المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شظايا إنسان



سعيد أبو نعسة
22/04/2007, 01:18 AM
________________________________________
شظايا إنسان
ترِكّ تراك .. ترِكّ تراك .. ترِكّ تراك.......
هذا الصوت ليس دقّات ساعة رتيبة ؛إنه وقع أقدام .
أسمعه يتناهى إليّ وأنا بين الصحو و النوم .
لن أتزحزح من مكاني حتى ينجلي الأمر ؛ ما هي إلا لحظات و يُقرع باب البيت إن كانت الأقدام تُجرجر نفسها نحوي؛ و لربما يتخافت الصوت شيئا فشيئا حتى يطويه النسيان إن كان السائرون مارّين من أمام البيت. بعد انصرافهم سأعود إلى الاسترخاء في نوم عميق عميق .
لكنّ ظنّي يخيب فلا الباب يُقرع و لا الصوت يتلاشى .
وقع الأقدام يطوّقني .. يجتاح سمعي بوتيرة واحدة ،لا تتبدّل و لا تتغيّر .
هوَ لا يشبه وقع أقدام الراقصين في حلقات الدّبكة الشعبية ،إيقاعه الموسيقي مشوَّش هنا ؛يتداخل فيه صوت احتكاك النعال بالطريق مع ثرثرات مُنتعليها .
أسمع أحدهم يصرخ بصوت عالٍ: وحّدوا !
وأسمع مُصدري الأصوات المبهمة يقطعون ثرثراتهم صارخين : لا إله إلا هُوْ .
أين تراني رأيت مثل هذا المشهد ؟
أين ؟ أين ؟
أجل ! الجنازة بكل تأكيد .. الجنازة !
ولكنني لا أسير في جنازة .. الظلام مطبقٌ عليّ.
يا إلهي أيعقل أن تكون هذه جنازتي دون أن أدري ؟
أنا لا أرى شيئا على الإطلاق .. ظلام دامس يلفّني .. و جوّ خانق يحجب عنّي الهواء .
مَنْ حشرني في هذا الظلام ؟ أنا الميت إذًا .. و هذا الذي يتمايل بي فوق الأكتاف هو التابوت .
ماذا يجدر بي أن أفعل ؟
إن تحرّكتُ داخل التابوت فسيشعر حاملوه بحركتي المفاجئة و لسوف يستبدّ بهم الرعب فيلقون النعش أرضا كيفما اتّفق و قد أموت فعلا من شدة الارتطام .
المساكين يخافون الموتى؛ فماذا يفعلون إزاء الأحياء ؟! لعلهم يقطنون مملكة الرعب ..لست أدري .
متى انتقلتُ إلى رحمته تعالى ،كي أُحمل على هذه الشاكلة ؟
لا أعي من سكرات الموت حتى الآن غير هذه الهزهزات الشبيهة بهدهدات أمّي و هي تهزّ سرير
طفولتي بيمناها .
لا بُدّ أنّ أصداء العويل قد تجاوبت في الحيّ حين نُقلت إلى منزلي في سيارة إسعاف ؛ولا بُدّ أنها ازدادت حدّة حين أعلنت مكبّرات الصوت خبر وفاتي .
لا أذكر شيئا من هذا كلّه !
حتى عندما كُببت على بلاط المدخل و ارتطم رأسي و جسدي بالأرض لم أُبدِ حراكا ولعل هذا ما جعل الناس يتأكّدون من وفاتي .
ولا أعي شيئا مما فعله الأطبّاء في المستشفى بجسدي : فتح الجفون – قياس النبض والضغط – درجة الحرارة – شحنات الكهرباء – لا بُدّ أن مؤشّراتها جميعا قد لامست الصفر .
كان عليهم أن يصبروا قليلا و لا يتسرّعوا في إصدار الحكم مقرّرين : " رحمه الله ! سارعوا في مواراته الثرى . إكرام الميت دفنه ."
ربما كانوا على حقّ ولكن مَن يخبرني كيف يكون إكرام الحيّ؟!
كما لا أذكر مشهد الغسل، رغم أنّ المتبرّع بغسل الموتى هو صديقي – هوعلى ذمّته يقول إنه يقوم بغسل الموتى مجانا لوجه الله ، و أنا على ذمّتي أقول :إنه يَقبل بما يُدسّ في جيبه من مال .
و قد مازحني ذات يوم قائلا :" حين تموت سأترك ماء غسلك يغلي حتى يتخطّى عتبة المئة درجة مئوية ؛سأوقد تحته نخلة نخرها السوس ؛ و سأضحك و أنا أسدّ مخارج جسدك بقطع قماش خشنة بدل القطن شبيهة بتلك التي تُصنع منها الخيام . "
ليتني صحوت من غيبوبتي أثناء الغسل لأرى ردّة فعل صديقي ؛و من يدري فلربما قمت أنا بغسله ؛ و لربما لم أُغسل أصلا ،فأنا لا ألمس كفنا يحشرني في طيّاته ..أعضائي طليقة .
أين صارت الجنازة الآن ؟ و هل ستقام صلاة الجنازة لراحة نفسي في باحة المقبرة أم تراها أُنجزت في المسجد ؟ .. لا فرق على الإطلاق . المهم أن ينال المصلون الأجر حتى و لو تثاءبوا جميعا و لم يخشعوا في صلاتهم .
أسمع اللحظة صرير أبواب المحلات التجارية و هي تُغلق إجلالا لي و أعلم علم اليقين أنّ أصحاب المحلات يقومون بهذا التقليد رياءً، و أنهم لن يمشوا في جنازتي ؛ سيفضّلون أجر الدنيا على أجور الآخرة ؛ موكبي يخترق السوق إذًا . افرحي يا أمّي .. صار لي موكب .. استُجيب دعاؤك .
كنتِ تجلسين بعد إتمام الصلاة ؛ تفتحين كفّيك ضارعة إلى الله : اللهم ارفع مقام ابني و اجعل الناس يلهجون باسمه و يحملونه تاجا على رؤوسهم .
تَحقق الشطر الثاني من الدعاء؛ و ها أنا أُحمَل على الأكتاف .
لم يبق الكثير حتى تصل جنازتي إلى المقبرة .أريد أن أكشف المشهد ،سأرفع غطاء التابوت ولا أعتقد أنه محكم الإغلاق ؛و لماذا يوصد بالأقفال ؟ هل سأهرب مثلا ؟
ما أروع حزم الضوء تكحّل عينيّ من جديد !
وجها لوجه أقابل الحقيقة ؛ أرى و لا أُرى . صرنا خارج حدود القرية .. خارج حدود المكان ؛ و يظنّ السائرون خلفي أنني صرت خارج الزمن . هم أيضا خارج الزمن منذ أمدٍ بعيد .
لم يكتشف أحد أنني عدت إلى الحياة و أنني أشاهد جنازتي من شق التابوت .حتى و لو مططت رأسي وأخرجت لساني في وجوههم فلن ينتبه منهم أحد؛ لا ينظرون إلى الأعلى إلا عندما يُلحفون في الدعاء والتضرّع . أنظارهم على الدوام مطأطئة إلى الأسفل ؛ نحو آثار نعالهم .
أسمع أحدهم يقول : ( رحمة الله عليه ، كان عنيدا؛ رأسه أقسى من حجر الصوّان ؛ لا يعرف المسايرة و لا المسايسة و لا يعترف بأنصاف الحلول ؛ قال له الجندي :" إرجع من حيث أتيت." كان عليه أن يرجع من حيث أتى ؛أن يخضع للأمر ؛ لا عناد مع العسكر ؛ يفهمون مقولة وحيدة :
نفّذ ثم اعترض(.
بودّي أن أصرخ في وجه هذا المتحذلق المنهزم : لماذا أنفّذ ؟ الحاجزالعسكري يحتلّ فوّهة الدّرب و بيتي يشكّل خطّ نهايته ؛ والمنازل مزروعة عشوائيا على جانبيه ، ملتصقة ببعضها التصاق أقراص العجين .
حاولت أن أشرح للجنديّ وجهة نظري فقال : إرجع من حيث أتيت !
قلت له : إنه بيتي و لا بيت لي إلاّه ! فردّد كالببغاء : إرجع من حيث أتيت !
صرخت في وجهه: إرجع أنت من حيث أتيت ؛لا طريق إلى بيتي إلاّ من هنا ّ .
لقّم سلاحه وهو يبتعد عني متّخذا وضع الاستعداد،لإطلاق النار؛مردّدا بغضبٍ لازمته الوحيدة :
إرجع من حيث أتيت !
خَطوْت نحوه نافضًا كفّي في وجهه : قلت لك أريد أن أعود !
فانقضّ عليّ دافعا صدري بفوّهة بندقيّته ؛ لم أتراجع ؛ أنشبت أصابعي في عنقه ؛ ولحظتها ربما أطلق النار ؛ لأنني فقدت الاتصال بالحياة ؛ و لم أفق من غيبوبتي إلاّ قبل لحظات .
أين تراه زرع الرصاصات ؟ فلأتفحّص جسدي انطلاقا من القاعدة : رجلاي سليمتان ؛بطني قد نجا من الثقوب ؛ في صدري ثقبان ملتئمان و في رقبتي مثلهما .
جندي لعين ؛ لم يستهدف إلاّ أعضائي العليا .
كم نزفتُ من الدماء يا تُرى؟ سؤال عديم الأهمية في نظري طالما أنني عدت إلى الحياة .
متى حصلت الحادثة ؟ لن أُجهد عقلي في تذّكر الزمن .ربما حصلت اليوم و ربما بالأمس و ربما قبل أسابيع . ما الفرق ؟ الماضي صار ورائي . زمن واحد يعنيني و سأتعلّق بأهدابه : المستقبل .
قد يُعتبر هذا حرصا على الحياة و مَن منّا لا يحرص على الحياة ؟
الجندي أيضا حريص على الحياة ؛ بل على حياة .. أية حياة ؛ و إلاّ لما بادلني الصفعة بالرصاص .
أيّ صفعة ؟ قل محاولة صفع .
أين صرنا الآن ياترى ؟ ليت الطريق يطول نحو المقبرة ،كي أشبع من هذه التجربة الفريدة ، و أنا أتهزهز مُلتحِفا السماء مفترشا التابوت .
مَن مثلي و أنا أفترش رقاب العباد ؟
سأمدّ نظري لاستجلاء الموقف . عليّ أن أكون حذرًا في حركتي ،حتى لا يميل بي التابوت يمينا أو يسارا ؛ لا بُدّ أن أدرس حركتي بدقّة .
الأمر بسيط ، ما عليّ إلاّ أن أُلصق كفّي اليُسرى بأرضية التابوت ، ثمّ أُصعد هامتي ببطء شديد :
إلى أية جهة ينبغي لبصري أن يتّجه ؟ اليمين أم اليسار؟
ما أغباني وأنا أطرح هذا السؤال! الاتجاهان يقودان إلى الجنازة . و أية جنازة ؟ جنازتي أنا ؛ سأكون أوّل إنسان يشهد جنازته بأمّ عينه .
ما شاء الله ! جنازتي مهيبة ،تُخفي معالم الدرب .
طيّبون فعلا أهل قريتي ! يتسابقون و يتدافعون حول النعش إكراما لي، و تعزيةً لأهلي .
تُرى هل فعلوا ذلك يوم ولادتي ؟ أجزم بالنفي إذ لم أسمع بمظاهرة تحتفي بولادة إنسان .
أناس طيبون فعلا , يحملون أكاليل الزهر المختلفة شكلا و حجما ، المؤتلفة في الجوهر ،كي يصفّوها حول ضريحي . ليتهم حملوا إكليلا واحدا بدل التباهي بالأكاليل و التطاول فيها .
ما أجمل ضريحي و قد طوّقته الزهور ! سيَحْلو لزوّار المقبرة أن يقفوا طويلا أمامه متمتّعين بشذاه ، قارئين الفاتحة ، معدّدين أسماء الشخصيات و الجهات التي قدّمت الأكاليل . قد أُحسد على هذه الحفاوة ،و سأُحسد بالتأكيد على الشهادة .
ها هو والدي المسكين يُجرجر قدميه و يطأطئ رأسه كمَدا على فراقي ، يسنده شابّان جلدان هما أعزّ أصدقائي . لم يتخلّف من أقاربي أحد .. كلّهم زحفوا عن بكرة أبيهم للقيام بالواجب . بالأمس فقط كنّا نتشاجر ..نُرغي و نُزبد و نرفع السلاح في وجوه بعضنا بعضا ؛ كلٌّ يدافع عن حقّه في شبر من كرمِنا المتنازع عليه .
آخر سمعة .. الموت يُوحّد و الحياة تُفرّق .
رحم الله والدتي ! لو كانت حيّة لزغردت لشهادتي و لرقصّت رقصة البندقية ، كما فعلَت يوم استشهد أخي (سعد) و لربما رقصت في جنازتي بفرح أكبر لأن سعد لم يُقتَل بأيدي الأعداء مِثلي.أغبطه الآن كثيرا ،كانت جنازته عرمرمية ؛ فاقت جنازتي تنظيما و حشدا و احتفالا ؛ تسابقت الفرق الموسيقية تعزف له لحن الشهادة . أما أنا فجنازتي مألوفة كأيّ جنازة : رجال يثرثرون خلف نعشي و نعال تخبط الأرض خبطات رتيبة : دِجّ .. دِجّ .. دِجّ .....
و صوت الشيخ الموكل بتلقيني يتعالى بين الفينة و الأخرى صائحا : وحّدوا !
فتجاوبه الجماهير لاشعوريا : لا إله إلا هو .
الشيخ يكرّر الأمر مرارا وحماسة الجماهير تتخافت تبعا لتباطؤ سرعة الجنازة بشكل تنازلي . وصلنا إلى المقبرة إذًا .كيف سأتصرّف الآن حتى لا أُفاجئ الناس بعودتي إلى قاعدتي سالما بعد تجوالي في عالم الأموات ؟
هل أُطِلّ برأسي من التابوت في هذه اللحظة بالذات و نحن نعبر بوابة المقبرة و قد تفرّق الناس عنّي و انتشروا بين القبور فاتحين أكفّهم يقرأون الفاتحة لراحة نفوس أقاربهم و ذويهم ،مفضّلين الاستظلال بالسقيفة ؛ أم أنتظر ريثما يُنزل النعش عن الأكتاف ،ثم أبتسِم في وجوه القلة القليلة التي آلت على نفسها إلا أن ترافقني ، حتى اللحظة الفاصلة ؛ لحظة انقطاع آخر خيط من خيوط النور عني ؟؟
مهما يكن من أمرٍ فلن أسمح لأحد بأن يدفنني حيًا .
الموكب يتّجه نحو الجناح المخصص للشهداء حيث الرخام يزاحم الرخام و الشواهد تطاول الشواهد.
لا بدّ من الاسراع في اتّخاذ القرار، و توخّي الدقّة في الاختيار .
موعد إعلان عودتي إلى الحياة ليس حدثا عابرا و سيفجأ الكثيرين .
أضعتُ وقتا طويلا في الثرثرة الفارغة مذ صحوتُ. كان عليّ أن أُخطط للحظة الحاسمة حتى لا أفجع أحدا .
هكذا أنا دائما؛ يختزلني الإهمال . أنتظرُ حتّى أُحشرَ في عنق الزجاجة و أتسرّع في اتّخاذ القرار و أنا ألهث وراء الدقيقة الأخيرة .
ما هي إلا خطوات معدودات ويُرفع النعش عن الأكتاف قبل أن يستقرّ قرب فوهّة القبر ، عندها سيكبّر الناس وسينشدون نشيد الوطن ؛ ما زلت أحفظه : فدائي .. فدائي..
فدائي يا أرضي .. يا أرض الجدود
فدائي .. فدائي ..
فدائي يا شعبي .. يا شعب الخلود)
ويْحِي ! أيكون أحدٌ قد سمعني و أنا أهمس بهذا النشيد؟
و لماذا الهمس ؟ لماذا الهمس ؟
وجدتُها .. وجدتُها. بدايةً سأنشده بصوت خافت هكذا؛ ثمّ أتدرّج به صعودا.. أعلى .. أعلى.. أعلى..
يُدهش المشيّعون .. يتلفّتون إلى بعضهم مستغربين ، تتركّز أنظارهم على التابوت ..يتأكدون من مصدر الصوت ،فيسارعون إلى وضع التابوت أرضا .
يُفاجأون ببسمتي تقهر اصفرار الموت و يشهقون متعجّبين مطلقين صيحات التكبير ، فيتقاطر المشيّعون متكتّلين فوق النعش للتحقّق من الخبر.ينكبّون فوق رأسي مقبّلين غاسلين الموت عن جبهتي بعبَرات الفرح ثم يرفعونني على الأكتاف من جديد بعد أن يلقوا بالتابوت جانبا ويعودوا بي إلى البيت في مظاهرةِ ولادةٍ هي الأُولى من نوعها ، ترافقها صرخات التكبير و التهليل تشقّ أجواز الفضاء في انتظار جنازتي الثانية؛ جنازةٍ سأرسم لها خطة محكمة تبدأ فصولها عند الحاجز العسكري تماما ، و تنتهي بي شظايا إنسان يُكفّنها علم بلادي.

زاهية بنت البحر
22/04/2007, 06:27 PM
أتراها دموع الحزن تلك التي غسلت وجهي وأنا أضحك من هذه الحال التي نعيشها بين الحياة والموت ؟يظننا البعض أمواتًا عندما نُغيَّب رغمًا عنا ولو فكريًا دون الجسد ..ماأبدع هذا العرض بشكل عام ،استطعت أن تنزع القناع عن أمور كثيرة في مختلف شؤون الحياة ..كشفت الزيف والخداع والعداوة والنفاق ..قصة رائعة ليتني أستطيع التعقيب عليها فقرة فقرة فوالله هي تستحق ذلك ومن يفعل سوف يخرج بصيد ثمين وعيناه تغصان بالدموع وصدق من قال شر البلية مايضحك
(أسمع اللحظة صرير أبواب المحلات التجارية و هي تُغلق إجلالا لي و أعلم علم اليقين أنّ أصحاب المحلات يقومون بهذا التقليد رياءً، و أنهم لن يمشوا في جنازتي ؛ سيفضّلون أجر الدنيا على أجور الآخرة ؛ موكبي يخترق السوق إذًا . افرحي يا أمّي .. صار لي موكب .. استُجيب دعاؤك )
رحمها الله وأحسن إليها .
أما هذه فرائعة
(أين صرنا الآن ياترى ؟ ليت الطريق يطول نحو المقبرة ،كي أشبع من هذه التجربة الفريدة ، و أنا أتهزهز مُلتحِفا السماء مفترشا التابوت .
مَن مثلي و أنا أفترش رقاب العباد ؟)
أنت أديب فنان ..بوركت وهات المزيد منها بالله عليك :fl:
أختك
بنت البحر

عبد الحميد الغرباوي
23/04/2007, 07:12 PM
أطرح أمامك أخي سعيد و من خلالك أمام كل الأعضاء، وجهة نظر تتعلق بقضية فنية، اسمها " البعيد القريب المسافة"، و تختص باللغة الجمالية الفنية الجديدة التي تضبب ( من الضباب) الخط الفاصل بين الواقع و الخيال، بين مشهد واقعي، وثائقي، و مشهد متخيل في فيلم ، مثلا، أو بين أحداث/ قصص الحياة الحقيقية و القصص المتخيلة، أو التي هي من نسج الخيال.
إن من ينعتون قصصهم بالقصص الواقعية، يخلطون ما بين المدرسة الواقعية في الأدب و الواقع الحياتي المعيش، فالواقعية في الأدب لا علاقة لها بالواقع إلابمقدار ما تأخذ منه كمادة أولية تصلح لتصهر في قالب إبداعي تخيلي ، بعيدا عن الإخبار، و التوثيق الذي هو من اختصاص المخبر/ الصحفي أو الموثق أو المؤرخ..
إن اختراق الحاجز أو الحد الفاصل بين الواقع و الحلم أو المتخيل، اختراق يستدعي مرونة، و حذرا و يقظة كبيرين.
أسوق هذا في معرض تعليقي على نص " شظايا إنسان" لأشير إلى ركن تقني أساس في الكتابة السردية ( قصة، رواية، مسرح)، يُهمَل غالبا أثناء نسج خيوط قصة ما، و الأمر يتعلق بالأحداث و مدى مطابقتها لما يحدث في الواقع، و أيضا مدى ابتعادها أو تجاوزها لحدود الواقع، مع الحفاظ على ما هو مسلم به أو بديهي و يصعب التخلص منه، أو يصعب على العقل تقبله في حالة المس به أو إحداث تشوه أو خلل فيه.
إن سلامة اللغة من الخطل ، و سلاسة العبارات و حلاوتها و سحرها حتى، و بلاغة الخطابات المُتضمنة داخل النص، و البراعة في البناء، عوامل قد تلهي عن الوقوف عند بعض الأخطاء التقنية التي ، ربما، حتى الكاتب نفسه لم ينتبه إليها و هو يسوق أحداث النص..
و توظيف شخصية ميت/حي و استنطاقه (بصيغة المتكلم)، في عمل قصصي يستدعي أخذ الحذر، و استحضار كل المعطيات و العناصر التي تدخل في تكوين طبيعة الميت أولا، ثم في تكوين طبيعة الحي الذي لم يمت، أو كان يعتقد أنه ميت ثانيا...
لا أخفي عليك أني عرضت عملك على مجموعة من الأصدقاء و الصديقات، في ورشة أدبية، ليعطوا رأيهم فيه.
و ركز (أغلبهم) على الفرق بين الميت/الحي الذي يحمل على حامل إلى قبره ملفوفا في كفنه، و الآخر الذي يكون داخل صندوق(تابوت)، و مدى قدرته على أن يرى ما يدور و يجري حوله. ثم طرحوا مسألة الطب الشرعي الجنائي ، و التشريح الذي يقر بموت الضحية جراء طلقات نارية سددت إلى صدره و عنقه..ثم هذا الحي الميت، كيف استمر في غيبوبته رغم أن المؤشرات جميعها لامست الصفر..ثم كيف لم يوقظه لا مبضع الجراح و لا ماء غسله الفاتر، ثم و هو في التابوت الضيق ، كيف استطاعت يداه أن تلامس رجليه، و ليس ساقيه؟..و عن كمية الدماء التي نزفت منه.، أ ليست كافية لتدخله منطقة الخطر ثم الموت المحقق...ثم كيف يستطيع أن يلصق كفه اليسرى بأرضية التابوت و يصعد هامته ..؟ هل هذا التابوت من السعة ما يسمح للحي/ الميت أن يقوم بكل هذا الحركات؟... ثم كيف تمكن من مشاهدة والده و آخرين و هو مرفوع فوق الأكتاف..
تساؤلات أغلبها تستهدف الجانب التقني في سرد الأحداث و تطابقها أو عدم تطابقها مع ما يحدث في الواقع..
كما لا أخفي عنك أن فئة استحسنت عملك الأدبي هذا، و اعتبرت باقي التساؤلات لا مبرر لها مادام النص قد أمتعهم.
و في انتظار جنازته الثانية، لك مودتي أخي سعيد.

زاهية بنت البحر
27/04/2007, 12:54 PM
بعد هذه المداخلة للأستاذ الناقد عبد الحميد الغرباوي أقف هنا بانتظار عودة الأستاذ الناقد والقاص سعيد أبو نعسة ،وأنا على ثقة بأنني سأتعلم هنا أشياء جديدة في كتابة القصة ..:fl:
أختكم
بنت البحر

سعيد أبو نعسة
28/04/2007, 07:51 PM
أخي الكريم عبد الحميد الغرباوي
بداية أشكرك على الورشة النقدية التي استدعتها قصتي هذه و على هذه المداخلة القيمة
أتحدث في هذه القصة عن شهيد يُدفن في ثيابه فهو إذا طليق اليدين و الرجلين . و التوابيت ليست بالضيق الذي يمنع من الحركة بداخلها و أنت تعلم أن حاملي الشهيد يكونون في صخب و تهليل و حركات لا إرادية لا تجعلهم ينتبهون لما قد يحصل في داخل التابوت لأنهم أصلا لا يتوقعون صدور أي حركة من ميت .
أما بالنسبة لرجوع الميت إلى الحياة فكم سمعنا عن قصص مشابهة و قد عشت أنا نفسي هذه التجربة حين كنا نسير في جنازة عجوز بعد أن أقر الأطباء بوفاتها وتحركت داخل التابوت و عدنا بها إلى المنزل و قد عاشت بعد ذلك عشر سنوات .
إن إيجاد فضاء فنتازي يجمّل القصة ويرتحل بالقارئ إلى موقع الحدث حتى و لو كان تصديق المشهد صعبا فالعبرة دائما بأسلوب التناول .
و أسألك بصدق : هل عشت التجربة و تخيلت البطل في حركاته و سكناته ؟
إن كان جوابك بالإيجاب فقد نجح سعيد أبو نعسة في القصة تماما كما شهد زملاؤك الكرام وإن نسيت هذه القصة و أحداثها و لم يعلق في ذهنك منها شيء فهي قصة فاشلة .
أشكرك من الأعماق على تفاعلك مع القصة و أرجو أن تتكرم دائما بتشريح نصوصي
تحياتي لروحك الطاهرة و لجميع من أتعب نفسه في تشريح القصة

فاتن نبعه
31/07/2007, 08:28 PM
:fl:

بعد هذه المداخلة للأستاذ الناقد عبد الحميد الغرباوي أقف هنا بانتظار عودة الأستاذ الناقد والقاص سعيد أبو نعسة ،وأنا على ثقة بأنني سأتعلم هنا أشياء جديدة في كتابة القصة ..:fl:
أختكم
بنت البحر
اضم صوتي للاخت غاليه في مداخلتها الاولى والثانية على الرغم بانني لست اديبة ولا قاصة ولا ناقدة بل متذوقة فقط واقول للاستاذ الكبير الناقد عبد الحميد لقد استفدت كثيرا من مداخلتك بتعريفي فن الكتابة والنقد البناء ولي اضافة ، لقد استمتعت كثيرا في قراتي لقصة الاخ الناقد والقاص سعيد ابو نعسة واقول بان الكتابة هي الهام وقتي زمكاني احلى ما فيه ان تنطق ما تحس للتعبير عن شيئ ما وتجربة معينه وعندما نخضعه للتمحيص والقوانين يفقد كثيرا من الاحاسيس الصادقة والتي برأي هي اهم كثيرا من الكتابة تماما كالحكمة والامثال العفوية :fl: :fl: :fl: :fl: :fl: :fl: :fl: :good:

سعيد أبو نعسة
08/08/2007, 03:01 PM
أختي الكريمة فاتن نبعة
أشكرك على هذه المداخلة وهذا الإطراء
العمل الأدبي ليس مقالة موضوعية حتى نخضعه دائما لمقاييس العقل إذ يكفي القارئ أن يعايش الشخوص ويتفاعل مع الحدث و يناقش الأفكار الواردة في النص بينه و بين نفسه حتى تحصل الفائدة و الامتاع .
دمت مبدعة

عبد العزيز غوردو
19/08/2007, 12:22 AM
أخي المبدع سعيد:

ما أثاره الأستاذ عبد الحميد يمكن استدراكه قطعا...

خصوصا وأن أسلوب تناول الأحداث عندك ممتع حقا... ورصفها جميل جدا...

ما أثارني، شخصيا، في هذا النص: تقاطعه مع أحد نصوصي على هذه الصفحة بالذات: آخر المقامات...

غير أن النهاية عندي كانت درامية أكثر...

هل هو توارد خواطر؟؟؟

مودتي أيها المبدع الفذ...

سعيد أبو نعسة
26/08/2007, 02:46 PM
أخي الكريم عبد العزيز غوردو
الأفكار محدودة والذي يتكرر هو أسلوب تناولها لذا فتوارد الأفكار و تقاطعها أمر مبرر و شائع
دمت مبدعا