المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قتل الأب والنص المغامر. قراءة في تشكل القصة الومضة بالمغرب.*



مصطفى لغتيري
17/04/2007, 05:33 PM
قتل الأب والنص المغامر. قراءة في تشكل القصة الومضة بالمغرب.*
محمد رمصيص

إن تأطيرا تاريخيا لتطور أشكال القص يسعف على موقعة وموضعة القصة الومضة ضمن صيرورة تحولات كثيرة لحقت بنيتها وأساليبها وتيماتها..و يحديد الأرض التي تحركت ونمت عليها..فعندما نراجع ذاكرة الأجناس القصصية تحديدا يمتد بنا التفكير للمقامة ، فالمقالة القصصية، ثم القصة القصيرة، والقصة التجريبية، فالقصة الومضة..وهذا يعني أولا حداثة سن القصة الومضة. و ثانيا قلة تراكمها…هذا إذا تتبعنا خط تطورها الأفقي مع وجوب الإشارة لتنويعاتها العمودية حيث حملت تارة مسحة رمزية وتارة مسحة واقعية وأخرى عجائبية وما شابه.كتابة جديدة تراهن على لغة مكثفة ومشعة تلتقط المستجد والطارئ في المشاعر والسلوك والعلاقات البشرية، الشيء الذي يمنحها شرعية الانتساب لشجرة القص التجريبي..لكن هذا التأطير التاريخي يجعلنا نركن لاطمئنان زائف خاصة إذا تأملنا الأسئلة التالية ومنها:هل ظهور القصة الومضة جاء نتيجة احتياج محلي وشرط داخلي ؟أم أنها لا تعدو كونها نزعة ارادوية لتجديد الشكل تماشيا وأنماط الحكي بالغرب؟وهل حقا أن تكثيف وإيجاز القصة الومضة هو قوة بلاغية أو مجرد احتماء بالصمت عن قول ما يجب قوله؟ وهل التمرد الفني على النموذج وتحويل وفرة تقنيات القص القديم لنمط جديد يضفي بعض المشروعية على المبدع المغامر؟أم أن التعايش ممكن دون اللجوء للقتل الرمزي للماسبق؟وهل حقا أن الكتابة المضادة غايتها خرق التشابه والتماثل دون عنايتها بتقديم بديل مقنع قصصيا؟جملة من الأسئلة نطرحها للتأمل والتداول..لكن قبل ذلك أرى لزاما علي الوقوف عند تحديد المفهوم. 1-القصة الومضة:
إن تحديد المفهوم بقدر ما يؤسس لفعل تواصلي دقيق وقوة إجرائية لصياغة الحمولة الدلالية للمصطلح بقدر ما يعكس تمثل مستعمله..وهنا يطرح علينا السؤال التالي:لماذا القصة الومضة وليس القصة القصيرة جدا؟
-أولا: توصيف القصة بكونها قصيرة جدا هو توصيف معياري وخارجي يستمد مشروعية من خارج النص.أقصد أن وصفها بالقصر المكثف نابع من مقارنتها مع القصة القصيرة.
-ثانيا:تسميتها’’ بالقصيرة جدا ’’يسير عكس استراتيجية الحذف والتكثيف التي تتبناها القصة الومضة.فتسمية بهذا الطول’’القصة القصيرة جدا’’تبدو مفارقة وقصر الجنس الأدبي المراد وصفه.
-.ثالثا:القصر المفرط وحده غير كاف لانتساب هذا الحكي أو ذاك للقصة الومضة لأنه ملمحا ووصفا للشكل الخارجي مع إهمال المحتوى.وبالتالي نرى من الأليق تسميتها بالقصة الومضة لأنها تركز في ذات الآن على المحتوى كما الشكل ..علما أن الايماض خاصية تحيل على الإشراق المكثف في الزمان والمكان.
إن قصر هذا الجنس الأدبي ليس خاصية كمية بقدر ما هو خاصية جمالية.بمعنى أن اعتماده على التكثيف والحذف يجعله يترك وحدة الانطباع من جهة،ومن جهة ثانية يعوض قصره بامتدادات المعنى وتداعيات الدلالة من خلال جعل القارئ في قلب تشكيل دلالة النص وملأ بياضه وفراغه..لكن هذا يستدعي من القاص كذلك دقة انتقاء اللحظة القصصية واعتماد النهاية غير المتوقعة والمفاجئة..وبالتالي نهجه لكتابة مجازية تحيل ولا تصرح،ترمز ولا تقرر.نسق قصصي تجريبي يحرر المتلقي من سلطة النموذج لأنه يتخلص من الحدث إلى اللاحدث ويتخلى عن نمطية الشخصية ويخلخل زمن الحكي ..لكن هل يعني هذا أن القصة الومضة كفن سردي حديث يمثل مخرجا لأزمة الشكل المتصلب والنموذج القصصي الثابت؟وهل حقا أنها ليست جنسا لقيطا مادامت تمتلك جذور ومشروعية نظرية وإبداعية في القص العربي القديم..بحيث مافتئ النقد الأدبي القديم يردد مقولة ’’البلاغة في الإيجاز’’فضلا عن اعتبارها من طرف بعض النقاد المعاصرين تطويرا لفن الخبر ومواقف الضر فاء التي تجمع بين السخرية والمفارقة. وبأي معنى يمكننا الزعم أن القصة الومضة تؤسس لذائقة قصصية جديدة.هل لأنها تكثيف التكثيف؟أم لاعتمادها الرمز وجوبا لا اختيارا؟أم لركونها للغة شعرية تنهض على العلاقة المتوترة دلاليا بين المفردات؟أم لانزياح معنى مقولها المركز والذي لا يتأسس على دلالة غجرية وطيفية لا تلبث تغير محطتها مع كل قراءة جديدة؟إن اعتماد القصة الومضة لغة رشيقة يجعلها تحتكم للكلمة لا الجملة..والكلمة المشعة والشفافة تحديدا.ولهذا فهي تشبه قطعة الفسيفساء التي يمكننا |أن نرى من خلالها الزخرف كاملا .لكن شريطة امتلاك المتلقي القدر الكافي من الإدراك لجمالية الحذف والتكثيف فضلا عن مراس القاص في صوغ عوالم قصصية قادرة على الإيحاء والتلميح..صحيح أن الأصل في القص الحكائي هو الاستطراد والتوسع لكن القصة الومضة تبني رهانها الجمالي على أن الكتابة هي فن الحذف لا فن الإضافة.
2-بصدد بنية القصة الومضة:
نشدد بداية على أن الشكل نفسه موقفا فنيا، رؤية ومضمونا جمالي يراهن على حساسية تلقي خاصة ونمط تفكير معين وليد زمن فني حديث..علما أن شكل القصة الومضة حكائيا يرمي بنا خارج البناء الأرسطي للدراما:أقصد: بداية قمة فسقوط.. لسبب بسيط جدا هو أن القصة الومضة بدون بدايات في الغالب فهي تركز على النهاية ومن ثمة تشبيهها بالرصاصة والتي ينحصر هدفها الأساس في إصابة الهدف بكل طاقاتها الانفجارية.لكن هل يعني هذا أن الحجم في الفن كلما تكثف وقصر صار صنو العمق والثراء بالضرورة؟وهل في مقدور الجزء أن يعبر عن الكل؟أقصد هل تتوفق القصة الومضة في جعل الجزء المقتطع من صيرورة الحياة ينوب عنها؟علما أن كل قاص له كله الخاص:أي تصوره للذات والعالم والعلاقة بينهما.لكن التحدي المطروح على كاتب القصة الومضة هو :كيف يجعلني أصدق وأستشعر هذا الكل من خلال جزئية المحكي سيما والقصة الومضة تخلصت من أشكال القص التقليدية كبنية القص المتسلسل والمتناوب وما شابه وباتت تراهن على بنية التضمين واللغة الإيمائية وصار فعل القص لديها فعلا لازما وغير معني بمتى ولماذا وقع ما وقع.ومن ثمة ركونها للغة متأهبة يقضة فياضة بالمعاني والإيحاءات القادرة على خلق تيارات من الإشعاعات الدلالية.وبالتالي احتكامها للكتابة الشذرية المؤسسة على التقطيع السردي للحمة الحكي إلى وحدات مستقلة..تخلخل العلائق المنطقية بين الأشياء والوقائع..لنخلص إلى الاستنتاج التالي:القصة الومضة ليست شكلا ولا مساحة لغوية بقدر ما هي تقنية سردية رهانها الترميز لا التصريح والإبراق لا التقرير سندها في ذالك لغة تلغرافية.وعلى هامش هذا التوصيف لا تنفك أسئلة جديدة تلاحقنا مثل:ما هي دلالة تغير بنية وحجم القص؟هل هو تغير يحيل رأسا على تغير في شكل الحياة؟أقصد أن إيقاع الوجود الراهن الموسوم بالسرعة فرض على الحكي التكثيف والقصر؟ أم أن الأمر اختيار جمالي أملته شروط أخرى؟وإذا كان الأمر كذلك فهل هذا يعني أن النص الأدبي مجرد ذيل للواقع ولا يرقى لمستوى تبادل التأثير والتأثر بين هذين المكونين؟ نترك هذه الأسئلة مفتوحة تماما كما هي نهايات القصة الومضة.
3-بصد د محتوى القصة الومضة: إذا سلما مبدئيا بالتفاعل الجدلي بين الشكل الفني والواقع المادي في إطار جدلية الأدب والواقع.فان الهزات العنيفة التي مست المجتمع وجدت صداها في مرايا القصة الومضة .ونقصد بذلك أولا انهيار الأنظمة الشمولية وتنامي التطرف وتشتت المجتمع إلى بنيات أكثر انغلاقا!في ذات الآن الذي فرض علينا الزمن الرقمي نزعة فردا نية قاتلة إذ كل بهاتفه الخلوي الخاص وحاسوبه الشخصي وما شابه..فهذه التحولات المتلاحقة دفعت بهموم الذات إلى واجهة الحكي موازاة وتراجع القضايا القومية!وإجمالا يمكننا رصد أهم موضوعات/تيمات القصة الومضة لدى الجيل الجديد من كتابها بالمغرب’’ 1’’في:القلق، الغربة،العجز،العنف، التطرف،القمع ،الجنس ،الفقر…تيمات تعييد استثمار المداخل الوجودية للأدب كالضجر والعزلة والموت.مع التركيز على باطن الذات وتمزقاتها مما يجعلهم يعوضون توظيف العين كجهاز لاقط بالذاكرة كعين باطنية..فقط يجب التشديد على أن تفاعل النص بالواقع لا ينبغي اختزاله في الانعكاس الآلي الفج بقدر ما هو تأثير وتأثر مركب. فالتحولات التي تلحق بالواقع تستقر بالوعي الجمالي للمبدع ولا تلبث تجد لها شكلا فنيا.كما أن واقعنا المأزوم جراء الهزائم الحضارية والعسكرية المتتالية وتخلفنا موازاة و تقدم الآخر لا تعكس بشكل تقريري في تجاويف القصة الومضة فضلا عن واقع التهميش والإقصاء الذي مس مرافق الحياة جعل من المبدع يعلق آماله على دمقرطة الشأن العام ويمكن أن نجد لهذا معادل جمالي في مرايا النص المومضة: تعدد الأصوات وتنويع ضمائر الحكي للقول بأننا جميعا معنيين بالتحول والتلقي وبناء المعنى..كما أن الفردانية والعزلة والاستلاب الذي فرضه الزمن الافتراضي علينا يعكس بشكل فني في الشخصية القصصية التي تبدو و كأنها بلا إرادة في مواجهة هذا السيل العارم من المعارف التي تبدو أحيانا عاجزة عن التخلص من التبعية واسترداد وضعها الإنساني.وأعود في نهاية هذه الورقة لأختمها بتساؤلات مربكة كما بدأتها: -ما حدود وطبيعة المتعة التواصلية التي تحققها هذه الكبسولة القصصية؟ -وهل يسعف حجمها المتناهي في الصغر على استيعاب القضايا الإشكالية الكبرى؟
-وهل تستطيع القصة الومضة خلق حساسية وذائقة تلقي جديدة بتعايشها مع باقي أشكال القص أم بالتمرد عليها؟
تلكم كانت جملة من الانشغالات النظرية والجمالية التي أردنا تأملنا جماعيا قصد البحث لها عن أجوبة والتي ستبقى بالضرورة نسبية..
-*نص المداخلة التي تقدم بها الباحث في الصالون الأدبي بالدار البيضاء: محور القصة القصيرة جدا بالمغرب/ يومه14/4/2007
1-الجيل الجديد من كتاب القصة الومضة بالمغرب نقصد به سعيد منتسب جزيرة زرقاء/.عبد الله المتقي الكرسي الأزرق/لحسن برطال أبراج/حب على طريقة الكبار عز الدين الماعزي/ مصطفى لغتيري مظلة في قبر…