المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : متى يصبح العرب أهلاً للسلام؟!



جواد البشيتي
14/04/2007, 12:47 PM
متى يصبح العرب أهلاً للسلام؟!

جواد البشيتي

آخر ما قيل فلسطينيا (وعربيا) في شأن ما تُظْهِرَه وتؤكِّده إسرائيل ولا سيما حكومتها من مَيْل قوي إلى المحافظة على بقاء "أُفْق السلام" مسدودا حتى بعد إعادة الدول العربية، في قمة الرياض، تأكيد تمسكها بـ "مبادرة السلام العربية"، وبالسلام "خيارا استراتيجيا"، هو إنَّ كل الكرات، وليس كرة واحدة فحسب، هي الآن في الملعب الإسرائيلي، وإنَّ اولمرت، مع حكومته، أضعف من أن يتجاوب مع المبادرات الفلسطينية (الحكومة الائتلافية الجديدة وبرنامجها السياسي) والمبادرة العربية، ومبادرة تبادل الأسرى.

لقد قَبِلَ اولمرت والرئيس الفلسطيني محمود عباس اقتراح رايس أن يلتقيا مرَّة واحدة كل أسبوعين؛ وقد يَقْبَل رئيس الوزراء الإسرائيلي إجراء محادثات، تؤيِّدها إدارة الرئيس بوش، مع "مجموعة عمل (تتألَّف من مصر والأردن، ودولا عربية أخرى على وجه الاحتمال) تابعة للجامعة العربية"، توصُّلا إلى "إقناعه"، من خلال شرح وتوضيح بعض الأمور له، بأهمية أن يقف من المبادرة العربية موقفا فيه من الإيجابية ما يسمح باتِّخاذها مَدْخلا إلى تفاوض سياسي بين العرب وإسرائيل، أو مَوْضِعا له على ما نخشى.

على مضض، قَبِل اولمرت اقتراح الحل الوسط وهو أن يُطْلَق على محادثاته الدورية مع عباس اسم "محادثات الأفق السياسي"، فهو يرفض أن يبحث مع الفلسطينيين الآن، حيث "فتح" و"حماس" في ائتلاف حكومي واحد، قضايا الوضع النهائي الأكثر أهمية كمثل "الحدود"، و"القدس"، و"اللاجئين"، والتي يريد لها عباس أن تكون موضع تفاوض بدءا من الآن.

اولمرت، وإلى جانب المسائل الأمنية والإنسانية التي يحرص على أن يَسْتَنْفِد فيها طاقة وزمن التفاوض، يمكن أن يبحث في اجتماعاته الدورية مع عباس "الشكل (القانوني والاقتصادي والحكومي)" الذي يمكن أن تكون عليه الدولة الفلسطينية عند قيامها، وكأنَّ "محادثات الأفق السياسي" هي "محادثات الشكل الذي لا محتوى له"؛ وليس من شبيه لها سوى الاختلاف على اسم الصبي قبل مجيئه!

إنَّ ضيق الأفق السياسي والتفاوضي هو ما يَدْفَع إلى "محادثات الأفق السياسي"، التي يكفي أن يُنْبَذُ فيها "المحتوى"، أي تلك القضايا الثلاث، ويُسْتَنْفَد الوقت والجهد في الاختلاف (والاتفاق) على "شكل" الدولة عند قيامها، حتى تنتهي إلى عاقبتها الحتمية وهي مزيدٌ من الانسداد في الأفق السياسي.

مع الرئيس عباس سيبحث اولمرت كل شيء إلا "الحدود"، و"القدس"، و"اللاجئين"، أي أنه لن يبحث في أي شيء يمت بصلة إلى مقوِّمات وأسس السلام والحل النهائي؛ أمَّا مع "مجموعة العمل العربية" فسوف يبحث في "التطبيع الخالص"، شكلا ومحتوى، ضاربا صفحا عن كل الشروط والمطالب العربية التي تضمَّنتها "المبادرة".

إنَّ اولمرت، وإذا ما افترضنا أنَّه يريد السلام، ويرغب فيه، هو الآن أضعف من أن يقف ضدَّ إسرائيل القوية في رفضها الشروط والمطالب العربية والفلسطينية، والتي هي الحقوق العربية والفلسطينية في حدِّها الأدنى.

أمَّا العرب فلم يُفْضِ تمسكهم بالسلام خيارا استراتيجيا إلا إلى جَعْل كل الكرات في الملعب الإسرائيلي، وإلى جَعْل إسرائيل أشد مَيْلا إلى الاستمساك برفض الشروط والمطالب العربية والفلسطينية (على ضآلتها وتضاؤلها) خيارا استراتيجيا، وكأنَّ التزام الدول العربية للسلام خيارا استراتيجيا، والذي يشبه التزام الكاهن للصلاة في مواجهة صواعق السماء التي تنقض عليه، هو الذي جَعَل، ويَجْعَل، السلام هدفا بعيد، إن لم يكن مستحيل، المنال.

ونحن لا نرى، ولا نريد أن نرى، من مأساة السلام التي صنعناها بأيدينا إذ حَمَلْنا بها أغصان الزيتون فحسب، إلا وجهها الآخر وهو ما نسمِّيه "التعنُّت الإسرائيلي"؛ ويكفي أن يجتمع عَجْزِنا مع تعنُّتهم حتى يغدو التوصُّل إلى السلام معجزةً.

نَيْل السلام لن يكون بالتمني، فهو من الأشياء التي لا تؤخَذ إلا غلابا. لقد التزم العرب السلام مع إسرائيل خيارا استراتيجيا؛ ولكن متى؟ عندما فقدوا، أو أفقدوا أنفسهم، "القدْرتين" معاً.. القدرة على إقناع إسرائيل بأهمية وضرورة السلام، والقدرة على إكراهها عليه؛ وكيف لهم أن يقنعوها بمزاياه وهي تشعر، ويشعرونها، بأنَّ كثيرا من مزاياه يمكنها الحصول عليها حتى قبل أن تلبي شرطا أو مطلبا واحدا من شروط ومطالب "المبادرة"؟! وكيف لهم أن يكرهونها عليه وقد كرهوا امتلاك كل وسائل الإكراه؟!

العرب استمسكوا بالسلام خيارا استراتيجيا؛ ولكن في طريقة واحدة فحسب.. إنَّها خير طريقة لإغراء إسرائيل بنبذ سلام "الأرض في مقابل السلام"، ولحَمْلِها على شن مزيد من الحروب!