المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الجاسوس



نزار القريشي
12/12/2012, 03:28 AM
حصل على إجازة في علم النفس الاجتماعي، من إحدى جامعات بغداد في وقت سابق عن الذي حدث في الأعوام الأخيرة هناك. ما بين وقت و آخر يحتاج الأمن المغربي أفرادا، نجح عبد الواحد، وهذا إسمه الحركي ليس الشخصي. تم قبوله برتبة ضابط في الاستخبارات المغربية، كأنه خلق ليكون الرجل ذاته. اختير لمهمة خارج البلاد ليترأس المكتب السري للمغرب باسطنبول. كان المكتب يدار بغطاء شركة تصدير و استراد. ذات مساء، وهو يغادر الشارع الرئيسي لمكتبه، وبالصدفة التقى زميل عراقي كان وإياه في أيام الدراسة ببغداد ، اسمه منير هو أيضا أسم حركي. هؤلاء مع مرور الوقت ، يفقدون أساميهم الحقيقية، إذ نادرا جدا ما يسمعه. تعانقا، وبعد التحايا . قصد الاثنان مطعم حان “ أجلار كباب” بشارع جوك شودرا،دخلاه . مشط منير المكان بنظرة محيطة، وعبد الواحد كذلك ، جلسا يتحدثان بصوت منخفض، مد الظلام رواقه على الوجود فلم يكن يبدد من قوته إلا تلك الشموع الضعيفة التي ترسل أشعتها الذهبية في دائرة ضيقة مما حولها على الموائد … طالت الجلسة بينهما إلى أن أسدل الليل رداده الأسود ، لم يكن منير جاسوسا عاديا ، بل كان يعمل لصالح الاستخبارات العراقية والروسية في آن. هل كان عبد الواحد على أهبة...جلسة واحدة مع منير كانت كافية لأن يلعب عبد الواحد دورا للروس بالمغرب . تلك هي النفس البشرية . هناك في باطنها الشفيف شيء ينزع نحو الشر. و ربما كان في النفوس الانسانية قسما شيطانيا مضطلعا على ما لا تدركه الحواس هو الذي يهدينا في أمالنا وميولنا ويرسم لنا طريق الحياة والشرور . كانت وسيلة إتصال عبد الواحد بالروس المتفق عليها جد خفية، وهي عبارة عن وحدة مركزية للحاسوب مصغرة بتقنية” النانو” زرعت في جسمه باشراف مهندس إلكترون روسي يدعى زاخاروف ، هذه التقنية جد متطورة من الجيل الثالث و متعددة الاستعمالات ، منها تمرير تقارير استخبارية مغربية ، وتصوريها للحاسوب المركزي في موسكو، وتنفيذ الاغتيالات بالأشعة القاتلة. يوم الأربعاء الأخير، انتهت مهمة اسطنبول بعد تسعين يوما قضاها عبد الواحد هناك . ركب عبد الواحد خط الرحلة552 على الخطوط المغربية , نزل بالمطار، وهو في غاية من الحيطة والحذر والتوجس ، بمكتب المديرية العامة بالرباط طلب منه صياغة تقرير عن نتائج مهمته في اسطنبول، خاصة عن أنشطة مكتب الموساد هناك . بسط الأوراق، مسك القلم .بدأ يفكر، كان أول ما ورد على باله، هو كيف يمكن لمجتمعنا أن يتطور وعدد الجند فيه يفوق عدد الفلاحين والعمال...ما معنى حضارة لا تؤمن أن أمنا غذائيا يساوي نموا ديموغرافيا مع أن أمنا غذائيا يوازي متوالية حسابية ، ونموا ديموغرافيا يوازي متوالية هندسية … همهم قائلا : ياله من غباء. .. غباء هؤلاء الساسة.
ثم كيف أكتب؟ فأنا لا أعرف كيف أكتب عن نياشين الكلاب . أو أن أحكي ما شجر بين طوم وجيري . أشعل سيجارة من نوع “كنت”، انساق خلف كل ما حدث هناك، صاغ تقريره في نهاية المطاف، سلمه، عاد إلى مدينته في إجازة قصيرة .
في مدينته سيبدأ الفصل الأخير .
كان أوله أنه مفكر وليس عميل استخبارات فحسب، لديه من الأفكار والنظريات ما هو كفيل بقلب الدنيا... استولت على لبه فكرة المفكر التي ليست على مقاسه. و لا تناسبه على الاطلاق ، استمرأها، لاكها ، حتى ترسخت في لا وعيه. مع مرور الوقت صارت فكرة متسلطة ليست هينة لبسته تماما . لعبد الواحد صديق صحافي عفوي للغاية، إن قال كلمة ثبت معناها آجلا أو عاجلا.. كان عبد الواحد يفضله كجليس لنقاء بديهيته، أخذه معه إلى مقهاه، ظلا يتحدثان، بدون مقدمة ، قال له الصحافي:
- تبدو كجاسوس روسي
ترنح عبد الواحد سقط من يده فنجان القهوة، ليس في وسعه أن يستفهم أي تحليل حقيقي، لا شيء يسمح ، تخيل أن في استطاعته إسكات ما يمور بداخله، ثم ما لبثت أن عاودته هذه الصورة ، صورة إلقاء القبض عليه أمام عينيه مجسمة . بعد أسبوع علم الصحافي أن عبد الواحد قد جن، و ثبت إصابته بشيزوفرينيا حادة مع رعاش دائم.
نزار القريشي