المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قـارئ نـخـبـوي .. كـاتب نـخـبـوي



رامز النويصري
21/11/2011, 03:57 PM
قـارئ نـخـبـوي .. كـاتب نـخـبـوي



تشير الإحصائيات، أن مجموع ما يقرأه المواطن العربي هو ثلاث ورقات في العام، مقابل خمسة كتب للمواطن الغربي. لكن لو حاولت الحديث مع هذا المواطن العربي، فإنه ستجده على إحاطة بأمور السياسات العالمية وفكرة جيدة عن الاقتصاد، وأيضاً معرفة ببلاد العالم وعواصمها وأسماء أشهر المدن فيها، والشخصيات العالمية ونجوم السينما، ومعلومات عن ممالك الحيوان، ومناخات العالم وغاباتها وما تحوي من حياة، بل قد تجد من يناقشك في الأمور الدنية ويحفظ الكثير من الفتاوى وأسماء المشائخ والعلماء، بينما المواطن الغربي، لم يعرف أين تقع ليبيا ولا لون علمها1، ولا ما هو الوطن العربي. فكيف لهذا المواطن الذي لا يقرأ، ولا يعرف كيفية البحث في الموسوعات، والمعاجم، الحصول على هذا الكم من المعلومات؟.

الإجابة بسيطة، إنها رحلة تصال طويلة بدأت مع الراديو، واستراحت مع التلفزيون، واستطابت مع البث الفضائي. إذن فالأمر مرهون بالتلقي، فالمواطن العربي جُبل على عدم السعي وراء المعرفة، إنما تلقيها، والملاحظ إن المجتمعات العربية لازالت حتى اللحظة تعتمد على الوسيط الشفهي أو المشافهة بدل التوثيق المحبوس إلى الورق، وأيضاً، لازال الحفظ هو الطريقة المثلى في التعليم والدراسة، وهي الطريقة التي المثلى في بعض المجموعات لحفظ وتناقل موروثها ومنتوجها الثقافي من عادات وأشعار وحكايا من جيل لآخر تالي. الأمر الذي جد على نظرية المعرفة العربية الشعبية، التلقي لا البحث، هو استخدام النظر، إضافة للسان والأذن، كوسائل تلقي. وهذا ما يفسر ضعف مستوى القراءة عربياً، وعالمياً، تؤكد افحصائيات تراجع نسب قراءة الكتب والصحف والمجلات، أي تراجع نسبة قراءة المطبوعات واقتصارها عل كبار السن. وسأتوقف هنا مخافة الإطناب، والخروج عن المقصد.

مع نهاية القرن الماضي، بدأت شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) انتشارها بشكل موسع، خارج حدود الهيئات والإجهزة، وصار من السهل الحصول على اتصار بالشبكة من بيتك، ومع دخول الألفية الجديدة ارتفع عدد المواقع والصفحات الإلكترونية بشكل كبير جداً، وعرفت الشبكة تـنوعاً معرفياً يوافق أهواء وميول المتلقين على اختلاف ثقافاتهم ومرجعياتهم، وأود الإشارة، أني هنا لا أدخل مبدأ ثقافة الاختلاف، أو الاختلاف من أجل الاختلاف ضمن دائرة القراءة2. وهنا نقف أيضاً للدخول من مدخل آخر، أسميه المعادلة.

المعادلة التي أعتمدها تقول: إن القارئ النخبوي، أنتج كاتباً3 نخبوياً (وقد يكُونُه).
بداية، من هو القارئ النخبوي؟، وما هو؟، أو كيف هو؟. المقصود بالقارئ النخبوي، بأنه القارئ الذي يستخدم شبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) كمصدر للمعرفة، وكنتيجة، فإن كل متصفح للنت هو قارئ نخبوي بدرجةٍ مّا. وصفة النخبوية، هي سلوك الانتخاب الذي يعتمده المتصفح عند إبحاره في الشبكة، فهو يقوم بزيارة مجموعة من المواقع والصفحات والتفاعل معها، إذن فهو ينتخب ويختار لنفسه، ما يعتقد بأنه يزيد من ذخيرته المعرفية، والمتصفح المحترف يكون لنفسه ترتيب معين للمواقع الذي يداوم على زيارتها. هذا القارئ لا يمثل قيمة في عدد متصفحي الشبكة، وهو في ذاته لا يؤثر في زيادة هذا العدد، إنما عند اقتران عدد المتصفحون بموقعٍ بعينه، يكون لهذا القارئ التأثير الكبير، فهو إضافة في عدد زوار المنتدى فالرقم 1 الذي يمثله المتصفح، قد يغير من ترتيب الموقع في عدد زواره، وإن تجاوز المليون زائر. والمعنى، إن هذا القارئ وهو يقوم بعملية اختيار أو انتخاب موقع بعينه، عن قصد أو توجيه أو دعوة، فهو في ذات الوقت يقوم بانتخاب والدفع بالموقع الذي اختاره درجةً، ومن ناحية يفرض على الموقع تطوير أدائه لإبقاء هذا القارئ متواصلاً بشكلٍ مستمر، وهنا عليه –كموقع- اختيار وانتخاب الجيد، الموقع هنا هو الكاتب النخبوي في صفة الفرد الكاتب، أو المشرف، أو العضو المنشئ للمادة المعرفية.

ما يميز الشبكة عن وسائل الاتصالات الأخرى، القديمة والحديثة، بداية، هو دمجها لأكثر من وسيلة اتصال، واستيعابها للقوالب القديمة وتوفيرها للمتصفح، وثانياً –وهو الأهم-، هو التفاعل المباشر مع الموضوع من خلال الشبكة، الأمر الذي يرفع من مستوى التلقي الانتخابي، ليتجه المتلقي (أو المتصفح) للموقع (أو المواقع) التي تمكنه من التفاعل والاتصال. ومن ناحية أخرى، يحفز الكاتب على الارتقاء بمستوى ما يقدم من مادة، والاستجابة لتفاعل المتلقي، مشكلان فيما بينهما حواراً مفتوحاً لا يتحدد بمكان بعينه، ولا وقت، ولا اتصال لحظي، منتجين بذلك دائرة اتصال، تماثلها أخريات، هي مجموع ما استطاع الكاتب تكوينه.

وفي المسألة الإبداعية يكون هذا التكامل، هو الغاية لطرفي المعادلة، فالمبدع يقدم إنتاجه الإبداعي، ويسعي لجذب أكبر عدد من المتلقين. والمتلقي يبحث في هذه الشبكة مفتوحة الأفق، عما يشبع رغبته المعرفية، وحال سقوطه على ما يريد، يكون تفاعله قد بدأ بانتخابه لهذا المنتج الإبداعي وحضوره كزائر له (لوصلة الموقع)، قد ينقطع هذا التفاعل بنهاية القراءة أو المشاهدة أو الاستماع، وما يتبع عملية التلقي من بناء لصور وروئ وأفكار، وقد يكمل هذا المتلقي تفاعله من خلال التعليق، أو الإضافة أو الاختيار، وهذا المتلقي هو ما يعول عليه المبدع لاكتمال دائرة التلقي وتحقق الفائدة.



http://ramez-enwesri.com/wp-content/uploads/2011/11/%D8%AF%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AA% D9%84%D9%82%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D8%A7%D 8%B9%D9%84%D9%8A.jpg


فالنص هنا هو محور الاهتمام (التلقي)، وليس الكاتب، التي هو وإن كان في ذات الشبكة، إلا أن علاقته بالمتلقي، والذي ليس من الضروري معرفته، تتم عن طريق المنتج الإبداعي، وسيعكس التفاعل مستوى التلقي وتحققه. وليتحقق وجود المبدع على الشبكة لابد له من تطوير تقنياته وأدواته من أجل إنتاجٍ إبداعي مُنتخب، قادر على تحقيق أكثر من دائرة تلقي. وعلينا إدراك إن هذا المتلقي لن يكون منقطعاً لهذا المبدع (الموقع)، إنما هو على اتصال بأكثر من واحد، بالنتيجة، سيكون المتلقي واصلة (معرفية)، يمكن الوصول منها إلى بقية المواقع، أو أن يكون معرِّفا بها.



http://ramez-enwesri.com/wp-content/uploads/2011/11/%D8%AF%D8%A7%D8%A6%D8%B1%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AA% D9%84%D9%82%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%AA%D9%81%D8%A7%D 8%B9%D9%84%D9%8A1.jpg


المستقبل يؤكد إن الشبكة ستكون وسيط الاتصال المعرفي الوحيد بين البشر، بمعنى، أن المنتج الإبداعي سيكون الواجهة أو صورة الكاتب التي يتصل بها المتلقي، أما الكاتب فلن يكون أكثر من اسم مرفق، حفظاً لحقوق الملكية الفكرية، فهو والمتلقي طرفان يملكان ذات الأدوات للتواصل عبر الشبكة، المبدع ينشئ ويرسل، والمتلقي يتلقى ويتفاعل، وعلى هذا الطرف المنشئ، أن يكون قادراً على استقطاب أكثر قدر من المتلقين، وتكوين أكبر قدر من دوائر التفاعل (التلقي). والرهان لتجربتنا العربية هو مقدار وسرعة تقبلنا واستعلالنا لهذا الوسيط المعرفي الجديد، لإثبات وجودنا.
__________________
1- عندما كنت في بريطانيا للدراسة، وجدت إن الكثير من الإنجليز لا يعرفون ليبيا، ولا أين تقع. أما قصة العلم فقد جاء في مسابقة ثقافية، وخسر الفريق السؤال لأنهم لم يعرفوا أن ليبيا هي البلد الوحيد الذي علمه من لونٍ واحد.
2- يمكن مراجعة مقالتي (مع/ضد.. ثقافة الاختلاف) المنشور على موقع ليبيا اليوم.
3- لا تعني الكاتب هنا، المبدع، إنما صفة لمن يقوم على الكتابة سواء الإبداعية أو الكتابة في المواقع بصفة الإشراف أو العضوية.


نشر في صحيفة ميادين_ العدد: 27_ 15-11-2011

سعيد نويضي
21/11/2011, 08:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم ...

سلام الله على الأديب الفاضل رامز النويصري...

المواطن العربي يقرأ ثلاث ورقات على عجل...و له كل هذا الكم من المعلومات...يحدثك في كل شيء و يعرف كل شيء...بكل تأكيد له حياة ثانية غير المعروفة لذرية آدم...
حياته الثانية هي الإعلام...من كل مجال فكرة...و بالتالي هو موسوعة "عناوين" لا موسوعة أفكار و مناهج...رؤوس الأقلام التي لديه ليس إلا...الدليل هو الإنتاج...؟
فكل استهلاك يولد إنتاج و كل إنتاج يولد الاستهلاك بالمنطق البسيط جدا...
الغربي يقرأ خمس كتب...في مدة معينة ينتج له شيئا معينا...بالرغم من استماعه للراديو و مشاهدته البرامج و قراءته للصحف و الجرائد و هلم جرا...و لقد قلتها أيها الفاضل..."يقرأ ليعرف..." "و العرب لا تقرأ لأنها لا تريد أن تعرف...إلا من رحم ربي"و"لأنها مكتفية بما لديها" فلماذا وجع الرأس بالقراءة و حب المعرفة...فحب المعرفة يقتضي وجود بنية نقدية تتحكم في الخلفية الذهنية...في غياب بنية نقدية يظل البحث شيئا مرهقا و عصيا و بالتالي "اترك الهم لمن يعرف و اكتف بما لديك""فالذي يفهم يظل في الهم"...
و قد صدقت ايها الفاضل فطريقة الحفظ في التعليم لا يصنع فكرا نقديا و لا محاورا جيدا و لا سائلا مجديا...

المعادلة جميلة و رائعة لكن أعتقد أن فيها نوعا من "النخبوية" على اعتبار أنها تخاطب القارئ النخبوي...و أعتقد أن القارئ النخبوي هو القارئ الذي تعتبر القراءة و الكتابة من همومه اليومية...و بالتالي لديه قيم تختلف عن الإنسان أو القارئ العادي الذي لا زال في لم يصل إلى مرحلة النضج الفكري و الرشد العقلي...و بالتالي يستهلك من وقته على النت العديد من الساعات في الشات الفارغ المحتوى و المضموم و في اللعب على اختلاف أنواعه و أشكاله دون الحديث عن فترة المراهقة التي ليس لها توجيه يجعل من المعرفة و العلم و التوجيه الحق سبيلا للانفلات من التيه و من العبث بعواطف هذه و مشاعر ذاك...فالقارئ النخبوي الذي يستطيع بفعل التفاعل أن يصبح كاتبا إلى حد ما في عرف البعض و لا يكون في عرف البعض الآخر إلا متحذلق على الكتابة نسبته بالمقارنة مع المتعاطين للمواقع الجادة و ذات الصبغة العلمية باختلاف مشارب العلم و معارفها في العالم العربي أو بالنسبة للناطقين بلغة الضاد هي نسبة قليلة بالمقارنة مع باقي بني ذرية آدم...فالمعادلة لها نصيب من الصحة لكنها تحتاج إلى جهد كبير حتى تصبح عامة...فهي حقا نخبوية...
حقا هي شبكة النت قد أتاحت للكثير التعبير عن مكنوناتهم و التنفيس عن آراءهم...فمنهم من ارتقى و أصبح كاتبا و منهم من خفق نتيجة ظروف معينة إما بسبب غياب النقد الجاد أو لأسباب أخرى أو حتى العزوف عن الكتابة لظروف خاصة أو شيء من هذا القبيل...

تحيتي و تقديري...

رامز النويصري
22/11/2011, 06:48 AM
أستاذي الفاضل

أشكر قراءات الواعية للموضوع، وملاحظاتك القيمة


لك كل التحية