المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أوراق خريف العمر( الورقة الثانية)



سعاد محمود
23/11/2012, 09:05 AM
أوراق خريف العمر(2

تسلل خالد إلى حجرة جَدّه، وجده مرتديًا أبهى حلله وابتسامة عريضة تنير وجهه وعيناه قد استعادتا بريقهما الذى ينبئ بسعادةٍ عابرةٍ تمور فى دواخله. كانت شمس الأصيل تودع الكون تاركة على صفحة السماء ألوان أشعتها الذهبية المنعكسة على صفحة مياه النهر المتدفق فرحًا. يلثم الضفة حيث جلس الجد وحفيده. أخرج الجَدُ أدوات الصيد القديمة. وألقى بصنارته داخل المياه وانتظر وهو يستمع لثرثرة حفيده التى لاتنتهى
ــ متى يأتى السمك ياجَدى إلى الصنارة لياكل الطعم؟
ــ الصيد يابنّى يعلم الصبر سوف ننتظر حتى يأتى..
كان الجَدُّ سعيدً،ا نشطت ذاكرته وتراءت له تلك الصور البهية لأيام خَلت. يهز رأسه طربًا عندما تندفع المياه فتنثر بلورات الرذاذ على وجهه فيمسحها بكفه المرتعش ويميل مقبلا حفيده الذى يُزيّن حياته، يحس معه بقيمته، لولاه لم يأت إلى النهر . لقد أخبر خالد اباه ولكنه رفض. فما كان من الصغير إلّا أن عصى أوامره وصحب جده إلى النهر. الجد لايعلم ذلك تبع خالد لرغبته الملحة للخروج من سجنه الإجبارى الذى فرضه عليه تساقط أوراق عمره البخيلة، وابنه العاق الذى أوقف له حياته حيث لا يريد، أخرجه من حجرة عمره داخل منزله نزولا عند رغبة حرمه المصون، معللة ذلك بأن وجوده لايتناسب ومكانتهم الإجتماعية. وإن ديكور المنزل البديع لايتحمل وجود رجل مُسن، يتحرك كيفما اتفق ويحرك الأشياء.. اقنعته .فأودع اباه فى حجرة تنتبذ ركنًا قصيًا فى المنزل، يفصلها من داخل الحجرات فناءاً واسعاً.
ــ ياجدى إن الخيط يتحرك بشدة أنظر هل أرفعها .......؟
عاد الجد إلى الواقع بعض رحلة الخيال البديعة، وجذب الخيط فخرجت سمكةٌ تتلوى محاولة تخليص نفسها، خالد يقفز فرحًا ويضحك من أعماقه والجَد محاولا تخليصها، الرحلة يسودها الوئام حتى غربت الشمس وحان موعد الرحيل.
اقتاده خالد نحو المنزل، وقد دب نشاطٌ هائل فى جسده، قطع المسافة من النهر إلى المنزل بخطواتٍ واسعة يسبقهُ شوقه المتدفق إلى الحياة . مضت السنون، ووهن العظم واشتعل الرأس شيبًا، لكنه مازال إنسانًا يشعر ويسعد ويسعد الآخرين، خالد يعدو ويقفز وخلفه الجد حتى دخلا المنزل. وكانت الشمس قد رحلت مودعة النهار، هبت رياح تلتمس طريقها ليلا مصحوبة بسحب ركامية، ساورالقلق الوالدين عندما افتقدا ابنهما.
دلفا إلى الداخل فهرع الأب نحو خالد يضمه إليه، ويسأله مؤنبا، رافضا خروجه مع جَدّه المُسن، خالد حكى جمال لحظاته والسمك والصيد ولم يجد أذنًا صاغيةً. فقد علا صوت أمه واغتال عُمر اللحظة عندما انهمرت عباراتهاالجارحة، مؤنبةً الجد على وخروجه من حجرته، وهجمت عليه كسجان فقد سيطرته . ولكن الجد مضى سريعاً نحو حجرته، بخطواتٍ واسعةٍ حتى كاد أن ينكفئ على وجهه وأغلق الباب خوفًا من الآتى.