المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صدور ترجمة جديدة لكتاب "الاستشراق"



فؤاد بوعلي
23/10/2006, 11:35 PM
بعد نحو 30 عاما من صدوره لايزال كتاب "الاستشراق" للمفكر الفلسطينى البارز ادوارد سعيد مثيرا للتأمل بقدرته على استشراف قضايا متجددة حول ثنائية الشرق-الغرب منذ قال إن الشرق عدو مفترض أو أسطورة خلقها خيال الغرب.

وفى الذكرى الثالثة لرحيل سعيد الذى ولد فى القدس صدرت ترجمة "مصرية لكتاب "الاستشراق" لاستاذ الادب الانجليزى بجامعة القاهرة محمد عنانى الذى وضع للكتاب عنوانا فرعيا هو "المفاهيم الغربية للشرق" خلافا للعنوان الفرعى للكتاب منذ ترجمه السورى كمال أبو ديب قبل 25 عاما وهو "المعرفة. السلطة. الانشاء".

صدرت الطبعة الجديدة عن دار رؤية بالقاهرة وتقع فى 560 صفحة كبيرة القطع وهى مزيدة عن الترجمة "السورية" بفصل ختامى عنوانه "تذييل طبعة 1995" أشار فيه سعيد الى أن "الاستشراق" هو الكتاب الوحيد الذى كتبه دفعة واحدة واكتمل عام 1977 كما سجل الاهتمام بالكتاب بعد صدوره فى الولايات المتحدة وبريطانيا "وكان بعضه كما هو متوقع بالغ العداء وبعضه لا يدل على الفهم ولكن معظمه كان ايجابيا بل ويبدى الحماس للكتاب" الذى توالت ترجماته وأثار خلافات ومناقشات بعضها بلغات لا يعرفها مؤلفه.

ويرى سعيد "1935 - 2003" أن الشرق شبه اختراع أوروبى وأن الاستشراق ليس مجرد خيال أوروبى متوهم عن الشرق "بل انه كيان له وجوده النظرى والعملى وقد أنشأه من أنشأه واستثمرت فيه استثمارات مادية كبيرة على مر أجيال عديدة وقد أدى استمرار الاستثمار الى أن أصبح الاستشراق باعتباره مذهبا معرفيا عن الشرق شبكة مقبولة تسمح منافذها بتسريب صورة الشرق الى وعى الغربيين الامبريالية السياسية تحكم مجالا كاملا من الدراسات والابداع والمؤسسات البحثية."

ويرصد بعض نجوم الفكر والادب الاوروبيين الذين "كانت لهم اراؤهم المحددة بشأن الامتياز العنصرى والامبريالية ومن اليسير ادراك تأثيرهما فى كتاباتهم" ومنهم المؤرخ توماس كارلايل "1795 - 1881" والفيلسوف جون ستيورات مل "1806 - 1873" والشاعر ماثيو أرنولد "1822 - 1888" والروائيون جوستاف فلوبير "1821 - 1880" وتشارلز ديكنز "1812 - 1870" وجورج اليوت "1819 – 1880".

ويتساءل.. كيف شارك فقه اللغة ووضع المعاجم والتاريخ والبيولوجيا والنظرية السياسية والاقتصادية وكتابة الروايات والشعر الغنائى فى خدمة رؤية الاستشراق للعالم وهى الرؤية التى تعتبر امبريالية بصفة عامة.

ويضيف أن الثقافة الاوروبية تمكنت من ابتداع الشرق عبر مفاهيم الاستشراق الذى اعتمد على التمييز الوجودى والمعرفى بين الشرق والغرب حيث "زادت الثقافة الاوروبية من قوتها ودعمت هويتها من خلال وضعها لذاتها مقابل الشرق باعتباره ذاتا بديلة...الاستشراق برمته يقع خارج الشرق وبعيدا عنه."

ويرى سعيد أن تاريخ الاستشراق أدى الى التعصب الشائع فى الغرب ضد العرب والاسلام مضيفا أنه "مما يزيد الامر سوءا عدم اقدام أى شخص له اهتمامات أكاديمية بالشرق الادنى أى عدم اقدام أى مستشرق قط فى الولايات المتحدة على التعاطف الكامل والصادق ثقافيا وسياسيا مع العرب. ولا شك أن بعض حالات التعاطف قد وجدت على مستوى من المستويات لكن أيا منها لم يتخذ فى يوم من الايام الصورة المقبولة التى يتخذها التعاطف الامريكى الليبرالى مع الصهيونية.

"العداء للسامية يشبه الاستشراق أو قل ان الاستشراق هو الفرع الاسلامى للعداء للسامية."

ويقول سعيد فى الفصل "الجديد" من الطبعة المصرية ان هناك تفسيرات خاطئة للكتاب رأت أنه يدافع عن الاسلام والعرب ويعادى الغرب بصورة مستترة فى حين كان يهدف الى تخطى الهوة بين الشرق والغرب من خلال اثارة قضية التعددية الثقافية فى كتاب يحفل بظلال المعانى ومن يراه مجرد رد على الغرب يسيء اليه بهذا الوصف المبسط.

كما يقدم مراجعة لردود الافعال حول الكتاب وللسياق التاريخى الذى اختلف بعد أكثر من 15 عاما على صدوره حيث تفكك الاتحاد السوفيتى وتدافع باحثون أمريكيون "الى اعتبار أن الاسلام الذى أضفوا عليه صبغة الشرق يمثل امبراطورية شر جديدة" مفسرا بذلك الصور النمطية التى تصف الشرق بالكسل والقسوة والانحطاط والنزعة الحسية كما "تحط من المسلمين فتربط بينهم وبين الارهاب."

وينفى أن يكون الاستشراق مؤامرة ويشدد على كونه ظاهرة ثقافية وسياسية وأنه فى بعض جوانبه كان متواطئا مع المصالح الاستعمارية ومن الصعب "فصل مصالح المستشرق من طرف واحد عن السياق الامبريالى العام الذى بدأ مرحلته العالمية الحديثة بغزو نابليون لمصر فى 1898" مشيرا الى ما وصفه بالرصانة المتعمدة لكتاب "وصف مصر" الذى أمر نابليون بوضعه حيث تشهد مجلداته "بالجهود المنهجية لفيلق كامل من العلماء الفرنسيين الذين يساندهم جيش حديث يقوم بالغزو الاستعماري."

وسبق أن أشار سعيد فى كتب أخرى مثل "تغطية الاسلام" عام 1981 الى التعاون بين الاستعمار والمستشرقين لدرجة يندر معها وجود خبير من خبراء الاسلام لم يكن مستشارا لحكومة بلاده مستشهدا بالمستشرق الهولندى سنوك هوخرونيه الذى "استغل الثقة التى أولاه المسلمون اياها فى تخطيط وتنفيذ الحرب الهولندية الوحشية ضد أبناء شعب أتشيه المقيمين فى سومطرة."

وفى مراجعته لردود الفعل على كتاب "الاستشراق" يعيد سعيد التذكير بهذه العلاقة.
ويقول "أؤكد أن رابطة المستشرقين لها تاريخ محدد فى التواطؤ مع السلطة الامبريالية. ومن العبث أن ننكر الصلة بينهما."

ويضرب المثل بالمستشرق الامريكى برنارد لويس الذى هاجم كتاب "الاستشراق" ومؤلفه. ويقول سعيد ان لويس "يمضى فى تشويه الحقيقة وأن أفكاره شائعة للاسف بين صغار مساعديه ومقلديه وهم الذين تنحصر مهمتهم فيما يبدو فى تنبيه المستهلكين الغربيين الى الخطر الذى يتهددهم والنابع من عالم اسلامى ساخط خلقه الله غير ديمقراطى وميالا للعنف."

ويرى أن الاهتمام الاوروبى بالاسلام "لم ينشأ من حب الاستطلاع بل من الخوف من منافس للمسيحية يتميز بوحدته وصلابته وبقوته الجبارة ثقافيا وعسكريا" مضيفا أن رواسب من القرون الوسطى لاتزال تمثل مزيجا من الخوف والعداء فى الاهتمام العلمى أو غير العلمى بالاسلام.

وأصدر سعيد كتابه الاول "جوزيف كونراد ورواية السيرة الذاتية" عام 1966 عن الروائى البريطانى كونراد "1857 - 1924" ولكن شهرته طغت منذ كتاب "الاستشراق" الذى كان دالا على مؤلفه رغم توالى كتبه الاخرى ومنها "العالم والنص والناقد" و"ما بعد السماء الاخيرة.. حيوات فلسطينية" و"لوم الضحايا" بالاشتراك مع الكاتب البريطانى كريستوفر هيتشنز و"الثقافة والامبريالية" و"سياسة السلب.. الكفاح من أجل حق تقرير المصير الفلسطيني" و"خارج المكان" وهو سيرة ذاتية لسعيد.

وفى كتاب "الاستشراق" يلفت سعيد الانتباه الى أن كتابه "مسألة فلسطين" الذى صدر عام 1980 ترجم الى العبرية وصدر عن دار نشر اسرائيلية فى أوائل الثمانينيات لكنه لم يترجم الى العربية مضيفا أن ناشرا عربيا أبدى اهتماما بالكتاب لكنه طلب منه أن يحذف أجزاء تتضمن نقدا صريحا لاحد الانظمة العربية ومن بينها منظمة التحرير الفلسطينية "غير أننى كنت دائما أرفض هذا الطلب."

وكان سعيد قد استجاب لدعوة الرئيس الفلسطينى الراحل ياسر عرفات وانضم سعيد الى عضوية المجلس الوطنى الفلسطينى فى نهاية الثمانينيات دون انتماء لاى من الفصائل الفلسطينية الا أنه عارض اتفاق أوسلو بين عرفات ورئيس الوزراء الاسرائيلى الاسبق اسحق رابين. وأصدر عام 1994 كتاب "غزة-أريحا.. سلام أمريكي" وفى العام التالى أصدر كتاب "أوسلو ر2. سلام بلا أرض".
وقال عنانى مترجم "الطبعة المصرية" انه يؤمن بأن المترجم "مفسر" يحول الفكرة الى لغة العصر وان من حق القاريء العربى أن يطلع على اخر صور كتاب "الاستشراق" لسعيد الذى اعتبره عبقريا يختلف فى فهم نصوصه المترجمون حيث ان له أسلوبا خاصا "أصبح علما عليه ولا يكاد يشاركه أحد فيه خصوصا أنه باحث أدبى فى المقام الاول" مشيرا الى شكوى قراء العربية والانجليزية من صعوبة نصوص سعيد ومنها هذا "النص العسير. ما دفعنى اليه الا احساسى بحق القاريء العربى وحق ادوارد سعيد فى أن يقرأ كتابه بيسر وسهولة."

وأضاف فى تصدير بلغ 25 صفحة أن سعيد من القلائل "ان لم يكن الكاتب الوحيد الذى خاطب الغرب بلغته ومنهجه العلمى الحديث فكشف الغطاء عما يتخفى بقناع الثقافة والدراسة العلمية من مواقف سياسية لا ترمى الا الى تحقيق مطامع أو مصالح مادية صرفة."

ومن الامور التى نبه اليها سعيد مبكرا أن خبراء الشرق الاوسط لايزالون يشغلون المواقع التى كان الاستشراق يشغلها فى القرن التاسع عشر ذروة المد الاستعمارى وأن الايديولوجيا السالبة لانسانية الانسان وشبكة العنصرية "هى الشبكة التى تحيط بالعربى أو بالمسلم. شبكة بالغة القوة وهذه هى الشبكة التى يشعر الان كل فلسطينى أنها أصبحت مصيره الذى يمثل له عقابا فريدا."
سعد القرش-رويترز-

محمد بسام سلام
20/09/2009, 02:27 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الكتاب قيم يخاطب الغرب بلغته ومنهجيته.