المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : رؤية فلسفية في الحالة "السياسية" السورية



سامح عسكر
15/05/2012, 03:44 PM
بقلم/ عصام سلطان

رؤية فلسفية في الحالة "السياسية" السورية

ما تمر به سوريا يدعونا للنظر حيث اختلفت دوافع الثوار باختلاف ظروفهم وحجم تعرضهم للقمع، كذلك اختلفت النتائج الثورية عن ما بدأت به بنفس المؤثر السابق، فإذا سرنا في هذا السياق فالأوضاع مُرشحة إما للتصاعد وإما للهبوط، تصاعداً في حال بروز قوة المعارضة ونماء وسائلها نمواً تطويرياً..أي أنهم لجأوا إلى تطوير وسائلهم في ظل ثبات المطلب الرئيسي أو التخلي عن بعضه للموازنة ، وهبوطاً في حال نجاح النظام بشكل نهائي في قتل دافع الثورة بحصار وسائلها وإخمادها وبالتالي إعلان انتصاره بشكلِ نهائي.

أكثر ما يدعونا للنظر في الحالة السورية هي حالة الإستقطاب الإقليمي التي خلقت أضداداً وأنداداً في منطقة جغرافية ضيقة تُعد مُدخلا مهماً ما بين أوروبا وآسيا، ناهيك عن كون هذه المنطقة في عِداد المناطق المضطربة والتي تتعلق في أذهان الاوربيين بُقربها من إسرائيل، علاوة على كون هذه المنطقة تُشكل تحالفاً استراتيجياً يقف عائقا أمام أحلام الرجل الغربي بالسيطرة السياسية والإقتصادية على تلك المنطقة، لذلك ليس من البعيد أن يلجأ الرجل الغربي إلى وسائل أخري أكثر فاعلية في حين فشل وسائله وأدواته في الوقت الراهن، هذا لأن المنطقة لديه هدفاً استراتيجياً وليس كما يُخيّل للبعض عدم اهتمام الغرب لعدم توفر الثروة.

فالمنطقة غنية بوضعها الجغرافي والإقتصادي كونها مُدخلا هاما تمر به أكثر طُرق التجارة البرية والجوية بين الغرب والشرق، ولو أضفنا العراق ولبنان وبعد ذلك إيران فمن الجائز لدينا وجود منطقة قد تُعيق أي تداول تجاري فيما اللجوء إلى إرضاء الطُرق الأخرى كروسيا أو مصر، أو السيطرة على مداخل البحر الأحمر الجنوبية وهذا يستدعي السيطرة على دول القرن ابتداءاً، إذاً نحن أمام مُهمّة غربية شاقة، تستدعي إخضاع هذه المنطقة بالكامل للسيطرة أولاً، ثم حماية حليفهم الرئيسي إسرائيل ثانياً، وكون الماهية الصهيونية دينية أكثر من سياسية لدى العرب هذا يستدعي التفكير في فلسفة أخرى تحط من هذه الماهية وتستبدلها بماهية أخرى يكون فيها الصراع عربياً عربياً أو إسلامياً إسلامياً على أساس مذهبي طائفي، يحل محل الصراع القديم بين المسلمين والصهاينة.

أكثر ما يُقلقني في الوضع السوري هو ضعف الإنتماء الذي بدا واضحاً في الفترة الماضية بين صفوف الثوار، حتى أدى بهم هذا الضعف إلى طلب العون من أعدائهم الإفتراضيين، وطبقا لفكرة بدهية الصراع كوجود، فتحوّر ذلك الصراع من طريق لآخر مسألة في غاية الاهمية والخطورة، فهي لا تقف عند حدود حالة زمنية تنتهي عند أصحابها وهذا سبب من أسباب الإطمنئان لهذا التحوّر لديهم، بتوضيح أكثر فمن يتحول انتماءه في تلك اللحظة يعتقد بأن هذا التحول هو مسألة وقت وعند التخلص من الخصم سيعود كل شئ إلى مساره الطبيعي، وهذا غير صحيح لأسباب تتعلق ببدهية عدم السيطرة على النفس أو المِلكية العامة لتصرفاتنا، فالثابت أننا جميعا مِلكٌ لدوافعنا وحدود معلوماتنا ورغباتنا وطمعنا وغضبنا، فلا سيطرة على النفس دون تقييد هذه النزعات والحالات بقيد العقل والحكمة ، لذلك فتحوّر الإنتماء في أصله يخلق صراعاً على المستوي الفكري ، بمعنى أن هذا الوضع سيخلق مشكلة لدى الأجيال المتعاقبة حتى لو انتهى الوضع إلى ما يريد ذلك المتحوّل.

فمادة الصراع أو موضوعه شرطه وجود الحد والمحدود، وإن عَدّم الحد والمحدود فلا صراع، فذوبان الحدود في ذاته إفناءٌ للصراع، ووجود دافع التحول كموجود يلزمه التحرير في حال لو أراد أحدهما إنهاء الصراع، لذلك لا أطمئن لسياسة طرف بتصرفه يخلق صراعاً لا يُسيطر فيه على حدوده ، خاصة لو كان غير متكافئ، حينها كالذي ألقى بيديه إلى التهلكة فلا هو تحصّلَ على النصر ولو هو أقدم على المراجعة كي يُنهي صراعاً ليس في صالحه، جائز أن تكون تلك المشكلة هي إجلاء لفكرة فاسدة عن الأنا والآخر، وأظن أن هذا متحقق بقوة في الحالة السورية، فالحكومة لديها مُشكلة مع الآخر وتأخرها في إجراء الإصلاحات دليل، والمعارضة أيضا لديها أيضا مشكلة من الآخر والإحتقان الطائفي التي تمر به المنطقة دليل، ولو ألقوا باللائمة على الآخر فكيف نفسر تقاعس القائمين على الثورة في سوريا وخارجها من ثوار ومؤيدين عن شرح أبعاد الموضوع دون التعرض للطائفة والمذهب.

إن بقاء الصراع بتمدد النزعة الطائفية دون تحصيل النصر الذي يُمكن القائمين على الضبط هو إدانة حقيقية لعِلّة الحال، فلو افترضنا أن الثورة عِلّة والنزعة الطائفية معلول فالثورة مُدانة، وعلى جانب آخر لو افترضنا أن سياسة الحكومة عِلّة والنزعة معلول فالحكومة مُدانة، ولكن يبقى السؤال ما هي رُتبة النزعة قبل وبعد، فلو افترضنا أن الرُتبة بعد قيام الثورة اعلى وأعظم فهذه إدانة أكثر للثورة من الحكومة، وأظن أن ذلك متحقق وهذا سبب من أسباب نقدى للمعارضة في الشهور الأخيرة كونها تسببت في إعلاء نزعة عدوانية يضعف بها الإنتماء للوطن لصالح الدين والمذهب.

سامح عسكر
15/05/2012, 08:59 PM
رؤية فلسفية في الحالة "السياسية" السورية

الوعي الثوري المعزول

الحالة السورية الراهنة جامدة على صورة أقرب إلى الوهم الثوري منها إلى ثورة حقيقية، ففكرة بقاء الثورة تعني تواصل الضغوط السياسية والشعبية والإقتصادية والإدارية، بحيث تُجبر الحكومة على الإعلان عن فشل أي تصرف إداري يخص الدولة،حين نسمع عن تنظيم حكومة دمشق لاستفتاء دستوري يليه بعِدّة أشهر انتخابات تشريعية في ظل تواصل عمل كافة أجهزة الدولة بما فيها اللقاءات الرياضية وكأن شيئا لم يكن فهذا يعني أن الدولة تسير بشكل طبيعي وأن لا وجود لمؤثر حقيقي على أدائها العام في كافة المجالات بما فيها المجال الخدمي والذي يُعدّ من أهم المجالات التي تصل المواطن بالدولة..

ومع ذلك أرى نشاطاً غير عاديا في العمل الثوري وكأن المسألة ليست وهماً بل حقيقية وأن الحكومة السورية سقطت فعلياً وأن المعارضة المسلحة سيطرت على كافة الأنحاء..وأن الرئيس غادر العاصمة إلى منفاه وأن المجلس الوطني في صدد بحث كيفية العودة بعد تهيئة الاوضاع على الأرض..مشهد متناقض أُجزم بأن الذي يرى هذا المشهد لأول مرة سيحتار وربما يضرب كفاً على كف من فرط استغرابه لما يحدث..رؤيتي لهذا المشهد تدور في فكرة وجود العمل المُنظّم من جانب الثوار، والذين يسيرون بخُطط مرحلية لا تنظر للمتغيرات أكثر من الثوابت والمبادئ وهذا في حد ذاته خطر، إذا يُذكرنا ذلك بصحّاف العراق المشهور، وربما كانت فكرة هؤلاء تدور في بقاء أوضاع معينة في الإعلام وعلى الأرض لا تخضع لألاعيب السياسيين.

البحث الفلسفي لهذه الحالة لابد وأن يُعالج مسألة الحالة ابتداءاً وهل هذه الحالة قابلة للتمدد أم للإنكماش،لو كانت قابلة للتمدد يعني أنها تتعاظم بداوفع أهمها هوى الإنسان، وهنا قد يمكر العقل مكراً يحيل على المتابع رصده حتى الشخص نفسه، وقد يستسلم هذا الشخص لهواه وهو يعتقد أن ما يمر به هو حقيقة مُجردة يعترف بها الكافة ولا يُنكرها سوى الشاذون وحلفاء إبليس،وإذ به في غمرة ذلك يُفاجأ بواقع مرير على غرار ما تلقفه الصحّاف من شُهرة عالمية باتت حالته محل بحث لكبار الفلاسفة وعلماء النفس، هو يرى هذا النموذج وفي ذات الوقت يظن أن حالته بعيدة تماما عن القضية برمتها، وأمان المرصود دلالة على إمكانية الإصابة، فهو في عددا النائمين والنائم في العادة يخضع لإرادة الآخر لو أراد نقله من مكانه لَفَعل، ولو أراد قتله ايضا لَفَعل دون مقاومة، هو في المحصلة نائم، وهذه الفلسفة التي ترصد مكر العقل الناتج لنوم العمل الثوري بأدواته أظنها متحققة وبشكل كبير ليس في سوريا فقط بل في العديد من المناطق المشتعلة في العالم.

إن ما يتمثل للثوري في هذا الوقت لا يعدو كونه إلا تفكيراً نظريا في إطار مُمتلئ بالبراجماتية وأحياناً الميكافيللية التبريرية، والدليل أنه لن يتحرج من تجاوز ما آمن به في الماضي ودعا له، وهذه أولى بدايات الإنهيار، إنه الإنهيار القِيَمي أو حصر الطموح في مجموعة مطالب ملأت العقل والضمير حتى أنها لم تعد تُوجد فراغاً لأي مطالب أخري،حتى أن ميكافيللي إن جاز لنا قياس فكرة الثوري بفكرته فهو مظلوم إذ ربط فكرته الإنتفاعية التبريرية بتمثيل دور الخير حين استشعار الخطر، وهنا الفارق الأهم بين العمل الثوري في سوريا والذي يركن في الغالب لردود أفعال الآخرين دون الإهتمام بتقوية النفس بعيداً عن فكرة الصراع البدني وبين أفكار ميكافيللي التي تتيح له تحصيل المنافع في بيئة ليست أخلاقية ومليئة بالتمرد على الواقع ونظام الدولة.

في المقابل فإن حكومة دمشق تظاهرت بالخير حتى في ظل وأوج قوتها لم تتساهل في هذا الأمر، فهي صورة عامة ستنطبع لدى المتابع النزيه الخالي من الأيدلوجيا، وهذا الأمر هو سر خطير في قيام كثير من المثقفين بنقد المعارضة وأعمالها في ظل نقدهم للحكومة، وهذه فلسفة مقصودة، أن نقد الحكومة في ذاته لا يهم، ولكن نقد الثوار هو نقد لنزعتهم ووسائلهم وهو عملية تحرير عملية لواقع مُعقد لم يرصده أكثر المثقفين الذين يتغنون في الإعلام بالحرية والديمقراطية والمساواه وحقوق الشعوب مما يصب في النهاية لصالح الحكومة، وأن القوة حين تفرض نفسها فستتغير المفاهيم قسراً.

سامح عسكر
16/05/2012, 11:13 PM
رؤية فلسفية في الحالة "السياسية" السورية

المجتمع الفوضوي (1-3)

يقول بوينكر في تعريفه لنظرية الفوضى" هى دراسة نوعيّة للسلوكيات الغير منتظمة والغير مستقرة في انظمة حتميّة لاخطّيةّ وديناميكية"..وطِبقاً لهذا التعريف فالفوضى إن صحّ وجودها كحالة في سوريا لا تستلزم ثباتاً مجتمعياً يواجه الفوضي وأدواتها كي يصح لنا نفي حالة الفوضى بوجود أي جهد مبذول ومقاوم، فقد يكون المجتمع متحركا ديناميكياً وحتمياً مُنظماً ورغم ذلك يسؤه السلوك الغير مستقل والغير منظم فينقلب إلى مجتمع فوضوى فيما لم يواجه هذه المسألة بحالة رصد ثم علاج بوينكر القائل"، لكى تتنبّأ بالحالة المقبلة للمنظمة واقرب للحقيقة ، تحتاج أن تعرف الحالات الأوّليّة بدقة واللانهائيّة ، بمجرد ازدياد الاخطاء بسرعة حتى الخطا الطفيف"..بهذا يرى بوينكر حسب نظريته الرياضية ضرورة رصد كافة العِلل للحالة الفوضوية حتى لا يترك ولو الخطأ الطفيف والذي في مضمونه قد يكون علة وحالة أولية يجب دراستها وهذا هو الشاهد.

من هذا المُدخل أرى أن الحالة السياسية في سوريا لا تخلو من الفوضى بدلالة رصد سلوكيات عِدّة غير منظمة أدت إلى وجود مجتمع غير مستقر، وما علاقة المجتمع باستقراره عند إحدى طرفي الصراع إذ يُحمّل كلٍ منهما الآخر المسئولية، فالمجتمع في تصورهما لا يعبر إلا عن الأنا وحقيقة وجوده كحق أصيل في خيرات الوطن وكافة حقوقه وامتيازاته، فلابد أولاً كي نعالج هذه الحالة علينا برصد وتعيين مُقدمات ما حدث واستخلاص العِلل كي نرى الحل بوضوح بدون تحيز، فالحالة الثورية بشكل عام لا تعبر إلا عن طرفين متصارعين يرى كل منهما الدولة في ذاته بمشروعية القوة وليس بمشروعية الحق، فالدولة تستمد شرعيتها من الحق وليس من القوة بدلالة تشريعاتها المُلزمة، وطالما كل طرف لا يلزمه التشريع حينئذ لا ينبغي إلغاء الدولة، وأن القوي هو الدولة لحين أقرب الأجلين، إما امتلاك القوة للتغيير من مبدأ سلامُ يحميه القوة، أو توسط ذوي العقل والسيطرة لتحكيم الحق في صورة التشريع.

في الحالة السورية أرى أن كلا الطرفين يتحقق فيهما تجاوز الحق"التشريع"..ومع ذلك فثبوت قوة أحدهما وتمكنه بفرض التشريع ثابت بدلالة ما قلناه في السابق بوجود دولة تعمل بأريحية، أيضا يبدو لنا طرفاً ثالثا قد يؤثر على الحالة ونقلها من صراع مشروعية إلى صراع قوة، فالرئيس السوري لديه كاريزما مؤثرة على أتباعه، وليس هذا فقط بل تعدت هذه الكاريزما إلى معارضي الثوره ضده إلى خارج الحدود، ومن هنا نضيف عُنصرا ثالثا قد يفصل قصة مشروعية الدولة فيما لو لم يُقصي أي منهما الآخر بأي وسيلة، نضيف أن ثبوت الكاريزما قد يسوغ للطرف تجاوز القوانين"الحق" ليقينه بقوته الثلاثية"الكاريزما-الشعب-الجيش"..فيما لو لم يُحسن الطرف الثائر التعامل مع تلك المُعضلة الثلاثية فسيؤدي به في النهاية إلى إما كسر هيبة الدولة في أنفسهم وهذا ما أشرنا إليه سابقا بمشكلة الإنتماء، أو الخضوع للحق"التشريع" من وجه موازنة المصالح والمفاسد لضمان على الأقل عدم إلحاق الضرر بالآخرين والحفاظ على ما تبقى من هيبة الدولة فيما لو تغير الوضع مستقبلاً لأي نتيجة يرتضيها الثوار.

سامح عسكر
17/05/2012, 01:33 PM
رؤية فلسفية في الحالة "السياسية" السورية

المجتمع الفوضوي (2-3)

استكمالاً لرصد الحالة الأولية التي أشار إليها بوينكر لابد لنا من العروج على دور مشايخ التحشيد في الأزمة السورية كدور صانع للحدث، فدور رجال الدين في الأزمة حاضر وبقوة، يُذكرني ذلك بالحروب الدينية التي سادت منطقة الشرق الأوسط خلال الحروب الصليبية، أو تلك الحروب الدينية التي سادت أوروبا في العصور الوسطى، جميعها تُعبّر عن أزمة دينية وثقافية يعاني منها أطراف الصراع، الحالة السورية هي جزء من حالة إقليمية وثقافية عامة اتسمت بالإحتقان المذهبي قبيل الثورة، فمن الطبيعي أن تأتي الثورة السورية كضارب على هذا الوتر لحساسية المجتمع السوري الدينية ولطبيعة الإقليم لنفس السبب.

الرؤية الدينية داخل أي صراع لا تخلو من ضرورة الدعوة للولاية العامة، ولكنها ولاية يشوبها الجبر لحصر الرؤية الدينية في التميز"الذاتي" الديني، وبما أن الحالة السورية هي جزء من احتقان مذهبي على مر سنوات عديدة قبل اندلاع الأزمة فمن الطبيعي أن تأتي الحالة السورية معبرة عن الرؤية الدينية التي تختال مشايخ التحشيد ،وقد تأتي أهلية المجتمع لقبول تلك النزعة الإقصائية عامل مساعد في التأجيج، فأنا أرى أن المجتمع السوري وبلاد الشام عامةً تعاني من ثقافة الإقصاء والتهميش لعوامل أكثرها تخص التنوع الديني والأيدلوجي والموقف منه، كذلك لدور الخطاب الديني المعاصر و"المُنحطّ" في تكريس أزمة الآخر بعدما كان المسلمون في صدر الإسلام أول من ضربوا أمثلة حيّة على القبول والسماحة وتكريس الحقوق والواجبات كأصول مقدسة لا يمكن تجاوزها.

في ظل هذه الحالة فإن دور مشايخ التحشيد يُعد دوراً صانعاً للحدث، وهو جزء من صناعة المجتمع الفوضوي القائم على التمييز والتهميش وشيوع المظالم،ومسألة رصده لم تعد محل نقاش بعدما سادت في الفترة الأخيرة فتاوى التكفير والقتل في حق الحكومة السورية، ولو أن مشايخ التحشيد آثروا أن يكونوا جزءاً من الصراع لكان أفضل، فإلباس القضية لباساً دينيا يُفيد إحدى الأطراف التي تنأى بنفسها عن هذا الخطاب، ويضر الداعي أكثر كونه جزء من حلقة مجتمعية إقليمية كبرى تمر بثورات فكرية مطالبة بالحريات وبغرس قيم المساواه التي حُرم منها المواطن على مدار مئات بل وآلاف السنين...

سامح عسكر
19/05/2012, 09:05 PM
رؤية فلسفية في الحالة "السياسية" السورية

المجتمع الفوضوي (3-3)

من أبرز الحالات التي تصل إليها المجتمعات كنتيجة طبيعية للفوضى هي حالة الأناركية أو اللاسلطوية بمعنى انعدام أثر السُلطة المركزية بما يسمح لانتشار الفوضى وعموم الصِراع بين الطبقات والتيارات، وهذه الحالة هي من أخطر الحالات التي تمر بها المجتمعات الثورية، وقد حدثت هذه الحالة في مصر واستمرت عِدة أشهر، وهناك شكوك لاحتمال استمراريتها حتى بعد إجراء الإنتخابات التشريعية، بمعنى أن الحالة قد تكون هدفاً لخصوم الثورة بحيث تُنشئ حالة سخط عامة قد تجلب العنُف، وطبيعة عمل ما بعد الثورات تتسم في العادة بالحرص على السيطرة على الأوضاع في ظل تربص الخصوم السياسيون أملاً في اقتناص مقاعد الحُكم.

يعني ذلك أن بقاء المجتمع في حالة اللاسلطوية هو تهديد حقيقي لهوية المجتمع، بمعنى أنه كلما طالت مُدة الحالة كلما تراكمت سلبيات الحالة كأعباء على كافة الخصوم السياسيين، وبالتالي ينشأ دافع لدى أغلب الأطراف المتصارعة يدفعهم للصدام دفاعاً عن أنفسهم في ظل مجتمع يَعِجّ بالسلبيات، ومن تفريعات هذه الحالة تخرج حالة العِصيان المدني، وهذه الحالة وإن كانت في مضمونها وسيلة سلمية للصراع وتُخرج المجتمع من شَبح العُنف إلا أنها قد تصلح في مجتمعات مثقفة كآداه للصراع، أما المجتمع القائم على الفرز إما الطائفي أو الأيدلوجي فالعصيان المدني فيه ستكون نتائجه أقرب إلى العنف منه إلى اللاعنف.

سامح عسكر
20/05/2012, 07:59 PM
رؤية فلسفية في الحالة "السياسية" السورية

التفجيرات الإرهابية "الرُعب المجتمعي"

من أخطر السلوكيات الغير منتظمة تلك التي تستهدف أرواح الأبرياء، فيما يُعرف لدينا بالأعمال الإرهابية المقصود منها إثارة الذُعر وإراقة أكبر كم من الدماء ، هذا السلوك وإن كان وراءه من مستفيد إلا أن أضراره على المدى البعيد في منتهى الخطورة على الجميع بلا استثناء، حيث تعمل تلك الأفعال الحمقاء على تفكيك البِنية الروحية للأفراد والجماعات، وتخلق واقعاً كئيباً ملئ بالسلبيات، علاوة على كونها مؤثرا مُرعباً على أرواح وأنفس الصِغار، أتساءل لماذا لايستحي إعلامنا المبارك من نشر مناظر وصور الدماء والأشلاء، وهل انتبه هؤلاء "العباقرة"إلى النتائج الوخيمة لتلك المشاهد على صور وأذهان الناس.

إن من الظُلم البائن أن يدفع الأبرياء فاتورة الحرب السياسية، وأن يعمل الإعلاميون والسياسيون على خلق حالة من البلبلة قد تتسبب في تفكيك المجتمع تفككاً معنوياً بحيث يضعف الإنتماء ويتقوقع كل طرف في محصنه ذائداً عن أهدافه مهما بلغ عدد الضحايا، إنه الكٍِبرُ بعينه، أن يرى المتصارعون الأرواح وهي تُزهق دون مقابل، وأن تتناثر أشلاء الضحايا دون اعتبار، وأن يُذبح الناس وعُقلائهم في غمرة التمترس خلف شعاراتهم الكاذبة، لا أغلى عند الله من أرواح ودماء البشر، وخير الناس من عمل على الصُلح وحقن الدماء ولو كان جاهلاً، وشر الناس من استحل دماء الأبرياء ولو كان عالماً.

سامح عسكر
05/06/2012, 12:24 AM
رؤية فلسفية في الحالة "السياسية" السورية

الحكومة والمعارضة ..الوجود والعدم

إن النُظم التي تحاول تغيير المجتمعات بالقوة تفشل دائماً، وأي وسائل تعتمد على العنف والقهر فهي عاجزة، فالحب لا يأتي بالإرغام ، فهو كالنبات الربّاني الذي لا يستغني عن الطين والتراب والماء والشمس..هكذا أستشعر حديث الدكتور مصطفي محمود حين تحدث عن أولياء الشيطان الذي ظنّوا بجهلهم أنهم مَلَكوا العالم بقوتهم أو انداحت لهم الأرض طوعاً وكرها...وكما هؤلاء لا يحفظون حق الغير فهم لا يحفظون حق أنفسهم التي لولا وجود الغير ما كان لهم وجود في هذا الكوكب...فالشعور بالنفس يقوم على الشعور بالوجود، والعقل البشري يتصور تجاربه وجود،ولو ما كانت التجربة لكان الشعور بالعدم..إنه شعور حقيقي بالفشل.

سامح عسكر
05/06/2012, 08:52 PM
رؤية فلسفية في الحالة "السياسية" السورية

ثورة بلا مشروع..

أنا من أنصار ضرورة وجود الإصلاح الديني الذي يسبق ثورات الشعوب ، أو أن يسري هذا الإصلاح بالتوازي مع الفِعل الثوري، فحركة الإصلاح الديني في المجتمع العربي عامة أظنها نادرة إن لم تكن معدومة بدلالة جمود الإجتهاد المترافق مع الصعود الإعلامي والسياسي للأصوليين الإسلاميين..وهنا أفرّق بين حركة الإصلاح الديني في أوروبا وبين مثيلتها في العقل المسلم لأسباب كثيرة لا تتسع الصفحات لذِكرها، ولكن سأكتفي بالإشارة إلى وجود عِدة أزمات ثقافية وأخلاقية حادة عند المواطن العربي والمسلم، حيث أجبرته هذه الأزمات على قبول التناقض والتعايش معه بعدم الشعور.

هذا التناقض الذي جعل من العربي يمارس شعائره الدينية في بلاد الغرب والشرق بكل أريحية، لكن تراه في ذات الوقت لا يستطيع ممارستها في بلاده ووسط أقرانه، هذا التناقض الذي جعلنا نصرخ من ضرواة.."الحرب على الإسلام"..بمجرد منع بناء المآذن في مساجد سويسرا، لكن في ذات الوقت لا مانع من هدم أو محاربة بناء الكنائس في بلادنا،هذا التناقض الذي جعلنا نرصد تمدد الإسلام في أوروبا استغلالاً لحُرية العبادة والدعوة في تلك البلاد البعيدة، ولكن في ذات الوقت وبمجرد رصد أي دعوة لدين آخر أو مذهب آخر في بلادنا تثور ثورتنا مُنذرةً بقُرب القيامة وأهوالها بقبول الدعوةِ إلى الكُفر والزندقة..ياله من تناقض..!

نترك مسألة الإصلاح الديني فالحديث فيها يطول..

ما أود قوله هو أن الحِراك الجماهيري قد يُنتج مشاريعاً فكرية في حال بروز حركة إصلاح ديني قبيل القيام بهذا الحراك، أما وأنّ حركة الإصلاح الديني معدومة فلا أستطيع تصور مشروع هذا الحِراك بعيداً عن كونه أصبح مشروعاً للغضب وليس مشروعاً للنهضة، ومشروع الغضب هذا سهل القيام به والجميع قادر على أن يغضب، ولكن ليس لهذا الجميع القُدرة على أن يُحوّل غضبه إلى نهضة إلا بعد توفر شروط أهمها شرط .."القُدرة على التغيير".. وفي هذه قد نختلف، فتصور القوة نسبي-أحياناً-وفي المحصلة تخضع هذه القوة لميزان الحق والعدل، فإذا غابت روح العدل خارت القوى، وإذا اختلفنا في الحق فلا قوة حاضرة.

على جانبٍ آخر فقد لا تأتي الثورات بأي مشروع ولكنها تخلق -في حال تمكنها- فراغاً يؤسس لمنطقة عمل لقوى المستقبل، هذا فقط في حال التمكين ولهذا نُشدد مراراً على ضرورة وجود قوى التغيير الحقيقية وليست المتوهمة، وفي الحالة السورية لا أجد حقيقةً هذه القوى ، فجميع من على الساحةِ ضعيف ولا يملكون هؤلاء من أمرهم إلا ما صاغه لهم الآخرون، حتى النخبة لديهم مُعطلة ، فلا مشاريع حقيقية يطرحونها في الإعلام، حتى تحليلاتهم وتوقعاتهم السياسية في الغالب تطيشُ طيشاً غريباً لم نعهده على رؤى هذه النخبة من قبل، تلك النُخبة التي كانت رؤاها في الماضي تنبؤاتاً تتدارسها كُبرى المراكز السياسية والإستراتيجية.

استفزني منذ أقل من عام تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية التي وجهته للمعارضة وقالت فيه بضرورة التسلح للمعارضين وعدم إلقاء السلاح كما طلبت الحكومة كشرط وحيد للتفاوض ونزع فتيل الأزمة هذا منذ أقل من عام، تخيلوا لو كانت المعارضة ألقت السلاح في هذا التوقيت هل كان لنا أن نرى هؤلاء الشهداء والقتلى تغص شوارع سوريا بأجسادهم...بالطبع سيكون الوضع مختلف، وقد تكون المعارضة حينها قد حصلت على ما يمكنها من المنافسة الحقيقية على الحُكم عبر حشد قواها الثورية في الإنتخابات،ولو أرهبهم هاجس التزوير فكان بالإمكان طلب أي رقابة دولية لضمان نزاهة الإنتخابات، وهذا الطلب لا أتوقع أن ترفضه الحكومة، فهو يمثل لها طوق نجاه عبر كونه النفق الوحيد لعودة الشرعية الدولية لها..

لا أرى حُسن نية من الجانب الأمريكي فلو أرادوا السلام وحقن الدماء لدعوا الجميع إلى طاولة المفاوضات، أما ما حدث فلا أستطيع تفسيره إلا بصب الزيت على النار...وكأنه إثباتٌ لما رصدناه في السابق بوجود حقيقي للفوضى الخلاقة، فلا هم يريدون انتصار المعارضة أو تقدمها، وفي ذات الوقت يقومون وبشتى قواهم على تسليح المعارضة كي تُشغّب على الحكومة...إذاً ماذا نستشف من هذا الوضع الغائم؟!..أعتقد أنه لو كان هناك وجوداً حقيقيا للمشروع الفكري على أجندة المعارضة لما كان لنا الوصول إلى تلك الحالة الواضح أنها لا تخدم أي طرف سوى أعداء الشعب السوري في الخارج، حتى فكرة الديمقراطية التي يتغنى بها الثوريون فيتناسون أن الديمقراطية في حقيقتها عبارة عن آلية وليس مشروعاً فكرياً نهضوياً.

سامح عسكر
28/07/2012, 12:03 AM
رؤية فلسفية في الحالة "السياسية" السورية

فوضى المعركة الأخيرة

كَثُرَت في الأيام الماضية خروج تصريحات وبيانات سياسية وعسكرية من الحكومة السورية والمعارضة يعلن فيها كل طرف بداية خوض المعركة الأخيرة، حقاً إن مفهوم المعركة الأخيرة يعني أن لا معارك بعد، وفي ظل الحالة القتالية الهستيرية التي تجتاح سوريا لا نستطيع التنبؤ بماهية تلك المعركة وزمانها حتى التنبؤ بتوقيت وقف إطلاق النار، فكل طرف يعلن عن ما يظنه تصرفاً قد يرفع المعنويات لديه، ولكننا سنحاول رصد واقع أولي بناءاً على تلك التصريحات والبيانات التي تحمل في مُجملها تخبطاً سياسياً وعسكريا من الطرفين، تخبطاً يُعد هو السمة الغالبة لوقائع الحروب الأهلية.

بدأت "المعركة الأخيرة" بعملية اغتيال سياسي لقادة أمنيين سوريين منهم وزير الدفاع ونائبه، حقاً هذه ضربة عسكرية خطيرة على الحكومة السورية، ونتائجها توفر جو ملائم لإشاعة جو من الإحباط تمهيداً لبدء الضربة الفُجائية الإستراتيجية التي ستقضي على الحكومة ابتداءاً، لا أستبعد التخطيط والتعاون من أجلها، ولكن ما يهمني النتائج، حتى الآن أستطيع القول بأن الحكومة السورية استطاعت وبدهاء بالغ امتصاص تلك الضربة سياسياً عبر الفيتو الصيني والروسي وعسكرياً عبر عملية الحسم العسكري القائمة التي نتح عنها تحرير مدينة دمشق من مسلحي المعارضة، والبدء في التجهيزات العسكرية لتحرير مدينة حلب لما تمثلهما هاتين المدينتين من أهمية بالغة لدى الطرفين.

العمليات العسكرية توحي بتقدم استراتيجي وتكتيكي للجيش السوري الحكومي وخسائر بشرية غير متوقعة ومفاجئة في صفوف المعارضة،ربما لن يشعر المعارضون بحجم الكارثة البشرية هذه الأيام نظراً لانشغالهم ب"معركتهم الأخيرة"..ولكن دلالة هذا الإنتصار في بدء الحكومة باستخدام نفس التكتكيات التي تحارب بها المعارضة ألا وهي الحرب النفسية والإعلامية عبر إيقاع أكبر عدد من القتلى في صفوف الخصم وتصوير هذه الجثث وعرضها على الشاشات كي تُعلي من الروح المعنوية للموالين وتقضي على ما تبقى من معنويات المعارضين.

الوضع العسكري على الأرض وضع متغير وتحليلاتنا له لن يخرج من قالب الإستخدام والتوظيف لا أكثر، بل إن أكثر ما يهمنا في هذا المجال هو التحذير بأن الحرب الأهلية السورية- بهذه الصورة -مُرشحة للتصاعد ،ويصعب معها التنبؤ بإحداث عملية سلم أهلي تُنقذ سوريا من الدمار اللاحق بها من جراء التعنت وتصفية الحسابات.

سامح عسكر
28/07/2012, 09:03 PM
رؤية فلسفية في الحالة "السياسية" السورية

الإختراق في فلسفة الإنشقاق(1)

تابعنا في كافة وسائل الإعلام أخبار الإنشقاقات المتوالية في صفوف الجيش السوري الحكومي على مدار 16 شهراً، تقريباً كل طلعة شمس نسمع ونشاهد من يعلن انشقاقه بالصوت والصورة، في الغالب ما تكون قناة الجزيرة الخليجية هي صاحبة الحظ الأوفر في تلك الإعلانات وهذا بالتأكيد له دلالات ربما نناقشها لاحقاً حول دور هذه القناه في الحرب الأهلية السورية ومدى صحة الإتهام الموجه لها بالتنسيق مع المعارضة المسلحة عبر صناعة الأخبار والإنشقاقات وما إلى ذلك من دور إعلامي انفردت به الجزيرة وبات مرئياً واضحاً للجميع إلى أن يتم تبنيه بشكل رسمي.

ولكن ما يهمنا في هذا المقام ليس الدور الإعلامي فله مجال آخر لا يقل أهمية، ولكن نشير إلى أنه لو ثَبُت صحة ما تدعيه هذه القنوات بانشقاق كل طلعة شمس فهذا يعني أنه على مدار 16 شهراً منذ بدء الأزمة يكون قد انشق الجيش السوري بأكمله وربما نضيف عليه الجيش اللبناني هو الآخر!! بالتأكيد هناك تضخيم في حجم الإنشقاقات صنعت فجوة عميقة بين الإنشقاق الحقيقي والمُعلن، هذا فضلاً عن الخِلاف حول ماهية الإنشقاق الحقيقي فعليه تُطرح التساؤلات ، خاصة وأن الإنشقاق بمعناه"الإستراتيجي العسكري" هو انشقاق وحدات عسكرية كاملة بسلاحها، وهذا لم يحدث أن أعلنت عنه المعارضة من قبل، بل تشير التقارير والصور إلى وجود مجموعات بشرية تعلن انشقاقها عبر آداء القسم فردياً أو جماعياً بمعزل عن سلاحها التي خدمت من خلاله في صفوف الجيش السوري الحكومي من قبل.

إذاً ومن خلال واقع الإنشقاق أعلاه فُيمكن أن نسميه .."استقالات".. وليست انشقاقات، لا كما يُطلق عليه الإعلام الحكومي خيانة أو فرار، ولكننا سنضع العصا في الوسط ولن نتحيز..إذاً هي .."استقالات".. عسكرية ولو لم تُقدّم بشكل رسمي، هذه الإستقالة العسكرية وبعيداً عن ما يُبررها فهي في حقيقتها تُمثل جزءاً هاما في تصدع الجيوش والأنظمة، فاستمرارها وديمومتها سيخلق شرخاً عسكريا على مستوى الأفراد مع مرور الوقت لا على مستوى السلاح، ولكن وجود هذا الشرخ وإمكانية توسعته أو الإجهاز عليه يعود إلى المالك المسيطر على الأرض، إذ أنه ويتوسيع رقعة الولاء الشعبي سيضمن تحجيم هذه العملية، فالعسكري المستقيل في هذه الظروف ينظر إلى الحالة الشعبية أو تكوين الرأي العام أكثر من الإغراءات التي تُقدم لديه، أما في حال تعرضه للتهديد تحت أي نوع فاستقالته شكلية وليست حقيقية، وفور توفر الظروف الملائمة للعودة سيعود ومعه كافة الأسرار.

مبحث آخر وهو الحالة النفسية للعسكري المستقيل أو ما سنسميها "الفسيولوجيا العسكرية"، كلنا يعلم حقيقة الذات العسكرية وأنها صُنعت على جدار السمع والطاعة، وأن وجود هذا الجدار في حقيقته سر بقاء الحياه العسكرية بعَرَضها العام في أذهان البشر، وبالتالي فلا حياه عسكرية حقيقية إلا بالسمع والطاعة وبدونها تُهزم الجيوش، كمثال ما حدث في معركة أُحد حين عصى الرُماه رسول الله وتركوا أمكنتهم من أجل جمع الغنائم فكانت الهزيمة العسكرية الأولى المؤثرة للمسلمين، والفرد القائم بنائه على السمع والطاعة يكسر عواطفه ورغباته في أكثر الأحيان ، ذلك أن بشرية الإنسان تنجذب نحو الإنطلاق، وكون ماهيته "عَجولة" كما قال الله في القرآن فهذا يعني أن العسكري المستقيل سينتقل من حياه السمع والطاعة إلى حياه أخرى سنبحث في ملامحها بإذن الله..

سامح عسكر
02/08/2012, 05:06 PM
رؤية فلسفية في الحالة "السياسية" السورية

الإختراق في فلسفة الإنشقاق(2)

قد يكون هناك طابعاً إرباكياً فيما يخص ديمومة دافع المستقيل"المنشق" الذي أشرنا إليه من قبل ، يبرز هذا الطابع الإرباكي عند من يعتقد بخطية الدافع وحتمية الشعور بالقوة، فالمضمون العسكري لا يقف عند حدود الإدراك القِيمي بل يتعداه إلى مراحل أخرى يتشكل فيها الوعي العسكري لاذاتية فيها ، بيد أنك قد تجد العسكري يفكر باتجاهات القائد رغم مخالفتها لمبادئه، وبغض النظر عن صواب المبدأ فهذه إحدى تجليات مبدأ السمع والطاعة المُطلق،هذا يعود بنا إلى تعريف الحقيقة وتجلياتها في عقول الفلاسفة، ولكننا سنُسلّم –مبدأياً- بوجود حقيقة عسكرية مغايرة للطابع المدني...فالمسألة يطول شرحها.

في حالة الخروج أو التمرد على هذا الواقع العسكري فالقضية ليست خروج جسد أو فكرة بقدر ما هي خروج كُلي يتضمن أيضاً المشاعر وطُرق التفكير ،قديماً كان العسكري يتلقى الأمر وثغرات التعقل فيه ضيقة فليلجأ إلى التنفيذ دون فهم ما يحدث، أما في الواقع الجديد فثغرات التعقل لديه أكثر اتساعاً عن ذي قبل، هذا لأن فكرة الخروج"الكلية" خلقت لديه نزعة قِيمية أجبرته على التضحية بالواقع القديم إلى آخر جديد يملأه القِيم، قد نختلف في هذا فليس كل من استقال أو تمرد على واقعه العسكري يبحث عن القيم، بل هناك منتفعون ماديون، وفي المحصلة سواءاً كان العسكري عالماً أو جاهلاً فهو يبحث عن القيمة عبر المقارنة.

ليست الحرية وحدها كافية لخلق توازن نفسي عسكري، فالبيئة العسكرية إن لم تُضبط بقوانين مانعة تتميز بها ثواباً وعقاباً فهي بيئة خدمية أكثر منها عسكرية، وقد تنجلي شواهد القيمة مع أول استثارة عاطفية أو غرائزية أو علمية، بيد أنك قد تجد العسكري في واقعه الجديد يتمرد على أشياء لم تكن ذات أهمية لديه في واقعه القديم، حسب قاعدة اتساع التعقل فالأمر والطاعة في الواقع الجديد سيشوبه عدم الإنضباط ،فقط تلك البقية الباقية من أثر القيمة على النفس هي التي تساعد على البقاء، سنضرب مثالاً بسيطاً على ذلك ما حدث في ليبيا، حيث توفرت في البيئة الليبية عوامل الإنشقاق الحقيقي وبالتالي انقسم الجيش ورغم ذلك رأينا قوات الحكومة قوية قادرة على سحق المنشقين إلى أن تم إنقاذ المنشقين بطائرات الناتو.

كذلك في اليمن ورغم انشقاق الفِرق العسكرية بكامل وحداتها وسلاحها رغم ذلك ظلّت ضعيفة غير قادرة على مواجهة مفتوحة مع الجيش الحكومي، ولولا المبادرة السياسية التي أزاحت الرئيس اليمني من السلطة لانتصرت الحكومة على المعارضة"عسكريا" ، فتوازي العقل والحرية يلزمه انضباطاً يقيمه بقيام قانون للثواب والعقاب ذو قابلية للتطبيق، والأهم هو الردع، فقد يكون هناك قانوناً لذلك ولكنه لا يكفي للردع وربما استحكمت في إنشائه النزعة العاطفية القلقة من الخسائر وفوبيا اتساع رقعتها،فالميل إلى الفكر الحر يؤثر على أصول الحُكم، وبالتالي ليس أمام العسكري المستقيل"المنشق" إلا أن يخلق لنفسه واقعاً جديداً مؤطرة زواياه بنفس القوانين التي كانت في الواقع القديم وإلا سيفقد السيطرة ليس فقط على من معه بل أيضاً على نفسه.

سامح عسكر
24/08/2012, 07:02 PM
رؤية فلسفية في الحالة"السياسية" السورية

الإختراق في فلسفة الإنشقاق(3)

لدي قناعة محورية بذبول التاريخانية كما عند كارل بوبر وغيره، فليس نجاح "الإنشقاق" في مكان مسوغاً لنجاحه في مكانٍ آخر بل وفي زمان آخر، فالعقول تتطور والزمان يتطور والظروف تتبدل بتطور مكوناتها، وينسحب هذا على الحكومة السورية-الطرف المقابل-أيضاً ،فليس معنى انتصار الحكومة السورية على الثورة المسلحة مطلع الثمانينات يعني انتصارها هذه المرة، بل سيخضع الجميع لآليات ووسائل ومؤثرات المرحلة والعصر كانتقال أوروبا من البرجوازية للرأسمالية وغيرها، مما يدعم من رؤيتنا التي نتبناها في هذا العمل وغيره، بأن وجود أنماط من الفكر والتعليل قائم على مرتكزات الطبائع والأوصاف الدائمة ليس كافياً للرصد وللإستنتاج، وإذا كفى بوجوده فقرائته خاطئة وتوابعها سلبية وإلا آمنا بخطية التاريخ.

على جانبٍ آخر فلا توجد لدي قناعة بتفهم من عاش في بيئة السمع والطاعة وترعرع على ثقافة الأمر والتنفيذ بأنه يفهم الديمقراطية وشروطها ومتطلباتها ولوازمها، فخروج المستقيل من الجيش بحُجج"عاطفية" وشعارات براقة كالحرية والتداول والمنافسة والاستبداد لا ينسجم مع الطبيعة العسكرية ذات البُعد الفكري الواحد، ربما حدث ذلك بعملية إزاحة نفسية تُلقي من على الكاهل أعباء الخروج ولوازمه إلى غاية نبيلة، ربما يكون الفعل مبنياً على خلافات فكرية أواعتقادية أو إدارية أو ربما هروباً من واقع إلى آخر،قليل من الفهم نخرج بنتيجة مضمونها التربص، فمع الغزو الإعلامي والتقني تكاد نتائجة تساوي بين قوة حزب الله وقوة الولايات المتحدة، إذ أصبح بالإمكان تجنيد عناصر داخل الإدارة الأمريكية يعملون لصالح الحزب مع حفظ فارق القوة الشاملة، لأننا الآن نعيش في عصر تكاد تنكسر فيه كثير من النظريات والفرضيات المعترف بها.

هناك دور سلبي غربي خليجي في الأزمة السورية يهدف إلى إشعال الوضع في سوريا عبر تحريض المعارضة ودعمها بالمال والسلاح، وفي المقابل هناك دور سلبي روسي صيني إيراني يهدف للحفاظ على النظام الحاكم بحفظ سياساته وضمانها، في المقابل من ينظر من زاوية المعارضة يرى أن الجبهة الشرقية تدعم النظام في اعتدائه على الجماهير"الثائرة"..وعلى الطرف الآخر الحكومي يرون بأن الجبهة الغربية والخليجية متورطون في الدم السوري عبر نشر الفوضى بصناعة النزعوية كبديل عن الوطنية، وكي نفهم هذه القصة فهماً سليما عليما بتحديد منحى كل طرف برؤية أهدافه المُدلّل عليها، سنرى في النهاية أن كل طرف محق في رؤيته وأن القضية تعلوها المصالح أكثر من المبادئ.

نخلص من هذا أن أي سلوك مغاير لما هو موجود في سياق التهدئة سيخدم طرفاً واحداً تِبعاً لرؤية صاحب الفعل الأول ودوره في التهدئة،والمعارضة هي التي نالت هذا المقعد منذ عام ونصف، لذلك يكون سلوك التهدئة في حد ذاته يعني انتصار الحكومة على المعارضة، من هذه الرؤية أرى أن من يعمل على إشعال الوضع بتحريض طرف ما لعدم الاستجابة للحوار هو المتورط فعلياً في الدم السوري بشكل أكبر من الطرف الآخر، حتى طوفان الاستقالات العسكرية والمتوقع انقشاعه بعد التهدئة سيتسبب في زيادة رقعة الولاء للحكومة في صفوف العسكر، هذا لأن الاستقالات العسكرية في مضمونها خلقت تميزاً لرأي على حساب آخر داخل نفس المؤسسة ، وسيتسبب هذا الوضع في سلوك بعض من استقالوا لمنحى العودة بحُجة المصالحة الوطنية، ولكن وجودهم أصبح محل شك من قادتهم ، لذلك كان انطفائهم سيتسارع في حال لم يغنموا اللحظة، وسيتم اغتيالهم معنوياً وربما البعض جسدياً، وفي المحصلة فإن قرار الإستقالة منذ بدايته هو إعلان حرب صريح، وعلى من أراد الحرب فليتحمل تبعاتها.

سامح عسكر
17/09/2012, 08:34 PM
http://maaber.50megs.com/issue_august12/spotlights1.htm