُ أنفاسَها الخانقة، وحين خرجت إليها تداعبها لعلّها تمتصّ وجعها ، تحوّل غضبها الأسود إلى جنون أحمر.
أحذت تميل تارةً يمينًا وتارةً شمالاً، ثم تقفز نحو الأعلى كأنها راقصة.
لم تكن الريح المسكينة تدري أنها دخلت رقصة الموت مع الذئب الأحمر، حتى انحنت فوق جراحها النازفة ثم هوت أرضًا.

حين أيقنت النصر على الريح استفحلت، وراحت تغتصب بنات الأرض الخضراء، على صدر أمّهنَّ التي كانت في صيف عمرها اليابس.
سجدت تصلّي صلاة الفلاحين.... وصل الدعاء آذان السماء، فرقَّ قلبها من لحن الرجاء...
أمرت جيوشها بإطلاق سراح الأسير وأسر العناء.
نزل إليها دموعا تشهق بالغربة، ثم سكب على صدرها نهر حنينه، فتطاير دخان اللقاء صعودًا كأنه على موعد مع السماء. ضمّته التصاقًا والشوق الممزوج بنبيذ اللقاء يقطر من يديها...
بقيت تطوّقه بين ذراعيها، وهو يغمرها بقبلاته حتى انطفأ ظمأ جِمال الفراق في فؤادها..


"كما نشاء نعود إليك يا جيوش السماء،" قالا قبل أن يتلاشيا...

كرم زعرور
20/11/2011, 12:44 AM
.. صورة ٌالتقطها بحواسِّه ِ، وأبدعها بقلمه ِفنّانٌ مُبدعٌ ،

عذبة ُالصياغة ِ، خيوطُ سردها مُتماسكة ٌ ،

أخذتنا معها حتّى تحقَّقَ الحلمُ ، الّذي تأجَّجَ مثلَ نار ِالموقد ِ.

تحيّاتي ، وتصفيقُ إعجاب ٍبقدرتِكَ ،أخي الجميل د. نزيه .