المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الحرب الأهلية السورية بين ظلم الحكومة والمعارضة



سامح عسكر
13/10/2012, 09:13 PM
بقلم: سامح عسكر

الحرب الأهلية السورية بين ظلم الحكومة والمعارضة

إن معنى وجود حرب أهلية في مكان يعني أن هناك خللاً ما يحصل، خللاً لا يراعي التطور الفكري للبشرية من جانب وسوء تقدير الأوضاع من جانبٍ آخر، ويشترك في ذلك كلا الطرفين المتصارعين في سوريا الحكومة والمعارضة..وإن كنت أصنف المعارضة السورية إلى وجهين سياسي وعسكري، والوجه السياسي ينقسم هو الآخر إلى صنفين سلمي وعنفي والوجه العسكري إلى صنفين وطني وأجنبي..ويبقى السلوك السلمي هو الأبرز من حيث الصمود الفكري وقوة الرؤية، حيث تظل طبيعة عمل الثورات خاضعة لتأثير السلوك السلمي في بناء قوة معنوية فكرية بعيدة عن همجية الحشد وتهور الرعاع...بينما سلوك العنف يؤدي –على الأرجح-إلى علوّ النزعة والأيدلوجيا على دون النظر للغرض الأسمى من وراء العمل الثوري..وأظن أن الأخيرة هي التي تسببت في تحول"الثورة السورية"..من ثورة مشروعة بحاجة لتقييم وتوجيه إلى حرب أهلية أنتجت لنا قوى دينية وعِرقية متطرفة تكاد تكون هي المحرك الأصلي لهذه الحرب.

البعض يعول على الدور الغربي في الحل من حيث إجبار الحكومة السورية على التنحي سواء بالضغط السياسي والاقتصادي أو بالتدخل العسكري من وحي ما حدث في ليبيا والعراق وأفغانستان..ولكن الخيار الأول إن اعتددنا به كخيار فعّال فهو مجرب مع الحكومة منذ نشأة النظام السوري على أيدي قوى البعث الأسدية وأنصارها، ومع ذلك لم يُفلح هذا الخيار في إضعاف النظام داخليا أو خارجيا، بل وجدنا أن سوريا -تحت حُكم عائلة الأسد-هي الأبرز من بين دول المنطقة تخلياً عن مساعدات الغرب أو الاستدانة من البنك الدولي، إضافة إلى توفّر جميع الخدمات الحكومية للشعب مجاناً بدءاً من التعليم إلى الصحة، وفي الجزئية السياسية كانت سوريا هي الحليف الرسمي بل تكاد تكون من أقوى الحُلفاء والداعمين للمقاومة العربية والإسلامية ضد إسرائيل، إضافة إلى علاقاتها الجيدة مع كافة دول الجوار ...لذلك كان أي ضغط على النظام السوري أنظر إليه بعين الشفقة وكأن الإنسان لا يتعظ من تجارب الماضي بل ويخشى حرب الأٌقوياء بينما يستأسد على قبائل ليبيا وجماعة طالبان وجيش صدام المتهالك.

كذلك يعول البعض على الدور التركي والذي تحول في عام ونيف من صديق حميم للأسد إلى عدو لدود في مفارقة سياسية تنم عن عدة وجوه لا تخلو من العَجَب أو الريبة، وحتى الآن لا أستطيع تفسير هذا التحول الدراماتيكي إلا كون الحكومة التركية تأثرت بالخطاب الإعلامي الذي جاء في وقت حسّاس تمر به المنطقة العربية بتحولات سياسية جذرية تحت شعارات العمل الثوري والتغيير وإسقاط الأنظمة السياسية...يعني لو جاءت الأزمة السورية في ظل وضع محدود غير تلك الظروف لرأينا وساطة تركية حقيقية وتصفير حقيقي للمُشكلات وليس على طريقة أوغلو بأن تركيا تتبع سياسة تصفير الخلافات...حقيقة هذه التصريحات التي أطلقها داوود أوغلو تذكرني بمشروع "النهضة" الإخواني الذي بشرنا به المرشح السابق لجماعة الإخوان"خيرت الشاطر"وبعد استبعاده جاء بعده الدكتور محمد مرسي ليتولى رئاسة الجمهورية ثم يتبني هو الآخر ذلك المشروع والذي اكتشفنا أنه مشروع"فكري" وأنه على الجانب الاقتصادي لم يفلح –حتى الآن-إلا في ترخيص سعر"المانجة" وسداد ديون "بعض" الفلاحين..وعلى الجانب السياسي تعمقت العلاقات المصرية مع الأتراك ودول الخليج في حين تدهورت العلاقات مع سوريا وحلفائها وداعميها في المنطقة.

ربما كان العامل الأيدلوجي الذي يجمع المعارضة السورية"الإخوانية" بحُكام مصر"الإخوان"..هو السبب في ذلك التطور، خاصة بعد ظهور بعض الدعوات من داخل التيار الإخواني يطالب بالقطيعة أيضاً مع إيران، وكأن العلاقات مع إيران كانت موصولة في مفارقة غريبة تشير إلى أن الإخوان ينحون منحى التفرقة بين الشعوب العربية والإسلامية على خلفيات أيدلوجية حزبية إضافة إلى العامل المذهبي، لذلك توقعت ومنذ بروز الأزمة السورية -كأزمة مفصلية إقليمية ودولية- أن التيار الإسلامي سينشغل أكثر بالرؤية الدينية ويبني عليها أحكامه على حساب السياسة وتعقيداتها..وهذه السياسة هي مخالفة –إلى حد كبير-لسياسة الشيخ حسن البنا "مؤسس جماعة الإخوان"الذي ظل يحلم بالتقارب العربي والإسلامي ونزع الخلافات بتضييق مساحة الخلاف وحصرها داخل كانتونات يناقشها المثقفين داخل الغُرف المغلقة.

حقيقة لا الأتراك ولا عرب الخليج قادرين على الحل في سوريا إلا بتغيير جذري في سياساتهم القائمة على التحريض والتجييش والدعم المالي والعسكري والإعلامي بحجة الثورة واستخدام مفرداتها على ألسنة القادة..وهذه حقيقة يفر منها هؤلاء القادة في سلوك غريب حملهم على تجاهل هذا الأمر بعد مرور أكثر من عام ونصف دون إجراء أي تغيير في الأفكار والتوجهات..بل رأينا مساحة العداء تتسع مع مرور الوقت دون تحقيق أي انتصار لأي طرفٍ كان في ظرف شبيه بما مرّ به الإنسان إبان الحروب العالمية ،ومن يعي جيداً لأمانة التاريخ المحفوظة داخل وجدان كل إنسان سيرى أن التاريخ سيلعن أي مسئول أو حكومة أو تيار أو حزب تسبب في هذه الحرب الأهلية أو استمرارها .

كذلك فالحكومة السورية لا تقل خطرا وحلفائها عن معارضتها، فلا زالت لغة التقديس تسري في دماء السوريين ورفع الصور والهتاف للقائد وما إلى ذلك من سلوك رجعي لا يمت بصلة لعصر الإعلام والسياسة، كذلك والتباكي على دور المقاومة وكأن الحكومة هي حامية الحِمى للعرب من بين أنياب النمر الصهيوني لم يعد مقبولاً..فمشاهد القتل والترويع هي الدليل الأبرز على كذب هذه الشعارات وأن الحكومة أصبحت لدى هؤلاء هي مفتاح الجنة وهي الممثل الحقيقي للإسلام حتى لو على حساب القتلى والمكلومين..ومع ذلك فللإنصاف..فالحكومة السورية يُشهد لها طلبها للسلام لإنهاء الأزمة، ولكن على ما يبدو أنه أصبح طلباً غير مقبول في ظل التحدي الأبرز الذي يواجه المعارضة لو فشلت تحركاتهم حينها سيكتب التاريخ أنهم كانوا مجموعة من الخونة واللصوص اعتدوا على سوريا الدولة والإنسان...فالتاريخ يُكتب على هوى السلطان..ولا مفر لهؤلاء ولا لهؤلاء من السلام..في تحدى مفصلي يفرق بين ظلم الحكومة ومعارضتها.