المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : نقد تعريف"الأصولية"لروجيه جارودي



سامح عسكر
26/07/2012, 10:58 PM
نقد تعريف"الأصولية"لروجيه جارودي


بقلم/ عصام سلطان


نقد تعريف"الأصولية"لروجيه جارودي


الأصولية كما أفهمها هي الإرتكاز علي أصول القيم والمبادئ التي دعت إليها كافة الأديان ، تلك الأصولية لا تنحرف عن التفكير المستقيم الذي يجعل العلماني والإخواني والمسلم والمسيحي والمؤمن والملحد والسني والشيعي أسوياء أمام القانون ونظام الدولة...وبالتالي فأنا أُفهمها من وحي مفهوم الأصل، .وليس لي شأن بالأصولية المتعارف عليها لدي أكثر الاذهان بأنها رمز من رموز الإنحطاط والجمود والعُنف..كمثل تعريف"روجيه جارودي" الذي قال:

" تقوم الأصولية على معتقد ديني أو سياسي مع الشكل الثقافي أو المؤسسي الذي تمكنت من ارتدائه في عصر سابق من تاريخها. وهكذا تعتقد أنها تمتلك حقيقة مطلقة و أنها تملك حق فرضها .

و المكونات الأساسية للأصولية هي:

1 – الجمودية،و رفض التكيف،جمودا معارضا لكل نمو أو تطور.
2– العودة الى الماضي ( و الانتساب الى التراث،والمحافظة ) –
3-عدم التسامح ،الانغلاق،التحجر المذهبي،التصلب، العناد والكفاح.


أي يمكن للأصولية أن تضع نفسها كجمودية في مواجهة التطور،كتراث في مواجهة الحداثة،كتحجر مذهبي في مواجهة الحياد الموضوعي ." و يضيف غار ودي " لا يمكن لنقد الأصولية أن يكون فعالا إلا إذا استند أولا الى معرفة الآخرين السخية أو معتقداتهم التي تشكل الأصولية تشويها لها.على هذا النحو فقط سنتمكن من مساعدة الآخر على فهم أن ما يسميه دفاعا عن إيمانه و ثقافته هو "أصولية" لأنه وحدّ إيمانه مع الشكل الثقافي أو المؤسسي الذي ارتداه في مراحل سابقة من تاريخه، و لأنه لا يدرك هذا التاريخ في شموليته.فيالها من كفاية غريبة، كفاية الاعتقاد المحض بالتفوق الثقافي الذاتي، فقط لأن المرء يجهل كل الثقافات الأخرى،التي يمكننا انطلاقا منها أن نمتلك نظرة ناقدة الى ثقافتنا و مشتقاتها"

ويضيف غار ودي فيما يخص الأصولية الإسلامية قائلا:

"لا ينطلق الأصوليون المسلمون من الماضي لأحياء أسلام يجيب عن أسئلة عصرنا الحيوية،بل الأمور تجري كلها و كأن المسلم في نظرهم،يعني العيش كرعية الخلفاء العباسيين منذ أكثر من عشرة قرون تقريبا.و الحال فأن الألف سنة التي توقظ الأمل لدى الجماهير الشعبية بعصر ذهبي،توجه شطر تعابير رمزية عن هذا الرجوع:محرمات كسائية أو عبادية تحول شرطا جميلا من شروط الطهارة الى طهرانية شكلية، و من هنا عجز الأصوليين عن تكوين مشروع مجتمعي- تكوين فقه القرن العشرين-.ان برنامج القادة الإسلاميين يتحول الى تكرار،ذي طموح تهذيبي و أخلاقي، لصنع تجريدية من القرآن و السنة منذ ألف سنة،منفصلة عن سياقها في القرآن و في التاريخ.و هم بذلك لا يدعون الى إعمال الفكر و مبدأ المشاركة،بل يدعون الى الانقياد السلبي للزعماء الدينيين، محترفي الدين ومرتزقته، الذين يجعلون أنفسهم بمثابة موظفين لدى المطلق خلافا للأحكام القرآنية. ان حركات كهذه تكون طريدة سهلة لقوى أجنبية جاهزة دائما لتمويلها بسخاء،لأنها تعزز كل السلطات الأمر الذي يسمح لهذه القوى،بتوطيد وصايتها الأيديولوجية من خلال تبعية اقتصادية"

ومن رؤية جارودي يبتين لنا بأنه يرى الأصولية واحدة وهي تعبير عن حالة تخلف وقهر ديني واجتماعي وثقافي تعاني منه الأمم، ولكن لو عدنا إلى أصل المصطلح نفسه فسنرى أن له معنيين واحد في اللغة والثاني في الإصطلاح المتعارف عليه..وقد يشترك معني الكلمة بين الإثنين-كمشترك معنوي، وتلك المصطلحات كالأصولية لا ينبغي إستخدامها إلا في إطار اللغة والإصطلاحات..لذلك فأنا أعارض جاروي في رؤيته تلك وسأستخدم أسلوب المشاكلة معه قليلاً:

حسب فهمي للقصة بكاملها أري أن كل دين به من المزايا ما يعينه علي البقاء، الحق الخير الجمال ..أي قيم إنسانية لها أصول في الأديان، وبالتالي أصبح استخدام الأصولية مسموحا به في إطار تعريفات معينة وهو ما حاولت فهمه...

أري الأصولية مبادئ عامة تدعو لها الأديان وتتقاطع فيها الأفكار

وهو يرى الأصولية بأنها رجعية وتزمت وعودة بالأفكار عن العصرنة ومخالفتها للواقع..


ماذا لو رأينا -مثلا- ما ينقض فكرة جارودي عن مكونات الأصولية..بحيث تكون كالتالي

1 – المرونة والتكيف، مرونة موافقة لكل نمو أو تطور.

2-العودة الى مبادئ وأصول الماضي ( و الانتساب الى التراث،والعمل علي فهمه وعصرنته )

3– التسامح ،الانفتاح،قبول الآخر،الكفاح.

ألا يجوز لنا أن نطلق عليها تلك التوصيفات أم ماذا؟

قد تكون آلية جارودي التي رصد بها الحالة هو قياسه على الشاذ والمُنكر! .يعني باختصارهو يدعو للتخلص من أصول الأديان وأفكارها ومبادئها بدعوي المبادئ وإن لم يصرح....والرد على ذلك سهل وبسيط فحضارة المسلمين مثلما كان بها السئ كان بها الحسن، ومثلما كان هناك الأصوليون المقلدون الجامدون كان هناك أيضا الأصوليون العقلانيون المجددون..شكلوا الإثنين طرفي صراع دائم في الأديان وليس فقط في الإسلام..

تيار الغلو الأصولي غالبا ما يأخذ من عُرفه وطِباع مجتمعه ويقيده إلي النص المستهدف بحيث يقوموا علي تطويع الواقع للنص، وهؤلاء مُنكر عليهم أفكارهم وفي العقود الأخيرة برزت حالة تجديد فكري ارتقائي واجهت تلك التطويعات المخلة بالإنكار والعلم..ولكن في المحصلة هناك أصل وعدة أفهام..

أيضا هناك أنواع أخري من الغلو الأصولي الذي تصدي له المجددون كالخرافة والشعوذة من جهة والإدعاء بإخضاع فكرة الغيب للتجربة، فمقام العقل ثابت في الإسلام واستخدامه للسببية لإثبات العلاقة بين الأسباب والمسببات موجود..


الشاهد أن الوقوف عند حرفية النص وظواهره هي التي تُمكن لناقدي فكرة الدين من النقد اعتماد أيضا علي نفس النص..بينما ينادي الإسلام بالوسطية في الفهم، لا للوقوف علي حرفية النص ولا لتأويله لإفراغه من معناه اللغوي والإصطلاحي..وهذه مشكلة فكرية تواجه ذوي الأصولية المنقودة عند جارودي وبين دعاة المادية في نقدهم لذات الأفكار المنقودة..

لا أتنكر أبدا لتاريخ المسلمين والذي كان في أغلبه تاريخا استبداديا، ولكن الحُكم بناءا عليه يفرض علينا الحُكم علي ذلات وهنات حضارات الغرب، والقياس علي القمع الفكري الذي يواجهه الآخر في بعض البلدان التي تتسم بالحضارة..ناهيك عن التغاضي عن المحيط الثقافي للحضارات وتناسي دور الحداثة في رفعتها ، لا نقيس أبدا واقعا إعلاميا واقتصاديا واجتماعيا لزمنين كان الواقع فيهما أكثر صلابة وتجذرا وتدقيقا وتطورا في زمن دون الآخر...ومعه لا يصح التنكر لمسلمين ركبوا قطار الحداثة حتي لو كانوا علي أول الطريق...فهم جارودي هذا أًصولي بحت"حسب توصيفه" يقابله فهم الأصولي السلفي


أيضاً في حين بعد مرور مئات الأعوام علي نشوء حضارة الغرب لم نراه يلتفت إلي أي فلسفة اجتماعية تؤصل للقيم والأخلاق بعيدا عن المادة..فهم يفتقدونها، لذا كان من الطبيعي أن تنشأ لدي الغرب ثقافة استهلاكية للفرد عرفت الحياة لديها في حريات أربعة" سياسية واقتصادية وفكرية وشخصية"..فأين الحيز الإجتماعي الذي يشغل العقل الغربي..لن تجده إلا في إطار اقتصادي..فمن الطبيعي إذا أن لا تجد خُلق الإيثار لديهم إلا للمصلحة..أما إيثار للإيثار فلن نجده ....

حتي الإطار الإصلاحي لدي العقل الغربي مرتبط بخطوط الإنتاج وكيفية توفير الماة الخام والسوق الإستهلاكية بأي وسيلة حتي لو كانت بطريقة غير مشروعة، حتي لو ادي ذلك إلي احتلال شعوب وإراقة دماء..وأنا متأكد أن الحضارة الغربية لو كانت من ذوي الأديان والمدافعين عنها لفرضت دينها بالقوة، ومن لم يكن كاثوليكيا فلن يتمتع بالإمتيازات..

الخلاصة أنني أرى أن الأصولية -كتعريف وكمفهوم- قابلة للتعريف حسب المعطيات والشواهد وهاتين متغيرتين فلا ثبات للتعريف من رؤية قد ترى المثالب وتتنكر للمحاسن، وهذا تشجيع على إظهار المحاسن على كل حال، فالمسألة تتجاوز قضية التعريفات إلى قضايا النهضة، وقد نرى الأصولي لا أصولي والعكس.