المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محاولة



صبيحة شبر
23/10/2006, 10:57 PM
محاولة


و قفت أمام المراة ، وحاولت أن أرسم ابتسامة على وجهي ، لم تطاوعني شفتاي ، وبدا فمي يابسا متشققا ، ولساني مخلوق غريب ، قد فارق الحياة
عضلاتي تؤلمني ، وعيناي حزينتان ، والفم كأنه لم يذق طعم الماء منذ أمد طويل ، رقبتي نافرة العروق ، هالني منظري ، أردت أن أبكي ، لكن دموعي قد جفت ، وعيناي حفرتان قد سكتهما الألم ، شعرت أن الأرض تميل بي ، وأنني لاأ قوى على الوقوف ، كانت كلمات طبيبي ترن في أذني ، بذلت جهدا كبيرا كي أطيعه
- حاولي أن تضحكي ، ما إن تحيطك الهموم ، وترهقك السموم ، تسلحي بالضحك ، فهو خير بلسم
فمي جاف ، ولساني عضلة يابسة ، الفراغ يحيط بي ، يلبسني ، يثقل كاهلي ، يزهق روحي
- أنت ميتة ، مخلوقة محنطة ، جوفاء ، هجرتك الحياة ، مللت منك
المرآة تضحك مني ، تنظر إلي شامتة ، تخرج لسانها ، تسخر من عجزي واستسلامي ، وددت لو أفعل شيئا ، أن أنتصر عليها ، أحطمها ، أجعلها قطعا متناثرة ، واتي بواحدة أخرى جديدة تصدقني الحديث
- ابتسمي ، تري الوجود جميلا ، اهربي من سجنك ، حطمي قيودك ، ثوري على جلاديك ، انتصري لمبادئك وقيمك
ماذا عساي أن أفعل وأنا غريبة هنا ؟ كبر الأبناء وتركوني ، فارقت أهلي وأحبابي منذ دهر ، ولا أصدقاء لي هنا ، أحبابي رحلوا ، اقتنصوا حياتهم الواحد تلو الآخر ، ومن استطاع النجاة من عقابهم اختار ملجأ بعيدا ، بيني وبينهم بحار شاسعة ، وأنا لا أحسن السباحة ضد التيار ، أصبحت خانعة أرضى بما يبتغونه لي
- لم أعد أريدك ، هرب منك الشباب ، أخرجوك من العمل وكنت اطمع أن، تعيليني
- ابتسمي ، وان فقدت كل شيء ، المال ، الوطن ، الأهل ، الحب ، حاولي أن تبتسمي ، ما زالت الحياة لك ، الغضب يقضي عليك
أضحك بصوت عال ، أقهقه ، أغلق علي الباب ، أفتح جهاز التسجيل بصوت يعلو على ضحكاتي ، فيروز تشدو
- لم لا أحيا وظل الورد يحيا في الشفاه
المرآة تنظر إلي بتفهم ، تدعوني إلى التحدث إليها عما يؤلمني ويشجيني ، أضحك من جديد ، أفكر بما هو خير ونبيل في الحياة ، أبعد المساوي عن فكري ، أتنفس بعمق ، أستعيد المواقف النيرة الجميلة التي قرأتها وأمنت بها ، أعاود الضحك تنتصر إرادتي ،تنقشع الغيوم السوداء ، اضحك واضحك ، اقمع إرادتي ، في البداية ، لا تطيعني شفتاي ، أغلق الباب علي بإحكام لئلا يشك أحدهم بسلامة قواي ، ارفع صوت المذياع ، فيطغى على صوت ضحكي المفتعل ، مازالت فيروز مستمرة في شدوها
- لم لا أحيا وظل الورد يحيا في الشفاه
، تبدو الضحكات ميتة لا حياة فيها ، أعاود من جديد ، رغبتي في تغيير حياتي ينبغي أن تكون حقيقة ، الأحلام تبدأ بخطوة ، يزايلني التردد ، أعاود الضحك ، علي أن اقهر خنوعي واستسلامي ، الإنسان مخلوق قوي ، إن تردد يوما فانه يعود إلى الحزم والعزم مرة أخرى ، هذا ما علموني إياه سنين عمري التي مضت دون أن أشعر بها ، أيقنت أن الأسف لن يعيد شيئا ، علي أن أعيش يومي ولا أأسى لامسي أو أتشاغل بغدي ، ينبغي أن أتحلى بإرادتي ، اضحك من جديد ، واضحك مرة أخرى ، تطاوعني إرادتي ، أحاول ان أبتسم ، فأعجز عن تحقيق رغبتي ، ابتسامتي باهتة ، أحاول من جديد ، أفشل ، وأتابع المحاولة ، ابتسم ،فلا يكون انتصاري كاملا ، اقمع شعوري بالانهزام ، أبتسم ملء فمي ، لم تعد شفتاي يابستين ، ولساني يعبر عما يريد بطلاقة
البريق يعود إلى عيني ، الأخاديد تختفي عن وجهي ، وعن عنقي ، وفمي يزايله الجفاف ، وابتسامتي تعود حقيقية
- أضحكي تتبدد همومك ، السحب السوداء تنقشع ، يهرع الغيث إلى ربوعنا محولا قفارنا إلى حدائق غناء
- كبر الأولاد وأنت هرمت ، وأنا لازلت شابا في روحي وسأحيا ما دامت الحياة تدعوني ، وأنت كهلة تندبين حظك
- ابتسمي ، يزهر قلبك ، وتقوى إرادتك ، ينهزم ضعفك ، تينع ثمارك ، وتسعد حياتك ، يولي ضعفك
سالت دموعي على وجهي ، وأسعدني أن أكون قادرة على البكاء ،، كنت اظن ان قدرتي على التعبير عن نفسي ،، ككل البشر الآخرين ،، قد تضاءلت ، واندثر ، كل ما عندي من تحمل ، وتجرع لمرارة الصبر ، التي أمضتني لسعتها ،، طيلة سنين طوال ، بكيت ، دون ان اكترث أنه لا أحد قربي ، يمكن ان يخفف عني قسوة الألم ، وان كل شيء يمكن اجتراعه ، الا ان تكون وحيدا في معترك حياة قاسية ، تتضمن بعض زهرات شوكية ،، تنبت لوحدها في صحارى مترامية الأطراف ,,,
مخلوقة جديدة أمامي ، متفائلة ، واثقة تحب الحياة ، تهزم همومها بالضحك ، قادرة على الابتسام
صممت أن أبدأ من جديد ، فما زلت معافاة في جسدي ، أملك قوت يومي ، ولست اقل من غيري ، في التمتع بالخلال التي لابد منها
أحيا آمنة ...
- لم لا أحيا وظل الورد يحيا في الجباه




صبيحة شبر

مصطفى لغتيري
25/10/2006, 12:13 AM
المبدعة صبيحة شبر.
شدني هذا الحوار الداخلي ،الذي اتخذ المرآة وسيلة ذكية ولامعة لينساب رقراقا ، ليعبر بألق عن مكنونات الذات ولواعجها.
كل التقدير والاحترام.
تحياتي.

صبيحة شبر
25/10/2006, 12:17 AM
المبدعة صبيحة شبر.
شدني هذا الحوار الداخلي ،الذي اتخذ المرآة وسيلة ذكية ولامعة لينساب رقراقا ، ليعبر بألق عن مكنونات الذات ولواعجها.
كل التقدير والاحترام.
تحياتي.
الاخ المبدع مصطفى لغتيري
اسعدتني قراءتك الجميلة
مودتي الخالصة
وتقديري الكبير

محمد نجيب العمامي
25/10/2006, 12:29 AM
الأديبة صبيحة شبر
نص جميل مؤثر ترويه من ذاقت من الحياة متعها والألم ولكني أسأل ما وظيفة هذا الكلام الذي يمكن نسبته إلى الزوج: "- كبر الأولاد وأنت هرمت ، وأنا لازلت شابا في روحي وسأحيا ما دامت الحياة تدعوني ، وأنت كهلة تندبين حظك"؟
فما العلاقة بين هرمت وكهلة وأنا ما أزال شابا في روحي؟
وبالمناسبة فالحرف "لا" + الماضي تركيب يفيد الدعاء إمّا له "لا حُرمنا نصوصكِ" وإمّا عليه " لا صفا عيش لأهل هذه البلدة ولا سقا أرضها غيث إذا انسكبا."
دمت بخير
محمد نجيب العمامي

صبيحة شبر
25/10/2006, 12:42 AM
الأديبة صبيحة شبير
نص جميل مؤثر ترويه من ذاقت من الحياة متعها والألم ولكني أسأل ما وظيفة هذا الكلام الذي يمكن نسبته إلى الزوج: "- كبر الأولاد وأنت هرمت ، وأنا لازلت شابا في روحي وسأحيا ما دامت الحياة تدعوني ، وأنت كهلة تندبين حظك"؟
فما العلاقة بين هرمت وكهلة وأنا ما أزال شابا في روحي؟
وبالمناسبة فالحرف "لا" + الماضي تركيب يفيد الدعاء إمّا له "لا حُرمنا نصوصكِ" وإمّا عليه " لا صفا عيش لأهل هذه البلدة ولا سقا أرضها غيث إذا انسكبا."
دمت بخير
محمد نجيب العمامي
الاخ العزيز محمد نجيب العمامي
اردت باقوال الزوج مراكمة الالم على نفس البطلة
و( لازلت شابا) جملة وقعت خبرا للمبتدأ ( انا)
فهي لاتفيد الدعاء هنا
وكان يمكن ان استعمل ( ما زال) ليكون التعبير اصوب
قراءاتك دائما تعجبني
تتميز بدراية كبيرة في فن القص
مودتي الخالصة

محمد نجيب العمامي
25/10/2006, 10:22 PM
ورد خطأ رسم في تعليقي وبودّي تصويبه. فالفعل سقى يائيّ لا واويّ. ولذلك فالدعاء يكون: لا سقى أرضها غيث إذا انسكبا (الشاهد مأخوذ من بيت شعر. وهو ما يبرر الحركة الطويلة في فعل انسكب)
مع اعتذاري
محمد نجيب العمامي

الشربيني المهندس
26/10/2006, 12:54 PM
مع غرابة العنوان كانت المحاولة
ومع الاستهلال
وقفت امام المرآة
كان التواصل
ورغم صعوبة التواصل ان المنولوج الداخلي وهو سمة القصـه الا ان فكرة المواصلة بين البكاء والابتسامة قطبي السعادة والتعاسة كانت اكثر اغراء
المرآة تتفهمني جاءت ليتواصل التفكير في دلالات القصـة وخاتمتها الفلسفية
لما لا احيا وظل الورد يحيا في الجباه
وهذا الظل يكفيني

صبيحة شبر
02/07/2007, 11:41 PM
الأخ العزيز والأديب المبدع الشربيني المهندس
قراءة مبدعة للنص اعتز بها كثيرا
لك جزيل شكري وعظيم التقدير