المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إنه ولدي - قصة - نزار ب. الزين



نزار ب. الزين
27/04/2007, 05:40 PM
إنه ولدي
قصة واقعية
نزار ب. الزين*
أخيرا بلغت حضنك الدافئ يا أمي ، بعد مغامرة طولها عشرون يوما بلياليها ، أتدرين يا أمي منذ أن ابتعدت عني ، لم تمضِ ليلة واحدة دون أن أحلم بك حلمين ، حلم اليقظة و حلم المنام ..
كنت أقضي الساعات و أنا أخترع و أخطط و أبتكر الوسائل للوصول إليك ...
اخترعت مصعدا يصلني بالقمر لو كنتِ فوقه ، و ابتكرت غواصة تقلني إليك لو كنت تقطنين أعماق البحار ، و خططت لتسخير النسور لتحملني إليك حتى لو كنتِ في مشارق الأرض أو مغاربها...
فكرت كثيرا ..حلمت كثيرا .. اخترعت و ابتكرت و خططت... قاسيت و كابدت ....بكيت و تألمت .....
قاسيت من ظلم أبي ، و كابدت من من حقد زوجته ، و التي ناصبتني العداء منذ اليوم الأول لدخولها منزلنا ..
و باقتراح منها، أرسلني صبيا عند ميكانيكي : " تعلم صنعة تفيدك ، أفضل لك من المدارس .. " قالها و قد تجمدت عواطفه !
و أنا منبطح تحت السيارات ، كنت أفكر بك ،
و أنا أحمل صناديق العدة الثقيلة ، كنت أتخيل لقائي بك ،
و أنا أتعرض للصفع و الركل و أقذع الشتائم ، كنت في سري أستنجد بك ....
بكيت كثيرا يا أمي ... تألمت كثيرا يا أمي ، و إذ وجدت في أعماق خزانتي ما ظننت أنه يكفيني من نقود ، كنت أخفيتها عن زوجة أبي ، قررت الرحيل إليك ، معتمدا على المعلومات القليلة التي حصلت عليها من رسالتك الوحيدة التي استلمتها منك ..
كنت قد بلغت السادسة عشر من عمري ، فتمكنت من استخراج جواز سفر ، و تمكنت من الحصول على تأشيرة دخول من قنصليتين عربيتين ، و لكن قنصلية الدولة حيث تعيشين – و هي عربية أيضا ( ! ) - رفضت منحي التاشيرة .
و مع ذلك بدأتُ المغامرة ، مغامرة طولها عشرون يوما من الشقاء ، تنقلت فيها من بلد إلى بلد ، قطعت فيها مئات الكيلومترات ، أغلبها في صحراء قفراء ...
ركبت مع سائقين طيبين ، و ركبت مع حثالة راودني أحدهم على نفسي ، ثم رماني في قلب الصحراء لأنني لم أساير رغباته الشاذة ..
و اعتقلتني شرطة دولة مجاورة ثلاثة أيام ، عندما وجدوني نائما في مرحاض إحدى محطات الوقود ..
و أخيرا ، اجتزت الحدود مع متخصص في تهريب الأشخاص ، بعد أن انتزع مني كل ما بقي لدي من نقود ..
عشرون يوما يا أمي من المعاناة ، نسيتها لحظة رؤيتك ...
*****
آه يا ولدي المسكين ، أواه يا محمود يا ابني الحبيب ، لكم تألمت ، و لكم عانيت عندما اضطرني ظلم والدك إلى هجرك مرغمة ، اعتبرتني المحكمة ناشزا و جردتني من كل حقوقي بما فيها حضانتك ، قال لي أهلي أنك ذكر و أنك ستتمكن من تجاوز المحنة ، رطبوا ناري المشتعلة بكلمات جوفاء عجفاء ، و لكن هيهات أن تطفئ من شوقي إليك و قلقي عليك .
قاومت زواجي الثاني ، رفضت الفكرة من أساسها ، فقد كانت تجربتي الفاشلة المؤلمة كافية لأن تصدني عن كل الرجال ، و لكنهم تمكنوا من غسل دماغي ، قالوا لي : " سوف تبتعدين بهذا الزواج عن جو مأساتك .. سوف تنجبين الأطفال ..سوف تنخرطين في حياة جديدة ... و لسوف تَسْلين فراق فلذة كبدك محمود " ؛ و لكن طوال السنوات العشر ، لم تمضِ فيها ساعة دون أن أتمثلك في وجهي .
فكرت كثيرا ..حلمت كثيرا... قاسيت و كابدت ....بكيت و تألمت .....أرسلت لك الرسالة تلو الرسالة ، و لخيبة أملي لم أتلق إجابة واحدة منك ..ترى هل منعوا رسائلي عنك ؟ ترى هل غيَّر أبوك عنوانه إمعانا بقهري ؟
نعم ، لقد اندمجت بحياتي الجديدة ، أنجبت أخويك فهد و عبد الله ، غرقت في تنشئتهما حتى أذني ، و لكنني ظللت دائما و أبدا أتمثلك في وجهي ، أتمثل الطفل الرقيق ، الطفل الذي تشبث بأثوابي ، صارخا ، باكيا ، رافضا الذهاب مع الشرطي الذي صحب والدك لتنفيذ حكم قاضٍ أظلم من أبيك .... كيف أنسى وحوش الغاب و هم ينتزعونك من حضني ؟؟....
فكرت كثيرا ..حلمت كثيرا... قاسيت و كابدت ....بكيت ... بكيت .. بكيت ... و بكيت !
و إذ شاهدتك ..بعد كل هذه السنين ، شعرت أن روحي رُدت إليّ .
*****
ما الذي تقوله يا أبا فهد – هداك الله – أتتهمني بمعاشرة ولدي ؟؟
أستغفر ربك ، تب إليه من إفكك ..
حرام و الله أن تجول بفكرك مثل هذه الترهات ..
إنه ولدي ..و لدي ...ولدي....فلذة كبدي .. جزء من كياني و وجودي ..
إنه مثل فهد.. و مثل عبد الله ..هل تتهمني بمعاشرة فهد إذا ما استلقى إلى جواري يا رجل .. يا مؤمن .. يامن لا تترك فرضا أو سنة تفوتك ؟
إنه و لدي يا ابا فهد ....عشر سنوات مضت كأنها دهر ، عشر سنوات من الحرمان ، حُرمت من لقائه و حُرم من حناني ، عشر سنوات يا أبا فهد ، جَعَلتْه كالعطشان في صحراء ليس فيها غير السراب ، ثم تلومه إذا وجد الماء الذي يرويه ، أتلومه إذا استلقى إلى جواري ؟ و حضن يدي ، و أخذ يقبلها بشغف ؟
أنا لا أعرف فيك إلا ابا عطوفا و زوجا كريما و إنسانا يخشى ربه .. كيف تتطرق إلى ذهنك مثل هذه الأفكار يا ابا فهد ؟؟
أتقول أنه غريب بالنسبة إليك ؟ أتقول أنك لم تستطع هضم وجوده في دارك ؟ أتعتبره إنسانا متطفلا على حياتك ؟ أنت الذي أنعم الله عليك بكل هذا المال ، تشكو من وجوده ؟ و أنا التي كنت آمل الكثير أن تفعله من أجله .. أن تعامله كابن لك ..
إذا كنت متضايقا منه إلى هذه الدرجة ، تدبر له إقامة مشروعة تمكنه من البحث عن عمل يعتمد فيه على نفسه ، إنه ميكانيكي ماهر ، دفعه أبوه الظالم إلى العمل مذ كان في التاسعة من عمره ، بوسعك و أنت سكرتير الشيخ ، أن تدبر له إقامة مشروعة ، و أن تسعى له بعمل مناسب ، بل و بوسعك أن تنشئ له عملا مستقلا يديره .. هذا ما كنت و لا زلت أرجوه منك ، يا ابا فهد ...
*****
يتشبث عبد الله بثوب أمه ، صارخا ، باكيا ، رافضا أوامر أبيه أن يبتعد عنها...
يقف فهد بعيدا و قد غسلت دموعه الصامتة وجهه ..
يحمل محمود بيسراه حقيبة ثياب والدته ، و يسند بيمناه جسد والدته المتهالك ..
يغلق أبو فهد باب دارته خلفهما بشراسة ، فيخرج صوته قنبلةً مدوية فجرت كل القِيَم و المُثُل و المبادئ الإنسانية .
و تبدأ – من ثم – رحلة عذاب جديدة لمحمود و أمه .....
=======================
* نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
عضو إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
عضو جمعية المترجمين العرب ( ArabWata )
الموقع : www.FreeArabi.com
البريد : nizar_zain@yahoo.com

زاهية بنت البحر
27/04/2007, 10:23 PM
لاحول ولاقوة إلا بالله ..لاأدري والله لماذا يعرفون الشرع ويحرفون ..قالت إيميلي براملد السيدة الأمريكية التي أسلمت العيب ليس في الإسلام ولكن في المسلمين..
هذه صورة مشوهة لرجل يصلي فروضه ويصوم ولكنه لايتقي الله فيسيء لدينه وللإنسانية أينما وجدت ..
جزاك الله الخير وأحسن إليك أخي المكرم أستاذنا الكبير نزار الزين.:fl:
أختك
بنت البحر

نزار ب. الزين
02/05/2007, 03:51 PM
أختي الفاضلة مريم ( بنت البحر)
شكرا لمشاركتك القيِّمة و لدعائك الطيِّب .
كثيرون هم- للأسف - من لا يعرفون من الدين غير فروضه .
عميق مودتي
نزار