المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : جـــــــــــــــيران



سمير الفيل
27/09/2006, 11:14 PM
جـــــــــــــــيران [/COLOR


جعران مقدس

اشترت سميحة جعرانا مقدسا من حجر الصوان . جاءت به من الأقصر بعد أن تجولت في معبد " الكرنك " ، ووقفت تتأمل البحيرة المقدسة ، وتتطلع نحو المسلة الجرانيت الشاهقة التي هي بعلو مئذنتين .
قال لها الفتى النوبي الذي باعه إياها : ضعيه في صدرك ، وسيحفظك من كل شر.
ضحكت من كلامه ؛ فهي لا تستريح لمثل هذه الخرافات ، فما هو إلا حجر أصم لا فائدة منه غير أن يكون للزينة .
كان الجعران صغيرا ودقيقا وعليه نقش غائر بالهيلوغريفية ، وفي طرف منه ندبة صغيرة كالغمازة في خد حسناء .
بعد يومين من عودتها كانت تلبسه ، وفيما أمها تخطو بسبت الغسيل لتنشر الملابس المبتلة فوق السطح زلت قدمها ،وكُـسرت .
بعد يومين آخرين عاد أبوها الباشكاتب سليم محمولا على سواعد زملاء قلم الحسابات بعد أن أصيب بارتفاع ضغط دم جعله على شفا الموت .
فكرت في أن تتخلص من جعرانها المقدس ، لكنها رفضت أن تستسلم للجهل والأقاويل المريضة .
في سابع يوم ، وبينما كانت سميحة تسير في ممشى حديقة الأندلس تعرفت على سعيد ، وكان شابا وسيما يقول للقمر قم وأنا أجلس مطرحك . من أجلها استأجر قاربا صغيرا راح يحرك مجاديفه في دربة وتعود .
كانت نزهة العمر ورفقة لا تنسى . لم يعدها بالزواج ولا بأي شيء سوى بحب بريء طاهر بلاحدود.
لم تفهم معنى كلماته إلا عندما استسلمت لضوء القمر في نصف الشهر العربي ، فتعرت له وتدحرجت على حصيرة من " السمار " فوق سطح مكشوف لكنه أعلى من عمارات الجميع.
فراشة حرة تطير في كل اتجاه ، ووعود كنهر عسل مصفى لا ينفد ، أما يدها الطرية فقد استسلمت ليده الخشنة تماما .
بعد أن قبلها وقبلته ،وسرت بينهما نار صعب أن تنطفأ أخذوه في الليل الغطيس لأنه منفلت العيار ولا يحترم الحكومة ، يتكلم في السياسة ، ويدوس في " الحلل " ! .
بكت كثيرا ، وهي تتلمس الجعران الذي كان يحلو له أن يلمسه في مكمنه بين مفرق النهدين.
كانت أمها تعرف أن ابنتها واقعة في غرام الشاب الذي لم يغادر سجنه ، كلمتها ناصحة : فضيها سيرة .
طرق جارهم الشاب الأسطى يحيى السمكري بابهم ، ودخل دخولا شرعيا ومعه طاقم شربات ، وملبس محشو بالفسدق ،وقرطاس مليء بكل ما لذ وطاب من أنواع المكسرات . وضعه بأدب على منضدة السفرة المواجهة للصالون . زغردت أمه وهي تجس العروس ، وتتأمل تضاريسها من فوق وتحت .
قرأت الفاتحة ، وكانت سميحة طيلة الوقت ساهمة تفكر في ظلمة السجن ، في نزهة المركب الصغير ، في ضحكته التي تشبه بساتين المانجو .
بعد أن خرجوا جميعا . خلعت السلسلة المعدنية من عنقها ، نظرت بتمعن للجعران ، ثم ألقته بأقصى ما تستطيع من النافذة.



تونـــــــة.


" تونة " المقطوعة من شجرة عملتها في ساعة عصر. خرجت عن طوع عريسها ، وأقسمت أنها سترمي بنفسها من البلكونة إن لم يطلقها الآن ، وفورا.
دخل وراءها حجرة النوم وشدها من شعرها ، وهددها هو الآخر انه سيكون آخر يوم لها في البيت لو رفعت صوتها في الحارة .
الناس بصت ، وحبال الغسيل أبعدتها أيد لحوحة، ومن كانت تنقي الأرز تركت ما بيدها لتعرف سبب المشاجرة ، أما ثروت نجار المسلح فقد كان واقفا في البلكونة بالصدفة يدخن سيجارة في هواء ربنا.
تصله الأصوات المرتفعة ، والنحيب المتكتم ، وفي مواجهته تماما توجد بلوزة نبيتي مشجرة تحجب الرؤية وإيشارب مشغول بالقصب ، و" جونلة " سماوي فاتح من التويد .
سمع تونة تصرخ : لا أطيقك.
أتاه الرد الحاسم : لن أتركك يا فاسدة .
وبخ نفسه أن يسترق النظر ، وجاءت أمه تلومه . همست في أذنه : ضع في عينيك حصوة ملح وأغلق باب البلكونة.
كادت السيجارة تحرق يده وهو يخبرها أنه سينتهي من سيجارته ، ويدخل فورا.
في لحظة أن قرر الدخول بهر عيناه قبتان من نور مروع.
كشفت تونة صدرها تماما ، وهي تصرخ: أتركني.
صدر بض أبيض شاهق مشوب بحمرة خفيفة وزغب ناعم.
جرى العريس وغطى ببلوزتها ما انكشف.
كانت لحظة كونية رجت صاحب السيجارة من الأعماق فصرخ دمه في الشرايين ، ولم يدر بنفسه إلا وهو يتمتم : يا رب البشرية أغثني .
أعطى ثروت ظهره للمشهد كله بعد أن شعر بروحه تصعد إلى أعلى أعلى. كان الانكشاف تاما وهائلا .
حين خرجت إلى البلكونة لتستجير بأولاد الحلال كان هو الرجل الوحيد الموجود هناك فالكل في الورش أو الوظائف ، أما هو فراجع من سفر بعيد . جاب فيه بلاد اليونان .
طلقها الرجل ، وجاء الأعمام من بلد بعيد فشحنوا عفشها في لوري كبير، ولم يرها أحد منذ هذا اليوم.
بعد عام ونصف بالتمام والكمال جاءت عروس لتسكن في شقة أم ثروت ، لم تكن هناك زفة أو مزيكا . فقط زغرودة خجلى من الأم ، وكانت يد ثروت ترتجف وهو يكشف غطاء التل عن وجه تونة ، كي يقبلها بفرح طاغ.



[COLOR="Red"]عقد ماس .


انطلقت الزغاريد من بعد صلاة العشاء واستمرت ترن في الحي جمعة بحالها، ولم لا وعواطف السايح قد تقدم لها عريس قيمة وسيما ، ومعه المال بالكوم ، فهو مريش ولقطة .
العريس عاش في الرياض عشرين عاما ، منذ كان في الخامسة والعشرين ، ولم يفكر في الزواج لأنه كان يخطط لجني الثروة ، والربح في التجارة ، ومعلوم أن تسعة أعشار الرزق في التجارة الحلال الزلال.
فتحي قمصان أسمه ، ينتظره أبو العروسة في الشباك ، ويراه قادما في سيارة ضخمة مكيفة ، وبها مقاعد فخمة كمقاعد السينما القطيفة الحمراء.
يوم قدوم فتحي حسبوا له ألف حساب ، فلابد أن يكون البيت آخر روقان ، والعفش القديم يمكن تلميعه ، لكن المشكلة في كراسي السفرة لا تزيد عن أربعة ، والله يعلم كم شخصا سيأتي ليتناول الطعام ، يحلها من لا يغفل أو ينام.
تغلق عواطف الباب على نفسها حتى لا يدخل عليها أحد ، وهي تخلع ثوبا وترتدي آخر ، وبعد أن تغلق " سوستة " الفستان ، تتمشى في حجرتها وتلمح ظهرها في المرآة البلجيكي التي دخلت بها أمها من ربع قرن.
الكل يحسدها على العريس الأبهة ، وأمها تنقر الباب فتدير المفتاح في الثقب ثم تغلقه بسرعة ، وهي تنصحها أن تزيد الكحل ، وتضاعف " البنكيك" ، وتصبغ شفتيها بأحمر فاقع .عواطف تمانع مرة وتوافق مرة ، وسبحان من يهدي النفوس، ويجمع الطير على أليفه من سابع سماء .
أم عواطف ندرت أن الزيجة إن تمت فسيكون لسيدي البدوي قاروصة شمع وإطعام تسعة مساكين طعاما فيه الأرز واللحم ، والخضر نوعان.
زغدها زوجها بعد أن خرجت من الحجرة السحرية : إطلبي منها أن تخلص ، نريد أن ننتهي قبل أن " يفشكلها " أولاد الحرام
" اللهم صلي على النبي " شهقت أم العريس ، وهو بدوره لمّ كرشه الخارج من بنطلون مقلم بخطوط طولية لتزيده طولا . فشخ ضبه ، ومخط في منديل حريري أصفر : إحنا تحت أمركم .
بعد أن رنت الزغاريد المعتبرة دخلت العروس بالصينية الفضية المنقرشة التي اقترضوها من الجيران .كانت تخطو كأنها تتعلم المشي ، وانكسفت أن تنظر ناحية العريس الذي احمرت صلعته ، لكنه كأي عريس ابن حلال مؤدب ، وضع رأسه في الأرض ، ثم رفعها ، ورمقها بإعجاب وشوق : اتفضلي أقعدي.
أكلوا "البيتي فور" ، ولهطوا "الجاتوه "، ولما جاء دور المياه الغازية وقف فتحي واقترب من العروس المنتظرة ، ثم أخرج من جيبه عقدا رائعا يومض تحت أشعة المصابيح الكهربائية . قالت أم ثروت ، مزهوة بذوق ابنها : ماس من الأصلي وحياتك.
ابتسم العريس ،وأجهز على الصحن الموجود أمامه فارتفع كرشه بمقدار بوصتين.أما أم العروس فقد همست للأب المذهول من جمال العقد الماسي : ابنتك صبرت ونالت. ذرية طاهرة صالحة يا حاج.
كلام كثير قيل ، وكان العريس يبدو متأففا من بعض الذباب الذي دخل من النافذة ، فرح يهشه بصوت فيه احتجاج وتبرم .
قامت العروس متهادية كأنها تختروان لتعد العشاء فأقسمت أم ثروت أن هذا لن يكون ، فهي تعرف الأصول : " العزومة " بعد كتب الكتاب. لكنهم استغاثوا بالست الطاهرة أن يعملوا خاطرا لها فبقوا وأكلوا وتحلوا .
نامت البنت والفرحة تقلبها على الجانبين . فتحت عينيها لترى الكون أجمل . جرت العائلة كلها عليها حين صحت ، جسوا وقلبوا في قطع الماس التي رصع بها العقد . كان البريق قد خفت بسبب دخول الشمس، وليس يتحد الضدان .
لم تطق الأم صبرا ، لبست ثيابها على عجل ، وأخذت في طرفها العروس الجميلة ، وراحوا لسوق الصاغة ليثمنوا الصيد الثمين . وضع الجواهرجي العقد في كفه ، وركّب عدسته في محجر عينه الشمال ، ابتسم في استسلام ، هز رأسه : عقد حلو . لكن فصوصه عيرة .مجرد زجاج مشطوف !
ربتت الأم على كتفي ابنتها التي شهقت في حسرة : يأخذ حاجاته ويغور . والله لو أنه حط عشرين جنيها ما حزنت .
واستها الأم : العريس يا ابنتي طلع فالصو!




رغاوي صابون

كان باب الشقة مفتوحا ، وهي تجلس على كرسي الحمام أمام طست الغسيل ، موسعة ما بين ساقيها لتدعك الأساور والياقات . ثمة طيور تتهادى في سماء صافية تعرفها مع قدوم برمهات . هذا شهر يهمس في أذن البنات أن يتجملن فالرمان طاب واستوى . لكنها ليست بنتا على أية حال ، هي ست بيت وزوجة كاملة العقل والدين ، لذا تضع المؤشر على حديث الشيخ الشعراوي . وتستأنس بكلامه دون أن تفوتها شاردة أو واردة . زوجها راح الخليج بعد فترة قليلة من الزواج ، وهي وحيدة في شقة طويلة عريضة . تنتظر شقيقتها التي هبطت السلم لتحضر برشام صداع ، وتركت الباب مواربا فأتت ريح شرقية وسعت الفرجة قليلا قليلا ، وهي منهمكة في غسيلها .
نزل أخوها الذي يسكن معها هو الآخر من الفجر إلى عمله ، وهي تعيش في ظله وعلى حسه ، لكن الصداع جعل حالتها صعبة ومحزنة . صداع يبدأ من الرأس ويلف ليمسك العنق كطوق جهنمي مرهق . كانت تفكر في زواج لم يدم سوى شهرين قبل أن يتركها عروسا ليحسن دخله ، وطفل لم يأت بعد . حدثت نفسها : كله بأمر ربنا .
انتبهت ليلى ليد تجوس في شعرها . كانت أصابع خشنة وقصيرة ومقصوصة الأظفار . ليست يد أخيها الناعمة طويلة الأظافر ، ولا هي يد بعلها الذي لم يفعلها سوى مرتين ، وكان يكتفي بأشياء بديلة أكثر أهمية في نظره . وجمت للمفاجأة . ألقت نظرة على مقعد خيرزان خال في الصالة الواسعة . كان ظله مشبوحا بميل خفيف يميز شمس هذه الساعة . فزت ورغاوي الصابون تعلو معصميها . إلتفتت إليه مستنكرة فعلته . أما هو فقد كان مغمضا عينيه مستمرا في حلمه البعيد الذي لم يفق منه .
دفعته بقسوة : من أدخلك هنا؟
طلع صوته بصعوبة: أصل .. الشيطان شاطر .
لاحظت أن صدره يعلو ويهبط ، وحنجرته لاتسعفه بالكلام : البيوت لها حرمات .
أطرق في الأرض بنظرة جائعة : أعذريني يا ست ليلى .
وبخته بنبرة لا عاطفة فيها : أخرج بسرعة .
سوى شاربه القصير ، والتفت إليها مسترحما : هذه لك . من فضلك خذيها .
مد يده بوردة حمراء . كانت وردة جوري مضرجة بدم غزال مذبوح توا : لست محتاجة لوردتك هذه.
ثم انتزعتها من يده ، وبسرعة دفعته بيدها دفعة قوية فصار على العتبة . نظرت نحوه محتجة : وردتك سأمزقها مائة قطعة .
بالفعل امتدت يدها تقطع البتلات ،وتقذف بها في وجهه: لولا ملامة الناس لصرخت ، وفضحتك.
صعدت خطواته إلى بيت العائلة الأعلى بطابقين ، وبعد أن صارت وحدها خرجت فلمت أوراق الزهرة التي اختلطت بتراب ناعم ، وقربتها من صدرها ، ثم صفقت الباب في يأس مرير!





كتبت هذه النصوص مساء 24/ 9/ 2006.


* النص الأول بعد النصوص المفقودة بواتا ..

محمد فؤاد منصور
18/06/2007, 12:34 AM
الأخ العزيز سمير الفيل
مازلت أستغرب حالة الأهمال التى تعرضت لها بعض النصوص الممتازة فى هذا المنتدى فمرّت فى صمت حتى وصلت للصف الأخير دون تعليق من أحد لهذا آليت على نفسى أن أنتشل من النسيان نصاً أو نصين يومياً أضعهما تحت أبصار القراء والنقاد والمشرفين لعلى بذلك أؤسس تقليداً جديداً لايركز فقط على نصوص الصفحة الأولى.
نصوصك جميلة وأنت تكتب القصة التقليدية بتمكن وحرفية عالية ربما لايعيبها فى هذا المكان سوى طولها المفرط والذى ربما يكون السبب فى إنصراف القراء خاصة والقارئ يمل سريعاً الحملقة فى الشاشة لفترة طويلة.
جمال الحبكة ينافسه فيما أظن جمال إنتقاء التعبيرات الدارجة وتوظيفها بشكل ممتاز يجعل لكتاباتك عبق خاص وأسلوب فريد تتميز به وحدك وهذا فى ظنى قمة الإبداع. أهنئك ولك تحياتى.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية

سمير الفيل
21/06/2007, 02:37 PM
الأخ العزيز سمير الفيل
مازلت أستغرب حالة الأهمال التى تعرضت لها بعض النصوص الممتازة فى هذا المنتدى فمرّت فى صمت حتى وصلت للصف الأخير دون تعليق من أحد لهذا آليت على نفسى أن أنتشل من النسيان نصاً أو نصين يومياً أضعهما تحت أبصار القراء والنقاد والمشرفين لعلى بذلك أؤسس تقليداً جديداً لايركز فقط على نصوص الصفحة الأولى.
نصوصك جميلة وأنت تكتب القصة التقليدية بتمكن وحرفية عالية ربما لايعيبها فى هذا المكان سوى طولها المفرط والذى ربما يكون السبب فى إنصراف القراء خاصة والقارئ يمل سريعاً الحملقة فى الشاشة لفترة طويلة.
جمال الحبكة ينافسه فيما أظن جمال إنتقاء التعبيرات الدارجة وتوظيفها بشكل ممتاز يجعل لكتاباتك عبق خاص وأسلوب فريد تتميز به وحدك وهذا فى ظنى قمة الإبداع. أهنئك ولك تحياتى.
دكتور/ محمد فؤاد منصور
الأسكندرية


أهلا بالدكتور محمد فؤاد منصور ..

في فترة سابقة وقبل ان تتكاثر المشاغل عليّ
كنت اقوم بنفس الدورعن رضا وقناعة تامة ..
فادخل ليلا على النصوص في عدة منتديات..
.. واكتب رؤية نقدية مبسطة حول النصوص التي ارى ان لها قيمة.
لظروف متعددة تخليت عن هذا الدور.

أثمن ما تقوم به.
ويكفيني مرور قاريء متمكن يملك ذائقتك الرفيعة لتطيب نفسي ..
شكرا لروحك المحلقة..