المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : تصـدع الإخـوان



سامح عسكر
17/10/2012, 03:56 PM
بقلم:سامح عسكر

تصدع الإخوان(لوحة الضمور)

كنت لا أود الكتابة في مثل هذه الظروف السياسية التي تمر بها مصر، فاليوم وبعد ما يقرب من عامين على إنجاز ثورة 25 يناير تحدث اشتباكات مؤلمة في ميادين مصر بين الإخوان ومؤيدي الرئيس مرسي وبين كافة الفصائل المدنية المعارضة، ولن أخوض في التفاصيل ولا في التعرض لدوافع هذا أو ذاك، إنما ما يهمني في هذا المجال هو استخلاص العبر التي طالما كنا نشدد عليها قديما وحديثاً، أن الإخوان في حقيقتهم لا يختلفون عن طبيعة الشعب المصري التي ترفض الوصاية الدينية، ولكن بتأثرهم بالنزعة السلفية التي طغت على الوعي الإخواني في السنوات ال30 الأخيرة انتقلوا من الحالة الافتراضية التي كانت تميزهم مع الشعب المصري -والتي من أهم سماتها الوسطية والوضوح- إلى حالة أخرى أقرب التناقض والغموض وخداع الذات.

مثال بارز ما ظهر اليوم على شكل تصريحات سياسية لكبار قادة الإخوان ومنه ما كان للدكتور محمود غزلان عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان، والذي صرح بأن الإخوان لم ينزلوا ميدان التحرير قبل الرابعة عصراً وبعدها بقليل يخرج علينا عصام العريان يطالب بانسحاب مجموعات شباب الإخوان من الميدان ويطالبهم بالتوجه لدار القضاء العالي للتظاهر ضد النائب العام..وبهذا يكون العريان شاهد إثبات على كذب عضو مكتب الإرشاد الذي لم يكن يعلم بأن الإخوان"يجاهدون" ضد "الكفار العلمانيين" في ميدان التحرير!..منظر أشبه بالدراما الفلكلورية في مرتفعات التبت، فيظهر البطل في نهاية المشهد ليخلص الأسرى بعد شرور إبليس فيجد نفسه مطلوب الرأس وبالإسم..

الرواق السياسي أشبه بالمستطيل الأخضر لن يفوز في المباراة إلا القوي الذي لا يعتمد على التوفيق كعامل رئيسي، والإخوان لا يتعلمون من أخطائهم، فبعد "خيبة" استدعاء البرلمان تأتي إلينا "نكسة" النائب العام والذي أصر مرسي أن يكون خصمه اللدود في المرحلة المقبلة، وكله في إطار خطة التمكين التي اعتمدها مكتب الإرشاد متناسين أن الشعب المصري يئن تحت وطأة الأزمات، وأن التمكين يعقبه مسائلة ستقصي الجماعة نهائياً بإخراج الكارت الأحمر، وبخروج الإخوان من الرواق السياسي يتبقى لدينا مشهداً في غاية التأثير، جماعة ظلت طوال 80 عاماً مضطهدة من قِبل كافة الأنظمة السياسية الحاكمة، وفور اعتلائها سدة الحكم تُخرج كافة مكنوناتها المخزونة في "العقل الجمعي" ويحاسبون بها الشعب فرداً فرداً، حتى لو أنك أقدمت على انتقاد الإخوان أو الرئيس مرسي يُفاجئك شخص بالقول.."هذه جماعة كانت مظلومة فاعطوها فرصة"..وكأن قدر الشعب المصري أن يعطي فرصة لأبناء محمد علي ومن أعقبهم من رؤساء انحطت مصر في عهدهم بعد ما ظلت طوال عدة قرون هي الرائدة والقدوة.

قد ينجح الرئيس مرسي وجماعة الإخوان في الاستحواذ على القضاء المصري وإقصاء النائب العام، ولكنه يبقى حدثاً فارقاً يُظهر لنا أننا أمام جماعة لا تعمل للمبادئ العامة ولا تحترم الدستور ولا القانون، وأن دموعهم في الماضي من ظلم مبارك وعبدالناصر والسادات لم تكن سوى دموعاً للتماسيح ذرفتها عيونهم في لحظاتٍ من الحسرة والانكسار، تعاطف الشعب المصري معهم ولم يحفظوا له الجميل، فكان الجميل أن كان الشعب كله فلول وعملاء، وأن من يعارض مرسي فالنار أولى به...حقيقةً وللإنصاف فأكثرية الجيل القديم للإخوان كان أفضل من الجيل الحالي والذي لم يعد يرقى لحمل دعوة كبيرة نالت من الشهرة بالوسطية والفهم والمناداة بتوحيد المسلمين كجماعة الإخوان، وهنا أفرق بين المشهور والحقيقي، فأظن أن ما اشتهر به الإخوان لم يتحقق صراحة إلا في بضع سنين من عصر أول مكتب إرشاد في عصر الجماعة، بعدها انقلب الإخوان لمنفعتهم دون المنفعة العامة واستفحل الأمر بعد استشهاد حسن البنا –رحمه الله.

إن ضمور الإخوان الحقيقي ليس سياسياً فحسب بل هو وجه من أوجه الضمور الأصيلة التي ترسبت في الوعي الإخواني دون أن يشعروا بحجم الكارثة..يتكلمون عن ضرورة تطبيق الشريعة ثم يؤمنون بالديمقراطية متناسين أن الديمقراطية تفرض عليهم رأي الشعب والذي قد يتعارض مع رؤيتهم حول الشرع..يتكلمون عن الخلافة وكأنهم يعيشون في عصر بني أمية وبني العباس وبني عثمان ثم يتجاهلون سايكس بيكو والثورة الرقمية وعصر الصورة وسيادة المشهد بالضبط كتجاهلهم للثورة العلمية التي أطاحت بمعظم التراث الروائي الذي شكّل- حتى أواخر ازدهار عصر العثمانيين- أصلاً من أصول الفهم السياسي وفكر الخلافة وشيوع مبادئ الشورى على رأي السلطان وحاشيته.

إن ما يعاني منه الإخوان من أزمة وعي وثقافة لا ينفصل عن أزمة الفكر السني والشيعي بالعموم، فكلاهما لا يعيشان الواقع، فترى الشيعي يبكي على الإمام الذي يختاره"بالنص" ثم يذهب للإدلاء بصوته في انتخابات لاختيار إمامه والذي لم يعد بالنص في مفارقة عجيبة!..ثم ترى السني يلعن القانون الوضعي والفرنسي والألماني والنيوزيلاندي والدستور الأمريكي والتنزاني ثم يذهب للتصويت بنعم على نفس الدستور والذي لم يعد ملعوناً!...إنها أزمة وعي لم تقف عند حدود السياسة بل تجاوزتها للأخلاق، حيث اعتبروا أن كل من يكشف لهم أزمتهم وطُرق تفكيرهم العقيمة أصبح عميلاً مرتزقا لا يُقبل منها صرفاً ولا عدلا...ياله من ضمور!

سامح عسكر
17/10/2012, 04:00 PM
تصدع الإخوان(النقد المحرم)

منذ نشأة جماعة الإخوان كتنظيم دعوي لم يكن في حسبان القائمين عليها أن يطغى دورها السياسي على الدعوي، فالتربية في قوام العقل الجمعي الإخواني هي الأساس، ومما ساعد في نمو هذا الأصل كثرة المظالم التي تعرضت لها الجماعة على أيدي النافذين في السلطة،فالتأثير السيكولوجي في بناء وتشكيل الرأي عظيم بل وفي تفسير الأحداث لا يقل أهمية أيضاً، ومن هذه الخلفية تُبنى المرجعية ولكن ظهورها لا يجمع بين العقل والروح فتبقى المرجعية أسيرة لأحدهم دوناً عن الآخر، بمعنى أن الجمع إن كان دافعه العاطفة فالتأثير سيكون على الروح أقرب، وبتراكم الحالات نشأت لدى الإخوان قوة روحية عضدت بين الكوادر وجعلتهم أكثر تلاحماً..وهذا طبيعي في ظل سيطرة القوة الغاشمة على الحق المطلق والنسبي أيضاً ..فلا مكان للرأي الآخر.

الجماعة من الداخل تفتقر للنقد.."العنيف"..فهي لا تقبل أي نقد حاد كونه- في العُرف الإخواني- خروجاً على النظام العام وتمرداً على الفكرة..هناك سلوك نقدي داخلي ولكن بمقدار الاستدراكات والاستشكالات ولا يقبلون الطعن بأيٍ من "المسلمات" ولو كان المبرر حاضراً وقويا..هذا هو فهمهم للشورى وأنه من الأدب أن لا يكون النقد حاداً أو عنيفاً مهما بلغ الضرر والخطأ مبلغه..هذا الوضع طبيعي في ظل سيادة الروح على العقل وبالتالي علو المُجاملات على حساب الثقافة ، فكم من مثقف ترك الجماعة ليس لأجل تمرده على الفكرة بل لاتساع معارفه واستشكال أمور أعظم من قدرات الجماعة أن تناقشها ولو على مستوى النُخب.فالكيان التنظيمي القائم على العمل الجماعي في الغالب لا يستوعب قيمة السؤال وأهميته في البناء،بالضبط كالعمل العسكري لا يجوز فيه السؤال ولو جاز فهو في أضيق الحدود ويبقى الرأي الأول والأخير للقائد..هذا بالضبط ما يحدث داخل الجماعة.

إن اختياري لمُصطلح.."النقد العنيف".. لم يأتِ جزافاً....حيث ما دام الإنسان-في الغالب- يجهل العلل التي تدفعه لأفعاله فهو بالكاد يصادر حرية الآخرين، لأنه يظن في قرارة نفسه أنه السيد والوصي وأنه الآمر الناهي ولو –ولو بعقل الجماعة-فينشأ لديه شعور لا يقبل التخطئة ،خاصةً في ما يظنه مسلمات وبالتالي لا يبرز من قيمة النقد سوى الحوار، والذي يتم في الأعم الأغلب على شكل حوار أخوي هو عماد صورة.."الشورى"..في أذهانهم...هذا السلوك يحجب الحقيقة لديهم وذلك لأنهم يخلطون بين مفهوم الإنسان كونه غاية وكونه وسيلة في ذات الوقت، فيصادرون الإنسان الغاية لحساب الإنسان الوسيلة بمعنى أن الإنسان الوسيلة وجوده ممكن لوجودهم الواجب -في مضامير عمل الجماعة، ..فالكوادر جميعهم مسخرون لخدمة القادة وبالتالي فلا يجوز النقد العنيف كونه يُخرج الإنسان الوسيلة لديهم من إنسان تابع إلى إنسان مستقل ليس فقط ذاتياً بل أيضاً مستقل الإرادة..وهنا الخط الأحمر الذي يهابه كل إخواني..ففتح الباب أمام استقلال الإرادة يعني انهيار عمل الجماعة، ذلك كونه الجماعة نشأت للعمل التنظيمي الذي لا يعرف سوى مبادئ السمع والطاعة في المنشط والمكره.

إن حُرمة النقد العنيف داخل الجماعة خلقت لديهم ضعفاً ثقافياً وعزلاً اجتماعياً هائلاً..ولولا تودد الكادر الإخواني للشعب بما نشأ عليه من أخلاق تربوية لما كان للإخوان أي شعبية ولثار عليهم المجتمع كما يثور على أي تيار يجعل من تياره هويته، فيُفرق بين الناس على أسس الانتماء الحزبي سواء كان سياسياً أو دينياً ، تحدث تلك العملية ولو بالإضمار الذي ينعكس أحياناً على سلوكهم وتصريحاتهم..هم يعتقدون أن هذا التودد هو جوهر الإسلام الذي سيُقرّب إليهم الحُلم الأعظم ألا وهو.."أستاذية العالم"..وهذا جهل مركب يعاني منه الكوادر والقيادات على حدٍ سواء..فمعنى التودد سواء بالقول أو بالفعل أو بالعمل الخيري والاجتماعي أو بمعارضة الحاكم الظالم ليس كافياً كونه يخضع لرقابة الثقافة، فهي التي يستطيع بها الإخواني تجريد كافة أعماله السابقة وإدخالها في مضمار الإصلاح، وبدون الثقافة يفشل الكادر الإخواني في ترجمة وتفسير بعض الأحداث فيفشل في التعاطي معها والتي تكون في الغالب أحداث مفصلية أو نتائج لمقدمات منهج الجماعة أو لرواسب أخلاقية وسياسية تورطت فيها الجماعة عن جهل أو عن عمد.

أعتقد أن الخروج من هذه الأزمة الفكرية -والتي ربما تطيح بالجماعة-أن يُقدم قادتها وشيوخها على أحد اختيارين هما أصعب من بعض..الأول هو حل الجماعة وحصر أعمالها في عمل الحزب السياسي..الثاني هو السماح بتعدد الأحزاب داخل الجماعة وترك حرية التحزب السياسي للكادر الإخواني يختار أيما يشاء من أحزاب على الساحة ينضم إليها..والاختيار الثاني أؤيده بشده حيث فوائده أعظم من أن تُحصر في مقال..وأعتقد أن امتناع الجماعة عن عدم تطوير نفسها سواء بإجراء تغيير جوهري في هيكلتها أو تذمرها من أي نقد عنيف هو ثمرة من ثمرات التفكير من داخل النَسَق والتي تعاني منه الجماعة منذ وفاة الشيخ حسن البنا..فالرأي الآخر يكاد يكون موضع شبهة و متآمر وأنه يريد منفعته على حساب الجماعة..هذا سلوك مبرر أخلاقياً كونها نشأت في ظروف معقدة حتى أن مرور الحقب السياسية عليها كان مروراً ليس لطيفاً..بينما الحقيقة أن إهمال الرأي الآخر كان هو السمة الأبرز التي صنعت صورة عن الإخوان أقرب للبراجماتية.

أعتقد أنه لولا تسلط السياسيين على معارضيهم في مصر لرأينا جماعة إخوان أخرى غير التي نراها، فما بين عشية وضحاها أمست الجماعة في كرسي الحكم ساعين للتمكين بكل ما أوتوا من قوة، ووضع كهذا يخلق صداماً لم تكن تتوقعه الجماعة، فدائرة الإصلاح المجتمعية في وعيهم الجمعي قد تكون سراباً في عقول ووجدان الأغلبية قبيل العام 2011..بينما وكان الإضمار يعلو على التصريح خاصة في قضايا ذات أهمية .."كالديمقراطية والشريعة"..رأينا تخبطاً سياسياً وفكرياً أثناء كافة الانتخابات بعيد قيام ثورة 25 يناير..فيُقال نحن ديمقراطيون وسنطبق الشريعة ثم يسأل سائل ومتى ستطبقون الشريعة؟..الجواب: ليس الآن!!..هذا تصرف غريب وهو أعظم دلالة على عدم وضوح الفكرة الإصلاحية في العقل الجمعي الإخواني ككل، فمسألة التصريح بالشريعة يضعك أمام خيارين:

أحدهم هو تفهمك الكامل لقضية الإصلاح والشريعة وطريقة المزج بين أي نقيضين أو التعامل معهم، مما سيدفع الجماعة لشرح الفكرة شرحاً مستوفياً يتضمن برنامجاً مميزاً لم يسبقهم إليه أحد في أصول غير مشتركة تضع الجماعة على رأس جميع النخب المثقفة، وهذا لم يحدث، حيث وبشبهة بسيطة كالموقف من النص والتاريخ والاستفهام عن منهج الإسقاط يأتي على الفور الحديث بمفردات.."كالوسطية والسماحة والعفو..وما إلى ذلك"..فالحقيقة أن هذه المفردات ليست محل خلاف فهي مبادئ عامة تتغير وسائلها من فصيل لآخر، أما تحجيم تلك المفردات وحصرها في الرد على الشُبهات لهو الاختزال والضعف بعينه، فالتاريخ السياسي للمسلمين وللخلافة في معظمه لم يكن على ما يرام، حتى أن البعض يصل بخياله إلى القول بأن العُمرين."ابن الخطاب وابن عبدالعزيز".. هما الأعدل والأبرز بين كافة خلفاء وأمراء المسلمين منذ وفاة الرسول، وبغض النظر عن صحة هذا الادعاء فنحن أمام حقيقة واقعة تقول بأن أغلب من يتحدثون عن الشريعة يرفضون الحديث في التاريخ وفي منهجية التعامل مع النصوص حتى أنهم يزعمون أن العدل ملازم للنص تحت أي ظرف وما سواه ليس بشرع وليس بعدل، وهذا لعمري لإجحافٌ شديد فأين هم إذاً من سلوك عمر ابن الخطاب رضي الله عنه إذ منع أشياء كان يفعلها المسلمون على عهد الرسول منها ما نص عليه القرآن كمتعة الحج وأشياء أخرى أعتقد أن ابن الخطاب لو كان حاكماً في هذا الزمان وفعل هذه الأشياء اجتهاداً فسيُكفّر لأجل اجتهاده.

أما الخيار الثاني فهو عدم التلفظ مُطلقاً بلفظ الشريعة ولو على سبيل التأجيل كما يفعل بعض الجُهال منهم..والجهل وصف لحال موجود وليس انتقاصاً من أحد، فمعنى الحديث عن الشريعة هو تفهمها كمفهوم وسلوك ثم التطبيق، أما التأجيل فهو حرق للمفهوم في الأذهان، فتكرار المفاهيم دون التطبيق يحرقها في العقل حتى يبدأ في تصورها بشكل جديد عما هو متعارف عليه، وبالتالي يكونون قد وضعوا الخيار للشعب بالرفض دون شعور منهم بما يحدث في العقول من برمجة وعمليات تجريد لا يدركونها أو حتى يرصدونها،وهذه إحدى علامات الجهل لدى هؤلاء...فهو يعتقد أن المفهوم مُجرد ومُجرّب وجاهز للتطبيق فقط هم يحتفظون به لحين ميعاد تطبيقه وهذا غير صحيح فمع أول احتكاك مع مخالفيهم-الذين يعتبرونهم مخالفي الإسلام-يتضح لهم أن العمل السياسي يقبل الخطأ والصواب، أما الدين فلا يقبل سوى الحلال والحرام، وبالخلط بينهم يصلون لطريق مسدود فيأتي التكفير بمجرد الرأي.

سامح عسكر
18/10/2012, 10:32 PM
تصدع الإخوان(تشويه التاريخ)

ليس المقصود من تشويه التاريخ أي مفردات تفيد التعمية أو الكذب أو الإبهام، ولكن المقصود هو عدم الاعتبار وتكرار نفس الأخطاء التاريخية التي نجمت عن قلة الوعي الإخواني -أو انعدامه- مما يستدعي حضور تلك المفردات ولو بطريقة غير مباشرة، أي حضور ذلك التشويه بإخضاعه للمُشاكلة فيظن الإخواني أنه وبتبرؤه من أخطاء الماضي فيتم التصديق..مثال ما يحدث الآن من معارك إخوانية مع القضاء المصري والتي تستدعي للذاكرة ما حدث للقاضي الخازندار من قبل بمجرد كونه كان ينظر إحدى القضايا التي كان يُتهم فيها أفراد من الإخوان فتم تعقبه وقتلوه في جريمة ألصقت بالجماعة ككل- وهذا سياق آخر..وبالتالي وبحسب ريادة الإخوان للتيار الإسلامي نرى كافة فصائل التيار من اليمين لليسار ومن المحافظين إلى الإصلاحيين ومن المتطرفين إلى المعتدلين قد اكتسبوا نفس الموقف، ومن كان يشهد للقضاء المصري من قبل بالنزاهة والعدالة نراهم الآن وهم يرفعون سيوف الطعن والتخوين والعنف اللفظي تجاه أي قاضي يُظهر حُكماً أو قولاً يخالف توجهات التيار.

حسب الرؤية الكلاسيكية للتاريخ فهو عبارة عن ماضي وحاضر ومستقبل وليس -كما هو مُشاع- أنه ماضي الأفراد والأمم، فحسب هذه الرؤية الكلاسيكية ربما تُنتج لنا معنىً خطياً لا أؤمن به، ولكن يتبدى لي أن رؤيتي الرافضة لخطية التاريخ هي بالفعل أو بالتطابق، وفي حالة الإخوان أرى خطية تاريخهم بالقوة أي بالمعنى أو بإمكانية الحدوث..وهذا أقرب تفسير حول استشكالي اليوم ، فتكرار جريمة الخازندار ممكنة في ظل هذا التحريض الإعلامي الإخواني ضد كل ما يمت للقضاء بصلة، والإنسان العربي-بضعفه-لا يتحكم في حدود صراعه فتتكرر المأساة وربما نرى خازنداراً آخر.

هذا السلوك أشبه بما يكنه الإنسان من طموحات فيطمع في درجات ليس مؤهلاً لها، كإرادة الجبان أن يكون شجاعاً فيظن بجهله أنه قادر على تحصيل الشجاعة بمجرد الغضب، وينسى أن ما بينه وبين الشجاعة هو نفسه فارق الطوابق المتعددة ما بين الطابقين الأول والأخير ، وبالتالي فينبغي عليه بلوغ الطابق الثاني والثالث قبل بلوغ الطابق الأخير..فلو سلك هذا الإنسان مسلكه الطبيعي في التدرج لتجذرت في نفسه روح الشجاعة-كقيمة- وفهمها قبل بلوغها ، حتى أنه ربما لا يشعر بها إلا بشهادة الغير ، أما لو حاول القفز فوق الطوابق فربما يصل ولكن حينها لن تكون شجاعة بل مشروعاً للغضب والتهور ينتهي بزوال الدافع وحضور الاكتفاء ،فيسقط في بئر الجهل والنسيان فيذوب حتى ينتهي، البعض يرى هذا رسماً خيالياً ولكنه ممكن حدوثه في من جعل دينه هويته، أو من اختزل قيم الإنسان والوطن والعالم في شخصه أو حزبه، ربما كانوا يؤمنون-عملياً وليس نظرياً- بأن الوحي لا يزال موجود، ولكن فور بروز السقوط القيمي لهم-من خارج النَسَق-يتحول الوحي إلى رأي، لذلك أؤمن يقيناً بأن السقوط سيبدأ من أول خسارة انتخابية سواء برلمانية أو رئاسية.

إن إشكالية التاريخ في ذهن الإخوان لا تقل عن إشكالية البرجوازية في ذهن الماركسيين، فالحدث التاريخي-أياً كان- يعبر عن نظام تفكير وضمير شعب وثقافة عامة سائدة أرى أن المجتمع المصري-بها-لم يختلف كثيراً عن زمن الاربعينيات، وما دام التعرض للقضاء لم ينتهِ من الوعي الإخواني فسيظل يحارب كمن حاربوا الخازندار من قبل.. ومع هذا فهناك بُعداً سيكولوجياً للمسألة لابد من طره في هذا السياق، أتخيله في يقين الإخواني بامتلاكه للحق المُطلق –إضماراً-وينعكس هذا على أفعاله وأقواله-أحياناً-ومع رفض سلطة الحق الدنيوية له "الممثلة في القضاء" فينزع نحو الدفاع عن نفسه معتقداً أنه يدافع عن القيم التي نشأ عليها، أي أنه يعتقد أنه يدافع عن الحق المُطلق بهجومه على القضاء فهو لا يريد سلطة دنيوية تتحدث نيابةً عن الحق إلا هو ، لذلك أعتقد وكما يثبت لي يوماً بعد يوم، أن الأزمة في الإخوان هي أزمة ثقافية حادة أنتجت لهم أعراضاً شكلت لديهم أزمات أخلاقية ومنهجية.

سامح عسكر
19/10/2012, 11:33 PM
تصدع الإخوان(تعاليم بوذا والأميرة النائمة)

أن تخرج مجموعة من الناس تدعي أن لها قائداً ومعلماً يسيرون على هديه فهذا أمرٌ عادي، ولكن الأمر الغير عادي أن تخرج نفس المجموعة تدعي أنها تِبعاً للقائد المعلم، ولكن في ذات الوقت ينتهجون نَهَجا مغايراً أو معكوساً، فأصبح الانتماء الأول بحاجة لبرهان..هذه الحالة تستوجب الخلاف داخل المجموعة بمعنى أن يخرج فريق يطالب بالعودة للأصول"المكتوبة" قولاً وفعلاً، وفريق آخر يصر على أن الموجود هو المنهج وأن الانحراف هو من يطالب به الفريق الآخر، وهؤلاء جميعاً يختلف الناس في تصنيفهم ما بين المحافظة إلى الانفتاح"الإصلاح"...ولكن الأصل الذي يجمعهم هو تصور دعوة فرد أو معلم في الذهن ومن ثم التطبيق، وهذا في العادة ينتج من خلاف تصور الحقيقة لدى الناس ودلالة واقعها وصدق ونُبل أهدافها.

تقوم الدعوة في الإخوان على ثلاثة أسس رئيسة هي بالترتيب.."الإيمان بالشيخ حسن البنا كمعلم مستنير-والإيمان بدعوته وتعاليمه المدونة في الأصول العشرين-ثم أخيراً المجتمع"الإخواني" والذي يلقبونه بالمجتمع"الإسلامي"...وأياً كان الخلاف مع هذا التصنيف فهو واقع إخواني تطبيقي ولو بطُرق غير مباشرة، بمعنى أنه لا يصح أن تكون إخوانياً وأنت تنتقد أو تطعن في صورة حسن البنا- الموجودة في الأذهان - أو تهدم تعاليمه أو تختلف مع الصورة المنطبعة في الذهن عن"المجتمع الإسلامي" لديهم..جائز أن تختلف مع هذه الأسس -أو أساس واحد- ولكنه يبقى خلافاً في حدود المسموح داخل الجماعة طبقاً لما أوردناه في السابق عن حُرمة"النقد الحاد" داخل الجماعة وبالتالي فلن يقبلوه من الخارج، بمعنى أنك لن تكون إخوانياً وصورة دعوة الإخوان في ذهنك غير التي كونها العقل الجمعي الإخواني والمستمدة من سيرة الشيخ حسن البنا-رحمه الله- وأصوله العشرين ومجتمعه الإسلامي.

قيام الدعوة الإخوانية –بهذه الصورة-شبيهة بصورة الدعوة البوذية في أذهان البوذيين، وهم أيضاً يعتقدون أن من يخالف نفس الأسس ليس بوذياً ابتداء..وأسسهم هي الإيمان.."بالمُعلم المستنير "بوذا"-ثم تعاليمه-ثم مجتمعه البوذي"..هناك فارقاً- منعاً للخلط-يقول بأن الإخوان كدعوة تنتمي للفصيل الإسلامي الداعي إلى التوحيد ، أما البوذيين فيعتقدون في حكمة بوذا غناءاً عن ما غيرها من الحكمة وبالتالي الأديان، ولا تفصيل في دعوة بوذا ففيها مما هو -غير المشهور -=عنهم الكثير، وهي دعوة بها خير عظيم لكل من يقرأ..كذلك فأصول دعوة الإخوان بها خير كثير أيضاً لمن يقرأ، ولكن الفارق سنسجله بعد المقدمة.

استطاع البوذيون الحفاظ على دعوتهم رغم أن كثير مما أتى إليهم من مُعلمهم شفهي، وفي عصر كان فيه نسخ الكتب من المسائل الصعبة، ومع ذلك لم يستطيع الإخوان الحفاظ على دعوتهم رغم أن كل ما أتى من معلمهم إليهم منسوخ ومطبوع في عصر كانت فيه الطباعة هي مَعلم الحضارة الأبرز، ومع ذلك ترى البوذي يقول بضرورة ممارسة الآخر للعقيدة البوذية كي يفهمها ، ويوافقه الإخواني بقوله أن فهم دعوة الإخوانية يبدأ من ممارستها -في إطار التنظيم، وأن جل مخالفي الإخوان –إن لم يكن كلهم-لا يمارسون الدعوة وبالتالي فسيصعب عليهم فهمها..في النهاية هذا هو عين التفكير من داخل النَسَق-المعيب- وكأن العائق البوذي أمام التواصل مع الآخر هو نفس العائق الذي جعل الإخوان متقوقعين داخل إطاراتهم الفكرية لا يشاركهم فيها أحد، ولو شاركهم أحد فمن خلفية سياسية أو عاطفية دينية بينما المعلم الأبرز الذي يميز الإخوان عن المحيط-كتصنيف-لم يصل بعد لأذهان الحلفاء والمحبين.

على النقيض من ذلك نرى أن البوذية و"الإخوانية" لهما وجهان تواصليان"إيجابيان" من أثر عدم تعلقهم بالشكليات، فتعاليم بوذا تُشدد على أن الإنسان لن يصل للحقيقة إلا عبر مقاومته للشهوات، وتلك المقاومة ليست عبر الطقوس التعبدية"الشكلية" كالغُسل في الماء المقدس مثلاً أو حلاقة الشعر أو بالقرابين أو بزي معين أو الاعتقاد بالنجاسة -بمجرد أكل طعام معين- وما إلى ذلك من فوارق جوهرية تصنع تمايزا للبوذية عن الهندوسية- الأقرب للتصوف الإسلامي من غيرها من الديانات-كذلك في تعاليم بوذا التي تحض على غض البصر ومجانبة قول الزور وتحريم الخمر والتعدي على الآخر وبر الوالدين وغيرها من السلوكيات التي تصنع انضباطا إنسانياً متميزاً..في النهاية نرى لدينا تعاليماً بوذية تهتم بالإنسان كونه هو عماد المجتمع وصانع النهضة..وما ينطبق على الدعوة البوذية ينطبق أيضاً على الدعوة الإخوانية-مع الفارق..فلولا تميز "الفكر"الإخواني بما سبق من تهذّبٍ روحي وسمو إنساني عن الملذات لما رأينا لدعوة الإخوان انتشاراً شعبياً ولبقي الإخوان ربائب منازلهم منتظرين ميعاد احتفالهم -بما يميزهم عن غيرهم- كالصوفي الذي ينتظر موالد الأولياء التي تعتبر هي حلقة الوصل "الوحيدة" بين الصوفيين والمجتمع..

إن كان من أزمة للفكر الإخواني فمع الواقع.."المتغير"..ومع التراث والتاريخ.."المذهبي الجامد"..ومع الثقافة.."الخطية"..التي نشأ عليها ، وجميع ما سبق جعل من الكادر الإخواني مشروعاً لإثارة المشاكل السياسية والفكرية والمنهجية أينما حل أو راح، وهي التي خلقت لديه انحرافاً عن "الوجه الإيجابي" لأصول الشيخ حسن البنا –رحمه الله-التي أعدها من أرقى الوجوه التي وإن تمسكت بها مجموعة من الناس كانت سبباً في رقيهم بغض النظر عن سيرة الشيخ-المختلف عليها-فنحن هنا نتعامل مع أفكار وأطروحات..فمثلا عندما يقول الشيخ حسن البنا.." نحب أن نصارح الناس بغايتنا ، وأن نجلي أمامهم منهجنا ، وأن نوجه إليهم دعوتنا ، في غير لبس ولا غموض ، أضوأ من الشمس وأوضح من فلق الصبح وأبين من غرة النهار"انتهى..بينما نرى الغموض والكذب والستر وتناقض المنهج حاضراً ..أيضاً وحين يقول الشيخ.." ونحب مع هذا أن يعلم قومنا – و كل المسلمين قومنا – أن دعوة الإخوان المسلمين دعوة بريئة نزيهة ، قد تسامت في نزاهتها حتى جاوزت المطامع الشخصية ، واحتقرت المنافع المادية ، وخلفت وراءها الأهواء والأغراض"انتهى..ومع ذلك تراهم يسعون وبكل قوتهم للتمكن من كافة مفاصل الدولة المصرية وبوسائل لا تخلو من الكذب والخداع وتشويه الخصوم مصحوبة بخطاب"ضرورة الفرصة" وكأن الإنسان حين يتمكن تظل الحقيقة لديه ناصعة وبمعزلٍ تام عن الكذب وبهذا يثبتون للكافة جهلهم بطبيعة الإنسان الضعيفة أمام خطأ الحواس والنائمة أمام تيقظ وقوة التجربة....

لعل ذلك الذي يحدث هو من أثر النزعة"التصنيفية"التي حاكت أصول الشيخ حسن البنا حين أراد تصنيف الناس إلى أربع ينطلقون منها إلى للناس.."مؤمن-متردد-نفعي-متحامل"..كذلك في الإيمان بدعوة الإخوان بأنها المعيار التي تقيس به الجماعة صلاح وفساد الناس -وهذا عمل فاسدٌ ولا شك..وحين الجمع بين هذه الدعوات السلبية التصنيفية الإقصائية مع الدعوة للوضوح والوحدة والسلام نرى أن الجماعة أصابها زيفٌ كبير في الوعي، ومع تراكم الانحراف الإخواني عن الوجه الإيجابي من التعاليم لابد وأن نرى نماذج بشرية متناقضة ونفعية بالدرجة الأولى، فالرؤية التي ينطلقون منها أحادية صِرفة وذلك بنكوسهم عن بيعة الشيخ البنا في تعاليمه الحسنة واستبدالها بنزعة سلفية"تصنيفية"وجدت لها عُمقاً في الفكر الإخواني مُمثلةً في نزعات التصنيف والدونية.

المواقف الأخيرة للإخوان خاصة بعد ثورة 25 يناير تعطي دلالة عنوانها أن كافة أمراض الجماعة بدأت في الظهور، فما خفي بالأمس من فعل الحظر والعمل السري أصبح الآن مكشوفاً حتى تلك الصفقات والدعوات السرية مع الأعداء انكشفت بأثر صدمة رسائل الرئيس الإخواني"محمد مرسي"للرئيس الإسرائيلي"شيمون بيريز"والتي عبر فيها عن حبه وامتنانه وصداقته للرئيس ولشعب إسرائيل"المسالم والراغب في السلام"!..ونسي الرئيس"المبجل" أنه هو نفسه وكافة أفراد جماعته كانوا يصرخون في الماضي بضرورة طرد السفير الإسرائيلي وإعادة النظر في اتفاقية السلام مع العدو، وأن وعيهم الجمعي كان لا يخلو من فكرة العداء مع الصهاينة حتى أنهم كانوا يُنشدون الأناشيد والأرجوزات منذرة العدو بقُرب هلاكه..وبان للناس أن هذا لم يكن إلا حُلماً عزيزاً، وأن الجماعة كانت تخدع الناس بالشعارات الجوفاء الخالية من روح الواقع وفهمه..و بينما هو كذلك يتحدث الرجل عن خصومه في الداخل فتعلو نبرة"نحن وهم"فيصنع التمييز والاستقطاب دون وعي...فتخرج المعارضة معترضة ومحاسِبة فينتفض لها الإخوان أن"لا محاسبة" فأنتم أقل من أن تحاسبوننا نحن الأسياد..هم لا يصرحون بهذا-كمبدأ- ولكن –غالباً- حين يضمر الإنسان قولاً أو فعلاً ولا يُظهره فلن يستطع إضماره طوال الوقت، وها قد بدأ في الظهور، والقارئ لعقائد الكوادر الإخوانية سواء في مواقعهم وصفحاتهم الاجتماعية أو في يسمع صيحاتهم في الميادين يرى -وبدون لبس- أن الإخوان يعتقدون بسيادتهم على الشعب وكافة مخالفيهم، وأن الجميع ممكن لوجودهم الواجب، بالضبط طريقة تعامل القيادة الإخوانية التنظيمية لكوادرها –عملياً-وكأن القيادة الإخوانية تريد مجتمعاً إخوانياً خارجياً كما حققوه داخلياً.

أخيراً فإن الشعوب التي تنهض بعد سباتها بالضبط كالأميرة النائمة حين تستيقظ من نومها، فأول ما تتفتح عليه أذهان الشعوب هي المادة وحاجات الجسد التي تمثل حاجة الاكتفاء-لديهم- لبلوغ أدنى مراتب البقاء والحفاظ على النوع، فالشعوب يهمها في المقام الأول العيش المادي الرغد وتعففهم عن سؤال الناس ابتداء، والأميرة حين تصحو من رُقادها تكون أحوج لطعام الإفطار وبمؤانسة خدمها وحشمها لها في مخدعها، كذلك الشعوب فهي تعتقد بأن حكومتها هي خدمها وحشمها وأن عليها العمل لكفايتها، فما من حالٍ سابق إلا ويطمع الإنسان في اللاحق بل ويستبشر به خيراً، ومن هنا تأتي حكمة الإنسان بأن لا يَعِد الناس بما هو أعلى من قدراته، بينما وبجهل الإخوان وتشققهم –الخُلقي والثقافي -وعدوا الناس بالجنة فكانت النتيجة أن فشلوا في أول امتحان وهو وعد ال100 يوم الرئاسي، وكأن الأميرة تنتظر دورها في دخول الحمّام -الذي لا يملكه أحدٌ غيرها ،أو تأخر طعام الإفطار ونسوة التجميل والزينة إما لفقر الأميرة أو لتقاعس حراس ومُدراء القصر، وبينما والإخوان كذلك فيهرعون لمحاسبة معارضيهم الذين أرادوا محاسبتهم عن أولى وعودهم الكاذبة فتخرج الأميرة حزينة بعد اكتشافها أنها تعرضت للخيانة وأن أبيها.."الملك حاكم البلاد" قد قُتل وأن الحاكم الجديد لم يألوا بالاً لمركزها وسمو منزلتها فسجنها إلى أن يصفح عنها أو أن يشفع لها شفيع...

سامح عسكر
22/10/2012, 10:40 PM
تصدع الإخوان(غرور القوة المتوهمة)

هناك ثمة رابط بين فهم المجتمع والدين يتمثل في النظر للواقع وممارسته وذلك عن طريق أناس يتمتعون بقدرٍ من الذكاء، وإن حيل بين هذين النوعين من ربط فأتخيله في وجود الخلط بين سلطة التاريخ وسلطة الدين، فمبجرد الخلط يعتقد الإنسان أن دينه تاريخه والعكس..وهذا غير صحيح..فالحياة الإنسانية حافلة بأحداث ومُدركات كان فيها النجاح والفشل قرين كل سائل، وبالطموح الإنساني ينجذب نحو مجده الماضي -بل ويريد تكراره- وإن لم يكن بالتطابق، فلكل عصر معطيات وشواهد ستؤثر حتماً في تفريغ العقلية الذهنية من التصور والمماثلة ،وإن كان هناك من منطلق أخلاقي عبر نظرية فريدة فلا تكفي ..وفي الغالب يعي الإنسان –المفكر-هذه المسألة، لذلك كنت من الداعين لتفصيل أي رؤية سياسية مبنية على واقع تاريخي وإخضاعها لمسائلة قوانين وعلوم العصر.

الإنسان في العصر الحالي بلغ أرقى وأعظم مراتب العلم والإدراك، وحين رصده لأي رؤية خاصة وإن كانت أيدلوجية ذات خلفية دينية فيقوم "الإنسان المفكر" في هذه الحالة بعملية تجريد للأيدلوجيا وإخضاعها لسلطة العقل والمقارنة وإذا لم يقنع بها يهم بنقدها...هذا في حال الرؤية من منظور الضعف أو الاشتباه وأصحاب هذه الرؤية أكثرهم من العرب ، لذلك كان العقل العربي يتعاطى مع المسألة-في الغالب-وكأن هناك تهديد حقيقي لهويته فتخرج إشكالياته في صورة ردود أفعال، ذلك لأن الوعي العربي لم ينضج بعد بفكرتي الديمقراطية والحرية، حتى أنه يجهل آلياتهم أو كونهم آليات، وفي الغالب يخضعهم للرؤية الدينية والتي -وبتأثير الثقافة-ينحط برؤيته فلا يرى سوى نفسه أو من معه..أما من يرى بمنظور القوة فأكثرهم من ذوي الحضارة الغربية ذلك لأن القضية لديهم مُجربة وهذه إحدى ثمرات البراجماتية، حتى أن المنتمين إليهم من الأتراك-كمثال-باتوا يفكرون بنفس طرائقهم وإن كان ما يجمعهم مع العقل العربي لا يكفي للانتقال لمنظور آخر أوالاشتباه .

في ظل هذا الوضع يكون الاحتكام للتاريخ دربٌ من الجهل، ولَكَم رأينا حضارات وعوالم جديدة ارتقت بالإنسان ولم تقف حيال ما يشتهيها من السلطة موقف الطامح للغزو فتقريباً القضية متشابهة ، ذلك لأن من يعيب على الآخر تاريخه فهو يعاني من نفس العيوب، والشاهد يبقى في الاعتبار بالحاضر ومعايشته والخروج من ربقة التقليد والجهل الذي وإن ضرب أمة فيقتل أول ما يقتل.. "الإرادة واليقين"..فيتيه الإنسان بين دروب التجارب ويصبح مجرد ردود أفعال، وأعتقد أن الواقع العربي الآن لا يخلو من هذه الحالة..ولكن تبقى هذه الحالة رهينة كي تنسلخ من خطاب.."الوحي البشري"..لبلوغ النهضة..وسبب تسمية هذا الخطاب بهذا الإسم ليقين أكثرية التيار الإسلامي وخاصة جماعة الإخوان المسلمين بأنهم يتحركون بناءً عن وحي، وإذا واجهتهم بتقصيرهم وقصورهم المعرفي والعقلي فيجيبون من مرجعية التاريخ ، وإذا استشكلت على التاريخ يكون الجواب حاضر في قوله تعالى.."إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء"..تقريباً هو خطاب واحد مُفعم بالتاريخ حتى مع تحالف المعارضة ضدهم فيعتقدون بتكرار"غزوة الأحزاب" وأن الجميع قد تآمر عليهم لطمس معالم الدين،أو بازدياد كم الضغط عليهم فيتذكرون حصار قريش للرسول، حينها لا تفسير لتلك الحالة إلا عبر الرؤية السيكولوجية التي تُشرح الوعي الإخواني -وبفعل التناقض والضمور المعرفي- نرى أمامنا عملية إزاحة نفسية يقوم بها الحدس الإخواني دون شعور، فيُعللون ضعفهم بجبروت وطغيان خصمهم ،وقصورهم المعرفي في فساد معرفة الآخر، وكذلك هزائمهم بأنها ابتلاء وامتحان، وكأن الضمير والوجدان الإخواني في إجازة شبة رسمية من التخطيط والتتبع والرصد.

هذه الحالة تكون أقرب إلى غرور القوة"المتوهمة" من سلوك التواضع الأخلاقي، فعالم السياسة عالم متغير ، وهو حجة على كل ضعيف ومتواكل، ذلك لأن النجاح السياسي يستلزم بناء مجتمع معنوى قائم على الروابط الأدبية والأخلاقية، أما العمل السياسي -ففي الغالب- لا يتقيد بهذه الروابط لسيادة القوة النفعية وسلطة الذات على التحرك والسلوك، فسلطة الذات هي الواجهة أمام إرادة الشعوب، والقوة النفعية هي لتجميل سلطة الذات أمام تلك الإرادة الشعبية، لذلك كانت صورة المجتمع الفاضل في العقل الجمعي الإخواني والقائمة على الود والتراحم هي مستحيلة عملياً، وهي صورة طوباوية لا تصلح سوى للقصص والحكايا الأدبية و"النزوات"الشعرية وبالتالي فمقدمات النجاح تكاد تكون معدومة، هذا في حال تحقق تلك الصورة في الذات الإخوانية وهذا لم يحدث وبفضل عدم حدوثه رأينا ونرى يومياً سلوكاً إخوانياً نفعياً وعدم الاكتراث بمعارف الآخر واتجاهاته بل ومخاصمتها في سلوك أقرب إلى العدوانية منه إلى السلمية،فأي ناقد خصم وأي مخالف مشروع لخصم.

أخيراً فأعظم دليل على غرور"القوة المتوهمة"في العقل الجمعي الإخواني هو طريقة تعاملهم مع من انسلخ عنهم كتنظيم وكجماعة، حتى وإن ظل على عهد الإخوان الفكري فهو لديهم مشروعاً لخصم،حتى لو كان قيادياً كبيراً أو أفنى عمره في خدمة التنظيم والدعوة فيهجرونه ويسيئون معاملته، ونسوا هؤلاء أن الله أمر الإنسان أن تكون معاملته للناس كافة بطريقة واحدة وسلوك واحدة ووسائل واحدة فلا فرق بين عربيٍ وأعجمي ومؤمنٍ وكافر وصالحٍ وطالح..يقول الله تعالى مخاطباً رسوله.."وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيرا".."وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين"..فهي رسالة دعوية لتوجيه الناس إلى الخير ولسيادة روح السلام والبناء، أما أنه وبمجرد الخلاف والخروج من ربقة التنظيم يكن الإنسان مشروعاً لخصم فهذا هو اتباع الهوى بعينه، وأن الإسلام الحقيقي لا زال غائباً عن الإخوان كسلوك، فالمعرفة والعلاقات الاجتماعية لا يمكن حصرها في التوجه السياسي أو حتى الديني وإلا انتزع الإنسان من ذاته بواقي الخير والصمود وخرج إلى فسيح الشر والعدوان.

محمد عبد الله عروج
23/10/2012, 04:50 PM
زميلي العزيز :- سامح عسكر
تحية طيبة وبعد :

احييك بدايتا على تحليلك الجميل للمواقف وعلى تتبعك للأحداث وطرح الامثلة التوضيحية التي تدعم بها رأيك وقولك في الجماعة ،وأنا من أرض فلسطين ابرق لك علامات الحب والودّ:khagol::khagol: .

1- فأخي دعني ابدي لك رأيي المتواضع فمن خلال قولك أدركتُ بأنك متابع وقارئ للتاريخ ومثقف وتعي ما تقول __ ولكن هل بمقدورك أن تفح لي صفحات التاريخ الواسعة ولك الحرية من أي باب تدخل وتذكرنا بحركة او جماعة لم يشوبها الغبار في مرحلة من مراحلها المختلفة ،هل هناك جماعة جل أفرادها يحملون نفس البصمة الوراثية في التفكير وعرض موضوعاتهم ومناقشة القضايا ،أخي دعني أريحك بأن لا جماعة جميع أفرادها يذوبون بقالبٍ واحد وفي نفس الوقت ليس هناك جماعة تتمثل بشخص فإن صلح الشخص صلحة الجماعة وإن فسد وأخطا فقد أخفق كل من يدور في فلكه .
2- كما أننا لن نقدر_ونحترم_ ونفتخر_ بشخص لذاته بل لعلمه وفكره ، كما وأيضا ليس هناك شخص ""جماعة ""معصومة من الخطأ ، فالكمال لله رب العالمين ،والخطأ ما دام عرف وصحح فهو مقبول لدى الجميع وليس عيب يؤخذ على الجماعة ،أما إن عرف الخطأ وصمم عليه ولم يعالج فعندها ستجدني أول الداعمين والقائلين بفساد وخطر تلك الجماعة .
3- الكلام يطول وخاصة إذا كان في موضوع يتعلق بحركات وجماعات لها تاريخ ومجد وقيادات بل واستراتيجيات لتوعية أمة غابة وغيبة عن دورها الريادي .ولذلك اكتفي بما قلت ،سائلا الله أن يتسع صدرك لما دونت _:book:لك أن تقبل أو ترفض _

اخوكم ابو رتاج _فلسطين الحزينه

اعيان القيسي
28/10/2012, 09:47 PM
الاخ الاستاذ العزيز

تحية وتقدير

جزاكم الله خيرا
وبارك الله فيكم

سامح عسكر
03/11/2012, 11:21 AM
زميلي العزيز :- سامح عسكر
تحية طيبة وبعد :

احييك بدايتا على تحليلك الجميل للمواقف وعلى تتبعك للأحداث وطرح الامثلة التوضيحية التي تدعم بها رأيك وقولك في الجماعة ،وأنا من أرض فلسطين ابرق لك علامات الحب والودّ:khagol::khagol: .

1- فأخي دعني ابدي لك رأيي المتواضع فمن خلال قولك أدركتُ بأنك متابع وقارئ للتاريخ ومثقف وتعي ما تقول __ ولكن هل بمقدورك أن تفح لي صفحات التاريخ الواسعة ولك الحرية من أي باب تدخل وتذكرنا بحركة او جماعة لم يشوبها الغبار في مرحلة من مراحلها المختلفة ،هل هناك جماعة جل أفرادها يحملون نفس البصمة الوراثية في التفكير وعرض موضوعاتهم ومناقشة القضايا ،أخي دعني أريحك بأن لا جماعة جميع أفرادها يذوبون بقالبٍ واحد وفي نفس الوقت ليس هناك جماعة تتمثل بشخص فإن صلح الشخص صلحة الجماعة وإن فسد وأخطا فقد أخفق كل من يدور في فلكه .
2- كما أننا لن نقدر_ونحترم_ ونفتخر_ بشخص لذاته بل لعلمه وفكره ، كما وأيضا ليس هناك شخص ""جماعة ""معصومة من الخطأ ، فالكمال لله رب العالمين ،والخطأ ما دام عرف وصحح فهو مقبول لدى الجميع وليس عيب يؤخذ على الجماعة ،أما إن عرف الخطأ وصمم عليه ولم يعالج فعندها ستجدني أول الداعمين والقائلين بفساد وخطر تلك الجماعة .
3- الكلام يطول وخاصة إذا كان في موضوع يتعلق بحركات وجماعات لها تاريخ ومجد وقيادات بل واستراتيجيات لتوعية أمة غابة وغيبة عن دورها الريادي .ولذلك اكتفي بما قلت ،سائلا الله أن يتسع صدرك لما دونت _:book:لك أن تقبل أو ترفض _

اخوكم ابو رتاج _فلسطين الحزينه


صحيح أتفق معك أستاذ محمد عبدالله العروج

هذه قاعدة نقرها جميعاً كنظرية، ولكن يبقى الخلاف في التطبيق، فالحقيقة التي أراها -وقد أكون مخطئاً-أن الجماعة ترى في نفسها العصمة وأن خيالها-الجمعي-طوباوي لدرجة كبيرة، أنا إخواني سابق وأعلم عن مناهج التدريس الكثير، فهي لا تُنشئ إنساناً حراً مبادراً، فقط حين تفتح لعقلك العنان سيأتي عليك الغضب والسخط ولو بعد حين، هناك أناس عقلانيون في الإخوان لأقصى درجة ومنهم أقل منزلة، ولكنهم ضعفاء النفوذ بينما الحاكم ربما يكون أقرب للسلفية والرؤية القُطبية للمجتمع...وهذا حقهم فبعد ظهور الإخوان السياسي والمجتمعي في الفترة الأخيرة تبين أنها رؤية جمهور الإخوان

سامح عسكر
03/11/2012, 11:23 AM
الاخ الاستاذ العزيز

تحية وتقدير

جزاكم الله خيرا
وبارك الله فيكم

جزيل الشكر لكم أستاذ أعيان القيسي

سامح عسكر
03/11/2012, 11:29 AM
تصدع الإخوان(لله وللوطن أم للجماعة)

هنا الفارق وكأن مضمون السؤال يوحي باحتمالية لا أخلاقية تعتري الجماعة جراء سياساتها التمكينية، فالرئيس محمد مرسي لم يفُز في الانتخابات الرئاسية المصرية بتلك النسبة الكبيرة التي تجعله يسعى لتمكين رؤيته في مفاصل الدولة المتعددة وخاصة التنفيذية منها، فالنسبة التي فاز بها لم تتعدى حيز ال2% على أقصى تقدير، وهذا يعني -في العُرف الديمقراطي- شبه مناصفة بين طرفي الصراع على الرئاسة المصرية، بمعنى أنه من حق المرشح الخاسر "الفريق أحمد شفيق" أن يشارك –ومواليه-في إدارة الدولة، ولكنه يظل حقاً معنوياً في بلد لم يمارس الديمقراطية من قبل، بل تحكمها جماعة ترى في الديمقراطية سلطة الأغلبية ، ولعل ما برز لنا من أزمات الدستور المصري المتعددة ما يكفي من تصور وضع الجماعة التي ترى في "رئيسها المنتخب" حقاً شرعياً في السيادة.

إن أهداف الثورة المصرية لم تقتصر على إزاحة نظام فاسد فحسب، بل تهدف لبلورة نظام سياسي جديد ورؤية منهجية أكثر اتزانا وعُمقاً، فلا يحق لطرف فرض رؤيته التفسيرية على دستور البلاد بحُجة الأغلبية، إذ الدستور يلزمه التوافق وإذا لم يحدث فالدستور يظل مُعرضاً للتغيير واللعب حسب أهواء السياسة وتبديل مقاعد الحُكم والإدارة، بينما البديل الأوحد هو التغيير لحين ظهور رأي عام يستوجب تعديله، أو بظهور حركات سياسية تكشف عوار ما أتى به ولم يتسق مع معايير الدولة العصرية..فالقيم العامة كالحق والعدالة والمساواة والحرية وغيرها تُصبح واقعاً مُعاشاً غير مُقيد بنصوص تفسيرية تحط من منزلة هذه القيم وتجعلها عُرضة للأهواء وللاستخدام.

الجماعة وفي مسودة الدستور "المُقترح" طرحت مواد ودافعت عنها ذات مُصطلحات ومُفردات غاية في المطاطية وتجعل من مضمونها يتعارض مع القيم العامة التي حددتها كأهداف، كمثال ما صاغته الجماعة من أن مذهب الدولة الرسمي هو مذهب أهل السنة والجماعة ، وذلك على غرار المذهب الشيعي الإمامي للجمهورية الإيرانية...فمبجرد وضع مذهب فقهي معين وتقييد العملية البحثية في إطاره لا ينتج عنه سوى مصلحة من قاموا عليه برؤيتهم حول الشريعة وتأويلاتها، بالضبط كما خدم وضع المذهب الشيعي في مواد الدستور الإيراني كمذهب رسمي زمرة ولاية الفقيه الإيرانية، وبالتالي فالجماعة تصل بذلك لنفس أساليب وأدوات نظام الملالي الإيراني..الحق أن المجتمع المصري ينضح بحالة فكرية تنويرية لم يسبق لها مثيل، وتقييد المجتمع برؤية المذهبيين السنيين يُحط من قيمة المجتمع ويجعله عُرضة للأهواء والصدامات، علاوة على أن المذهب السني كغيره من المذاهب –كالشيعة- هم جميعاً بحاجة لتجديد وإعادة نظر في كثير من المسلمات لديهم، فتراثهم "الروائي"يعج بالخُرافات والاسرائيليات ولم يعد يصلح لرؤية دولة عصرية في إطار تنويري .

هم يعللون هذا التصنيف المذهبي في الدستور بتفسير المبادئ في المادة الثانية والتي كانت مسار جدل بين أروقة التأسيسية ورجال الأحزاب والنخبة، ولكن حين التطبيق سنرى فراغاً قاتلاً لا يقف عند حدود التفسير بل سيطال مفاهيم أخرى تصنيفية كتمذهب البعض بمذاهب إسلامية لا تنسب نفسها لأهل السنة والجماعة كالشيعة والمعتزلة والظاهرية إضافة إلى التيار الليبرالي والذي يرى في ذاته كياناً إسلامياً لامذهبياً..إضافة إلى الخلاف حول ذات التصنيف أو إلى تحكيم رؤية على حساب أخرى حين التعارض..كل هذا في إطار المواد المرتبطة بالشريعة..والسؤال الأبرز المُلح ماذا لو صعد للحكم كياناً يرفض المذهبية بأشكالها واعتبار الدين خالصاً نقياً من أي شوائب مذهبية ويفتح المجال للنظر والاجتهاد، هل يحق له حينها تعديل الدستور بما يوافق رؤيته أم ماذا؟

أرى أن الإشكالية الأكبر لن تقف عند حدود التصنيف المذهبي بل ستكمن في رؤية المذهبيين للمذهب ذاته، فالتصنيف حالة متأخرة عن عملية إدراك عقلي وقناعة وجدانية واطمئنان قلبي، وهذا يعني أن المذهبية في الدستور المصري لها صور شتى في أذهان المذهبيين أنفسهم..بينما قضية الآخر لديهم مبهمة بغموضها في أصول المذهب ذاته، فافتراق المذاهب أتى من نقطة محورية فصلت بين التأويل القرآني ومسار التاريخ من جهة ومن التراث الروائي من جهة أخرى، لذلك ليس من الغريب القول أن كافة مذاهب المسلمين الآن لا تحمل الإسلام الصحيح في مضمونه الداعي إلى ذات القيم التي أقرها الإخوان –مجازاً-في الدستور، فهم حين التطبيق سيرون مساحة شاسعة لا تأويل فيها وستفتح الباب للخلاف تحت مسمى التحدث باسم المذهب.

أخيراً فالرؤية الإخوانية التصنيفية مرجعها في الغالب لثقافة الشعب المصري وهذا للإنصاف، ولكن حين صياغة مواد دستورية يؤخذ في الاعتبار كافة الاحتمالات..نعم الشعب المصري سني ولكنه غير متمذهب كمن سينظر مسائله السياسية والشخصية والعقدية والتراثية، فهو شعب لا يقرأ في الغالب وبالتالي فهو لا يدري أن الكثير من الأصول التي نشأ عليها على الأقل عليها خلاف إما داخل المذهب أو من خارجه في إطار الأمة الإسلامية بالعموم، وبالتالي فحين وجود مثل هذه المواد تجري صناعة شعب مذهبي لا يفرق بين الخلاف السياسي والفقهي أو بين السُمعة التاريخية والأخلاقية أو بين الرواية الصحيحة والمُنكرة، وجميع ما سبق لم يتم تأصيله في المذاهب الإسلامية بمعايير دقيقة، فمبجرد الرفض السياسي يأتي الرفض الفقهي،وبمجرد قبول الشخصية تاريخياً يقبلونها أخلاقياً حتى يرسموا لها صورة مقدسة لم تكن موجودة، أو بمجرد سماع قولاً منسوباً لرسول الله فيجري تصديقه دون استبيان.

سامح عسكر
29/11/2012, 09:23 PM
تصدع الإخوان(التبرير والتحوير)

في كل مرة أشاهد فيها أحد برامج التوك شو في القنوات الفضائية المصرية ويكون أحد الضيوف فيها هو عضو أو قيادي في جماعة الإخوان أقف على عدة ملاحظات يمكن وصفها بأنها سمة من سمات المرحلة السياسية والثقافية للجماعة، فالأطروحات لا تخلو من تبرير الأعمال والدفاع عنها سواء كانت هذه الأعمال مقبولة أو مرفوضة شعبياً أو من جانب المعارضة،والتبرير لمن لا يعرفه هو باختصار يعني الدفاع بالحق والباطل عن أفكار وسلوكيات مرصودة عبر اختلاق أسباب وأعذار ليست هي الحقيقية،وهذا يعني إنزال هذه السلوكيات منازل القبول عبر الكلام إما بليّ أعناق المُصطلحات والمفاهيم أو بالهروب من محال النزاع بعد شعور داخلي بالعجز عن تفسير أو فهم بعض الأشياء، هو في المحصلة هروب من المسئولية وجدال وكذب وخداع مرير يعاني منه البشر ممن طغت نوازعهم وأيدلوجياتهم على حساب الحقيقة.

سلوك هؤلاء يعبر عن ضياع المبادرة من بين أيديهم وانتقالها من مرحلة العمل إلى مرحلة النقد أو النقض، ولا يمكن اعتبار ذلك احتكاكاً للأفكار كما يروجون له لأن القرار في النهاية لا يؤمن بالأفكار الجديدة وبالتالي لا يأخذ بنقد أو نقض المخالف مهما حدث، لقد اعتادت الجماعة على هذا السلوك مع أبنائها السابقين والحاليين من التيار الإصلاحي ، فيسمعون منهم على طريقة."سيبه يفضفض ومسيره يزهق".. ومعناه إتاحة المجال للرأي الآخر فقط للتنفيس، لكن في المحصلة هذا الرأي غير خاضع للتنفيذ ولو كان حقا... هو سلوك استبدادي بحت ولكنه يتصف بالعصرنه كون أحد خصائصه هو الإعلام وسرعة نقل المعلومة، وهو أيضاً سلوك النظام المصري السابق في التعامل مع القضايا والأحداث، فكانوا يندبون عنهم أعضاءاً في الحزب الوطني أو من مواليهم –كما هو الحال عند جماعة الإخوان-يدافعون عن سياسة النظام بالحق وبالباطل.

أفهم أن سلوك التبرير قد لا يكون مقصوداً في بعض الأحيان ، ولكنه موجود ويلحظه الناس ممن يفكرون من خارج نَسَق المُبرر، وبالتالي يُصبح المبرر في إحدى حالتين.. إما أنه ينشر الجهل والتعصب بين الناس سواء بعلم أو بدون أو أنه يعمل على ارتقاء نفسه -ومن يبرر له- حتى بلوغه ومن معه إلى مرحلة العصمة، وفي الحالتين هو يسلك ذلك ويجهل عواقب ما يفعل،بينما كانت هناك بعض السلوكيات القاتلة للتبرير كالشفافية والوضوح والإنصاف والتعمق في القضايا التحليلية والتركيبية وما إلى ذلك من أمور يفتقدها معظم من يتحدثون-حالياً- باسم الجماعة في الإعلام، فهم فقراء معرفيا ويفتقدون إلى أدنى شعور بالفهم في قضاياهم التي يدافعون عنها، فإذا قلت له تجاوز الصلاحيات يقول إجراءات استثنائية وذلك كمثال لأزمة الإعلان الدستوري مؤخراً، فهم يبررون للإعلان الصادم بأنه إجراء استثنائي بين مؤيديهم.. ولكن السؤال هل يوجد إجراء استثنائي يتجاوز الصلاحيات وما هو محل النزاع أصلاً؟!..إن معنى نشوء إعلان دستوري يتجاوز الصلاحيات بحجة الإجراء الاستثنائي ثم التبرير له والحشد له لا يُسمى في العُرف السياسي إلا بلطجة سياسية واستخدام غير مشروع للسلطة التنفيذية..

في إحدى الحلقات الحوارية منذ أيام على قناة ontv كان الضيوف ثلاثة أفراد..اثنان ممثلان لجماعة الإخوان المسلمين رجل وامرأة جلسوا يدافعون عن الإعلان الدستوري الأخير والذي صدم المجتمع المصري ونقله إلى حالة عنف لم يشهدها المصريون منذ مئات السنين، بينما كان على الجانب الآخر-الجانب المعارض-هو الأستاذ عبدالحليم قنديل الكاتب الصحفي المشهور..ويالهول ما رأيت وسمعت..رأيت فارقاً ملحوظاً ومستفزاً بين قُدرة قنديل على التحليل والتركيب والاستدلال والاستقراء وبين قدرة الضيفين الإخوانيين على مجاراة الرجل في أسلوبه القوي في الإقناع..فرغم وجود ذلك الفارق في المظهر والشكل بين الطرفين بحيث أنك لو رأيت الثلاثة يجلسون بصمت سترى ومن أول وهلة أن الحق سيكون مع ضيوف الإخوان..وذلك لعدة عوامل أهمها المظهر وتعابير الوجه وملامحه، فمن يرى قنديل من خلف نظارته"قعر الكُبّاية"وصلعته التي أكلت رأسه لا يرى فيه تلك الشخصية الكاريزمية المؤثرة، ولكن فور انطلاق الحوار تبدلت الأوضاع وظهر الفارق الكبير حتى طال ذلك قدرة قنديل على قراءة أفكار خصومه وتحليلها بشئ من العبقرية.

سامح عسكر
01/12/2012, 10:08 PM
تصدع الإخوان(التقليد والانقياد والوهم)

تعاني المنظومة الفكرية داخل الجماعة من عَطَن التقليد من أثر السمع والطاعة، والتقليد في العادة لا يُنتج سوى نُظم إدارية شمولية تمارس الطُغيان باسم المحافظة، فالتفكير الحر داخل الجماعة يكاد يكون معدوم ولا يُسمح به إلا في إطار الذود عن الجماعة ومشروعها، وهذا يُفسر انعدام وجود المبدعين ممن التحفوا بالعباءة الاخوانية، فالعمل الجاد والإبداعي يتطلب أولاً التخلص من الأوهام، ولم أرَ في خلال سنواتي مع الجماعة أي محاولة لرصد تلك الأوهام الموجودة في عمق كل إنسان،فأعتقد أنه وبمجرد القول بوجود الوهم داخل الجماعة فيتعرض قائله إما للعقوبات وإما للطرد، وأذكر أنني عندما كنت في الجماعة أن كنا في مجلس كتيبة وكان المُحاضر هو المستشار "حامد السيد"مستشار وزير الصناعة السابق، فجلس المُحاضر يشرح مفهوم الدرس وكان عن .."توحيد الألوهية وتوحيد الربوبية"..ولم يتوانى السيد المستشار عن إسقاط ردئ للمفهومين على المجتمع حتى بدا للجاهل قبل العالم أن الرجل يحكم بالكُفر على من بدا لنا بأنه مُقصّر في توحيده أياً كان ربوبياً أو ألوهياً.

حان وقت الأسئلة وقد كانت المُدة المتاحة لنا –كتلاميذ-هي نصف ساعة لا أكثر،تقدمت للسؤال ثم ألحقته بعمل نقدي للفكرة الرئيسية للمحاضرة وقلت بأن تقسيم التوحيد لم يثبت عن سلفنا الصالح وسقت له الأدلة، وأن التقسيم إن كان ذا موضع فهو اصطلاحي لا نفهمه بهذا الشكل الرهيب والذي يُذكرني بالشيخ سيد قطب –رحمه الله-واستشهدت حينها ببرنامج كان مذاعاً منذ أيام عن الشيخ القرضاوي والذي أقر فيه بأن الشيخ سيد قطب لم يكن على مذهب السنة في آخر حياته، وأن الرجل كان خارجياً تكفيرياً من أثر ما عانى منه من صنوف العذاب، وقلت أنني أتحفظ على رأي القرضاوي ولكن شهادته يجب تدارسها لأنني فهمت- وأنا أول مرة أسمع للسيد المُحاضر-أنك تقول بكُفر وجاهلية مجتمعنا..كان هذا اختصار ما حدث مني ثم جاءت فقرة تعقيبه والتي لم تخلُ من التبرير-كالعادة-ولكن لاحظت أنه نفى قوله بأنه يقول بكفر أحد وأن منهج الإخوان لا يحكم على الناس ولماذا لا يكون السبب في أفهامنا نحن وتفسيرنا للأشياء.

حقيقة أنا لا أؤمن بصلابة أي فكرة إلا بعد طرحها بعيداً عن الهوى المُجرد،أو أن تأتي في سياق الإنصاف والجدلية.. فالرجل بان أنه وبعد أن تعرض للضغط آثر المراجعة والنفي، وهذا سلوك قد يسلكه بعض السياسيين والفقهاء، ولكن أن يسلكه محاضر في قاعة أو في منزل فهذا يثير التساؤل لماذا كانت هذه المحاضرة إذا؟!ً..إن ما حدث يستدعي الرجوع بنا إلى عصر الشيخ سيد قطب وأفكاره التصنيفية التي تسببت في نشوء أقوى جماعات العُنف السياسي في التاريخ المصري، فإذا قُلنا وبنفس منطق المحاضر أن العيب –كل العيب-في أفهامنا نحن وتفسيرنا للأشياء فلا حاجة للعوام والجهال من أمثالي بالتكليف، ولماذا ننفي عن أنفسنا التقصير سواء في إيصال الفكرة الصحيحة أو في قصور المعرفة أو في غلبة الهوى أو التقليد إن كنا حقاً نريد وجه الله وسنة رسوله.

لا أريد أن أسرد ما حدث بعدها بالتفصيل ولكن شاء الله أن نتعرض لعقوبة شهرين أو ثلاثة-على ما أتذكر-بحرماني من حضور الكتيبة الشهرية، وأتذكر أنني تعرضت لتوبيخ ونهر شديدين من نقيب الأسرة ومن زملائي..وكل جريمتي أنني قلت رأيي بصراحة ووضوح بعيداً عن التقليد أو التقديس، حينها كان من ينقد أي فكرة من أفكار الدكتور "علي لبن" التي كنا نتدارسها أسبوعياً يعني أننا نسير في الاتجاه الخطأ، وأظن أن ما طرحه السيد المستشار موجود في دروسنا التي نتلقاها عن تقليد وانقياد تامين..فأحسب نفسي أنني أكره الانقياد والتقليد ولا أنكر أنني أحيانا أتبع الهوى فهذا ما نعاني منه بني البشر إجمالاً والشاهد في من يقاوم رغباته وأهوائه لا أن يتعامى عنها تعصباً وحِزبية وانقيادا..فالمُقلد أعمى وكما قال ابن القيم بأن المتعصب بالهوى والمُقلد الأعمى ليسوا من زمرة العلماء ولو كان الناس يرونهم كذلك.

يقول عبدالمؤمن الأصفهاني في كتابه "أطباق الذهب"..(مثل المقلد بين يدي المحقق مثل الضرير بين البصير المُحدق، ومثل الحكيم والحشوي كالميتة والمشوي،أقنعه رواية الرواية عن دُرّ الدراية، وما أشقى جُهالاً قلدوا آبائهم فهم على آثارهم مقتدون، أوَ لو كان آبائهم لا يعقلون شيئاً ولا يهتدون)..وكلام الأصفهاني يُذكرني بأحوال المستشرقين الذين أفجعونا على واقع ديني وفكري بغير ما ورثناه عن آبائنا في مطلع القرن العشرين، لم يكن للأجنبي–قبلها-إرادة الخوض في تراث المسلمين، ولكن فور دخولهم أحدثوا هزّة عنيفة في وعي المسلمين والنُخبة المثقفة بالتحديد، أعتقد أن السبب من وراء ذلك أنهم بحثوا في تراث المسلمين بعقل متحرر عن التبعية والانقياد، وأن أقوال ومفاهيم.. "كقال السلف أو أجمع أهل العلم أوحدثنا فلان أوالقاعدة تقول"..كل هذا لم يهتموا به لأن طُرق تفكيرهم ليست مثلنا، ولا أنكر أن الكثير مما وصل إليه المستشرقين محل نظر ، وأن عامل اللغة والثقافة يقف أحياناً عائق بين النص والتأويل بين القاعدة والتفسير بين التاريخ والتراث..ويخلط في أمور عديدة بين النقد والرد بين القبول والإيمان بين البحث من مرجعية الاجتهاد للحق وبين البحث من مرجعية الانتصار للذات.

أخيراً فالأزمة التي أراها داخل الإخوان -وكما أشرنا إليها من قبل في مواضع عدة –هي جزء من الكل النابع من ثقافة وظروف المرحلة، وأن ما يعاني منه الإخوان يعاني منه المجتمع العربي بالعموم، فالتقليد سمة المرحلة في كل شئ، حتى ممن سموا أنفسهم علمانيين بعضهم يُقلد ويحصر نفسه في مفاهيم ورؤى السابقين أو الحاليين، بينما أرى أن التقليد هو انقياد بالتبعية ، وأن المقلد- ومن أثر تعصبه وجموده- إذا انتقد شيئاً فينقد مخالفه بوقوفه على النقائص والدنايا ويغفل عن صوابه وحسناته، وليس هذا من منهج أهل الحق في شئ، فليس المطلوب مني كمؤمن أو كإنسان أن أسير على أفكار فلان حتى إذا دخل جحر ضب فندخله حينها تنتفي الحرية ونُصبح عُبّاداً لأشياء لا تستحق.

سامح عسكر
25/12/2012, 08:10 PM
تصدع الإخوان(تطهير أم تطويع الإعلام)

مُصطلح التطهير يعني وجود شعور داخلي بالإمعان في الصراعات..وهو أقصى شعور بالرفض ينتج عنه المواجهة، فما كان في السابق حواراً أو جُهداً للإصلاح تحول الآن إلى مُطالبات بالتطهير لحضور اليقين القوي باستحالة الإصلاح، لذلك أن لا أؤمن بصدق هذا الشعور إلا بعد تخطيه المراحل الأولى له سواء ببذل الُجهد في الحوار أو في العمل الجاد "من داخل" تلك الأشياء المُراد تطهيرها -بُغية الإصلاح..وهذه المراحل مُنعدمة عند جماعة الإخوان..وبالتالي فيظهر ندائهم بالتطهير خالياً من الشفافية والوضوح..و في وسط هذا الغموض نرى عجزا عن صناعة مُنتوج ثقافي مقبول يحوي بديلاً عن ما اصطلح عليه القوم بالتطهير، بمعنى أن هذا الُمنتج يتطلب أولاً التخلص من الخوف المرضي وفوبيا المؤامرة والإيمان بحق الآخر في المعارضة والمنافسة وثبات المبدأ وخلافه..فإذا لم يتحقق شيئاً من ذلك فنداء التطهير هو بالأصل فوبيا مؤامرة نتجت عن خوف مرضي أو تسلق منفعي براجماتي..وفي كل الحالات هو كذب وخداع للذات قبل الغير.

في البداية سنحاول رصد نداء الجماعة بالتطهير وسنرى أن جماعة الإخوان تُطلق صيحات-هذه الأيام-بضرورة تطهير مؤسستي"القضاء والإعلام"..وانتبهوا لإشارة"هذه الأيام" لأن الإخوان في السابق لم يرفعوا مثل هذه الشعارات إلا بمضامين مغايرة وعلى استحياء كمثل مطالبتهم بتطهير الإعلام من السفور والتعري والإباحية في السابق..ولكن لم يتطرق أحد منهم لمطالبهم اليوم بتطهير الإعلام والذي يشير إلى استغلال الخلاف السياسي في شرعنة وتجديد تلك الشعارات بمعنى إعادة إحيائها بثوب جديد، وكأن مطالبهم في الماضي كانت لكسب تعاطف العامة الرافضة لمثل هذه السلوكيات المخالفة للدين وللأخلاق، بينما في الحاضر انحصرت مطالبهم في التخلص من كل ناقد أو معارض وسنُثبت ذلك في السطور القليلة القادمة بإذن الله، وما ينطبق على الإعلام ينطبق أيضاً على القضاء وسنرى.

بالنسبة لتطهير الإعلام فينبغي أولاً التعرف على ماهية ذلك الإعلام المقصود..فهم يرون الإعلام في صورة الإعلام الفضائي والمتمثل في القنوات المصرية الخاصة، بينما لا يألون بالاً للإعلام الحكومي التابع لمؤسسة اتحاد الإذاعة والتلفزيون..والسبب أن الإعلام الحكومي يقف على منصة قيادته واحد من قيادات الجماعة وهو الأستاذ صلاح عبدالمقصود، وبالتالي فمطالبهم بتطهير مؤسسات الحكومة الإعلامية ستصطدم مع توجهات قادتهم الراغبة في إفساح العمل -دون شغب -لمسئوليهم في مواقع السلطة، كذلك لأن الإعلام الحكومي يكاد يكون مهادناً للإخوان بدرجة كبيرة ويصل في بعض الأحيان للتأييد التام، وما كانت مظاهرات إعلاميو ماسبيرو مؤخراً إلا كونها إشارة إلى وجود مثل هذا التصنيف والازدواجية داخل تلك المؤسسة العريقة، بمعنى أن الإخوان عملوا على ترسيخ توجهات ماسبيرو بتأييد الحاكم ولم يعُالجوا نفاقه للأنظمة القديمة، وكأن هوية ماسبيرو خدمت الإخوان فقاموا على رعاية سلبياته بل وتطويرها!

أما بالنسبة للإعلام الخاص فهو إعلام حُر منذ ولادته، يكفي أن النظام القديم كان يحاول السيطرة عليه بشتى السُبل المشروعة والغير مشروعة في محاولة لتحجيمه باستخدام أساليب التشويه المتعددة، فالكلمة الحرة هي أكثر ما يثير قلق الطاغية بشكلٍ عام،فمعنى وجود كلمة حرة يعني تخلصها من كافة القيود الحزبية والنفعية وحتى البيروقراطية، فالأخيرة هي أداة المتسلط في فرض رؤيته.. خاصة في العصر الحديث، وما من مجتمع تكاد تتعشش فيه هذه الآفة إلا ويُصبح ملاذاً للتسلط وللإرهاب..والعجيب أن رفع الجماعة لشعار تطهير الإعلام الخاص –والذي تمثل في اعتصام جماعة حازمون وشعارات وهتافات الإخوان وتصريحات قادتهم وشيوخهم-رافق هذا السلوك ظهوراً قوياً للجماعة في هذا الإعلام،بل ومنذ قبل قيام الثورة إلا وكان هذا الإعلام هو بيت الجماعة الأول لتغطية أخبارهم ولقاء مسئوليهم وشبابهم، هذا لأن ظهور الجماعة على الإعلام الحكومي كان غير جائز لاعتبارات تتعلق بحظر الجماعة ونشاطها...نستنتج من ذلك أن الجماعة رفعت شعار"تطهير الإعلام"إلا بعد انحراف سلوكها وبُعده عن القانون والشريعة والأخلاق في محاولة لكبح جماحه عن رصد أخطاء الجماعة.

أخيراً فقد ظهر لنا بأن مطالبات الجماعة بتطهير الإعلام لم يكن في حقيقته إلا محاولات"تطويع"وليست محاولات "تطهير"..فالإعلام في حقيقته لا يعدو كونه أداة نقل وإخبار وتحليل للأحداث..وفي العادة يرفض المتسلط تقويم آدائه أو نقد أفكاره وأعماله، وبالتالي سيظهر أي ناقد في صورة أقرب"للشيطان"الذي يحاول جاهداً تشويه هذا الملاك الرحيم الذي لا يخطئ!..الحل في استقامة الرأي وبُعده عن التنميط، وأن يكون الرأي مبرراً بمبررات قانونية وشرعية مصحوبة بسلوك يعزز هذا القانون وتلك الشريعة، فإذا حدث خللاً في تلك المنظومة سيطفو على السطح صراعاً يسوده منطق"البقاء للأقوى"فالنفس الإنسانية تبتعد عن الأسباب الحقيقية للصراعات في العادة وتعمل على تحويل تلك الأسباب لأهداف ذرائعية محضة يُصبح معها الإنسان أكثر نفوذاً وحماية.

سامح عسكر
04/01/2013, 06:26 PM
تصدع الإخوان(تطهير أم تطويع القضاء)

لمواجهة الباطل قواعد تنبني عليها المواجهة، أهم هذه القواعد هي قاعدة العدل، فالنصر على الباطل في ذاته نجاح ولا يوجد باحث عن النجاح إلا ويلتزم بمعيار العدل في أقواله وأفعاله..هذا إن كان باحثاً عن السعادة والراحة، أما أن يختلط النجاح لديه بالقلق والكَبَد فثمة تقصير على المستوى الشخصي والمِهني، فالشعور بالقلق يأتي بالتوجس والريبة من كل مخالف، لذلك كان أعظم الناس بُغية للإصلاح عند الله هم من أحياهم الله حياةً طيبة..قال تعالى.. "مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً"..وشرط العمل الصالح هو التواصي بالحق والتواصي بالصبر..قال تعالى .."وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ"..فالبيان الإلهي يشير إلى أن صفات الصالحين الذين استثنائهم الله من الخُسران هم من عملوا على تذكير أنفسهم بالحق، أما من يعرض عن هذا العمل الطيب تعصباً وحُمية أو مكابرة واستكبار أو مزايدة وانتقام.. فهؤلاء هم أهل الهوى قد أضلهم الله فخسروا أنفسهم إلى ما شاء الله.

هذه المقدمة لتبيان أن أي مواجهة لا يلتزم فيها طرف من الطرفان بالعدل وبالتواصي بالحق فمصيره أولاً أن يخسر نفسه، ومن خسر نفسه ولم يُجهد نفسه بإحيائها فسيخسر الناس إلى أن ينتهي ككيان إنساني..أما عندما يكون أحد طرفي الصراع هو ممثل العدل -والذي هو قوام النجاح- فالمقاييس تختلف..فإما أن الطرف الممثل للعدل ينتهكه حينها تكون ساحة المواجهة أقرب لفرض القانون الشخصي واعتباره عاماً وتلك شريعة الغاب، وإما أن الطرف الآخر يجور على العدل ولا يبغي في ممثله أن يتعقبه أو يكشف جرائمه حينها يكون صراعاً بين الحق والباطل..وفي الحالة المصرية ترفع جماعة الإخوان شعار"تطهير القضاء"في محاولة منهم لما يصفونه بأنه تطهير لتلك المؤسسة العريقة من الفساد السياسي والمالي معاً..حقيقة تلك الاتهامات لمؤسسة العدل لابد وأن تكون لها أسباب واضحة وأدلة دامغة لا تقبل التأويل، علاوة على أن تكون صفة الاتهام لا يشوبها أي تعميم، فليس بمجرد ظهور وثبوت فساد أيٍ من القُضاة أن المؤسسة بالكامل على هذا المنوال.

هم يقصدون برفع هذا الشعار تحديداً قُضاة.."الدستورية العليا ونادي القُضاة"..وإذا نظرنا قليلاً في هاتين المؤسستين سنجد أن الأولى هي من لها حق محاسبة وعزل الرئيس، أما الثانية فهي صانع تيار الاستقلال القضائي عن السلطة التنفيذية، وهذه الإشارة لها دلالات سنختصرها في أن الجماعة برفعها لهذا الشعار لا تريد محاسبة قضائية وتأمين تام لرئيسها في كرسي الحُكم، وكذلك السيطرة على مؤسسة العدل ألا تخالفها تلك المؤسسة الغائرة في وجدان الإنسان بأنها حِصن العدالة لكل مظلوم..إذا عُدنا قليلاً إلى الوراء وبالتحديد قبيل قيام ثورة 25 يناير سنجد تحالفاً وثيقاً بين نادي القُضاة وبين جماعة الإخوان وسائر أحزاب المعارضة "الفعلية"..والذين كانوا يُمثلون جميعاً حٍٍِِِصناً للعدالة في مواجهة تغول الدولة والسلطة الغاشمة معاً، حتى أن من بين رموز استقلال القضاء عن السلطة التنفيذية-حينها- كان قُضاة الجماعة وبعض المستشارين ممن يشغلون مناصب عامة الآن في "سُلطة الإخوان" كالمستشارين أحمد ومحمود مكي، ولكن بعد تبدل الأوضاع السياسية للجماعة من المعارضة إلى الحُكم وقعوا في نفس ما كان يقع فيه النظام القديم.

يظهر لنا بأن الجماعة تحاول"تطويع"القضاء لإرادتها فترفع شعار التطهير بعملية إزاحة نفسية أصبحت هي السمة الأبرز للسلوك الإخواني في هذه الأيام، فمثلاً عندما يريد مكتب الإرشاد فض اعتصام المعارضة من أمام قصر الرئاسة فيلجأون إلى تصدير بعض الإشاعات كإشاعة"المجلس الرئاسي"أو اقتحام المعارضة للقصر، أو اختطاف الرئيس.. وما إلى ذلك من إشاعات"خيالية وتافهة" دأبت الجماعة على ترويجها داخل الصف الإخواني لتبرير هذا السلوك العدواني والذي سقط بسببه العديد من الشهداء، ولكي لا يلومهم العامي البسيط فيلجأون إلى تشويه خصومهم والادعاء بأن شباب وفتيات المعارضة المعتصمين كانوا يزنون في الخيام، وأنه لم يكن اعتصاماً حقيقياً وكأن الجماعة كانت سترضى بهذا الاعتصام فيما لو كان المعتصمون ملائكة! إنه الكذب على الذات والتبرير الدائم لسلوكيات لا أخلاقية بهدف الحشد لا غير...لا أفهم كيف يتدارس قومُ الصدق ويحضون عليه فيما بينهم ولكن تفضحهم سلوكياتهم بهذه الطريقة التي أصبحت على مرأى ومسمعٍ من الجميع.

سامح عسكر
10/01/2013, 08:31 AM
تصدع الإخوان(المماليك والأحرار)

تُشكل القيود التنظيمية داخل جماعة الإخوان دائرة واسعة لتهميش الرأي الحر ، فالقيد التنظيمي يتعامل مع الإنسان كشخوص اعتبارية ..ومهما توسعت وظائفه ولكنه يظل مُستهلَكاً يعمل داخل إطار الجماعة لنفسه ولغيره..هذه سمة عامة من سمات الجماعات المُنظّمَة والتي تُشكل فيها الأيدلوجيا الأساس..لكن وبعد أن فرضت الحداثة نفسها على الأمم ظهر تحدياً كبيراً على أي جماعة- تتشكل عبر الأيدلوجيا..ففي الغالب تتكون تلك الجماعات بناءاً عن سلطة التاريخ خاصةً في مناطق الشرق الأوسط والعالم العربي، وبناءاً عليه ستظهر لنا العديد من الجدليات كي تصنع الفوراق في الرأي.. كجدليات.."الديمقراطية والشورى-والدين والسياسة-والحرية والمحافظة"..وغيرها من الجدليات التي باتت عُنصراً هاماً للتثاقف.

في جدلية من الجدليات "كالديمقراطية والشورى" لابد وأن ينشأ لدينا رأياً حراً وآخر محافظا..وفي داخل جماعة الإخوان لا أرى تعاطفاً مع فكرة الديمقراطية لاعتقادهم بأن بديل الشورى هو الأصل الكافي لرسوخ العدل، والشورى فكرة مستمدة تاريخياً باعتبار وجودها في القرآن علامة من علامات المؤمنين، وبالتالي فأي رؤية لها تعتبرها لا تؤسس لحُكم رشيد تدخل ضمن المُنكرات العقلية والشرعية لتعارضها مع النص، وليس هنا الإشكال بل الإشكال في أن من ينادي بالشورى هو لم يؤسس لها نظرياً وعملياً كي لا يسري وراء اجتهادات من مارسوها من قبل وفشلوا في إرساء العدالة وشاع الظلم بين الناس، فالشورى حسب رأي الناقدين تتطلب تجريداً شاملاً للوقوف على بواعثها وأسبابها وبالتالي نتائجها المتوقعة، وما هي الظروف الملائمة لتطبيق الشورى، بينما الديمقراطية-كفكرة-تكاد تكون واضحة المفاهيم ومؤسسِة لنظام اجتماعي وسياسي عدا بعض التفاصيل والتي يتسع الخلاف في شأنها دون المساس بالأصل.

من هذا المُدخل رأيت أن جدلية"الشورى والديمقراطية"هي التي أنشأت .."أحراراً ومماليك"..داخل التيار الإسلامي وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين،فالشورى في أذهان الإسلاميين عبارة عن أفكار غير مدروسة ومفاهيم غير مُجردة..وبالتالي حين إسقاط تلك المفاهيم والأفكار –كسلوكيات- سيبرز لنا.."كُتلة صمّاء لا روح فيها يتبعها كل مُقلّد"..مرجعيتهم فيها التاريخ وحسب دون النظر لجوانب البيئة والثقافة والحضارة وغيرها من الجوانب التي تعمل كمؤثرات..أنا لا أتعاطف "بالمُطلق"لا مع الديمقراطية ضد الشورى أو العكس ليقيني بأن معيار الحق والصواب يختلف من شعب لآخر ومن بيئة لأخرى..لذلك ليس عندي مانع من تبني مفهوم الشورى -حسب اعتماده كنص-ولكن ليس قبل تحريره واستنساخ تجاربه في الماضي والحاضر للاعتبار.

معنى أن يلهث الفرد وراء تلك الكتلة الصمّاء المسماة"بالشورى"يعني في الحقيقة أنه يلهث وراء أشخاص هم مُلّاك حق التعريف والإسقاط،فنِقاط الديمقراطية ليست واضحة عنده، بل هو لا يتبنى بعض قواعدها لاعتقاده بتعارضها مع النص المقدّس..أما الفرد الذي يفهم الديمقراطية أو هي مؤسَسَه لديه عبر قناعات إنسانية ووجدانية..فسيتمرد على تلك الكُتلة الصماء دون أن يعرفها أو ما بداخلها..هذا لأنه لم يرَ منها ما يُحقق قناعاته..أما إذا تداخلت التعريفات عند أي فرد منهم أو كلاهما فالأزمة ستتعمق وأظن أن ذلك يتحقق بشكل ملحوظ داخل التيار الإسلامي عامة..بمعنى أن من لا يطمئن للديمقراطية لاعتقاده بأنها حرام ثم يمارسها رغماً عنه فسُرعان ما سيكتسب صفة"الاختزال"بأن يختصر المنافسة مع الخصوم في أحد أوجه الديمقراطية الغير مختصة بموضع النزاع.

المماليك داخل جماعة الإخوان هم من يتبعون"الشورى"حسب تعريفاتهم وأفهامهم التي سبق وأن قلنا عنها أنها غير واضحة وغير قابلة للتنفيذ إلا بمفهوم الحاكم وليست النخبة..أما الأحرار فهم من يفهمون القواعد الإنسانية التي تحقق العدالة دون النظر لقضايا أخرى غير راسخة وغير مفهومة لديهم..فالكيان الإداري داخل الجماعة يستعمل "المماليك"لترويج أفكاره ..وتخدمه -في الغالب -بيئته المحيطة بحالتها الأمية والرجعية، أما "الأحرار" فينظرون لهذه البيئة "كموضع أزمة"وأنها نقطة ضعف وليست نقطة قوة...وبالتالي فهم يعملون على التواصل مع النُخَب أكثر لتوصيف ورصد تلك الأزمة ابتداء، بينما "المملوك" يعمل على ترسيخ أفكاره التقليدية بسهولة في تلك البيئة التقليدية..فمفاهيم كمفهوم.."الحاكم الأب"..هو مترسخ في وجدان الشعب المصري منذ زمن بعيد..وهو مفهوم تم انتزاعه من المَثَل الشعبي.."اللي مالوش كبير يشتري له كبير"..طالما كان هذا المفهوم وتلك الأمثال الشعبية تخدمهم فلا مانع.