المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هواجس الفنّان التّشكيلي اللبناني



حسين أحمد سليم
25/12/2012, 03:50 PM
هواجس الفنّان التّشكيلي اللبناني
بقلم: حسين أحمد سليم

إنّ تاريخ التّطوّر الذي طال التّغيير والتّحديث في مراحل وأجيال الفنون التّشكيليّة اللبنانيّة, هو تاريخ مرتبط بأشخاص أعلام ومبدعين مبتكرين من الفنّانين التّشكيليين اللبنانيين, الذين ساعدتهم ظروفهم الزّمنيّة كماهدين لحركات فعل التّحديث والتّطوير والتّغيير, بحيث تركوا بصماتهم الإبداعيّة المتميّزة والخلاقة على صفحات هذا الفنّ عبر فترات زمنيّة متلاحقة, إمتدّت من أوائل الخمسينات فالسّتينات وصولا إلى بدايات السّبعينات...
عندما نقوم بتقليب صفحات تاريخ الفنّ التّشكيلي اللبناني لحقبة زمنيّة سلفت لما قبل أواسط السّبعينات وما قبل الخمسينات, نجد أنّ كلّ فنّان تشكيلي لبناني كان يحاول أن يتعاطى مع مواضيعه الفنّيّة التّشكيليّة بخصوصيّة معيّنة, سواء كانت هذه الخصوصيّة مستقاة أو مقتبسة من صور الحياة أو البيئة, أو المجتمع أو الطّبيعة أو الموروث التّاريخي في المكان والزّمان, أو الواقع المعاش أو المرتجى أو الذي يراود الرّؤى والتّطلّعات, وذلك بشكل متميّز ومختلف عن سابقيه وسالفيه أو معاصريه من أجيال الفنّ التّشكيلي اللبناني أو العربي أو العالمي...
فالفنّ التّشكيلي الذي قام ونما وتطوّر منذ فجر التّاريخ وما زال, سيما بدءًا مع أجداد الفنّ التّشكيلي اللبناني الفينيقيين الأوائل ونتاجهم البدائي, مرورا بحقبات زمنيّة كثيرة وعديدة أسهم روّاد الفنّ التّشكيلي فيها بإدخال لمسات من التّحديث والتّطوير... والفنّ منذ كان فقوامه مرتبط بمنظومة من عناصر ومكونات الصّور والمشهديّات والموضوعات التي تعالج هواجس النّفس الإنسانيّة التي تعتلج في مضامين كينونة الإنسان ونسيج بنيته, من الحزن والفرح والحب والكراهية والعمل والحرب والكوارث والموت والولادة والخوف من المجهول والشّجاعة والطّقوس والعادات والتّقاليد والموروثات والمعتقدات والميثولوجيا والأساطير... ولا زلت حتّى اليوم هي نفسها هاجس الفنّان التّشكيلي اللبناني, الذي إنتقلت إليه بحكم الوراثة المجتمعيّة والبيئيّة والأسريّة والمكانيّة والزّمنيّة, مع الأخذ بعين الإعتبار الإختلاف العصري في طرق المعالجة لهذه الهواجس الموروثة وأساليب التّعاطي الفنّي والتّقني والجمالي مع مكوّناتها...
الحال هي هي بالنّسبة للموضوعات التي تلقي برؤاها في وجدان الفّنان التّشكيلي اللبناني, وهي هي بذاتها التي تشكّل الهاجس الإبداعي لدى جميع الفنّانين التّشكيليين الذين بدؤا مع فجر التّاريخ الإنساني, أو الذين أماطوا اللثام عن إنبعاث الفنّ التّشكيلي في أواسط القرن العشرين, أو الماهدين الأوائل لهذا الفنّ, أو الذين ساهموا في التّحديث والتّطوير, أو الفنّانين المعاصرين وما سيولد لاحقا... فالهواجس لم ولن ولا تخرج عن إطار منظومة الصّور والمشهديّات التّقليديّة في الفنّ التّشكيلي اللبناني والإفليمي والعالمي, بحيث تتمحور في مكونات الطّبيعة ومناظرها ومشاهدها اللافتة للنّظر, وتدور حول المرأة ومفاتنها وكينونتها وعلاقتها مع الرّجل, وتتماذج مع صور الحياة المتنوّعة ومظاهر البيئة ومعالم الطّبيعة الصّامتة, وتتناغم مع الواقع والمرتجى والذّاكرة والرّؤى وفلسفة العقل, لتحطّ الرّحال في فنّ رسم الوجوه بمختلف اللقطات وهو ما يسمّى بفنّ البورتريه وغير ذلك من مولّدات الفنّ التّشكيلي المواكب لثورة الحضارة مع ثورة التّواصل الرّقمي...
اللافت لدى نتاج الفنّانين التّشكيليين اللبنانيين في نهايات القرن العشرين وبدايات القرن الحادي والعشرين, أي في هذه المرحلة التي تمتدّ من أوائل التّسعينات وحتّى بدايات السّنوات العشر الأوائل من هذا القرن, هو بروز القدرات الوهّاجة على تأليق وتماهي موسقات التّقنيّة اللونيّة الموزّعة فوق قماشة اللوحة, فيما تبرز الفرادة الشّخصانيّة الفنّيّة أحيانا كثيرة في عمليّة بناء المكوّنات وتوزيع عناصر الحدث على سطح اللوحة أو المشهديّة, حيث يتعامل الفنّان التّشكيلي اللبناني بمختلف التّقنيّات المتاحة له, للوصول إلى فكرته في خلق وإبتكار شكل فنّيّ جديد... وهو ما يبرز في تنوّع المادّة المستخدمة وتفتّق الذّهنيّة البنائيّة للموضوع, سواء في فنّ إستخدان تقنيّات الألوان الزّيتيّة أو المائيّة أو الأكواريل أو الغواش, أو التّقنيّات الأخرى باستخدام مكونات مختلفة في بناء لوحة المزج بين هذه المكوّ،ات كالكولاج مثلا وما قد يرافق العمل من مواد أخرى يستفاد منها في تقنيّة صناعة اللوحة المميّزة...
المراقب للمدى البانورامي للفنّ التّشكيلي اللبناني, يلاحظ بما لا يقبل الجدل, أنّ نتاج الفنّانين التّشكيليين اللبنانيين, هو فنّ الهواجس والإنفعالات والنّزعات والمدارس والمذاهب والرّؤى والتّطلّعات التي تدور في فضاءات هذا العصر, حيث تتوالف فيها وتتماذج الذّهنيّة الشّرقيّة الهندسيّة والزّخرفيّة, وتتموسق مع التّسطيح والفطريّة والإنفعاليّة والتّعبيريّة الغربيّة, وصولا إلى اللعبة الفنّيّة في فضاءات التّجريد والسّورياليّة وكلّ ما يمنح الخيال ويتيح له مدى الإبحار في الإمتدادات وريادة البعد في اللامتناهيات...
الظّاهرة الملفتة في نتاج الفنّانين التّشكيليين اللبنانيين هي ظاهرة الولع اللوني... بحيث يرى المتابع لمجمل النّتاج للفنّ التّشكيلي اللبناني أنّه قد سادت منذ أواخر الثمانينات وأوائل التّسعينات روحيّة فنّيّة تشكيليّة يغلب عليها الإهتمام البارز في لعبة اللون, إلى جانب التّنويع في الإيقاعات الذّهنيّة للموسقة اللونيّة في الفكرة الرّئيسيّة والحافز في الرّسم المفرد, مع نزوع واضح وجليّْ في جموح نحو حركة فعل التّسطيح وخلق تأليف لوني بحت يلعب فيه التّشكيل اللوني جوهر الفكرة أو الموضوع... وهذا يعني تحميل اللون الوظيفة التّشكيليّة والتّعبيريّة والإيحائيّة البصريّة, ممّا يساهم في تغليب النّكهة اللونيّة التّزينيّة الجماليّة على حساب الفكرة أو فلسفة الفكرة والموضوع أو الحدث...