الرحلة الشاقة

[علي ابن الدين]

ـ في لحظة وُصفت بتمام اللذة ومنتهى النشوة؛ قُذفْت مِن قِِِِبل مَن سيُصبِحُ أباك؛ ثم خُضت سباقا طويلا و شاقا؛ فكنت ذاك الحُوين الذي فاز بإختراق يويضةٍ داخل رحم من قُدر لها أن تكون أمك؛ كي يتم بناؤك عضوا عضوا.ثم خرجت إلى الحياة ليبدأ عدك التنازلي.

ـ و في لحظة عُرفت بقمة الغُبن ؛انتهى عدك التنازلي؛ فسارع البشر يخترقون بك بويضة التراب المظلمة, كي يتم تهديم بنائك و تفكيك نسيجك.

ـ انتهى عدك بعد صراع طويل مع المرض,سبقته أيام بل سنون خضت خلالها غمار الحياة, منتشيا بفرحة انتصار حققته تارة ..و كئيبا محبطا تارة أخرى.

ـ تمرض... تسارع الى الطبيب فتُشفى, تضيق بك الدنيا فتخرج في فسحة لتروِح عن نفسك الكئيبة و المكبوتة ...إقترنت مع امرأة كي تتمتع بتلك اللحظة التي نُعِتت بكمال اللذة..و هكذا تكون أخر كما تكونت أنت.


ـ مع اقتراب اكتمال عدك التنازلي انتابك مرض قرر الاستيلاء على كيانك , صارعت .. حاولت البقاء, ..و لما يئست فكرت أن لا فائدة و أدركت أن عمرك محدود.

ـ حين يسكت عنك الألم تقول : أنا مائِت لا محالة اليوم او غدا...لكن لا تلبث أن تجد يديك تمتدان مرتجفتين واهنتين إلى الأدوية المتنوعة و المبثوثة حواليك تأخد من بعضها جرعات و تتطلع إلى السماء راجيا الخلاص.... ثم تعود هامسا إلى نفسك المدمرة : لماذا هذا الإصرار على البقاء, عشتُ حياتي بكل ما تيسر لي , ذقت حلوها و مرها, إذا ماذا عساني افعل أكثر مما فعلت إن مُددت حياتي...

ـ عندما وصل عدك التنازلي إلى الصفر شخصت عيناك إلى السقف فسارع المحيطون بك إلى إغماضهما...

ـ في زحمة الشارع الطويل الممتلئ بالسيارات و المكتظةُ أرصفتُه بالمارة يحاول صوت إختراق آذانِ, أصحابُها مشغولون عن عدهم التنازلي:"الجنازة يرحمكم الله......."