المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الزاهدون في الحُرِّية



عبد الرحمن الطويل
29/05/2012, 08:27 PM
عرِّف الاستقرارْ
قال الأستاذ لطالبِهِ
عرف الاستقرار
قال الطالب الاستقرار
أن نجد الخبز و إن كان رديئًا
أو مسلولاً
أو في وجنته مسمار
أن نجد الماء و إن ممزوجًا بالأكدار
أن يهطل من فُوَّهة الصنبورِ
غزيرًا كالأمطار
يحمل ما حُمِّل من أمراضٍ
من طول العهد ألفناها
و غدت فينا ذات قرار
أن نجد الغاز و إن بالضعف من الأسعار
و تطول طوابير الأنبوبة
بالآلاف من الأمتار
و نُقضِّي في طلب الفاتنةِ العمرَ
و ننفق كل نهار
أن أدرس في جامعةٍ ليست
للعلم العصريِّ بدار
و تُصبُّ مضامين الكُتْب
على رأسي صبَّ الأحجار
و غدًا أتخرج بالتقديرِ
و لا ألقى عملا
و تموت بعينيَّ الآمالُ
فلا أُحيي أملا
و أجالس أصحابي في المقهى
و تطول أحاديث السُّمَّار
يا أستاذيَ الاستقرار
أن أركبَ حافلةً فيها ألفُ جسدْ
لا يخرج منها حيًّا إلا
من أوتي قوة ألف أسد
لا سيارةَ لي أركبها
حسنًا
لن أُرمَى بحسد
و أدور على الأصحاب لأسألهم
فضل التسليف
و يُصارحني بالعُذر فتًى
و يقوم الآخر بالتأليف
فأناشدهم و أحمِّسهم
هيا ندخل في جمعية
فيقولون أتمزحُ رغم تلال الهم
حقًا إنك جدُّ لطيف
و يمرُّ العُمرُ
و يُمسي الرأس كثير الشيب
و أكون تزوجتُ
و أدركتُ قطار العمر بمعجزةٍ
من رزق الغيب
و رُزقتُ بطفلٍ أعشقُهُ
أضعافَ العشق
أعملُ في اليوم ثلاثة أيامٍ
لأسوق إليه الرزق
و لقد يمرضْ
فأخاف عليه
و يُعجزني إحضار دواء
و أروح لأقرب مُستشفًى
فأعود بحسرة خيبان
الخدمة ليست بالمجان
و لهم حقٌّ فيما قالوا
و على الرحمن التُّكلان
يا أستاذيَ الاستقرار
أن يبتلع الناسَ البحر
مكثوا في الغربة أعواما
و رأوا في الغربة آلاما
و أرادوا توفير تكاليف الرحلة
فأتوا في باخرةٍ لا تقدرُ
أن تخترق مياهًا ضحلة
قدَرُ الله و فاجأهم
لا ذنبَ لمالكها الإنسان
لا ذنب لصاحبهِ المسؤول فذاك أجلْ
قد قُدِّر في أزل الأزمان
*****
يا أستاذيَ هل تعلمُ ما الاستقرار
أن نعبدَ فرعونَ
و لا نشكو قتل الذُّريَّة
أن نعبد فرعون
فيُطعمنا الأشواك
فنزهد في الحرية
أن نعبد فرعون كفانا
من نعمته أن أحيانا
لم يقتلنا بل أبقانا
تلك هي الرُّوح المدسوسةُ
في طين الأرض المصرية
و لئن فاجأنا موسى
لنُريدنَّ الإستقرار
سمَّوا أنفسهم ثوارا
خلعوا البر الصالحَ
فرعون حبيب الأخيار
أيجوز الصمتُ على هذا
كلا إن الصمت لعارْ
لنسيرنَّ غدًا نحو القصرِ
لنُعطيَ هامان البيعةْ
و نُسلم مفتاح الضَّيْعة
و بذا نضمنُ
أن نجد الخُبز المسلول
و يوفر هامان ـ رعاه الله ـ لنا
أطنان الفول
و لنا أكواخٌ خشبية
باركها هامان فصارت
للروح مناجم ذهبية
أنُفرِّطُ فيها و نسير
وراء فتًى يسعى للقصر !
معه طائفةٌ طائشةٌ
ذاتُ هوًى
من جيل العصر
قد زعموا أن بفرعونَ
و رأي مُبايَعِنا هامانَ
تخلَّفَ عن دولتنا النصر
كلا قد كذبوا صدِّقني
و لقد طمعوا في الكُرسيِّ
و ما تعنيهم أبدًا مصر
و لقد دفعتهم أطرافٌ
في الخارج تبغي صالحها
حقًا إنهمُ أشرار
سيعودُ بهم عصرُ الجهلِ
و نرجعُ آلاف الأطوار
و نُساقُ إلى حربٍ عمياءْ
كيف و تعلمُ أنَّا طائفةٌ جُبناءْ !
نبتاعُ بحُر كرامتنا
طبقَ الفول بزيتٍ حار
ذاك صميمُ الإستقرار
*****
قال الأستاذُ و حسْرتُهُ
صبغت بالصُّفرة جبهته
ما أنفَسَ تلك الأسرار !
قد كنتُ أظنك حتى الأمسِ
و حتى الساعةِ
من جلدتنا
لكني أخطأتُ المعيار
خدعوكَ
فسمَّوْك بأسماء الناسِ
و إنك محضُ حمار

--عبدالرحمن الطويل--

منى حمدى
31/05/2012, 09:10 PM
قصيدة جميلة ومضحكة ومبكية فى نفس الوقت

بارك الله فى قلمك

سميرة رعبوب
30/06/2012, 02:26 PM
يالله كم هي مؤلمة تصف واقعا مريرا تُهدر فيه كرامة الانسان !

أجدت فأبدعت شاعرنا الأستاذ عبد الرحمن الطويل

تقديري ~