المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : العنف والعدوانية في أعمال الكاتب العبري ( ش. شالوم )



عبدالوهاب محمد الجبوري
25/06/2012, 09:33 PM
العنف والعدوانية في أعمال الكاتب العبري ( ش. شالوم )

الأدب مرآة الشعوب ومصدر إلهامها وعنوان حضارتها، فتقدم الأمم إنما يقاس في جانب منه بأدبها كما ونوعا، ولم يكن الأدب يوما إلا نتاج أحاسيس صادقة وكامنة تلحّ على الأديب ، من خلال تفاعله مع مجتمعه ، فيترجمها إلى كلمات يختلف مذاقها باختلاف المواقف : معاناة وبهجة ، إحباطاً وثورة وما إلى ذلك من ضروب الأدب ، والأديب الصادق كالشجرة الطيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل يوم ، وهو قادر على إيصال رسالته الإنسانية التي تحمّل مسؤوليتها عن طيب خاطر بعيدا عن الحقد والضغينة والكذب والارتزاق ..وآداب الأمم إفرازات طبيعية لها ومرآة للواقع المادي والفكري والروحي لها ، وتسجيل لحياتها وتطويرها ، والأحداث التاريخية التي مرت بها وواجهتها ، وهو الوسيلة الأدبية لتصوير دقائق الحياة اليومية لأي مجتمع من المجتمعات بكل تفاصيلها ومساراتها ..
لكن حين يكون الحديث عن الأدب العبري / الصهيوني فان الأمر يبدو مختلفا تماما ، ذلك لان هذا الأدب تشبَّع منذ بداياته الأولى بأفكار الحركة الصهيونية العنصـرية وأن الأدباء العبريين ، الذين تبنَّوا هذه الأفكار وروّجوا لها ، لا يمكن أن يخرجوا من بوتقة المباديء العنصرية التي رسمتها الدعاية الصهيــونية ودعت إلى تحقيقها بغض النظر عن الوسيلة ..
فالغاية التي توختها الحركة الصهيونية منذ البدايات الأولى لتأسيسها ، والتي انعكست بدورها على الأدب العبري ، هي إثارة الغرائز العدوانية لدى اليهود من جهة والتقليل من تأثير القدرات الإنسانية والتراث الإنساني من جهة ثانية ، وبذلك شكلت العدوانية والعنصرية والحقد والأنانية سمات خطيرة في الشخصية اليهودية بوجهيها الصهيوني والإسرائيلي، حتى أصبحت لا تحفظ عهدا ولا تراعي حق جوار ولا تكترث للآلام التي تسببها للآخرين عند ممارستها العدوان والظلم ضدهم ، وأصبحت كذلك فاقدة الإحساس ، ليس بمظهر اللامبالاة وحسب ، وإنما أيضا بمعنى الشخصية المجـردة من كل حس ، لكونها أنانية الطـبع ونرجسية النزعة ونيتشوية الفلسفة ..
واستمرت هذه الاتجاهات الصهيونية غالبة على الأدب العبري المعاصر حتى بعد تأسيس إسرائيل ويجسد هذا المضمون قول الأديب ( إسحــاق شاليف ) الذي يقول : ( علينا أن نعلم الشباب على أساس ارض إسرائيل الكاملة ، وهذا الأمر لا بد أن يتم بواسطة الأدباء ، في رياض الأطفال والمدارس وحركة الشباب والجندي والقائد في الجيش …. وبالفعل فقد استطاع الأدب العبري أن يقوم بهذا الدور على أحسن ما يكون ) .. كما أضيفت إلى هذه الاتجاهات أيضا موضوعات جديدة سواء كانت مستمدة من المجتمع اليهودي الاستيطاني الاحلالي أو التي فرضتها الأحداث التاريخية التي مرت بها المنطقة وعبّر فيها الأدب العبري عن وجهة نظر الحركة الصهيونية وأهدافها ..ومثال على الأدباء العبريين الذي يمثلون هذه الاتجاهات هو الكاتب ( ش. شالوم ) وقد اخترنا عددا من أعماله الأدبية كنموذج لمنهجه العدواني وفكره العنصري وقد توخينا درج النص العبري مع ترجمته لفائدة القاريء والمتابع والباحث :
ففي قصة له بعنوان ( במתח הגבוה ) ( بالتوتر العالي ) يدعو الكاتب إلى وجوب تدريس سفر يشوع لأطفال اليهود، ذلك الجزء من التوراة التي يعلمهم أساليب الاستيلاء والسطو والحرب العدوانية والانتقام ، فهم يعتبرونه مصدر الهام وشريعة مقدسة، فهو يغذي وجدانهم بمبررات الحرب والقسوة والوحشية ويمدهم بالإيمان لما يسعون إليه من أهداف استعمارية توسعية شوفينية .. فهو يقول : ( אבא שלי היה מורה שם וכשהוא למד אותי בשבת פרק ישעיהו, הרגשתי את המתח הגבוה הזה. אז כשלמדתי את הפרק בישעיהו ואני ילד קטן, כבר ידעתי שאני אהיה לוחם מלחמת ישראל ושאני אפול בקרב.. זה הוא המתח הגבוה ) وترجمتها : ( كان أبي معلما هناك ، وعندما علمني سفر يشوع في السبت، شعرت بهذا التوتر العالي حينئذ، وعندما درست سفر يشوع وأنا طفل صغير علمت أني سأصبح مقاتلا في حرب إسرائيل وإنني سأسقط في الحرب، وهذا هو التوتر العالي ) ..
وفي مكان آخر من القصة ذاتها ، يعمل الكاتب شالوم على إثارة الحماسة لدى الشباب اليهود لكي يبقوا يقظين ومستعدين لدخول ( الحرب المقدسة ) ويكملوا الاحتلال، ويتعمد الكاتب التذكير بوجود آلام وجروح عانى منها اليهود لكي تكون الحافز لهم لخوض الحرب وتحقيق أهدافهم: ( אנחנו מביאים את הגאולה.. אנחנו הנערים בישראל, שיודעים את החײם במתח הגבוה, לא לישון, לא להירדם, להיות ער, ער, לבנות עם חדש, אדם חדש.. אומה גדולה, וזה כואב לא ידעת כמה כואב, הכל זועק אזני מתחרשרת מן הזעקה שאני שומע מן הדם שלי הכואב אבל זה טוב.. זה ער, זה המתח הגבוה, אלה פעמי הגאולה, פעום, פעום, פעום צעוד, צעוד, צעוד, המשיח הנה בא, הידד הידד הנה בא ) ( نحن من يجلب الخلاص، نحن شباب إسرائيل الذين نعرف الحياة بتوتر عالٍ، لا للنوم، لا للرقاد، لنتيقظ ونستيقظ لبناء شعب جديد، إنسان جديد، أمة كبيرة، انه لمؤلم، آه لو تعرفين كم هو مؤلم، الكل مصاب، الكل يصرخ، أذني تكاد تصاب بالصمم من الصراخ الذي سمعت من دمي المتألم، ولكن هذا جيد، هذا متيقظ، انه التوتر العالي، هي أجراس الخلاص مرة بعد أخرى وخطوة بعد خطوة، الماشيح ها هو قد جاء، جاء مرحى. مرحى ها هو الماشيح ) ..

في مقطع اخر من القصة يحفز الأديب شالوم اليهود على الحرب مؤكدا أنهم أصبحوا دولة وشعبا ولديهم مؤسسة عسكرية كاملة وجنود مستعدون ومدربون على كل الأسلحة وهم رهن الإشارة لخوض الحرب: ( אנחנו כבר מדינה יהודית,.. אבל יש כבר בחורים שלנו ליד התותחים, ויש כבר בחורים שלנו על כנפי האוירונים ויש כבר בחורים שלנו בצי של ספינות קרב וכלם מחכים לאות ) ( نحن بالفعل دولة يهودية، ولكن هناك أيضا شبابنا قرب المدافع وشباب آخرون داخل الطائرات وشباب أيضا في أسطول السفن الحربية، وكلهم جاهزون للإشارة ) ..
وفي قصة حربية أخرى للكاتب ( ش. شالوم ) وهي ( יומן בגליל ) ( يوميات الجليل ) يبين فيها إن إذكاء نار الحرب وتسعيرها أمر حتمي وهو واجب كل يهودي مدعيا إنها حرب دفاعية وهو يريد بذلك إيصال رسالة إلى كل يهودي بوجود خطر دائم لا يمكن القضاء عليه إلا بالحرب:( בשיחות עם צעירי המושבה... ובלילות אני מאספם בבית העם מקבץ הנשק, עורך קבוצות ומלהיב לבבות למלחמת ההגנה.. ואם הרהור זו עולה בלבי או בלב משהו אחר אני מחניקו בחיתוליו, ואם דעת פושרת נשמעת מאיזה צד, יש החפץ לקרוע את בעליה כדג, דומה שסכנה נוראה סכנה שמחמת אי האפשרות להגדירה ולמצוא את מהותה ואשה לשחקים יגיע, סכנת מות הפרט וכליון הכלל צפויה מכל שיעיז בלבו לחשוב אחרת בימים שכאלה ) ( في أحاديث مع شباب المستوطنة... وفي الليالي كنت اجمعهم في بيت الشعب اجمع الأسلحة وانظم المجاميع وألهب القلوب بحماسة الحرب الدفاعية.. وإذا ما خطرت فكرة غريبة على بالي أو بال أي شخص آخر فسوف اقضي عليها في مهدها، وإذا ما طرح حل وسط من أي جانب فهناك رغبة لتمزيق صاحبه كالسمك.. كما لو كان هناك خطر مخيف، خطر بسبب عدم القدرة على وصفه أو إيجاد تكوينه، فيصل تأثيره إلى السماء، ذلك لان خطر موت الإنسان وفناء الجماعة سيصبح متوقعا لكل من توسوس له نفسه في تبني فكرة كهذه في مثل هذه الأيام ) ..
وتبرز عدوانية اليهودي، كما يصورها الكاتب في قصته، من خلال وصفه بالفرح والتهليل عندما يقتل إنسانا ويوضح أن سبب القتل هنا هو الرغبة في الحصول على وطن ، وبهذا المعنى تصبح الحرب – بالنسبة لهم - واجبا شرعيا، ويصبح القتل مقدسا إرضاء لأنبيائهم والتزاما بشرعيتهم ، لذا نجده يقول : ( פתאום נשמע קול.. רצחתי, קורא הקול, רצחתי אח, אדם, בשר ודם מולדת ביקשתי ומצאתי דם, דרור בקשתי ויקדם את פני הרצח.. הנה הוא הנהו האדם שרצחתי אני נינם של נביאים.. אני נכדם של קדושי עליון ) ( وفجأة سمع صوت.. كان ينادي: قتلت، قتلت أخا، إنسانا، دما ولحما، أردت وطنا ووجدت دما، طلبت الحرية فواجهت القتل.. ها هو الإنسان الذي قتلت، انظروا... أنا من ذرية الأنبياء.. أنا حفيد أولياء الرب ) ..
والاسم الكامل لشالوم – كما ذكرت موسوعة ويكيبيديا باللغة العبرية – هو ( شالوم يوسف شابيرا ) ، كاتب وشاعر ومترجم لغة عبرية ، ولد في 19 ديسمبر 1904 في بولندا وهاجر إلى فلسطين عام 1922 ، في عام 1925 انضم ووالده إلى جماعة الحسيديم الذين أسسوا كفار حسيديم في عمق زبولون .. عمل في بداية حياته مدرسا ، لكنه أصيب بمرض القلب وتوقف عن التدريس .. بدا أعماله النثرية بكتابات السير ، وتعتمد قصته ( يوميات الجليل ) على قصة عاطفية مع فتاة فلسطينية ، ثم أرسل إلى ألمانيا للدراسة ، أما قصته ( الشمعة التي لم تنطفيء ) فتعتمد على علاقة عاطفية أيضا مع طبيبة انتحرت بعد أن أتضح لها انه لن يترك زوجته .. وفي شعره العاطفي يلاحظ وجود رمزية طاغية على هذا النوع من كتاباته .. كما يتميز شعره أيضا بملامح من الأفكار الصوفية والحسيدية ... وقد توفي شالوم 1990 ) ..


مراجع مستفاد منها :
1 . محمد عفيفي مطر ، حول فهم لدراسة الأدب الصهيوني ، مجلة الأقلام العراقية ، إصدار وزارة الثقافة والفنون العراقية ، عدد 9 ، 1979حزيران
2 . دكتور علي عبدالرحمن ، القصة العبرية المعاصرة بين الحلم الصهيوني والكابوس الصليبي ، 1988
3 . ش . شالوم ، بالتوتر العالي ، القدس ، 1956 (ש. שלום ، במתח הגבוה ، ירושלים 1956 )