المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هذا الشاعر الملتزم



عبدالجواد خفاجى
27/04/2007, 10:47 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الشاعر الملتزم
دراسة لتجربة الشاعر المصرى جميل عبد الرحمن
فى ديوانه " نـزيـف النخيـــل "
دراسة : عبدالجواد خفاجى

توطئة :
align=justify]يمكننا أن نتحدث بأريحية عن تطبيق الالتزام فى الشعر من خلال الحديث عن تجربة شاعر مصر الكبير" جميل عبد الرحمن " فى مجمل دواوينه العشرة التى أصدرها حتى الآن ، وفى أية محطة من محطات تشكُّلها ؛ فهى تجربة واحدة ممتدة عبر كل نصوصه فى كل ما نشر حتى الآن .. تجربة طويلة بطول الأزمة التى تعيشها أمته العربية والإسلامية ، حتى لأن المحطات الشعرية التى توقف عندها تكاد تكون هى نفسها المحطات التى تنحدر إليها هاتين الأمتين فى واقعهما المسيَّج بالأحزان والهزائم والمآسى .. هى أزمة مضطردة التنوع والانحدار ، يجد الشاعر نفسه بإزائها صاحب رسالة ، لا بصفته صوتًا هادرًا بالشاعرية الثورية التى يعلن من خلالها رفضه وتمرده ، بل بصفته صاحب وعىٍ يؤهله لأن يقوم بدوره فى التوعية بوضعنا الحقيقى ، إنماء الإحساس بالمسؤولية .
ولعل المقتضى الأول والأخير للالتزام ـ كما يرى " ماكس أديربث " ـ هو : " أن يشارك الكاتب فى صراعات العصر ، ويحث على تطبيق الالتزام فى أدبه ، ليس لأنه يحتم سلفًا أين يقع واجبه الفنى ، بل لأنه ـ ببساطة شديدة ـ يعرف قيمة تلك المصادر ( يقصد صراعات العصر ) فى الإلهام ، وليس للأدب الملتزم موضوعات أو أساليب أو طرائق خاصة ، ولكنه يتميز فحسب بواقعية أكبر ، وبما يتحلى به الأديب من منهج فى الحياة ، وإن كانت تلك الصفات وحدها لا تنتج عملاً فنيًّا ، فإنها تساعد فى رفع قيمته الفنية .. إنها تساعد الأدب على أن يقوم بدوره فى توعيتنا ، أو بالمعنى : يحقق وظيفة اجتماعية فضلاً عما يتصف به من متعة وجمال ، ولعل مزيجًا من هذين العنصرين هو خاصية كل فنٍّ عظيم " (1) .
وليس معنى هذا أن الأديب ملتزم بالضرورة ، وإلا لَمَا كان هناك مبرر للحديث عن الالتزام وما يثار حوله من مناقشات كبيرة ، وإنما يتحقق الالتزام ـ كما يرى الدكتور عز الدين إسماعيل " عندما يقدم الأديب للآخرين أعمالاً إيجابية فى تأثيرها ، تمس حياتهم مسًّا مباشرًا ، ومن ثم يتحدد الالتزام فى الأدب بمدى ارتباط الأديب بقضايا الناس فى مجتمعه ، وما يتقدم به من حلول لهذه القضايا ، أو بمجرد التنبيه إليها " (2) .
ولعل الحديث عن الالتزام بهذه الكيفية هو تلخيص للحديث عن العلاقة بين الأدب والحياة من جهة ، والأدب والأيدولوجيا من ناحية أخرى .
وفى الأولى يمكننا أن نخلص إلى أن الأدب لم يكن منفصلاً عن المجتمع أو عن حياة الجماعة فى أى عصر من العصور ، وبخاصة فى العصور العربية القديمة ، ولنا أن نعود إلى صورة الأدب فى العصر الجاهلى ، وبخاصة الشعر ؛ لنرَ صورة المجتمع العربى الجاهلى واضحة جلية ، ونعاين التجارب الشعرية وهى تحتضن قيم الجماعة ومشكلاتها ، وهى تعبر عن أحلامها وطموحاتها ومآثرها ، حتى لأن مقولة " الشعر ديوان العرب " أضحت مقولة مأثورة .
بيد أن ما نريد طرحه هنا أن فكرة الالتزام لم يكن يعرفها النظر النقدى فى العصور الماضية ، وربما أنها فكرة حديثة " وربما أن أول عبارة فى تاريخ النظر النقدى القديم ، أحكمت الربط بين الأدب والحياة هى العبارة المأثورة عن الشاعر والناقد الإنجليزى المشهور " كولردج التى يقرر فيها أن الأدب هو نقد للحياة " (3) .
ولعل هذا هو المعيار الجديد الذى أحدث به الرمانتيكيون تحولاً خطيرًا فى ميدان الأدب ، عندما جعلوا روعة الأدب وقيمته رهنًا بمدى ما يحققه فيه من نقد للحياة ، والنقد يقتضى الفهم ، ومن ثم صار الأديب الملتزم مطالبًا بأن يتفهم الحياة قبل أن يكتب ما يكتب ، وهو لن يستطيع تفهُّم الحياة إلا من خلال تجربته فيها ، ومعاناته الصميمة لها ، وانخراطه فى هذه التجربة إلى أبعد مدى ، أو بالمعنى : تتحول تجربة الشعر إلى نقل للخبرات ، ومن ثم تتحول القيمة فى الأدب إلى نوع من الخبرة بالحياة ، تضيف إلى خبرات الجماعة مزيدًا من الخبرة الجديدة .
أما عن الثانية ، وأعنى الأدب والأيدولوجيا فيمكننا أن نخلص فيها إلى أن الأدب لم يكن ـ أيضًا ـ منفصلاً عن الأيدولوجيا فى أى عصر من عصوره ، " فتاريخ الفن يحدثنا كيف أن الفن نشأ فى أحضان العقيدة الدينية ، وظل آمادًا طويلة شديد الارتباط بها ، بل إن المتدبر لتاريخ الفن حتى العصور الحديثة يستطيع أن يدرك هذه العلاقة الوثيقة بين الفن والعقيدة ، فليس هناك فنان معروف لم يصدر فى أعماله الفنية عن عقيدة ، و" العقيدة " هى التعبير القديم عما نسميه اليوم بالأيديولوجيا " (4) .
والإشكالية فى هذا الصدد أن البعض يفهم العلاقة بين الفن والأيديولوجيا على أنها علاقة قاهرة للفن ، لأن الأيديولوجيا تمثل تفكيرًا أو موقفًا فكريًا محددًا ، فى حين أن أفق الفن طليق لا يمكن ان يحدَّ ، وإخضاع الفن للأيديولوجيا معناه إخضاع المطلق للمحدود ، أو الحرية للقيود .
والحقيقة أن مثيرى الجدل من هذا النوع حول علاقة الفن بالأيديولوجيا يبدأون غالبًا من وضع العربة أمام الحصان ، ذلك لأن المنهج الإلزامى ـ كما يذهب ماكث أديربث ـ فى إحدى مراحله تحكمه ظروف عديدة مثل الخلفية الاجتماعية والثقافة والتربية والخبرة الفردية ... الخ " , وهذا يستدعى اعتناق أيديولوجيا معينة ، وهذا معناه أن المنهج الالتزامى ليس وليد أيديولوجيا بقدر ما أنه خطوة تسبقها وتقود إليها ؛ فليست تهم الأيديولوجيا بقدر ما تهم الروح التى تستغرقها " (5) .
ومن ثم فإننا لا نرى تعارضًا بين الأيديولوجيا والفن ، طالما أن الذين رفعوا يومًا شعار " الفن للفن " لم يكن موقفهم يعبر بالضرورة عن عدم خضوع الفن للأيديولوجيا بقدر ما كان معبِّرا عن يحولهم إلى أيديولوجيا جديدة ترفض أن يكون الفن للحياة .وهكذا يمكننا القول أن رفض خضوع الفن للأيديولوجيا هو فى حد ذاته توجه أيديولوجي . وفى تدليل رائع على هذه القضية يقول الدكتور عز الدين إسماعيل : " ولنسمح لأنفسنا أن نستشهد بالفنان المصرى القديم ، فقد كان هذا الفنان فى كل ما ينتج من فن شديد الصلة بالعقيدة الدينية ، قوى التعبير عنها ولم يمنعه تخليه عن نزواته الشخصية من أن ينتج فنًّا رائعا ، يعبر فيه عن العقيدة الجماعية ، ذلك لأنه كان يحس بنفسه ـ شأنه شأن كل فنان أصيل ـ فردًا فى جماعة ، لا فردًا مطلقًا ، وهو فى تعبيره عن هذه العقيدة الجماعية ، إنما يعبر فى الوقت ذاته عن عقيدته الخاصة " (6) .
ومن ثم يستنتج الدكتور عزالدين إسماعيل أن تصور العلاقة بين الفن و الأيديولوجيا يكون قد انقلب رأسًا على عقب ؛ لأنه ارتباط الفنان بعقيدة جماعية لم يعد ـ كما هو التصور ـ إخضاع المطلق للمحدود أو الكلى للجزئى ، بل على العكس من ذلك هو إخضاع المحدود للمطلق والجزئى للكلى .
وإذا كانت الأيديولوجيا تعنى التزامًا بموقف فكرى محدد ، فإن التزام الشاعر فى هذا الإطار لا يضير الشعر ذاته فى شىء ، ولا يناقض طبيعته ، بل هو ـ على العكس ـ يضمن له الفعالية والأهمية ، ويحقق للشاعر الوصف القديم ، أنه نبى قومه ، وطفلهم المدلل ، وخادمهم الأمين فى آنٍ واحد .
ولقد كانت الساحة الشعرية ـ منذ بداية السبعينيات ـ فى مصر والعالم العربى قد شهدت تحولاً برسالة الأدب من المواجهة إلى الهروب ، بحيث أصبح الشعر خاصة " ليس تعبيرًا عن شىء ، لا عن الشخصية ، ولا عن اللاشعور ، ولا عن ضروب الصراع بين طبقات المجتمع ، ولا عن أى شىء يتصل بحياة الجماعة من سياسة أو أخلاق ، أو دين أو إلحاد ، وإنما هو خلق لعمل جديد لا مثيل له فى الحياة ولا فى الواقع ، أو بعبارة أخرى هو عمل قائم بذاته له مقدماته المستمدة من أصوله الموروثة وتقاليده الفنية ؛ ولذلك ينبغى أن يدرس من داخله دون أى اعتبار لمؤثر خارجى " (7) . أو بالمعنى إن لغته تلفن إلى نفسها ، ومن ثم فهو بحاجة إلى قراءة محايثة ، لا تعتمد على الأحكام العامة إلا نادرًا ، وهو اتجاه ظهر فى أوروبا منذ العقد الثالث من القرن العشرين " وربما كان من أهم من سخَّر مباحثه الأدبية والنقدية لترسيخه هو ( تى . إس . إليوت ) الذى رأى أن الشعر ليس تعبيرًا عن انفعال وجدانى ، وإنما هو هروب من هذا الانفعال ، وهو أيضًا ليس تعبيرًا عن الشخصية ، وإنما هو هروب منها " (8) . ولقد توسع شعراؤنا العرب فى حقبة السبعينيات فى اعتناق هذا المذهب الهروبى والإخلاص له ، بما أدى فى النهاية إلى انفصال الشاعر عن الواقع وتعاليه عليه والسخرية منه ، والتخلى عن أى دور نبوئى للشاعر ، وقد استغرقه الهروب إلى عوالم فوقية وإمعانه فى الهجرة والتغرب والانفصال إلى حدِّ تذويب شخصيته تمامًا وتلاشيها ، ومن ثم لا مجال للبحث عن أية قيمة رسولية للشعر الذى تجرد من الرسالة ، فيما أضحت التجارب الشعرية أقرب إلى الهذيان والتهويم فى عالم فوقى متسامٍ على الواقع ، له لون الذات المترعة بكوابيسها المؤرِّقة ، وفزعها من الذى لا يريم ، ومن ثم وجدنا الخطاب الشعرى متَّشحًا بالغموض الكثيف ، والتجرد الذى يوهمنا باستقلال الشاعر عن وعيه تمامًا ، ومن ثم ـ أيضًا ـ كانت الدوال محملة بأثقالٍ رمزية لا تشف عن مدلولاتها ، فيما تخلى الشاعر عن أى دورٍ يربطه بأزمة ما فى الواقع ، وقد أضحى الواقع ـ بالنسبة له صادمًا صارمًا متناقضًا ومأساويًّا ، وهى أسباب كان من وجهة أصحاب هذا الاتجاه مدعاة لانفصال الشاعر عن الواقع وهروبه منه ، والتخفف منه ، وتخفيه من ثم وراء الرمز والاستعارة والغموض الدلالى والمجاز الكثيف ، والعلاقات اللغوية المتباعدة .
بيد أن تيارًا آخر من شعراء حقبتى السبعينيات ظل مخلصًا لما كان سائدًا فى الستينيات من اتجاهات فنية ومذهبية ، كان إلى حدٍّ كبير ملتزمًا بالواقع وقضاياه وهمومه ، مؤكدًا على قيمة الرسالة فى الشعر ، حاملاً لواء المواجهة والثورة على الواقع بديلاً للهروب ، وهو ـ على أية حالة ـ تيار له ملامحه المميزة ، لا يكف عن الثورة على الواقع المتردى ، كما لا يكف عن طرح رؤاه الثورية فى ضوء خلفيات أيديولوجية عروبية إسلامية ، أو قومية اشتراكية .
ولنا أن نرصد ملامح هذا التيار عند شعراء كثر مثلوا هذا التيار فى مصر يأتى فى مقدمتهم أمل دنقل ومحمد مهران السيد ومن تلاهم من أجيال شابة حافظت على هذا النهج من أمثال درويش الأسيوطى وجميل عبدالرحمن وغيرهما من الشعراء الذين التزموا المواجهة بديلاً للهروب ، وهم أصحاب تجارب أصيلة ، داخلت الواقع مداخلة حيَّة وعايشته وعبَّرت عن أزمته بروح عالية ومثابرة حقيقية ؛ لذلك أتت تجاربهم مشعة بالرؤى الثورية الناقدة للواقع ، وللضعف والتخاذل والاستسلام ، ومعبِّرة عن أهم ملامح أزمة الإنسان العربى مع واقعه وحكامه ومع الآخر الذى يتهدده ومع عصره برمته ، فيما بدا الخطاب الشعرى عندهم متسربلاً بروح الجرأة والثورية على القبح حينًا ، وبالأمل والحلم والحنين إلى الماضى حينًا آخر ، وإن تطرق اليأس والأسى إلى الخطاب حينًا ثالثًا ، لكنها تجارب أبدًا لم تنفصل عن واقعها ، ولا عن أزمة إنسانه ومعاناته ، ذلك لأنها تهدف أساسًا إلى تحريك الواقع من داخله لا من فوقه ، ولم تكن تَعْـبُر فوق أزمة الإنسان العربى مع واقعه إلا لتنطلق منها لا عليها .ولذلك بدت التجارب الشعرية عندهم وكأنها خطاب طويل بطول الأزمة وحجمها ، لدرجة أنه بدا فى كثير من الأحايين وكأنه يتناص مع نفسه ، وما كان ذلك فى الحقيقة إلا لأن أزمة الواقع كانت تعيد نفسها أمامهم بشكل أكثر استفحالاً وأشدُّ هولاً .

جميل عبد الرحمن :
واحد من الذين التزموا وسط الخضم الهروبى لشعراء السبعينيات بالحضور .. التزم ـ رغم صرامة الواقع ومفارقاته ـ بالواقع ، واعتنق المواجهة بديلاً للهروب ، وإن كان فى تجربته بعض التمسحات بالرومانسية الهاربة إلى أفياء الماضى الجميل ، والتى نرى أن أزمة الواقع وصرامته كانت دافعًا إليها ومحفزة عليها ، لكنه أبدًا لم يكن هروبًا انفصاليًّا بقدر ما كان مرحليُّا ، أو تكتيكيًّا عبر مراحل تشكل تجربةٍ تحسن الكر والفر بين واقعها المتردى وماضيها المشرق المجيد . ومن خلال هذا المنطلق وحده يمكننا القول إن تجربة كهذه تأخذ قيمتها الجوهرية لا لشىء إلا لأنها تتمرد على الواقع من داخله لا من فوقه ، ولأنها تحافظ من جهة ثانية على علاقتها بالمتلقى من خلال حفاظها على مكتسبات هذا المتلقى التراثية والحضارية والأيديولوجية ، ليس هذا فقط بل تتبنى الدفاع عنها .
هو ينتمى أساسًا إلى جنوب مصر ويقيم فى مدينة سوهاج ( مسقط رأسه ) .. بدأ حياته الشعرية بصدور ديوانه الأول " على شاطئ المجهول " عام 1971 م لتتوالى دواوينه حتى اليوم لتصل حتى إعداد هذه الدراسة على عشرة دواوين ، آخرها هذا الديوان الذى نحن بصدد الوقوف معه ، والمعنون " نزيف النخيل " الصادر عن سلسلة إشراقات أدبية التى تصدر عن الهيئة المصرية العامة للكتاب عام 2003 م .
فى هذا الديوان نحن مع صوت عروبى هادر بالثورية ، موفر على قارئه الكثير من جهد التلقى ، شأنه فى ذلك شأن الكثيرين من الشعراء الثوار الذين يحافظون على المساحة المشتركة بينهم وبين المتلقى ، موفرين أكبر قدر من البلاغة التقليدية كأساس مشترك للخطاب ، متبنين فى الوقت ذاته قضايا وهموم هذا المتلقى الذى يشاركهم تجربة الحياة فى واقع عربى تهدده قوى كثيرة داخلية وخارجية تباعد بينه وبين إرادته الحقيقية ، ومقدراته وإرثه الحضارى ، ووحدته وتوحده وفاعليته فى العصر .
من هنا نقول إن تجربة جميل عبدالرحمن فى هذا الديوان ـ كما سنرى ـ تعكس وعيًّا كبيرًا بالتراث العربى والإسلامى وتتجه فنيًّا إلى توظيفه ، كما تعكس همًّا قوميًّا وإسلاميًّا يسعى إلى احتضان الفكر القومى العروبى الإسلامى ويمتاح منه شجاعة التجوال وشرعيته ، وأحسب أن الشاعر فى تجربته هذه لمس قضايا مألوفة مأنوسة فى عالم الشعر الثورى العربى ، قضايا قى جُلِّها تبلور علات هذا الواقع وأزمته ، واضعًا إصبعه على كثير من القيم التى أصابها التبدل والمسخ ، مثيرًا إشكالية انزياح الأصالة أمام هجمات التغريب والتغرب ، وملفتًا إلى الشخصية العربية فى صراعها مع القيم الوافدة الهجينة ، وإلى التلوث القيمى ، وكذا الأخلاقى ، وإلى الغزو الخارجى المضطرد بأشكاله وصنوفه وتنوع طرائقه وإلى الفئة المثقفة التى تروج لخطاب الآخر المستعمر ، والى تجار الأزمات والخونة من أصحاب المصالح ، والباحثين عن استغلال أزمة الأمة وتوظيفها لتحقيق مكاسب شخصية .
كما نلمس فى التجربة إدانة للزمن باعتباره هابطًا بالأمة إلى المنطقة الأسوأ من تاريخها ، كما نعاين اهتمامًا بارزًا بقضية القضايا التى تخص العرب والمسلمين جميعًا وهى قضية فلسطين المحتلة ، وإن كان عرَّج على معانات شعوب إسلامية أخرى تلقى نفس المصير مثل الشيشان .
وإن كان ثمة شىء يبقى فى التجربة فهو شخصىٌّ ، وإن كان لا يبعد كثيرًا عن إدانة الواقع مثل : الأصدقاء الخونة ، والحبيبة الهاجرة ، وتلك المستسلمة لتداعيات الإعجاب الأجوف الشكلى ، الذى ينبهر بالبريق الزائف .. وهو فى كُلٍّ لا يكف عن معاتبة دهر لا يلين لعاتب ، كما لا يكف عن إعلان هجرته إلى أفياء الماضى العروبى الإسلامى ، وإن كان غلاف التجربة الشفيف يشف عن الشعور بالغربة فى هذا الزمن الممسوخ ، ؛ فإن هذا الشعور كان مبرِّرًا لاحتضان الماضى الأثير ، واستدعائه بين الفينة والفينة .
نزيف النخيل وأهم ملامح الأزمة :
وإن كنا قد عرضنا فيما سبق للملامح العامة لتجربة الشاعر ، فإننا نود التوقف معه عند أهم ملامح الأزمة التى أثَّرت فى تجربته ، وربما أثْرَتها على نحو ما ، والتى وجد الشاعر نفسه بإزائها مسئولاً ومشاركًا فى الصراع ، ومن ثم عرف أين يقع واجبه الفنى .
ولنبدأ مع الشاعر فى رصده للمشهد المأساوى للواقع الاجتماعى والسياسى ، فى قصيدته : " الصفصاف النيلىّ يخلع قمصان براءته " جيث الرؤية المغلَّفة بالذهول أمام واقع ملوث برياح غريبة ، وحيث العين المتأملة التى لا تمتلك غير الدهشة والاستغراب الصامت أمام مشاهد التبدل إلى الأسوأ ، وهو يسير على علاته نحو التردى .. يقول الشاعر : " الصفصاف النيلىُّ .. / يخلع قمصان براءته الأولى / يلبس قمصان الدهشة ويحملق فى هذىٍ : / الريح القادمة على نصل فجاءتها / يدها صارت طولى ، / الصفصاف يحملق فى لون شحوبِ التيار / ويحدِّق فى الماء المتكدِّر ، / ويحدِّق فى لون هواءٍ حوصر بغبار .... " صـ15 .
وفى تأمل للتيارات الفكرية المأجورة التى تحوِّم فى واقعه يقول : " والريح المأجورة تختال سَمومًا / تدنو ؛ لتبدل أقنعة الزيف على وجه الأيام / وعلى أوجه ناسٍ لبسوا للحظة ثوب تحَوُّلها .. " صـ17 .
وفى رصدٍ للتحولات الأخلاقية يقول : " الأشجع يغدو وحشًا بالأضعف / تنبت فى وَحَشِ الغاب خالبه / وترود الكَرْمَ ثعالبه / والصفصاف الآن يخلع قمصان الدهشة / يلبس قمصان الشوك / ويلامس سقط القرظ اليابس / فى أفرع أشجار السنط " صـ19 .
ثم لا يفتأ أن يستمر فى تفنيد علات الواقع ، مُركِّزًا على إبراز صوره القاتمة فى المشهد القومى ، بما يعكس لديه حسًّا عروبيًّا أصيلا ً ووعيًا سياسيًا واجتماعيًّا يسعى إلى احتضان التاريخ العربى كله ، وهو يتنقل فوق خارطة تتسع لتشمل العالم الإسلامى كله قديمه وحديثه ، متوقفًا عند مشاهد بعينها فى هذا العالم ، سواء فى الماضى المشرق ، أو فى الحاضر المؤسف المغبون ، يشدُّ دائمًا الماضى بكل عظمته من خلال نماذجه البطولية ليضعه أمام ، أو فى مقابل اللحظة الحاضرة ، لا لشىء إلا ليبكت هذا الحاضر الممسوخ ، ومن ثم ليستحثه على النهوض من كبوته ، وهو فى كلًّ لا يكف عن معاتبة دهرٍ لا يلين لعاتب .
ففى قصيدته " عقيق الجروح " يحتضن مدى واسعًا من هموم أمته العربية والإسلامية واضعًا نصب عينيه كافة الروابط التاريخية والإنسانية والعقيدية التى تربطه بهما ، ومن ثم فهو ينطلق من هذه الروابط ويحافظ عليها كمكتسبات أولية تربطه بالمتلقى النوعى الذى تستهدفه التجربة أول ما تستهدف بغية تثويره ، ووضعه فى حالة مشابهة لحالة الشاعر الثائر ، لا من خلال حشد المعلومات عن الواقع الممروض فحسب ، بل من خلال رصد هذا الواقع ـ بكل تفاصيله المخزية ـ وترصُّده فى الوقت ذاته ، وفى كلٍّ نحن نعاين الواقع ونعاين رؤية مستقبلية مفزعة لهذا الواقع ، كما نعاين رؤية إصلاحية تتهادى أمامنا تحملها إلينا وجهة نظر ناقدة ومفندة ومفلسفة لهذا الواقع المجحف للذات التى تستشعر هذا الإجحاف موجَّهًا أساسًا إلى أمتها العربية والإسلامية بصفتيهما جزأين مهيضين من عالم متجبِّر ، وقد نرى أن ثمة انعكاسًا لكل ما يحدث على مرآة الذات التى تعلن ثورتها ، ورفضها وأحيانًا اغترابها ، وأحيانًا أخرى تطلق أسئلة الحيرة والدهشة والاستنكار وربما التأوهات والنداءات المحملة بالشكوى والأسى والذهول والأسف .
فى هذه القصيدة نطالع أسماءً لمدنٍ لها دلالتها فى الصراع الذى راحت ضحيته دماء المسلمين رخيصة ، بغير رحمة سالت ، وبغير ثمن ، من هذه المدن " جوروزنى " ثم " الشيشان " كما نلمح أسماء أشخاصٍ من عينة " دوداييف " ثم وعندما يعود بنا إلى الماضى لينقل لنا لحظات مجيدة من تاريخ الفتوحات الإسلامية لهذه البلدان النائية جغرافيًّا ، نلمح أسماء مثل : " حبيب بن مسلمة الفهرى " الذى فتح بلاد القوقاز سنة 25 هـ على عهد الخليفة عثمان ، ومثل الأمير " محمد شامل " قائد جيوش القوقاز أمام بطرس الأكبر .
فى القصيدة أيضًا قدر كبير من تبكيت الواقع المؤسف المتخاذل ، يتم إجرائيًّا باستدعاء النماذج التراثية المجيدة ، ولنا أن نلتقط من النص هذه المواقف الدالة : (1) الموقف الأول يتوجه فيه الشاعر بالخطاب إلى " جوروزنى " حيث يقول :
" لا ترفضينى فقد عشوا دمـاء أبى وخالطوها بدماء الوهن واغتبقوا
باعــوا لآلئ عينيه بـلا ثمـن وضيعوها سدى من بين ما بخقوا
وخاتلوا بزيف .. والسـراب مَدَى وكلنـا فى عماه المحبَـطُ الحنق
أبصـارنا فى غيـم الأفق ضـائعة وبرقنا أخرسٌ يهْوِى به طبق " صـ166 ( ملحوظة : اغتبقوا =شربوا عشيًّا ، وبخقوا = عوَّروا الأعين ، وعشوا = قصدوه ليلاً ، أو استدلوا عليه ببصره الضعيف )
( 2 ) الموقف الثانى يتوجه فيه بالخطاب إلى الشيشان نفسها وليس العاصمة ، حيث يقول :
عقيق جـرحك يغـلى حوله الحَـبَقُ وذى قلوبٌ لنا بالحزن تصطفق
( شيشان ) أنتِ نزيف الثُّـكل يوجعنى فيستطاب على تهتانه الغـرق
ونحن لا غضبــة الحـق تطلقـنا من الإسار الذى يحيا به الغسق
نســير لا طعـنة نجلاء تحشــدنا ولا لواءٌ هوى يُفْدَى له عنق "صـ166
( ملحوظة : الحبق = ضرب من الدفل ردئ )
ثم يضعنا الشاعر أمام صورة " حبيب بن مسلمة الفهرى " الذى عاد لتوه وقد راعه المشهد فى الشيشان ، حيث يقول الشاعر :
" حبيب يبكى وأيام الأولى مزق ودمع ثـاكلة بالعـين يحـترق
وطفلة فى مدار اليتم شـاردةٌ فـكَّت ضفيرتها فاغتالها الفَرَقُ "
( ملحوظة : الفَرَق = الخوف )
ويستمر الشاعر فى تكرار النداء إلى الشيشان وكأنه يستنهضها فوق دمائها قائلاً :
شيشان هذى مرايا الجرح تسحقنى وأوجه القوم أحداقها ورقُ .
إلى أن يقول :
" هذى مآذنك الشـماء قد شمخت تحت اللهيب وأدخنة الردى فِـرَقُ
والموت أغربة سـوداء أطلقـها دبٌّ عجوز .. به الأحـقاد تلتصق
نوازع الغِـلِّ والأضـغان تحكمه ويسـتبد به الإغـواء والشـبـق
شيشان يا جرحنا الملتاع ذا قلمى مداده من دمى المصعوق يستبق " صـ167.
وبين الموقفين يجأر الشاعر بالشكوى عارضًا حال أمته المهيضة المستضعفة قائلاً :
نحن ما بين بـاكٍ خــانعٍ وجـلٍ وبين مستضـعفٍ أزرى به النزقُ
لا جيش يـرفع رايـاتى وينصـرها أو سيفٍ فارســه المرجو ينطلق
و" شامل " فى بقيع النور يبحث عن سيفٍ جديدٍ به يحيـا وينـعتق " صـ168
ثم ما يفتأ أن يمتدح بين الموقفين أيضًا الصامدين المجاهدين فى الشيشان على صمودهم وصبرهم وجهادهم وهم على ما فيهم من بلاءٍ هم الصورة المشرفة التى تربط الشاعر بماضى أمته أو ترده إليه .. إنها لحظة هروب من " نحن " المتخاذلة إلى " نحن " الغابرة المجيدة .. يقول : و" دوداييف " بقلب النار جوهرهم معادن الناس فى النيران تفترق
من نسله شـهداء الحـق رفرفهم فى جنَّة الله فازوا بعدما استبقوا "صـ169
ثم لتنتهى القصيدة بوقفة المتأمل لكل ما يحدث وقد عاد من طوفته فى الشيشان ليقف أمام المسجد الأقصى مطلقًا أساه وأسفه وتساؤلاته الحيرى فى لحظة يجتمع فيها الغدر على أمة مشتَّتة حيث يقول :
للغــدر ألف قنـاعٍ دسَّ ملمـحه ونحن حـول شـتات الرأى نتَّفقُ
فمن يضىء لنا درب الخلاص ومَن يعيدنا لـذرا الإيمـان نعــتنق ؟!
إنا أضعـنا زمانًا كان فـى يـدنا وحَلْقُنا منك يا طعمَ الـبلى شَـرِقُ
إنا أضعنا زمان الخـلد فانكفـأت صحائف بتواريخ (الضيــا) تثقُ
وصيحة المسـجد الأقصى تزلزلنا ووجـهنا بجحـيم التيه منسـحق
شموسـنا فى الغروب المرِّ شاحبة وبرتقال دمـاها غالـه الشــفقُ
وفى استطراد مع الوقفة أمام المسجد الأقصى ، يستَرفد الحديث عن القضية الأم ، وأزمة فلسطين التى لم تجد غير الصغار من أطفال الحجارة ، وغير الحجر سلاحًا وحيدُا فى يدهم . وعلى هذا تتمحور التجربة الشعرية فى قصيدة أخرى هى قصيدة " إنها القدس " وهو عنوان على ما بدا ينقصه نحويًّا خبر "إن " المؤكِّدة ، ولقد كان الشاعر مهمومًا بتقديم أخبارٍ عدة لـ " إن " من عينة : إنها القدس ـ يا سادة ـ وجع فى قلوب المدائن " ـ " إنها القدس وردة حزن الوجود " ـ " إنها القدس يا سادتى الوجهاء إذ تصلِّى ستبكى عليكم " ـ " إنها القدس رمح بقلب العدو " ـ " إنها القدس يا سادة العرب أفلا تستحق الفداء ؟! " . وعلى عادة الشاعر فى معالجة قضايا الواقع العربى المتردى بدأ باستحضار الماضى المجيد ليبدأ من لحظة مضيئة فى تاريخ الجهاد الإسلامي والفتوحات المترعة بمجد الانتصارات ، وحيث الوقفة
مع القائد العربى " سارية " الذى شارك فى فتوحات الشام على خلافة عمر بي الخطاب حيث يقول : " إنه الجبل العربىُّ يصرخ يا " سارية " / يا سارية / ولأصدائه رنَّة فاجعة " صـ74 . إنها لحظة شعرية تلفت إلى الماضى البطولى فى مقابل الفاجعة الحاضرة ، وعلى نحو ما فنَّدت التجربة : " والأشاوس يصطنعون الصمم / صار باع العروبة مرمى ذراع الصغار / وبأس الحجر / وانفجارًا هنا أو هناك لأجساد أعوادنا الطالعة " صـ75 . وعلى دأب الشاعر أيضًا فى لحظات الأسى يستأنف إطلاق الأسئلة التى تنم عن الحيرة والأسف والدهشة : " أى عارٍ يلاحق يقظتنا ؟ / ويلاحقنا فى المنام / حين يغدو صغار فلسطين درعًا من اللحم والعظم / والحائط البشرى بأجسادهم يلتحم / صار فردوسهم موتهم " صـ76 .
وكدأب الشاعر ـ أيضًا ـ بعد عرضه الصور المؤسفة وإطلاق الأسئلة الحائرة يبدأ التأوه الموجع : " آه يا قلب أمتنا المنفطر " صـ76 ، وكدأبه كذلك يبدأ فى النداء الموجه إلى أمة الشتات وإلى حكامها وساستها .. يستنهضهم أو يبكتهم ، وهو يلح فى استدعاء نماذج بطولية أو قيادية تراثية وأحيانًا أماكن بارزة شهدت بطولات سالفة ، ليضعها فى مقابل أماكن مكلومة فى الحاضر .. فى هذا النص يبدأ الشاعر فى إطلاق النداء إلى سيف خالد بن الوليد : " يا سيف خال / إن الدم المتخثر فوق المضارب / عاد يسيل جديدًا ، / يحن " ليرموك " أخرى / وأذرعة لا يخور بشريانها نبض دم " صـ 76 . ولعل مثل هذه الأساليب التى لا تكف عن تبكيت للواقع العربى فى لحظته الحاضرة بحكامه وشعوبه تنم عن رؤية الشاعر الممجد للبطولة والفداء والمنتمى بشدة لعروبته وتراثه . وإن كانت ـ فى الوقت ذاته ـ تشف عن رؤيته للخروج من الأزمة ، وهى رؤية كما نستشفها تدور فى فلك الحرب والجهاد والفداء والحمية العربية كبديل للتخاذل والاستسلام والترامى فى أحضان العدو تحت دعاوى سلام كذوب ، وما تركيز الشاعر على استدعاء نموذج خالد بن الوليد واليرموك ثم القادسية وعمر بن الخطاب وسارية وصهيل الخيول إلا تأكيد لرؤيته التى تعلى من قيمة الحلول العسكرية باشتراطاتها ومتطلباتها أيًّا كانت ، إذ لا مكان أو بقاء فى إطار رؤية الشاعر للجبناء ولا قيمة فيها لخائف : " إنها القدس رمح بقلب العدو / ورمح يجابهكم أيها الخائفون / إنها القدس يا سادة العرب / أفلا تستحق الفداء / سادتى الحريصون / ما قيمة الجبناء ؟ " صـ80 .
على أن الشاعر يعلى أيضًا من قيمة الصبر فى بعض محطات تشَكُّل تجربته ، كما يعلى أيضًا من قيمة الأمل ويستمسك بهما كقيمتين معنويتين يجب ألا يُفَرِّط فيهما ، وأمله دائمًا فى المستقبل وفى القوى الصاعدة من أبناء أمته ، ولديه يقين بأن مخَلِّصًا من بين أبناء هذه الأمة سيخرج يومًا ما ليقود الجموع نحو التحرير ، وإلا فما قيمة النداء المتكرر إلى قادة المعارك وأبطال هذه الأمة السالفين ؟ على نحو ما جاء فى هذه القصيدة ، وعلى نحو ما كان تطلع الشاعر وأمله معقودين على جبين أطفال الانتفاضة الوحيدة على المستعمر ، تلك التى ظهرت كبادرة بطولية فوق الخارطة .. يقول : " إن كوفية الفجر تلثم أوجهكم بالضياء / وتكتب أسماءكم بمداد الدماء / وذاكرة الخلد تهدى لكم لوحها والقلم " صـ78 . إنه إذن الأمل الممزوج بالثورة التى لا يكف الشاعر عن إطلاقها فى وجه الموات العربى لعله يحرك ركود هذه الأمة بنبرة التحريض والثورية الهادرة التى يؤازر بها أطفال الحجارة وهو معهم فى نفس الخندق : " انفجارات أبنائك الغاضبين تصك / بلؤلؤ أجسادهم وجه من يصمتون / انفجارات أبنائك الغاضبين تعيد لأمتنا بعض هيبتها / بعض ماء الحياة المراق / الحجارة صارت مفخخة
بالمنون / الحجارة صارت ملغمة بالجنون / وتشتهى الممات ، وتشتهى التناثر فوق تخومك ،
فوق / حدودك يا خارطات الوطن " صـ 78 .
أما فى قصيدته " مقتل قيس الدمشقى " المهداة إلى روح الشاعر الراحل " نزار قبانى " نجد خطابًا طويلاً بطول الأزمة يتوجه به شاعرنا إلى الراحل " نزار قبانى " الملقب فى القصيدة بقيس الدمشقى ، أو قيس العصر ، مع تبدل المحبوبة ليلى العامرية وقد أضحت ليلات الشعراء همومًا وطنية ، أو همَّ الأمة العربية المتردية ، وهى هموم أمضى من سهام الهوى ، وفى هذا المنحى تلتحم صورة الذوات الشاعرة المقتولة فوق الخارطة العربية ، وقد استشرت صور الذوات المقتولة حتى غطت مساحة الأمة بأسرها ، هنالك يبدأ الخطاب الشعرى بالتساؤلات المتكررة التى تستفسر وتستنكر وتتعجب عاكسة حالة ذهول كبرى عند شاعر باعد الواقع الصادم بينه وبين دوحته ، حتى لأنه يرى مصيره القادم فيما آل إليه نزار قبانى الذى ترصده الواقع بالأحزان وحاصره بالأسقام حتى صمت ، كأى طائر غريد باعدت الأقدار بيته وبين دوحته وألقت به فى هجير الصحراء .
يقول الشاعر مخاطبًا نزار قبانى : " أثقلتك جراح البلاد / ففى كل شبر نزيف وقصف / وعلى كل أرضٍ جراح ورمح وخوف / صهيل الخيول ينادى على فارس لا ينام / ويغمد سيف / واستبدَّ بك الحزن .. صرت / تودع فى كل عامٍ حبيبًا / لا يريك الخريف سوى وجهه حين يبدو كئيبًا كئيبًا ... " صـ 52 إلى أن يقول : " هل قُتلت بضربة طَـرْفٍ ؟ / أم بضربة شمسٍ ، / أم بضربة نهدٍ / أم بعنف جراح البلاد ؟ / وتعدد فى قلبك النزف حتى النخاع / والبلاد تباع ... " ص53 .
وهكذا .. ولقد انطوت القصيدة على ستةٍ وعشرين سؤالاً تتضافر مع أساليب استفهامية كثيرة مستشرية فى النص ، بما يؤكد أننا أمام تساؤلٍ كبير بحجم الأزمة وفداحتها ، وإن جاء هذا التساؤل الكبير مُنَجَّمًا .. هذا التساؤل يمثل صرخة اندهاش كبرى مدوية فى سماء هذا الوطن المنهار ، وإن كانت مثل هاتيك التساؤلات تعكس مشاعر الغربة التى يعيشها الشاعر مشمولاً بها فى هذا العالم الذى لم يعد يألفه أو يتآلف مع قرفه وهجنته وغرابته ، وخنوعه ومواته .
******
والحقيقة إن أسلوب الاستفهام يمثل ركيزة أسلوبية فى الخطاب الشعرى فى كل قصائد الديوان ، ولقد استطاع الشاعر من خلال هذه الركيزة أن يعكس مدى الحيرة والغرابة التى دفعته لإلقاء كل هذا الكم الهائل من الأسئلة ، التى تشف عن دخيلة مثقلةٍ بالهموم .
فى قصيدته " النخيل لم يمتشق فى الصمت نسيانا " استرفاد لهذه الحالة ، واستطراد من ثم للتساؤلات أيضًا ، إذ يبتدئ النص بها حيث يبدأ :
" مِن أىِّ قـفرٍ جـئت دنيـانـا ؟ يا أيها الحـزن يا راعٍ تولاَّنـا ؟!
على سراب الرؤى كم عشت متكئًا وعاش روحى على الغدران ظمآنا
إلى أن يقول :
يرفرف الشعر لكن أين يحملنى ؟ وغربتى وحشةُ تجتاح غضبانا !
على أن أساليب الاستفهام الشائعة هذه لم تكن إلا لتعاضد أساليب أخرى لإبراز الحالة الشعرية ، مثل أساليب النداء والندبة .. مثال ذلك فى هذه القصيدة :
" يا مَن سلبتم مِن الـروح اختلاجتها ماذا دهاكم .. ألم تشفوا بقتلانا ؟ " صـ61
أو : " وا حسرتاه على الإنسان أين مضت الفطرة البكر تحيى موت موتانا ؟ "صـ60
أو : " فيا حمـاةً لـوهمٍ مِن صــغائركم سـيجتموه لنا سجـنًا فـآوانا " صـ62
أو : " فيا حماةً لأوهامٍ الــرؤى انتبهوا النخل لم يمتشق فى الصمت نسيانا " صـ63
هذا وفى الديوان بعض تجارب عاطفية تجسدت فى بعض النصوص التى جاءت مغلقة على عواطف الشاعر وإن كانت ملونةً بلون الواقع المعتل ، فالمحبوبة تسعى إلى التملك والاستحواذ السريع مجسِّدة صورة العلاقات المشوهة ، وغير الحقيقية واللاإنسانية التى تجسد بدورها صورة العصر المنهار أخلاقيًّا وروحيًّا ، مثل علاقة حب عصرية على طريقة " التك آوى " . ففى قصيدة " أحببتْنى ولكن " يبدأ الخطاب الشعرى عن المحبوبة بالقول " أحبتنى على عجل .. فما عرفتْ حدود فمى / ولا عرفتْ سيول دمى .. / ولا خاضتْ غيوم الحزن فى ألمى / ولا شربت مداد السحر من قلمى .. " إلى أن يقول : " ولم تدرك تضاريسى ولا مطرى ، ولا دِيَمِى .. / وأنَّ تملُّكى صعب / وأنَّى لست منقادًا إلى الوتدِ / وأن القيد لايقوى على جَلَدِى /وخلف براءةٍ للطفلِ / ثورةُ شاعرٍ رجُلِ .. " صـ 43 .
غير أنه يعلن فى النهاية تبرؤه من هذا الالتزام العاطفى المشَوَّه ، ولأن ما يشغله حقيقة هو الهمّ الأكبر حيث القضايا الوطنية الراهنة وأن استسلامه لمشاعر التعلق بأنثى وتراميه نحو عينيها لم يكن غير استسلام كذوبٍ ، ووهمٍ يتوهمه : " فما عيناك أرجعتا لىَّ الإحساس بالوطنِ .. / ولا الطرف الذى أحببتُ أوقف دورة الزمنِ / وأرجعنى إلى وطنى .. " صـ44 .
والحقيقة أن مثل هذه التجارب تعكس فى حد ذاتها تساؤلاً كبيرًا يمكن تحديده فى : ـ ما جدوى الغناء أساسًا والعلاقة مع الأنثى لا تختلف عن العلاقة مع الوطن ؟ .. كلتاهما موسومة بالاستعباد العاطفى ، وفى الحالتين العلاقة تتلبس طابع اللحظة المتردية ، وقد أضحى كلُّ شىء مزيَّـفًا ، لا يمثل الذات فى شىء ، ولا يروى ظمأها الروحى .
وثمة علاقات أخرى مع أصدقاء خونة ، مثلما نقرأ فى قصيدة " نبأ " التى يعلن الشاعر فيها نبأ موت هذا الصديق الخائن ، وإن كان فى الحقيقة لا يزال فى عداد الأحياء ، إنه موت للمشاعر التى كان يحفظها له الشاعر فى صدره ، حتى اكتشف خيانته فأفرغ صدره منها ، واعتبره فى عداد الموتى ، وراح يبكى عليه : " أطعمته كبدى / ووردًا من دمى .. / وعصرت حبَّات الفؤاد ، / وعصرت حبَّات العيون مدامعًا ... " إلى أن يقول : " لكنه كالحيَّة الرقطاء إذ أدفأته .. / لدَغَ الفؤاد بخسَّةٍ ، / والسُّمُّ يسرى فى الدِّماء .. له على شفتى حلأ .. / فأصابنى فى مقتلٍ ... " صـ 32 ( ملحوظة : حلأ = بثور تظهر بعد المرض ) .
وهكذا تتضافر العلاقات بين الذات الشاعرة والآخرين لتعكس فى النهاية صورة العصر ومساوئه .. ذلك العصر الشائه الذى فسدت فيه كل العلاقات الإنسانية وأضحت صورة من فساد أكبر لا يكف الشاعر عن فضحه والتصدى له بالتبكيت والتفنيد وإثارة الأسئلة حوله .
فى قصيدته " اختيار " استعراض لهذا الفساد الكبير الذى يستشرى فى الساحة العربية كالرياح ، على تنوعها واختلاف مواسمها واتجاهاتها .. يقول : " الرياح التى فضحت نفسها / لم تعد تستحى / لم تعد تتبرقع بالغيم / أو طلمسات البروق .... " إلى أن يبدأ فى مخاطبة ذاته بخطابٍ على نحوٍ ضمنىٍَ موجه إلى كل ذات عربية فوق الخارطة .. يقول : " فاتئد فوق جرحك / أيامك السود لا تمَّحى / أيها المنتحى / عن مقاعد مجدك / فى زمنٍ ليس يعبأ بالحالم الأريحى .. / الرياح التى فضحت نفسها .. / لن تقيم لك العدل فى الأرض / لا لن تردَّ حقوقًا لقومك فى أرضهم .. / والفلول الجريحة صارت بأدوائها ترتعد .. / وغباء التخشب والعنجهية / يجعل من بعضهم .. / مثل وعلٍ يناطح صخرًا .. / حسبك اليوم إذلالُ قومك / والحصار الذى ليس يرحم طفلاً رضيعًا وشيخًا مسنًّا .. هَرِم .. " صـ38 .
هكذا هى الرياح فى استخدامها الرمزى تأخذ دلالتها فى كل ما يشمل الواقع من أهواء سياسية وخطط استعمارية , وعلاَّت عربية , وأمام مثل هاتيك الرياح يعلو صوت الشاعر بنبرة التصريح بأدواء الواقع ، مثل الحصار والإذلال والتجويع والفتن والعنجهية وتخشب الحكام والساسة فى مناصبهم وآرائهم وهكذا يبدأ النص فى تفنيد علات هذا الواقع ، ومن ثم هو يستخدم الجغرافيا كإشارات مكانية ، كما يبدأ فى استخدام التاريخ كإشارات زمانية ، واضعًا الحاضر أمام الماضى : " والفرات يسحُّ دموعًا .. / وينزو دماءً .. / و " الرشيد " تصايح فى قبره .. / من ترى سرق السيف منى .. / فانطفأ بين حدَّيه توق الفداء .. / السلام المهين بدَدٌ .. / والتمسُّح فى الإقوياء هوان / والنيل الضعيف أيحميه نبل أمام عروش الرزايا / ومعبودها فاتك .. وصنم .. / بيته أبيضُ .. / كل جدرانه من صَمَم .. " صـ 39 .
وهكذا يفصح النص عن بعض علات الواقع العربى فى ترامى حكامه فى أحضان الغرب الأقوياء ، والرضا بالفتات والهوان تحت شعارات السلام ، رغم إدراك العرب بأنه سلام مَهيض مُهين كذوب ، ورغم معرفتهم أن الآخر المتغطرس لن يتخلى عن غطرسته ، ولن يستجيب للحق والعدل طوعًا . وفى إشارة واضحة للهيمنة الأمريكية على المنطقة وعلى الساسة والحكام العرب استخدم الشاعر " البيت الأبيض " وفى إشارة مماثلة استخدم تعبير " بنى قينقاع الجدد " للإشارة إلى طابع الغدر اليهودى المتأصل الذى شهده تاريخ صراع العرب المسلمين مع اليهود منذ القِدَم : " إن وجه الشهودِ .. ووجه الليالى جبانٌ مدانٌ .. / تتحكم أهواؤه فى بنى قومك الآن ، / يسلم أقدارهم لبنى قينقاع الجدد / أنت خُنْتَ سيوف " على " و" خالد " و" المعتصم " / ثم جئت لهم أجردًا / لا صهيل خيولٍ وراءك / أو حشودًا وراء التلال البعيدة / ترتجيها مدد .. " صـ 40 .
هكذا يستخدم الشاعر الإشارات التاريخية لتبكيت الواقع الذى فرَّط فى إرثه البطولى والجهادى ، وتخلى عن أهم عناصر السلام الحقيقى ألا وهو عنصر القوة والاستعداد للقتال كما حددته الأيديولوجيا الإسلامية بشكل واضح .. هذه الأيديولوجيا ـ كما هو معلوم ـ تركز أول ما تركز على عنصر القوة كشرط أساسى للتفاوض السلمى ، وجنوح الآخر نحو السلام ، بيد أن الصورة الحادثة أمام الشاعر فى المحيط العربى بأسره مقلوبة تمامًا .. فالعرب هم الذين لا يمتلكون غير حُسن النوايا ، ونداءات السلام العاجزة والكسيحة التى تزحف على الرمال المحتلة ، وسط حشود القوى العسكرية المعادية .. ربما لهذا نقول إن إشارات جميل عبدالرحمن ـ كشاعر ملتزم ـ إلى الواقع تحمل فى ثناياها لون الأيديولوجيا التى ينتمى إليها الشاعر ويرى أنها الأفق الأمثل الذى يجب أن نلوذ إليه ، وغير ذلك تحمل هذه الإشارات ضمنيًا بعض ما يقترحه الشاعر ويرى أنه الأنسب لمعالجة أدواء الواقع العربى : " ليس يجديك حُسن النوايا / أمام افتراس الذئاب .. / فتخيَّر لنفسك ماذا تكون .. / حملاُ أم ذراعًا تطول .. / أم سيوفًا تمزِّق كل رِقاع المظالم / تهديها الوعيد ../ فتخَيـَّر لنفسك ماذا تريد ../ وتخير لنفسك أن تصبح الشاة فى مخلب الذئب أم تصير وقومك قطعانَ بُهْمٍ وفلول غنم / فى مواجهة الوحش / أم شوكةً من شمم / وتخير لنفسك ما تشتهى قبل أن تنتهى ... " صـ41 .
وهكذا يصبح التخيير الذى يضعه الشاعر أمامنا تخييرًا وهميًّا ، لأنه فى حقيقته يرمى إلى إلزامنا بضرورة أن نودع الجبن إلى الشجاعة ، وأن نختار موتنا كموت الأبطال فى ميادين القتال .. إنه لون من ألوان التحريض على الفعل البطولى المحرِّك أو المخلخِل لسكون الواقع المأساوى المسَيَّج بالجبن ، والراكد عند مستوى الاستسلام .
**********
والحقيقة إن مواقف الشاعر هذه تبدو إلى حدٍّ كبير ثابتة بثبات الأيديولوجيا التى يعتنقها ، ومن جهة أخرى هى مواقف لا يفتأ أن يردد معها نفس الخطاب بنفس النبرة الشعرية ، حتى لأن الخطاب الشعرى لديه بدا واحدًا وطويلاً بطول الأزمة وحجمها ، وربما ـ أيضًا بدا الخطاب الشعرى عبر مراحل تشكُّلِه نصِّيًّا ـ سواء فى هذا الديوان أو الدواوين الأخرى للشاعر ـ كما لو كان يتناص مع نفسه ، وفى رأيى أن الأمة التى تتراسل أحزانها وتتداخل ، وتتداعى أعضاؤها للكساح أضحت مدعاة ليس فقط لإطلاق التساؤلات الحائرة والذاهلة أو النداءات المتكررة ، وحسب ، بل أضحت أيضًا مدعاة لتكرار نفس الخطاب أمام نفس الأزمة وإن كانت فى كل مرة تبدو أشد استفحالاً من سابقتها .
فى قصيدته " بكاء النخيل " صور رمزية كثيرة للشموخ والإباء يجسدها استخدام مفردة " النخيل " الرمز الأكثر مواءمة للذات العربية الأبيَّة ، غير أنه جاء متلبسًا بحالة البكاء كما أوضح العنوان ، أو ـ على ما جاء بعنوان الديوان ـ تحول البكاء إلى نزف ، ولعل النخيل هو الرمز المتكرر المسيطر على جل صور النصوص .
فى هذه القصيدة أيضًا بدأ الخطاب أكثر تركيزًا على إظهار حالة الحزن فوق الخارطة العربية برمًَتها من صعيد مصر إلى العراق .. يقول : " صفرة فى جبين النخيل .. / كطعنة رمح يسيل لها دمه / دمعةٌ تتخبط عبر الجدائل أطرافها .. / كارتعاشةِ طير هوى / تتهدل أذرعه / وشواشيه منكدرات / تطأطئ هاماتها كالثكالى تكتَّمْنَ / فى الجوف عنف صراخ العويل / إيهِ يا نخلَ أرضِ الصعيد كيف تَبدَّل وجهك .. / وانحنى الجذع منك ؟ " صـ 46 .. إلى أن يقول : " آه والنيلً منتهكٌ والعبابُ مُقَيَّد ! / كيف تلبس أشجاربا فى الجنوب ثيابَ / الربيع الجديد .. / بينما تنحنى تحت قصف المنون نواصى النخيل بشط العراق ؟ .. " صـ47 ، ثم يبدأ فى تبكيت الساسة والحكام العرب قائلاً : " فاشربوا يا دعاة السلام / كؤوس الدما / ارفعوا نخب كل الضحايا / إنكم فى غناء الثمالة / صرتم تضمون أعداءكم للصدور / فى اشتعالات أشواقكم للعناقْ / ويموت النخيل بقلب العراق ! .." صـ47 .
والحقيقة إن تبكيت الحكام والساسة العرب جزء من خطاب الأزمة عند جميل عبدالرحمن .. لا يكف عن ترديد نغمته ، مثلما لاحظنا فى قصيدته " إنها القدس " .. يقول : " إنها القدس يا سادتى الوجهاء / إذ تصلِّى ستبكى عليكم / ستبكيك يا ميِّت الأحياء / إنكم تحرصون على أن تعيشوا الهوان / وأن تتنفس هَذِى الرِّئات / هواء الرياح الذليلة / وهواء انشطار المحن .. " صـ79 .
ومن الواضح أن هذا الخطاب المباشر إلى أُولى الأمر والحكام والوجهاء والقادة والساسة فى عالمنا العربى سيظل يتسع إلى أن يشمل كافة أبناء هذه الأمة ما دامت القدس رمحًا يجابه الخائفين من أبنائها .
على أن علاَّت الواقع لم تقتصر عند شاعرنا على هذا المنحى السياسى والعسكرى ، بل تطرق إلى علاَّت الواقع الاجتماعية والأخلاقية ، ولعل قصيدته " النخل لم يمتشق فى الصمت نسيانا " حافلة بصور شتى للعلاقات الاجتماعية الشائهة ، وتلك التى انتشرت فى المجتمع كانتشار النار فى الهشيم ، بما يشكِّل أمام الذات الشاعرة حالة من عدم اليقين ، ومن ثم فهى تستسلم للشك فى معطيات الواقع ، بل وتتخطى ذلك إلى الشك فى ذاتها وفى مشروعها الشعرى نفسه ، وفى جدواه ، وقد أضحت الطِّباع طباع َ سوء ، لا يفيد معها أدب ولا أديب . يقول الشاعر : " أنفقتُ عمرى على وهمٍ يراوغنى ؛ / ليصبح الصدق أزهارًا وبستانا / ويصبح الحُبُّ واحَتنا إذا هجمت / قرون قيلولةٍ بالصهد تغشانا / لكنَّه ظلَّ يغوينى ويسحبنى / فوق النصال وقد كان الذى كان ... " ص56 . ثم يضيف : " كم سادرٍ فى كهوف الليل تحسبه / يدير كأس الطلا بالشدو نشوانا / والحزن ألف قميصٍ تحت بردته / حبل التواصل مُنْبَتٌّ بدنيانا / لغزٌ يطلسمه فينا تبرُّجه / فنستجيب له روحًا وأبدانا ... " صـ57 .
ولعل ما سبق يُعَدٌّ تمهيدًا شعريًّا مناسبًا للدخول إلى حالة توهٍ كبرى تشمل المجتمع بكامله ، وقد أضحى الواقع مُلْغِـزًا غريبًا تتأباه الذات الشاعرة وتستهجنه فى الوقت الذى يبارزها الواقع بقبحه ، ثم يبدأ الشاعر بعد ذلك فى تفنيد كثير من علاَّت الواقع الاجتماعى والأخلاقى مثل الحقد والكراهية والتباغض والغدر والخيانة والفرقة والتفريط الرخيص فى المبادئ والقيم وغير ذلك من متاجرة بالشعب وقضاياه وقوته وما إلى ذلك من جشع واستغلال وافتقاد للصدق، وكذا انتشار الزيف وأخلاقيات كثيرة هجينة انتشرت بين أبناء اللحمة الواحدة .. يقول : " تسلط الحقد ؛ / فارتحنا إلى خَدَرٍ / تخطَّف الروح محتلاًّ بقايانا / وراح يلمز هذا وانبرى شبقًا / يدس ( جسَّاسه ) الثعبان جوعانا / يراقص اللحظة البتراء فى ولهٍ / ويُسْلِم المبدأ المذبوح قربانا / ويطاق السَّهم فى ظَهْر المدى حنقًا / يصمى وما ردَّه ما غال جفلانا / وذا يتاجر فينا بينما كسدت / بقلبه رحمةٌ فارتدَّ خوَّانا / ينادم الجشعَ الممقوتَ محتربًا / بنابه .. الغدر مختتلاً وعجلانا / وذاك يَسقُط فى فخٍّ أُريد به / وليس يرجو بقلب البحر شطآنا .... إلخ " صـ58 ؛ ولذلك يُعرب الشاعر عما أصابه من شعور بالمرارة يتردد مع صوتٍ أسيانٍ متخامد بالنداء الذى جاء إلى حد كبير متجاوبًا مع صدى صوت الواقع المتردى حوله : " فيا حماةً لوهمٍ من صغائركم / سيَّجتموه لنا سجنًا فآوانا / حصادكم قبضُ ريحٍ ليس يشبعكم / فلتغنموا الأسلَ المخضوب خجلانا / كسرتمو شوكةً للعزم فانطفأت / كل المصابيح فى الأمخاخ سرعانا / ومات كل سَرِىٍّ فوق مهرته / ونُكِّـست رايةُ الأمجاد تنعانا / وكفَّ صوت صهيلٍ كان يوقظنا / وشاخ فينا امتطاء الصعب خزيانا .... الخ " صـ 63 .
وفى قصيدته " البحر الأحمر .. يفقد ذاكرته " ثمة جَرَسٌ يقرع الآذان ينبئ عن خطر محدق ، وثمة وقفة عند القيم الأصيلة والثقافة الموروثة التى بدأت تتلاشى أمام هجمة القيم الوافدة ، وعلى ذكر البحر الأحمر كانت الفرصة سانحة لالتقاط بعض هذه القبم الوافدة عبر أفواج السَّياح المتوافدة على منطقة البحر الأحمر وما يترتب على ذلك من انتشار الثقافة السياحية ، والقيم الهجينة التى بدأت تطغى على الطابع القومى والمحلى : " البحر الصابئ ضيِّع حكمته / لحلم فى الفجر عباءته / ومشى مسروقًا من أحلام الحكماء / وأمانىِّ السذج والشعراء / ومضى يصبغ لحيته الكثة بالحناء .. " صـ 131 .
هكذا بدا الواقع كالشيخ المتصابى الذى فقد ذاكرته وهويته ، وقد أصابته الحياة الجديدة بما يشبه الجنون ، أو فقدان الاتزان .. ثم تستمر القصيدة فى رصد الحياة العارية ومظاهرها اللاهية المعربدة ، حتى لأن البحر الأحمر أضحى " يشرب فى وضح الشمس كؤوس البيرة .. "
صـ132 , " يمد بساط الموج لشقراوات أوروبا .. روسيا .. أمريكا / والمجهولات الموطن .. / المنفلتات الأثداء.... الخ " صـ133 ( ملحوظة : الأثداء : جمع ثدى على غير قياس ، وجمع الثدى أثدٍ وثدِىُّ . ) ثم يقول : " فيعشق أجسادًا بيضاء / ويعشق أجسادًا حمراء / ويدخن أعواد البانجو .. / يتناسى شيخ الصحراء / النابت فى قلب الغردق " صـ 133.
ويرى الشاعر أن كل ذلك إنما يتهدد القيم الأصيلة ، وتقاليد العرب الأصلاء ، كما يتهدد الهوية والثقافة وما إلى ذلك من خصوصيات .. يقول : " والمدد القادم يفتح بارات الخمر / وأوكار السُّكر , وعلبًا لليل ، / تضيع النخوة فيها .. / ويغيب اللبُّ .. / يخترق أبالسة الأرض الشطَّ البكر ، و " شدوان " الدهشة ، و " الشهداء " .. / تتقاطر هامات النخل .. " إلى أن يقول : " تخترق الإيقاع المسموم مخاخ البدو / فتسقط ذاكرة الأحياء .. يتدلى السعف مهيضًا مشلولاً ، / مسلوب الرُّوح ... " صـ 135 .
ويرى الشاعر أن كل ذلك إنما يؤدى فى النهاية إلى ضياع الإنسان بضياع قيمه وأصالته وثقافته وهويته وحضارته ، وأن كل ذلك الذى يحدث من تحولات ومسخ وتشويه إنما هو فيروسات تخترقنا وتفتك بنا .. يقول : " البحر الأحمر يحتضر الآن .. بهذا الداء / ينخر فيه سوس الإعياء / مُخْتَـرَقًا صار ، فماذا سيقدم للشَّط الآمن ، غَير المرض / والمنبهمين السيماء / متصلاً بالموضات ، ومنفصلاً عن كل تواريخ الآباء .. / إنَّ تنفسه أضحى فيروسًا ، / وهَنًا لا، / ضعفًا ، / يتبعه فتك ووباء " صـ 137 .
هكذا الحال بنا ، وهكذا هو الزَّمن الذى يسير بنا نحو هُوَّة الفقد ، وينحدر بنا إلى الأسوأ فى حركة هابطة نحو ضياع كبير ، ودون أن نكون معنيين بمقاومة هذا التصرُّم ، بل نحن على العكس من ذلك ، وقد بدت كل أفعالنا انقيادًا بليدًا لما يمليه علينا الزمن من اشتراطات غريبة تتأباها النفس الأبيَّة ، ولا يتغيََّاه إلا كل خائن بليد مخاتل ، غير أنَّ أخطر ما يراه الشاعر أن الزمن يعيد لنا أسوأ ما فيه ، أو أسوأ ما كنَّا فيه ، لكأن كل ما حفل به تاريخنا من دمويَّة وتكالب بغيض على السلطة هو ما يعيده لنا الآن وقد استشرت الخيانات والتكالبات على السلطة ، وبدأت الصراعات المذهبية تلعب دورها القديم فى إحداث الفُرْقة بين أبناء الأمة ، وربما أن هذا ما تطرحه قصيدة " الحسين " .. إنه الهمُّ الكبير المتجدد على ما فى القصيدة من تباكٍ على " الحسين " كرمز ، وكأن الشاعر يتباكى ـ على نحو ضمنى ـ على أزمنة الشموخ والوحدة التى كانت عليها الأمة قبل أن تتصرَّم تلك الأزمنة تحت سنابك خيول الفرقاء.
يقول الشاعر : " صدره درع أزمنة الشموخ / تتكسر فوق ذراه سهام النبال الخسيسة .. / ورماح أيادى السواد العتيدة .. / وخناجر هذِى القلوب البليدة .. " صـ95 وتمضى القصيدة فى سرد وتتبع مآسى الأسرة العلويَّة ، وما جرى لرموزها على أيدى أبناء العمومة القرشيين ( بنى أمية ) الذين استولوا على السلطة خديعة وغدرًا واغتصابًا ، وأراقوا ما أراقوا من دماء من أجلها ، فيما عُرِف تاريخيًّا بالفتنة الكبرى .. يقول الشاعر متوجهًا بالخطاب إلى الحسين : " سيِّدى .. / نحن بعدك .. ها .. تستباح دمانا / ويسيل سيولاً أسانا .. / ولا حرمة بيننا / كلنا نستحلُّ لحوم أشقائنا والبنين / وحولَ الرقاب اجترى طوق ذلٍّ .. / استراحت عروق الرقاب له / أين أعراقنا النافرات لكسر القيود ؟ / وأبكارنا فى أيادى العدو / كيف نرفع أنخابنا فى ليالى الهوان ؟ / وندين زمانًا أتانا .. / هان يا سيدى أمرنا / وعلا شأن أنكى عدانا .. " صـ 99 .
هذا ولم يعد الأمر داخليًّا وحسب ؛ فقد أضحت دماؤنا بين قوسى أعداء الداخل الطامعين فى السلطة والمتصارعين عليها وتجار السياسة وأصحاب الأهواء من جهة ، وأعداء الخارج الطامعين فى الاستيلاء على هذه الأمة ومقدراتها ومقدساتها من جهة أخرى .. يقول الشاعر : " قبة الصَّخرة اليوم تصرخ فينا .. / فتهرب منا دمانا .. ويومض عبر السماوات دمع عيون البراق .. / يتدلى لآلئ دامية ، كالعقيق .. / وبحة صوتِ اشتياقٍ / بينما نحن خلف المدى / حسرة بعد شملٍ بديدٍ / ودمٌ فى البرارى يراق .. " صـ 100 .
فى مثل هذا الطقس المؤسف ربما لا يجد الشاعر ما يتغنى به غير الفعل الجهادى البطولى الوحيد الذى ظهر حتى الآن منذ بدأ الصراع العربى الصهيونى ، وهو فعل مقاوم يتفق إلى حدٍّ كبير مع أيديولوجية الشاعر ويتبناها ، وربما انه يذكِّره بماضى العرب الأماجد فى ميادين القتال والصمود ؛ لذلك راح الشاعر يتغنى به تحت عنوان يصرِّح بالغناء على نحو ما نقرأ تحت عنوان " أغنية إلى جنوب لبنان " حيث انطلق الشاعر يغنى لجنوب لبنان المقاوم تحت لواء " حزب الله " الذى فعل بإسرائيل ما لم تفعله الجيوش العربية مجتمعة عبر تاريخ الصراع مع إسرائيل ، وربما لهذا كانت فرصة الشاعر سانحة للتغنى للمرة الأولى ـ عبر تجسد تجربته ـ برائحة انتصار عربى على العدو المتغطرس ، ومن ثم كانت أغنية الشاعر مفعمة بفرح حقيقى كانت القصيدة مُجَسِّدةً له ، وقد وجدت الروح الشاعرة فسحة لها بعيدًا عن كوابيس الهزائم العربية وإحباطات الواقع ، وقد بدأت فى معانقة شيىء آخر رأته كما لو كان قادمًا لتوه من الماضى العريق ، وقد حط لتوه فوق أرض لبنان ، مجسِّدًا شموخ العرب وعزَّتهم ، وهنالك بدأ الشاعر خطابه إلى جنوب لبنان بالقول : " رأيتكَ فى ذرا التاريخ / تشعل ناخرَ الأوطان / وتُرْجع ملمح العرب .. / وجمر غضاك من أشجار غضبتهم / ومن منقوع مُرِّ الصبر ، / يبقى سيدَ اللهب .. / سَمعْتكَ فى مدار الخلد / تردُّ هواجس الإرعاد .. / وترفع برقكَ الهادى ... / وتعلن مقدِمَ الأعياد ... " صـ 152 . ( ملحوظة : الناخر المتفتت ـ الغضا : شجر خشبه صلب وجمره يبقى طويلاً نسبيًّا عن غيره من الأخشاب ) . إلى أن يقول : " يا صوت الجنوب الحرِّ فى لبنان / بيانُ الله أبلغ من بيان النَّاس .. / وقولُ الله أصدق من ما يضىء الدرب للأجناس / وأجلى فى مقارعة الخطوب .. " صـ152 ويستمر الشاعر فى خطابه المبتهج إلى أن يصل به إلى الفرح حدَّ استجلاء صور القائد العربى سعد بن أبى وقاص فى جنوب لبنان .. يقول : " فيا سبحان ربِّ الناس ! ../ جنوبُ لبنان / ثبَّت سهمه الرامى / كرمية " سعدٍ " / وباسم الله أطلقه / عجيب النَّصلِ / يرتل صورة الرحمن / " قلا غالب إلا الله " / وقلبٌ أدرك الإيمان / فاستجلاه واستحلاه / هو الأوَّابُ والأوَّاه / وجندٌ فى الردى وُهِبوا حياةً بألف حياةٍ / أعادوا الخيل فى كهف الموات المرِّ تصهل فى برارى النَّار ... " صـ154 .
هى قصيدة طويلة بطول فرحة الشاعر وحجمها ، مجَّد فيها بطولات المجاهدين فى لبنان ، وأكبر الشهادة ، والتضحية ، وكان فى كلٍّ صوتًا عروبيًّا معبِّرًا عن ضمير الأمة المنكسرة عندما تعايش لحظة فرحٍ ، خاصةً إذا كانت لحظة ضالعة البطولة على غرار ما قام به حزب الله فى لبنان .. هى لحظةٌ استثناءٌ ـ إذن ـ قام فيها رجالٌ استثناء أيضًا ، كما يعبر الشاعر بالقول : " هم استثناءُ أزمنةٍ / توارت فى ضباب الوهم .. / وماتَ النور فى أحداق عينيها بدون رشاد / هم استثناء كل القوم .. / هم استثناءُ أزمنةٍ خريفية / هم استثناءُ أزمنةٍ خرافيَّة / وكان هجومهم إطباقَ صاعقةٍ / وعاصفةٍ .. وراجفة .. ورادفةٍ .. / وصولةَ صرصرٍ تعوى / وأيامًا حسومًا تطمس الأبعاد .. / وإعصارًا من الأجناد .. / من " اليرموك " قد جاءوا / تكبِّر حولهم رايات.. / و" سيف الله " مسلولٌ بأيديهم .... الخ " صـ 157 .

أما بعد :
فقد كُنَّا فى سياحة قرائية لتجربة شاعر له صوته العروبى الهادر بالثورية ، والمحتضن بين جوانحه وتلافيف روحه همًّ أمته وقضاياها ، حاضرها ومستقبلها ، وهو فى سبيل ذلك كان أكثر انغماسًا فى الواقع ، مستوعبًا لطبيعة الصراع الدائر فى هذا الواقع على كافة الصُّعُد السياسية والاجتماعية ، وطبيعة التحديات المصيرية التى تواجه هذه الأمة ، ومن ثم فهو يعرف مبدئيًّا أين يقع واجبه الفنى ، ويعرف قيمة هذا الانغماس فى الواقع ، فَهِم الصراعات الدائرة فيه ، وقيمة هذا الانغماس ودوره فى توجيه الرؤى الإبداعية ، ومن ثم بدا الكاتب صاحب منهج فى الحياة ، خاضع بدوره لأيديولوجيا عروبية إسلامية خالصة ، يعتد بها الشاعر ويعتز ، ومن ثم أتت التجربة فعليًّا خاضعة لهذه الأيديولوجيا ، منتمية بشدة لها ؛ فرأينا مثلأً الإعلاء من قيمة الجهاد والتضحية والاستشهاد واتخاذهم وسيلة وحيدة لتخليص الوطن والأمة من هيمنة القوى الغربية الاستعمارية ، ومن ثم ـ أيضًا ـ كان الشاعر يلفت إلى الماضى على طول الطريق ، الماضى بأمجاده وبطولاته وانتصاراته ؛ ليشد الماضى من سرَّته إلى قلب المشهد الحاضر المؤسف ليبكته ، وليعرِّيه أمام نفسه ؛ وليحثه ويحمسه إلى الإقتداء بالأجداد ، والى الإخلاص لمنهجهم الذى تسيَّدت به على سائر المم .
وغير ذلك كان الشاعر مهمومًا بتفنيد علاَّت الواقع وإلقاء تبعة تدهوره على الحكام الجبناء ، وأولى الأمر الخانعين وعلى كافة النًّخب المهادنة والمتاجرة بقضايا هذه الأمة ومقدراتها ، وعليه أمكننا ان نصف هذه التجربة بأنها تسعى إلى تحميل الشعر بالرسالة ، وبمضامين فوق شخصية تعزز من قيم الانتماء للعروبة والإسلام ، وهى تتوجه إلى المجموع ، وإلى الضمير الجمعى بغية تعزيز الوعى بالواقع ، وقضاياه وطبيعة الصراع الدائر فيه ، وبوضعنا الحقيقى وسط العالم المتصارع ، ولكل ذلك فهى تجربة تسعى إلى زيادة حساسيتنا تجاه الحياة والواقع والمستقبل ، وتلك سمات فى جلِّها تجعل التجربة منتمية بشدة إلى ما يسمى بأدب الالتزام ، أو إلى تطبيق مبدأ الالتزام فى الشعر ، بمعنى التزام الأديب بقضايا الإنسان فى مجتمعه ، مقدمًا حلولاً لهذه للإشكاليات التى تفرض نفسها ، ومنبهًا إليها ، من خلال إطار أيديولوجى معين .
هذا وإن كنا قد لفتنا إلى بعض الظواهر الأسلوبية المتسيِّدة فى هذه التجربة ، أو فى البناء الشعرى لها , فإن ذلك قد جاء عرضًا منَِّا ، ولم يكن هدفًا منذ البداية . [/align]
عبدالجواد خفاجى
فى 1/7/2006 م
e.m:khfajy58@yahoo.com
المراجع :
( 1 ) : أدب الاالتزام ـ ماكس أديربث ـ ترجمة : د . عبدالحميد إبراهيم ـ مكتبة النهضة
المصرية ـ القاهرة ( 89 ) صـ 158 .
( 2 ) : يرجع فى هذا إلى ما كتبه الدكتور عزالدين إسماعيل تحت عنوان " الالتزام والثورية "
فى كتابه : الشعر العربى المعاصر ـ المكتبة الأكاديمية ط5 ـ القاهرة 1994 ـ صـ 321
وما بعدها .
( 3 ) : المرجع السابق للدكتور عز الدين إسماعيل صـ 321 .
( 4 ) : المرجع السابق صـ 325 .
( 5 ) أدب الالتزام ـ مرجع سابق صـ 156 .
( 6 ) الشعر العربى المعاصر ـ مرجع سابق صـ326 .
( 7 ) البحث الأدبى ( طبيعته ـ مناهجه ـ أصوله ـ مصادره ) ـ د . شوقى ضيف ـ طبعة " دار
المعارف " طـ 6 ـ القاهرة ـ صـ 134 .
( 8 ) السابق صـ 133 .