المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : آفاق التجربة الشعرية ومكوناتها الشكلية عند عزت الطيرى



عبدالجواد خفاجى
16/04/2007, 08:26 PM
آفاق التجربة الشعرية
ومكوناتها الشكلية
فى ديوان " سوسنة الخمسين " للشاعر عزت الطيرى


دراسة : عبدالجواد خفاجى
( 1 )


ربما أن الواقع الصادم أضحى مدعاة للتحليق فى عوالم رومانتيكية تظللها شفافية الروح ، ومثالية القيم .. إنها إشكالية الذات ضالعة الصبوة إلى اكتمال حلمها فى مساحة من الوئام الأبدى مع الوجود ، عندما تواجه عالمًا ضالع الخطر ، والعَسَف .. عالمًا يدبِّج الخوف والموت ، مدجحًا بالقسوة والتجهم والخطر ، بغير قلب يسير حاملاً حضاراته المغموسة فى الهمجية والدماء ، فى مقابل حضارة الروح الشاعرة التى تبحث عن حلمها فى المخملىِّ البعيد البعيد .
خمسون عامًا من عمر الذات وهى تبحث عن هذه المنطقة الخضراء فى رمضاء الواقع ، ومن ثم فلا غرو أن تردد : " كلاَّ .../ هل خمسون عامًا / من نضال الخوف تكفى ،/ كى أقيم حضارةً ، / لمواسم الصبواتِ ؟ ، / هل يكفى لأصنع موكبًا للورد ؟ " ( سوسنة الحمسين )
لهذا ... وفى ذات الوقت الذى تتداعى فيه الأمة العربية قطعة قطعة ، وسط قرقعات أحذية العسكريين المحتلين فوق ترابها ، بينما يغطى السماء العربية أزيز الطائرات القاصفة المعادية ، مختلطة بموجات الأثير التى تحمل مشاهد الدماء إلى كل العالم .. إنها من أقسى لحظات الأمة وأحرجها عبر تاريخها .. أقول فى ذات الوقت يطالعنا " عزت الطيرى " بديوانه الذى بين أيدينا ليقول : " وأصنع من قصاصات الجرائد / مركبًا ، ألقى به فى جدولٍ / يمضى إلى غاياته ، / وأقيم من صلصالِ طَفْلى مدفعًا / أصطاد عصفور الحنين / ولا حنين يحطُّ / أو يستاف زهرًا نائمًا .. ( سوسنة الحمسين ) لكأنه يتجاوز عن حصار الواقع المرير - بكل إحباطا ته - إلى التلهى الممض بصنع مراكب من أوراق الجرائد .. وماذا أمام الشاعر أن يفعله كإنسان وهب حياته لمشروع جمالى تقدَّم به إلى الحياة فى وقت تبارزه الحياة بكل هذا القبح علنًا ، منشورًا على صفحات الجرائد ؟! .. لكأنها – إذن – لحظة العجز النهائية أن تقبع الذات فى ركن قصىٍّ من الحياة ممارسة أسفها ، وحنينها إلى الذى لا يجئ ، لا تزال على براءتها وفطريتها ، تتلهى عن الشر باصطياد الحنين إلى لحظةٍ تتوازى فى نقاوتها مع نقاوة الطفولة التى تمارس التلهى بأشياء الطبيعة .
ربما لذلك لم يعد للاصطلاح القائم معنى ، ربما لسخفه لم يعد صالحًا - من وجهة نظر الذات الشاعرة - للتعبير عن معنى الحياة تعبيرًا حقيقيًّا ، ومن ثمَّ لم تعترف به ، وربما لهذا هى القصيدة / الاصطلاح القائم مستبعد ليحل محله اصطلاح السوسنة . وما دامت هى سوسنة الخمسين فلا شك أن هناك سوسنات الأربعين والثلاثين أو الستين والسبعين ، وعليه فالسوسنة ليست التعبير البديل عن القصيدة بقدر ما أنها المعادل الموضوعى للمشروع الجمالى للشاعر عبر مراحل تكونه وتشكله وتطوره .. تمامًا كما أن الجرائد هى المعادل الموضوعى لصورة العالم الحديث بكل شروره ومآسيه وتوجهاته الشريرة . وبقدر فرط هذه الصورة فى التبجح والمباهاة والذيوع بقدر ما تتوارى الذات – كرد فعل طبيعى – وتتلهى عن مظاهر الشر بمواصلة الغناء / الشعر / الحلم / التمنى / الهروب إلى العوالم الداخلية / السخرية / التذكر / التلهى – رغم الأسى – بالممكنات الجمالية فى الذات والطبيعة والمرأة المحبوبة التى لم تعد غير ذكرى لماضٍ جميل آفل .. الماضى – أيضًا – أمسى بكل ما عليه – خَزْنَةَ لآلئ الذات ، وعطرها الذى يحلو لها أن تمتاح منه شجاعة التجوال الشعرى فى عالم الحاضر المأساوى ، مرتضية هذا الهروب إلى عالم شجنىٍّ / حلمى ، ينفتح على سحرية الوجود وفطريته .. عالم يوتوبى ، مثالى إلى حد كبير ، تعيش فيه الذات وتتلمسه فى داخلها : " وأنا الحمام يبيض / فى شجر الغيوم / ولا غيوم سوى السراب اللانهائىِّ / الفسيح ، / أنا الجريح / ولا مراهم ترتجى ، / فى عطلة الأحد .. الصيادلة استكانوا / للنعاس ، نسوا تعاليم المسيح .. مشوا على ورد الجراح " ( سوسنة الخمسين ) . إذا كان الحمام من شأنه التحليق فإن من شأن الغيوم الزوال ، ومن ثم فلا بيض يبقى فوقه حتى تحين لحظة التفريخ .. هكذا تعلن الذات بشكل رامز لطيف عن عدم ثقتها فى إمكانية القبض على ممكنات جمالية فى الواقع ، ومن ثم تعلن أنها تجرى وراء سراب لا نهائى .. ومع هذا ليس أمامها غير التحليق مغادرةً هذا العالم الذى نسى تعاليم المسيح .. ولماذا المسيح تحديدًا ؟ إن مفردات : ( الأحد – تعاليم المسيح – الصيادلة ) تتضافر لتعطى دلالتها فى العالم الغربى الذى يتشدق بمفردات " الحرية – الديمقراطية – الإنسان – الأمن – التسامح – الـ........ " شعارات تحمل وهم العلاج إلى عالم يتم تخريبه عمدًا .. هم صيادلة العالم الذين تحولت كل أيامهم إلى عطلات يمارسون فيها التلذذ بالدماء والخراب .. إنه التعبد وفق منطق مخصوص بعيد عن جوهر رسالة المسيح ، ربما لهذا تتلهى الذات هى الأخرى بإقامة عالمها الجميل فى الخيال البديل للواقع .. تهرب إلى عالمها النورانىّ كأى صباح يطلُّ ويمضى منزاحًا ليبقى الظلام هو الصفحة السادرة : " وأنا الصباح إذا أطلَّ / وملّ / من بوح البلابل والعنادل ، والفواخت / وارتباكات الصغيرات الأرامل / من هدير أنوثة وئدت سريعًا / فارتخين على الأرائك ، / يستعدن / مواسم الأفراح / فى غرف الحنين .. " ( سوسنة الخمسين )
يبدو العالم الجميل البديل ذو بعدين أولهما يحدد إتجاه الذات فى ارتباطها بالطبيعة ، ومن ثم تحتفل النصوص بهذا الشغف بمفردات الطبيعة الساحرة وبالصور الواصفة ، وبالتعبيرات التى تعكس أو تشف عن عشق الطبيعة ، الأم الكبرى ، والصدر الجمالى الحنون الذى يهمى بموسيقى الوجود العذب ، ومشاهد الجمال الخلاب ، وفى هذا الصدد تبرز الأنثى كمكون جمالى مثالى ساحر يلون مشاهد الطبيعة بالفرح ويفجر فيها مناسبات الغناء والضحك. البعد الثانى لهذا العالم يحدد اتجاه الذات فى تراميها نحو الماضى حيث الصبا وبدايات تفتح الذات على الحياة ، ولم تكن قد وعت بَعدُ الواقع على علاَّته ، ومن ثم لم تكن تعى أو تستشعر غير جماليات الحياة فى نقاوتها وطراوتها .. وفى هذا الصدد كان اتجاه الذات وتراميها نحو الماضى مشفًّا عن توزع علاقتها فى اتجاهات ثلاث : 1- الذات فى ارتباطها بالأنثى باعتبارها مكونًا من مكونات الماضى الذى تفتحت الذات مبكرًا على سحريته ، وارتبطت معه بعلاقات عاطفية بريئة لا تزال تمارس سطوتها السحرية على مشاعره 2- الذات فى ارتباطها بالداخل .. حيث تتلمس بداخلها هذا الملكوت الفسيح الزاخر برغباته وأحلامه ، وبدايات اندهاشاته أمام روعة الوجود .
3- الذات فى علاقتها بمجموعة الأقران سواء فى فصول الدراسة أو الجامعة أو القرية والأماكن الأثيرة التى عاشت وتنقلت فيها .
هو عالم زاخر بالبراءة والوئام والحلم والأمان ، يعيش فيه الخراف مع الذئاب وتظل فيه " زينب " هانئة بغير مؤرقات ، هو عالم مشمول بالفن والورد ، وكأن الشر فيه قد انزاح أمام سطوة الجمال وروعته .. هذا العالم هو الذى بدأت به الذات حياتها البريئة : " أعدو للغناءِ ، وللحديقة ، متخمًا بطراوة الألوان ، / أرسم / ما يعنُّ / لريشتى / أمضى إلى تلك المجلاتِ القديمةِ / بالمقص ، أقصُّ وجه جميلةٍ / شقراءَ / ألصقه على صدرِ المحاربِ / كى يدندن غنوةً / يرتاح من باروده / وأقصُّ ذئبًا حافىّ القلبين ، يبكى جوعه اليومىّ / أدخله إلى بيت الخِراف / وأقصّ حلمًا ناعسًا ، يهمى على / أهداب زينب فى فصول الطالباتِ " ( سوسنة الخمسين )
لقد مضى هذا العالم الجميل ، وقد كشر الواقع على أنيابه ، واختلت كافة العلاقات التى ربطت بين الذات وعالمها : " خمسون عامًا / ياابن قريتك اللئيمة / ياابن نخلاتٍ عجاف ، أمطرت / أغرابها الأحباب بالبلح الطروبِ / وأطلقت سربًا من " الصِِّيصِ " العقيم / على خُطاك / لكى يضللكَ الجريد / لا وقت للأفراح / فى دَمِكَ السخىِّ / وتاه عن دمك الوريد !! " ( سوسنة الخمسين ) ومن ثم يحق أن يتساءل : " فَلِم انتظارك / كل هذا الليل ؟ " وما جدوى الانتظار إذن ؟
لقد مضى العلم الجميل ، وبقيت تجربة الذات مع الحياة ، وقد باعدت الحياة كثيرًا بين الذات وأحلامها ومرَّرت طعمَّها الحنظلىَّ إلى مسارب النفس ، ولم يبقَ غير الحزن ، والخوف ، الفراق ، الانقطاع ، الشعور بالغربة ، الحسرة ، الألم ، الندم ، كثير من الحلم الضائع ، قليل من الأمل ، الندم ، كثير من التساؤلات الحائرة ، والذكريات ، والتذكر الممزوج بالحنين إلى الماضى ولم يعد غير أن تتجرع الذات آلامها سواء النفسية أو البدنية : " فهل تُرى / تكفيك يا ولد البنفسج / فى قرى الآلامِ / خمسون ارتعاشة طائرٍ / خمسون من زهرٍ ومن ظهرٍ / ومن عصرٍ ومن وِرْدِ البكاء ...." وكذلك : " فما الذى أعطاك شِعرك / غيرَ / دمعك / غير ضغط الدم / والألم المعربد فى ضلوعك / وازدهار السُّكَّرىّ النهم / فى خمسَّ دمائك .." ( سوسنة الخمسين ) غير ما هنالك من مشاعر الخوف التى تستولى على الذات وتفزِّعها بشكل مطرد ، هو خوف قديم وليس طارئًا تربى مع الذات منذ بدأت تعى الواقع على علاته ، هو خوف يجبرها على الهروب : " يا ذاك الهاربُ / من وجع الأحلام / ومن نشرات الأنباءْ / مَنْذَا يُرْجِعك / لترجع / للأشياء / الأشياء / مَنْذَا .. / مَنْذَا ؟ " ( عودة الضال ) وقد يحق للذات التى تظل هاربة أن تتساءل : " إلى أين أذهبُ بى / أو سأشرح ما بى / والحدائق / أوصدت البابَ دونى ..." ( إلى أين أذهب ) .
لاشك إن تجربة مسَّيجة بالخوف والأحزان والهروب ، لاشك سيشملها الشعور بالثقل .. ليس لأن الحياة ثقيلة الوقع على الذات ، وليس لأن الواقع أضحى بليدًا مؤسفًا وصادمًا ، وليس لأن الحياة فرَّت من الذات وأورثتها كثيرًا من الإحباطات والآلام ، وليس لأن الحياة أضحت بلا معنى .. ليس كل هذا فحسب ، بل لأن الذات بمشروعها الجمالى وحلمها الرومانتيكى ، وآمالها المرتجاة أضحت تستشعر ثقلها هى كذات على واقع يراها عبئًا .. هكذا يمكن أن يصبح الجمال عبئًا فى واقع وقح يدهس هذا الجمال بجبلةٍ طاغية وطبع بليد متجبر ، يدهسه ويجتازه إلى حسِّية مفرطة لا ترقى إلى مستوى الحياة بمعناها الجمالى الذى تتلمسه الذات " مترعًا بالحزن / مزدحمًا كثيرًا / بالهجير المرِّ / حين أريد فيئًا / كلما اقتربتْ / زوارق غبطتى / من شطها المأمولِ / صار / الشطُّ ينأى / صرت عبئًا .....الخ " ( صرت عبئًا ) هل يبقى الندم غلافًا من أغلفة التجربة إذ تبدو الذات آسفة على ما اجترفته من غواية الشعر ... كيف يكون المشروع الجمالى مورثًا لكل هذه المشاعر النادمة ؟ !
لا شك أن الأمر محسوب رياضيًا : " لكل فعلٍ ردُّ فعل ، مساوٍ له فى القوة ، ومضاد له فى الاتجاه " فبقدر ما تتولد لدى الذات مشاعر إدانةِ الواقع الذى خَلَّف كل هذه الأحزان والمآسف ، وأجبر الذات على الفرار باتجاه الندم والتحسر والانزواء – كرد فعل – بقدر ما أنه الواقع قبيح بالفعل : " خمسونَ عاماً ، / يا صديق الشعرِ / والشعرُ الشرابُ المرُّ / فاكهة الحرامِ / حرام فاكهة الحلالِ ، / وما تهدَّج من مواويل السواقى ، / وابتهاج الليل بالديك الذى / ظنَّ الضياء بليلةِ البدرَ ابتداء / الفجر فاقترح الصلاة / وقام / يتبعه الحرير ..." ( سوسنة الخمسين)
إن توهُمَّ الديكِ بأن الضياء العارضَ فجرًا يبدو على المستوى العمقى هو توهمّ الذات الشاعرة نفسها التى ارتأت أن تؤذن فى مالطة ، بمشروعها الجمالى الذى يهفو إلى " الصلاة " بكل مدلولات الكلمة فى الصلة والحميمية والنورانية والوئام النفسى والهداية والانفتاح على المطلق الجمالى . هل كان الشعراء فوق الأرض – جميعًا - واهمون ؟ . لا شك أن الشاعر إذ يسكب ندمه يترامى بذكرياته إلى ماضى الحياة / الشعر عندما كان الإنسان يبتكر الشعر وكأنه يبتكر عذوبة أخرى للحياة : " فترنمى / يا أمَّنا الصحراء ، / وابتكرى المجاز العذب / واصطفِى الخرافةَ والمجال ، / ووجه ليلى / للذى ما عادَ يزكرُ / غير ليلى " ( سوسنة الخمسين ) . هكذا يبدو إيمان الشاعر بمشروعه الجمالى – رغم كل شىء – فهو لن يتخلى عن مشروعه ، واليقين لديه أن العلة ليست هاهنا فى الذات ومشروعها ، بل هى فى الواقع بماديته وجبلته التى تنحو نحو التملك والسطوة والسيطرة ، ولم يعد يعنيه هذا البعد الروحى والجمالى من الحياة .
وفى موازاة كاشفة بين موقف الذات من مشروعها ومدى مجافاة الواقع لهذا المشروع نقرأ : " والشعر / أطول من نخيل جامح ، إن ناطحَ / الغيم العجولَ / الثرَّ ، أقصر من قوام الخَس ِّ ، وأطرى من ندى وريقاته الخضراء ... " إلى أن يقول " هل بنيت بنايةً / ممشوقةَ الأركان / والبنيان ، / هل زركشت قامتها .. / أقمت على مداخلها / تماثيل الرخام الحرِّ / أطلقت النوافير الملونةَ / الجميلة ..." إلى أن يقول : " وجلبت حارسها ليعطيك التحية " ، لا شك أن شيئًا من هذا لم يحدث ، ولنا أن نتخيل الفارق بين الشعر الأقصر من قوام أتخس وبين البناية ممشوقة القوام ، لندرك الفارق بين نظرة الشاعر إلى مشروعه ، إذ يراه أطول من نخيل جامح وبين نظرة الواقع له إذ يراه أقصر من قوام الخسِّ بجانب البنايات الشاهقة / اهتمامات الواقع . ولا شك أن شيئًا من فيافئ الشعر لن تتحول إلى واقع أبدًا ومع ذلك تستمر الذات فى غواية الشعر ، لكأنه الاعتراف الكبير بغواية الشعر وضلاله بعيدًا عن الواقع الحقيقية : " هل أعدتَ غزالة الصحراء ليلى / من خيام قبيلةٍ / لقصور عشقك / هل ركضت وراء روعتها .... هل ضحكت وقلت لا للدوح ؟ .. " ( سوسنة الخمسين )
وهكذا تنتقل الذات عبر هذه القصيدة " سوسنة الخمسين " وغيرها عارضة رؤية بانورامية عن الذات فى خفائها وعلنها ، فى ماضيها وحاضرها ، ما تتمناه وما ضاع منها ، وما كان ، ... مشمولة أيضًا بفلسفتها التى ترى الأبعاد التحتيَّة فى الواقع والحياة والذات والشعر ، تحاول أن تغلف كل شئ بغلاف الآسى والأسف والتحسر ، وهى فلسفة لا شك تتجه نحو إدانة واقع ليس شعريًّا على الإطلاق يسعى إلى التهام الذات جسدًا ونفسًا ، فيما يبدو الآخرون منهمكون فى تملك الجمال وعلى طريقتهم الأخرى التى تهتم بالمجسد والمحسوس والملموس فيما يشكل الفراغ الخارجىَّ ، بينما يبقى الفراغ الداخلىُّ شاغرًا لديهم .. يظل شاغرًا من الممكنات الجمالية التى تخدم الروح .
هذا هو أفق التجربة الشعرية فى هذا الديوان بكل أبعادها الوجدانية والرؤيوية ، وهو ولا شك أفق يتزين بعناصر الطبيعة الجميلة والميل الجارف نحو الأنثى كمكون جمالى تهجُّ إليه الذات ، مثلما تهجُّ إلى الطبيعة ؛ لتمارس وجودها واتصالها المخصوص بالوجود من خلالهما ، ومن خلالهما فقط .
لدينا أعذب وأندى وأرقُّ الأوصاف للأنثى : " مزقْزِقَةٌ كالعنادل / ناعمة كالقطيفة / رائقة كالندى الساحلىِّ / وساحرة / كالأساطير / مترفة كشذى الياسمين " ( إلى أين أذهب ) .. ثمة تحليق شجنى فى عالمها ، واهتمام بأشيائها وأدواتها – كما نطالع فى نص " النسيان الجميل " – ثمة عناية خاصة بالأنثى تعكس قيمتها المخصوصة لدى الشاعر ، مما يبرزها كمحرك جمالى وسحرى أول ، فى حضورها وغيابها ، فى تجسدها على وجه الحقيقة ، أو فى تشكُّلها فى الحلم .. لم تجتزْ الأنثى وضعيتها كأنثى من لحمٍ ودمٍ إلى وضعية أخرى تأخذ فيها أبعادًا رمزية .. هى " زينب " زميلة الدراسة ، وهى " ليلى " زميلة الكلية ، وهى " منى " التى تعتلى إحدى القصائد ، وهى أية واحدة أخرى قابلها الشاعر وحركت كوامن نفسه ، لكنما - ورغم أنها لم تتجاوز وضعيتها هذه - تظل علاقة الذات بها مجتازة اعتيادية العلاقات الحسية ، أو الإعجاب الشكلى بها ، إلى أغوار خفية تبدو فيها الأنثى مجالاً للتحليق الجمالى ، ومجالاً لملامسة عوالم سحرية ذات طقس مدهش ، وبوابة لمعانقة المستحيل : " سافرت للبعيد / ولكنما عطرها ، يتقافز ، كالفرح الفاطمىِّ ، ويهمى / على / لفتات المكان ، / سافرت / وقيود محبتها / لم تزل فى معاصمنا / تتأرجح ، / تشعل فينا الحنين إلى الأسْر / توقظ أوهامنا / وتقود القوافل / والزورق المستحيل / إلى ضفَّة الأقحوان / تركت فى الخيال أشياءها .... الخ " ( آثرت أن تريح العصافير ) .

( 2 )


التساؤل النقدى يظل مشروعًا : كيف عبَّر " عزت الطيرى " عن تجربته .. وما موقع تجربته من مسيرة التطور الشعرى ؟
والحقيقة .. إن البحث عن العالم اليوتوبى ، وتلمس الطريق إليه فى الداخل الإنسانى ، والحنين الجارف إلى الماضى بما يحمله من ذكريات ، أو الحنين إلى الماضى الإنسانى ، بما يُعدُّ حنينًا إلى التاريخ العريق الذى يمتد خلفنا وغير ذلك من نظرة الامتعاض إلى الواقع ، والإحساس بعدم التحقق أو التواصل مع مادة هذا الواقع ، ومن ثم الفرار منه إلى الطبيعة ، والالتحام الحميم بالبيئة والمكان وملامسة الحلم والسباحة فى اليوتوبى كلما فرَّت الذات من واقعها ، والعكس تمامًا كلما لامست واقعها اكتست بالحزن والأسى والشعور بالأسف .. كل هذه الملامح على نحو ما تم رصدها على عجالة فيما سبق – هى فى حد ذاتها الملامح الرومانسية التى غلفت الفكر الإنسانى والفن حقبًا طوييلة كمذهب . وقد تجاوزت المذاهب الحداثية العاصرة بفلسفاتها هاتيك الرومانسية .. لكنما ومهما يكن الأمر صحيحًا ، فإننا يجب ألاَّ نثق فى " الحداثة " ثقة عمياء ، دون أن نكون قادرين على ممارسة نقدها .. الحداثة التى نجحت فى التجاوز عن المخزون القيمى والحضارى للإنسان إلى مساحة مسكونة بتأليه الذات الفرد التى تصنع عالمها ، وتموضعه على غير أساس مرجعى واقعى أو تاريخى ، ثمة نوع من الهروب من التاريخ الإنسانى وتراثه إلى تاريخية الذات الفردانية .. تاريخية منزلقة إلى ديمومة لا تريم عن تجاوز ما يمكن أن يتحول إلى تاريخ ، فيما يشبه الثورة على الماضى والواقع والطبيعة والإنسان ، ومن ثم يغيب فى هذا النموذج الإنسان كحضور مادى وروحى ، وكمقياس جمالى ، فيما يغيب تراث هذا الإنسان أيضًا بخلفياته المعرفية والثقافية والقيمية . إذا كان هذا ما تعنيه الحداثة ، فإن ما بعدها لا يعنى تطويرًا لها ، أو مرحلة تالية لها بقدر ما يعنى ثورة على ثورة الحداثة ، أو بالمعنى رِدَّةً عليها : عندما تبدأ التجربة بتلمس الماضى الإنسانى والتراث الإنسانى والداخل الإنسانى ، وعندما تبدأ من خلال المعطيات البلاغية والفنية بالاعتراف للحس السليم بإمكانية الوصول إلى الدلالة .. تجربة عزت الطيرى فى ديوانه هذا باحثة عن حقيقة الذات الضائعة ، وهى إذ تفعل ذلك إنما تبحث عن الحقيقة الغائبة فى هذا الوجود ، ومن ثم فهى تجربة تعترف بأن الحقيقة ليست موضوعًا مملوكًا رغم وجوده يقينًا ، أو بالمعنى الحقيقة هى الأفق الذى نتحرك عليه دون أن نمتلكه ، وهى تجربة وفى معرض بحثها عن الحقيقة تمارس فسحة الانفتاح على التاريخ ، لهذا هى تتآخى مع تراث الذات التى تبحث عنها / ومن ثم فحنينها إلى الماضى جزء من هذا التآخى ، ومن ثم لم تكن متعالية عن أدوات هذا الذى تحن إليه ، ولا عن مكتسباته الجمالية التى وفرتها الطبيعة ، أو تلك التى صنعها الإنسان على مدى تاريخه ، إنها تجربة تشد خلفها التاريخ الجمالى للطبيعة والإنسان ، وتمتاح منه شجاعة الاجتياز والبحث عن المساحة المثلى فى الحياة ، هى تجتاز إذن دون أن تتجاوز ، ومن ثم يمكننى أن أتوقف عند مكونات جمالية تعبيرية لها علاقتها بالتجربة فى آفاقها الرؤية والفلسفية وأولها الموسيقى .
والوسيقى ليست مكونًا من مكونات التعبير الشعرى فحسب بل هى مكون جمالى جمالى من مكونات الطبيعة نفسها ، والإنسان بطبيعته لم يتجاوز عنها بل حفل لها ، وهى مكون جمالى له تأثيرة فى النفس الإنسانية ، والشعرية العربية عبر مراحلها التاريخية لم تهمل الإيقاع الموسيقى كعنصر من عناصر الشاعرية . ومن ثم فإن تجربة كتجربة عزت الطيرى فى هذا الديوان لا يمكن أن تغفل عن هذا البعد الإيقاعى ليس بصفته حلية تجميلية فحسب ، بل لأنه جزء من المكون الجمالى للكون والوجود الإنسان ، وفى هذا ما يتفق مع الجزر الرؤيوى والفلسفى الذى يحكم التجربة ، وإن كنت أرى تعبيرًا من عينية : " لا يمكن أن تغفل .. " ليس كافيًا للتعبير عن احتفاء بالغ بالإيقاع فى هذا الديوان ، ولنا أن نرصد عناصر هذا الإيقاع ، ومكوناته فيما يلى :
أولاً : القياس الإيقاعى : وهو الاستسلام للتداعى الإيقاعى ليفرض بعض الأقيسة التى تتساوى كميًا فى إيقاعها .. ومن أمثلة ذلك كثير وشائع نلتقط منه - بشكل عابر - : " باذخة كالفجر / باذغة كالشمس " و " متشحًا بهواه / ومعتصمًا بنداه " ( رجل وامرأة ) و " يقولون ما يفعلون / وينفون ما يدعون " ( والمساء الحزين ) و " عند قدوم مواكبها الموسمية / بالفرْح والقمح / والقصْف والوصف / والحَبِّ .. " ( آثرت أن تريح العصافير )
ثانيًا : التكرار : وهو تكرار الكلمة الإيقاعية نفسها مرة أو أكثر بتكرار الدال أو المقطع الذى تتشكل فيه ، مثال ذلك : " تقتحم المشهد / تتهادى / نغمًا نغمًا " ( رجل وامرأة ) أو " فتغنى مبتئسًا / سيتزن / سيتزن " (إعلان سيتزن ) أو تكرار مادة لغوية معنية بكثرة فى بعض المقاطع من النصوص مثل تكرار مادة " عطر " فى المقطع التالى : " وموسيقى الرجل المتسربل / بدماه العطرية / مَن يوقظ عطره ؟ / رجل وامرأة / ومؤامرة / ودماء / كالعطر / تسيل " ( رجل وامرأة ) أو تكرار مقطع صوتى معين مثل تكرار المقطع " نا " خمس مرات والمقطع " سا ، صا " ثلاث مرات فى الفقرة التالية : " ويدى عاجزة عن : / أن ترتاد مواسم حِناء / لتصافح / أنسام الفرح الغائب / عن قريتنا / لتحط على أغصان محبتنا / وتداعب أوتار / الورد الناعس / فوق جفون / صبابتنا " ( يدى عاجزة ) أو تكرار الصيغة النحوية مثل تكرار صيغة " أفعل " فى المقطع التالى – " والشعر / أطول / من نخيل جامح / إن ناطح / الغيم / العجول / الثرَّ / أقصر من قوام الخَسّ ، / أطرى من ندى ورقاته / الخضراء ، / أصعب من كثير الصعب ، / أسهل من دماءِ / ضحية سقطت على رملٍ / ومادت " ( سوسنة الخمسين ) وقد يكون بتكرار الدوال والصيغة معًا مثلما نقرأ : " إن عشقوا / سكروا / وإن سكروا .. مكروا / وإن مكروا / عانقوا شجرًا للجنون " ( والمساء الحزين ).
ثالثًا : الحروفيّة : ولها علاقة بالتكرار على نحو ما سلف ولكنها تتم فى مقطع صوتى أقل يتشكل فى حرف بعينه يشبع فى الفقرة النصِّيَّة ، مثل شيوع حرف العين فى قوله : " مشيًا إلى / أول المعمعة / مَعْ / شَعْرك البايلى " (ليس معه ) . ومثل تكرار حرف " الثاء " ست مرات فى الفقرة التالية " إن عاثوا / فى الأرض حنانًا / عُثْ / إن بثوا لوعتهم / بُثْ / إن حثوا .. حُثْ " ( سيمفونية العشق )
رابعًا : التجنيس : ومنه الكامل والناقص ويتم باتفاق حروف الكلمات ويحدث فى القافية وفى غيرها . مثال ذلك : " فتدبر أحوالك / واستصغر أهوالك " ( سيمفونية العشق ) ومثال : " خمسون من زهرٍ ومن ظهر / ومن عصرٍ / ومن وِرْدِ البكاء / فما الذى أعطاه شِعرك / غير دمعك " .
خامسًا : التسجيع : وهو توالى المفردات ذات النهايات الموحدة بعيدًا عن التقفية ، مثل توالى التنوين فى : " تملأ أطبقًا / وتعد عشاءً / ولقاءً / وتموج بهمس / وعبير .. " ( الغريب ) أو مثل توالى التاء الساكنة فى : " والبناياتُ إذا أينعتْ / وعلتْ / وربتْ / ثم شَقَّتْ .. " ( والمساء الحزين )
سادسًا : التقفية : وقد اعتمد الشاعر على نظام تقفوى متضافر يعتمد على التباعد والتقارب ، ولاختلاف والاتفاق . والحقيقة إن دراسة القافية فى ديوان عزت الطيرى بحاجة إلى مبحث مستقل نتيجة لاتساعها وتنوعها وتضافرها واختلافها واتفاقها . ومن القصائد التى تتنوع فيها القافية إختلافًا واتفاقًا بشكل متبادل متضافر هى قصيدة " سيمفونية العشق " حيث الراء الساكنة فى بداية القصيدة يليها الكاف المفتوحة التى تحتضن فيما بينها قافية أخرى من الكاف الساكنة مع الاحتفاظ بحركة ثابتة قبل الكاف فى الحالتين هى الفتح فيما يسميه العروضيون " التوجيه " مثل " أحوالك – أهوالك – استلَّك ... الخ " والاحتفاظ بحرف ثابت بين ألف التأسيس والكاف فيما يسميه العروضيون " الدخيل " وقد كان ( اللام ) على نحو ما سبق ، وإن كان قد نوع فى هذا الدخيل فى ( خوفك – حديدك – فتاتِك ) ثم العودة إلى الراء الساكنة – مرة أخرى – مسبوقة بحركة دخيل ثابت " الكسر " مثل " يثرثِر – يكركِر ) أو الفتح مثل " تدبَّر – البربَر " ثم التحول إلى قافية السين الساكنة المسبوقة بالياء ( ردف ) مثل " عيس – بلقيس ...." ثم التحول إلى التاء الساكنة المسبوقة بحركة توجيه ثابتة تسبق الروى وهى " الضم " كما فى عُثْ – حُث .. " ثم التحول إلى السين الساكنة مرة أخرى بدون ردف كما فى " عِسْ – هُسْ – ابليسْ " ثم انتهاء القصيدة على قافية القاف الساكنة مع الالتزام باللام المتحركة قبل الردف كما فى " الأخلاق – الخلاَّق – الحلاَّق " .
الملاحظ فى قافية هذه القصيدة أنها جاءت مختلفة بالنظر إلى حرف الروى وحركته فمنها المقيدة ( ساكنة الروى ) والمفتوحة ( المتحركة الروى ) . كما جاءت مختلفة فى حروف الروى نفسه وإن كان ثمة اتفاق فى بعض القوافى التى كان يعود إليها مرة أخرى مثل الراء الساكنة والسين الساكنة ، كما أن هناك اختلافًا واتفاقًا بالنظر إلى مما قبل حرف الروى ، فمنها ما اعتمد على التأسيس ومنها ما لم يعتمد ، وبالنظر إلى حدود القافية نجد القافية المتواترة مثل ( يثـ ..رثر ه / ه ) ومنها المتداركة مثل ( أحو ..الكِ ه // ه ) ومنها المترادفة مثل ( بلقـ .. يس ه ه ) .
سابعًا : التفاعيل :لقد اعتمد الشاعر فى معظم القصائد على تفاعيل بعض البحور الصافية مثل : تفعيلة الكامل
فى القصائد : " صرت عبئًا – سوسنة الخمسين " وتفعيلة المتقارب فى : " ليس معه – إلى أين أذهب بى – مثلى – الجنة – ربيب البنفسج " وعلى تفعيلة المتدارك فى بقية الديوان ، وإن كانت ثمة قصائد اعتمد فيها على التداخل والتوالى بين تفعيلتى المتدارك والوافر مثل قصائده : " عطر – القصيرة – قصائد الأعمى – تأجيل – أبوفراس – الأسبوع " .
والملاحظ على الجانب التفعيلى أن الشاعر اعتمد على تفعيلة المتدارك بشكل مبالغ فيه ، والحقيقة أن تفعيلة هذا البحر أضحت مطية شعراء التفعيلة جميعهم ،وليس عزت الطيرى وحده ، وكذلك التداخل بين تفعيلتى الوافر والمتدارك أضحى مأنوسًا لدى جلِّ شعراء التفعيلة ، بيد أن عزت الطيرى هنا مارس على التفعيلة كافة أنواع الزحافات والعلل الممكنة ، وخاصة تفعيلة المتدارك بشكل مبالغ فيه أيضًا ، ولعل هذا ما جرح الإيقاع على نحو ما سنوضح .
فهو مارس على التفعيلة ما يسميه العروضيون الخبن ( حذف الثانى الساكن ) فأتت ( فَعَلُن ) ، ومارس القبض ( حذف الخامس الساكن ) فأتت ( فاعلُ ) ثم مارس الإضمار ( تسكين الثانى المتحرك ) على ( فَعَلُن ) فأتت ( فعْلن ) ، ثم مارس الخبل ( الطى والخبن معًا ) على التفعيلة فأتت على النحو التالى :
فاعلن ( / ه // ه ) خبن فَعَلُن ( ///ه ) طىّ فَعَلُ ( /// )
والحقيقة أن التوسع فى استخدام هذه التحايلات على تفعيلة هزيلة فى الأساس أدى إلى عدة إشكاليات ، أولها توالى المتحركات لخمسة أو ستة أو سبعة متحركات متتالية ، وذلك عندما تجتمع تفاعيل مخبولة متوالية أو مقبوضة مخبونة متوالية .
مثال ذلك كثير نسوق منه على سبيل المثال قوله فى بداية قصيدة " ارتقاء " وهى على تفعيلة المتدارك : " القرد يطالع فى أعلى الشجرة كتب التاريخ ونظريات نشوء الكون " والملاحظ هنا توالى سبعة حروف متحركة بداية من شين الشجرة وحتى باء كتب وخمسة متحركات بداية من خاء التاريخ وحتى راء نظريات . والحقيقة أن توالى المتحركات على هذا النحو ضد الإيقاع السريع لهذا البحر . أى أن الشاعر يتسبب فى تباطؤ شديد للإيقاع فيما هو سريع فى الأساس ، والعروضيون أطلقوا تسمية " دق الناقوس " على " فعْلن / ه / ه " لأنها أتت فى صورة دفقات سريعة متوالية " / ه " وهذه السرعة لا يناسبها أن يأتى بعدها سبعة متحركات متتالية أو حتى خمسة .


* * * * * *
أما وقد آثرت أن أنهى متوقفًا عند الموسيقى كمكون جمالى أساسى فى التعبير الشعرى ، وقد كان طاغيًا على المكونات الجمالية الأخرى ، إلا أننا بحاجة ما للتوقف عند تلك المكونات الجمالية الأخرى، لولا أن المسموح به كميًّا فى مثل هذه الدراسات لا يتناسب مع رغبتنا فى تغطية كافة العناصر التعبيرية ، إلا أنه يبقى الباب مفتوحًا لدراسة القاموس الشعرى فى هذه التجربة وانتمائه للقاموس الرومانتيكى بجملته ، كما أنه يجب الالتفات إلى الدوال وحقولها الدلالية فى انتمائها إلى الطبيعة والأنثى والعاطفة أو الشعور . كما أننا بحاجة إلى الالتفات إلى التناصات الكثيرة مع الموروث النصوصى سواء الحكم والأمثال أو الشعر أو الآيات القرآنية ، كما أننا برغبة ما للنظر فى التراكيب فى تشكلها عبر امتدادات النص الذى اعتمد على التدوير ، وعلى طريقة استولاد الجمل نحويًّا ودلاليًّا ، والى الصورة الشعرية فى تشكلها من دوال مألوفة تمامًا لتعطى من خلال التركيب صورًا مدهشة ، والى طبيعة تلك الصورة نفسها سواء أكانت رمزية أم إيحائية . والحقيقة أنها تجربة ثرية فنيًّا وغنية بأساليبها ووسائلها وبحاجة إلى الاستفاضة النقدية .
عبدالجواد خفاجى
e .m : khfajy58@yahoo.com