المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : شارك في بناء قوة فكرية عربية..هل قررت؟



بنت الشهباء
28/09/2006, 12:47 AM
شارك في بناء قوة فكرية عربية..هل قررت؟!
ماذا فعلت وماذا تفعل؟ ماذا قررت أن تفعل؟
كيف ستساهم في هذا البناء العربي العظيم؟



بقلم / أبو زيد





القائد العام للقوات الحضارية الفكرية النهضوية الحرّة

عامر العظم

نعود مرة ثانية إلى الوطن العزيز
وقلبنا ينبض بالعطاء والوفاء لهذا البيت الشامخ
الذي احتوانا بالحب والمودة والأخوة

فاسمح لي أن أعيد حديث القائد لنا بالأمس
ونحن نأمل من الله أن نسعى معا جاهدين من أجل رفع هذا البيت العربي الشامخ ,
ومعنا نحمل عتاد وأسلحة الحضارة الراقية الأبيّة , والمبدعة الحرّة الكريمة





تحيّة حضارية فكرية من ابنة , وتلميذة واتا

بنت الشهباء
26/01/2007, 01:32 PM
أسئلة نطرحها عليكَ أيها الواتاوي
ونأمل أن تجيب عليها لتعمّ الفائدة بين الجميع

فمن سيجيب على أسئلة رئيس الهيئة العربية لاجتثاث الخوف !!!!؟؟؟

عامر العظم
29/01/2007, 09:48 AM
اللواء أركان حرب ابنة الشهباء،

كتبت لهم موضوعا قبل شهور بعنوان "انظروا يا قوم!"، فيبدوا أنهم لم ينظروا!
نحن لم نكن نلعب خلال السنوات الماضية! كنا نعمل ونفكر ونخطط وننجز ونتقدم!
نحن قوة عظمى في العالم شاركوا أم لم يشاركوا! الجميع تحت القصف وإطلاق النار!
الجمعية لها صوت مسموع يسمعه حتى الطرشان وهي مرئية يراها حتى العميان!
الكلمة الآن للجمعية حتى إشعار آخر والبينة على من يدعي عكس ذلك!

في هذه الأثناء، أنت تعلمين بأن لدى الجمعية زر نووي وهي قادرة على الضغط عليه في أي وقت:)

تحية من القائد العام لقوات حلف شمال واتا:)

بنت الشهباء
29/01/2007, 10:56 AM
رئيس الهيئة العربية لاجتثاث الخوف
عامر العظم
يبدو أنهم يهابون من الضغط على الزر النووي ..
مع أن القصف وأصوات الطلقات النارية تجاوزت حتى مسامع الطرشان
أما زلت أيها الواتاوي وأنت تشهد معنا معركتنا الحضارية النهضوية غير قادر على
اجتثاث الخوف من داخلكَ !!!؟؟؟...
لنعلنها معًا صرخة مدوّية في الآفاق
نحن هنا سنبني وطنا عزيزًا شامخًا لانهاب أحداً إلا الله
ما دمنا عرفنا هدفنا وغايتنا

تحية من ابنة الشهباء للقائد في حلف جنوب واتا

عامر العظم
29/01/2007, 11:14 AM
هل هو خوف أم إفلاس أم شلل أم ماذا؟

المشكلة يا ابنة الشهباء، أنهم يتحدثون عن الحرية وينتقدون الدكتاتورية لكنهم عند المحك، يختفون!
المثقف المبدئي لا يهاب أحدا وهم مستعد للتضحية لأجل مبادئه! لماذا لم يجرؤ أحد على الاقتراب من الجمعية المرعبة؟!
في هذه الأثناء، العطاء المعرفي سلاح لمكافحة التخلف والحوار قوة للأمة.
تحية مرعبة

بنت الشهباء
29/01/2007, 11:33 AM
بل إنه خوف وإفلاس وشلل

أتدري لمَ يا أخي عامر !!!؟؟...
لأنكَ لو حاولت أت تضعهم على المحكّ - كما يقال - وأمام الأمر الواقع
لرأيتهم يبحثون لهم عن وكرًا بعيدًا عن هذا الصرح الحضاري الشامخ
ظنّا واعتقادًا منهم أنّ عين إرهاب الدولة ستلاحقهم

تحية جريئة

عامر العظم
29/01/2007, 11:49 AM
ولهذا السبب أنت في نظري لواء أركان حرب وبخمسة آلاف رجل ممن ترين أو تسمعين!
تحية لا تقبل المقارنة!

بنت الشهباء
29/01/2007, 12:05 PM
والفريق الأول الركن عامر العظم
واللواء أركان حرب ابنة الشهباء

تراهم يقولون وبصوت عال
ما بالكم يا قوم خائفون وفي وحل الجبن تتمرغون
ألم تعلموا أن الكلمة أمانة في أعناقكم !!؟؟..
ألم تعلموا بعد أن وجودكم على الجبهة الواتاوية يتطلب منكم
أن تمتطوا صهوة جوادكم وتنطلقوا لبناء هذا الوطن الذي احتواكم !!؟؟..

تحيّة استغراب

عبدالله محمود
29/01/2007, 05:05 PM
الى
الفريق الأول الركن عامر العظم
واللواء أركان حرب ابنة الشهباء
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته وعلى باقي الاخوه الشجعان في واتا
وانا ارد عليكم خطر في بالي قول الشاعر العربي:
ولست بحلال التلاع مخافة ولكن متى يسترفد القوم ارفد.
ثم قول المتنبي : الجود يفقر والاقدام قتال ثم عاد لذهني قول الشاعر:
وانا من معشر افنى اوائلاهم قيل الكماة الا اين المحامون.
لسنا جبناء ولن نكون بعون الله ولن نهن ولن نحزن لاننا نؤمن بالله عز وجل. ولكن نسال الله ان تأتي الفرصه التي يمكن لنا فيها اظهار شجاعتنا الحقيقيه على ارض الواقع وليس فقط بالكلام. ثم ياخي عامر انت ما شاء الله فريق اول ركن والاخت الغاليه امينه ابنة الشهباء لواء أركان حرب وانا خدمت برتبة ملازم في الجيش العربي السوري وكان يشهد بالشجاعه لدرجة التهور احيانا . لكن والحق يقال مازال امامنا زمن لتعلم الشجاعه منكما . وممن يجب ان نخاف طز في اسوأ واحد فيهم يسبب لنا الخوف. احب فقط ان اضيف كلمه صغيره تعليقا على كلام اختنا الغاليه امينه عن عين إرهاب الدولة التي تلاحق الناس فقط في بلادنا كما نظن : هي اني اعيش في فرنسه منذ الربع قرن بلد الحريه والديموقراطيه كما يقال اصدقكم القول ان هواتفنا مراقبه بريدنا مراقب تحركانا كلها مراقبه حتى الايميل مراقب. واخر مثال الشهر الماضي اجبت على سبر اراء بالانكليزيه: هل تؤيد سياسه بوش في الحرب على الارهاب؟ هل تؤيد خطط بوش في ؟ هل الخ الخ اجبت اني لا اوافق على كل ما قام به بوش بل اني اكرهه:I hate Bush
بعد عدة ايام استلم اشعارا يقول لقد اوقفنا رسالتك ونردها اليك.
نسال الله الكريم ان يوفقنا لما يحبه ويرضاه وان يثبت قلوبنا واقدامنا في مواطن ومواقف الحق والسنتنا على قول الصدق.
تحيه شجاعه لاهل الشجاعه

عبدالله محمود

بنت الشهباء
30/01/2007, 01:17 AM
أخي الكريم
عبد الله محمود
وأنا أقف معكَ مع هذه الأبيات الرائعة
إنِّي لمِنْ مَعْشر أفْنَى أوائلَهُمْ ** قيلُ الكُماةِ ألا أَينَ المحامُونا
لو كانَ في الألف منَّا واحدٌ فدَعَوْا ** مَنْ فارسٌ خالَهُمْ إيّاهُ يَعنُونا
وليسَ يَذْهَبُ مِنّا سَيِّدٌ أبَداً ** إلاَّ افتلَيْنا غُلاماً سَيِّداً فِينا

ومع قول النابغة الذبياني في هذا المعنى أيضًا

وذاكَ لأنَّ اللّهَ أعطاك سُورَةً ** ترَى كُلَّ مُلْكِ دُونها يَتَذَبْذَبُ
بأنَّك شمسٌ والملوك كواكب ** إذا طَلَعتَ لم يَبْدُ منهنّ كَوكَبُ

وننادي معًا :
ألا أين المحامونا يا أمتي !!!؟؟؟...
ألم تعلموا بأن الكلمة أمانة في أعناقكم !!؟؟؟...
ألم تعلموا أن الله أقسم بالقلم !!!؟؟؟...
أما يجب علينا أن نحمل سلاح قلمنا ونضرب به أعناق العملاء المنافقين , والطغاة الظالمين !!!؟؟..
أين صوتنا الآن من موقف حماس وفتح , ودماء أهلنا في فلسطين أصبحت شرعةً لهم !!!؟؟..
أين صوتنا والأخوة الفلسطينيين في العراق يذبحون على مرأى العالم من قبل منظمات إرهابية عميلة !!!؟؟...
أنخشى أن يعلو صوتنا ونقول لا وألف لا للإرهاب والظلم !!؟؟؟..
كيف لنا أن نبني وطنًا عزيزًا شامخًا , ونعيد له كرامته المسلوبة
بعدما ارتضينا بالذل قانونًا , وبالهوان شريعةً , وبالسكوت لنا عنوانًا !!!؟؟...

تحيّة متألمة

أحمد الريماوي
30/01/2007, 09:12 PM
ِحمَارُ بُوريدَانْ *

أهـلاً يا أصْـنَامَ القِـمَّهْ
يا من غـارت منكم سُـبُلَ الظُّـلْمَهْ
أهــلاً...
أهـلاً
أهـلاً يا أزْلامَ الأُمَّـهْ
يا من أمْسَـكْتُمْ بالعَـرْشِ النَّـعْشِ
تَشَـبّثْـتُم بِسَـوادِ الفـَـرْشِ
بِلَيْـلِ القِـرْشِ
تَسَمَّرْتـُمْ كالقَـدَرِ المُحْكَمِ... كالقِسْـمَهْ
أهلاً والمسـرحُ مُبْـتـَـهِجٌ
بِوَلاءِ الجَـوْقَةِ...بالتّـمْثيلْ
بسـرابٍ تـذروهُ مَـجَسّات التِّـلْفازْ
بالدَوْرِ الأغـْـبَرِ... بالتّـضْليلْ
والصّـمْتُ نَشـازْ
وعيون الغـربِ بلا تأويـل...
بلا تحـليلْ
تَـتـَـباهى في زَمَـنٍ مُـنْحَازْ
تَغـْـوي قــَـلَماً بالأمسِ أجازْ...
ما ليس مُـجازْ
والأحْـرُفُ تَسْـألُ:
كيف سَـتَصْـعَدُ أسْـوارَ اللـُّـعْبَهْ؟
الأحْـرُفُ عُـقـَّـرُ تعْـلِكُها الحَـوْبَهْ
القَـلـَـمُ العاهِـرُ لمْ يُكْمِـلْ نـََصْـبَهْ
لم يَعـْـزِفْ ....
لم يُطـْـرِبْ غـَـرْبَهْ
القـَلم الأزْعَـرُ يُطـْلِقُ شَهْوَتـَهُ ...
يَسْـتَعْذِبُ جَـذبَهْ
القلـَـم الأعـْـوَرُ يُنْــكِرُ جَـدْبَهْ
القلَـم الأبْـتـَـرُ...
لم يُفـْـرِحْ كُـتُـبَ الإمـْـلاءِ
ولم يُعْجـِبْ ألْوانَ الرّسْـمِ
ولا أرْقـامَ الحِسْـبَهْ
لم يَفْـهَمْ في النـّحْوِ المَمـْنوعَ من الصَّرْفِ
ولم يفهـم في عِلـْمِ الحاضِـرِ ...
عِلـْـمِ الآتي
أنّ المُطْـلَـقَ داءٌ يَخْسِـفُ قـَـمَرَ النِّسْـبَهْ
لم يَفـْـهَمْ أنّ الزّاوِيَـةَ الثّـكْـلى ..
تشـكو الدّائِـرَةَ الحُبْـلى
لم يفهـمْ أن الوتـرَ المشـدودَ
القـُـطْرَ المَمْـدودَ...
القـلم الأرْعَـنُ لم يُعْجِـبْ أبَـداً صَـحْبَهْ
يا لَلقلـم العاجِـزِ لم يَفْهـم...
لم يُفْهِـمْ خَصْـمَهْ
يسـتَرْخي بين الأوراق المسكونـةِ غُـبْناً...
يسـتَعْذِبُ نومـَهْ
لا يعـرفُ سـبتاً من أحـدٍ
لا يعـرف يومـهْ
لم يتذكّـر عند لقـاء البيت "الأسودِ" شيئاً
لم يسـتلهِمْ إلاّ رُعْـبَهْ
لم يسـتلهمْ إلاّ غُـلْبَهْ
لم يعرف حجـمَهْ
لم يعرف أنّ السّـقطَةَ تحـرق حـلمهْ
لم يعرف أن الورْطـةَ تمـحَقُ رَسـمَهْ
-آهِ- تبيـد لـَـذيذَ القِـيَمِ العَـذبَهْ
لم يفـهمْ أنّ سُـيوفَ الحَـقِّ
إذا ما اسْـتـُلـّتْ من أغْـمادِ التاريخِ
تـُضيءُ سُـهولَ الأمَـلِ الخَصْبَـهْ
كلّ الأيام إجـازاتٍ مَـفـْـتوحَهْ
كلّ الأهـوالِ لديـهِ ذكاءٌ...
فَهْلَـوَةٌ ...
وقَريحَـهْ
كل التعليمـاتِ القـَـهْرِيّةِ...
كلّ فـَـضيحَهْ
كلّ الإمـلاءاتِ نَصـيحَهْ!!
يا للقلـم العاجِـزِ...
لم يفهـمْ لـُـغَةَ الجَمْـعِ
ولـُـغَةَ الطـّـرْحِ
ولُغَـةَ الضّـرْبِ
ولُغَـةَ القِسْـمَهْ
وشِـعارٌ بالخَـطِّ السِّـرِّيِّ يُحَـلـِّـلُ نَـهْبَهْ
لم يعرفْ أنّ سِـياطَ الأزْمـةِ...
تـَـجْـلِدُنا باسم حُلولِ الحِـكْمَهْ
تَـَـزْكمُنا جَـعْجَـعَةُ الخَـمّهْ
أهْـلاًً... أهْـلاًً... أهـلاً قِـمّهْ
قـُـبَـلٌ...حِـيَـلٌ...عِلـَـلٌ جَـمّهْ
في اليوم الأول:
تزخـرُ بالرايات
بصَخَـبِ الزّفّـهْ
في اليوم الثانـي:
ترتـفع الأيدي للكَمِراتِ
تُعـرّي ...
تخـدشُ صـدر العِـفّهْ
تَزْخَـرُ بالغُـرْبانِ
تُصَـفّقُ بعد نشـيدٍ كالِحْ
في اليوم الثالث:
يبـدو فيهِ المَشْـهَدُ فاضِـحْ
ورياح الغـشِّ...
تُداعِـبُ أهداب الحَـطّاتْ
تُمـازِحُ أهْـواءَ الحَـطّات
تلاعـب أطراف الرّبـطات
تغازل أنصـاباً في القاعـةِ مُلـتَمّهْ
أنظـر كيف تلـوم عيون الخـيمَهْ
ذاك القابِـعُ في الزّمَـنِ الخَلْفِـيِّ
تُعَذِّبُـهُ التُّخْمَـهْ
يَرْشـفُ سُمـَّهْ
لا تَعْـنيه سَـكاكين التُّهْمَـةْ
أنْظُـرْ ذاك المَشْـغولُ بِصَبْغَـةِ شَعْـرِهْ
ذاك المَشْـغولُ بِقِصّـةِ خِـدْرِهْ...
بِغَـرابَةِ عطْـرِهْ
أُنْظُـرْ ذاكَ المشْـغولُ بِسِـرْوالٍ...
أعـني بِنْـطالٍ لَنْـدَنّيٍّ...
بِحِـذاءٍ إيطـالِيٍّ...
بِقَميـصٍ أمْـريكِيٍّ يُنْطِـقُ خَصْـرَهْ
أنظـر ذاك الأدْرَد...
ذاك الأجْـرَد...يسْـتمريء دَوْرَهْ
أنظـرْ ذاك المِـزْواج ...
الرَّجْـراج ...الأحْـدَب مِثْلَ الفَقْمَـهْ
يشْـحَذُ عُقْـمَهْ
تُسْـكِرُهُ حَبّـاتُ ( فِياجْرا)
لِشِـفاءِ فُحـولَتِهِ المَكْبوحَـهْ
ذاك المشغول بتحسين أداء كَفاءَتِـهِ المجروحَـهْ
لِتَـرُدَّ مُـروءتَهُ المَذْبوحَـهْ
تَأْسـرُهُ نَرْجَسَـةٌ عَـمْياءُ...
تُكَبِّـلُهُ النَّقْـمَهْ
يعـميهِ بريـق النِّـعْمَهْ
لا يَعْنيـهِ منَ الجَلسـاتِ...
منَ الحَـفلاتِ...
من َاسْـتِجْداء المُؤْتَمَـراتِ
سِـوى الوَجَـباتِ الدَّسْـمَهْ
يُفْـدي ما مَلَكَـتْ يمـناهْ ...
بِهَـدْمِ جُسُـورِ اللُّحْـمَهْ
يُفْـدي ما أخْفَـتْ يُسْـراهْ ...
بِرَفْـعِ شِـعارِ الخِـدْمَهْ
يُفْـدي حُـكْمَهْ...
بالشَّـرَفِ المَطْـعونِ بسَـيْفِ رَزايا الطُّـغْمَهْ
بِدَنايـا تُنْهِـكُ عَزْمَـهْ
تُزْرَعُ في أقْصـى القَلْبِ...
مـنايا الغربِ
وَصـايا الغَـرْبِ...
طَـوايا الغَـرْبِ
مَـزايا الغَـرْبِ
حَـنايا الغَـرْبِ المُـرَّهْ
وَرَعـايا حُـرَّهْ...
تمشـي فوق شِـراكِ التّجْـويعِ
تُفَتِّـتُ أشْـواكَ التّرْكيـعْ
تكشِـفُ سِـتْرَهْ
برعايا تَفْضَـحُ أمْـرَهْ
تَعْـرِفُ كيف تُـبَدّدُ ظُلْمَـهْ
أنْظُـرْ ذاك المَشْـدوه المَعْتـوه الأبْلَـهْ
يمشـي...ينظـر حَـوْلَهْ
يَخْشـى ظِـلَهْ
أُنْظُـرْ ذاكَ المَشْـغول بِفَتْـحِ حِسابِ الهَبْـشِ...
بِبَنْـكِ مُـواتِ الذِّمَّـهْ
يخشـى قَبْلَ الجلسـةِ لَجْمَـهْ
مَنْ ذا يُخْـرِسُ...؟
مَنْ ذا يَرْمـي عَظْمَـهْ؟
انظرْ ذاك الطَّبْـل الأجْـوَفْ
مهما لَفْلـَفْ...
مهما في الجلسـات تلـطَّفْ
مهما أنْصَـفْ
مهما في الأخْبـارِ تَأسَّـفْ
مهما زَيَّـفْ
يبقَـى الأطْـرَفْ...
يبقى الطّـبْل الأجْـوَفْ
يخشـى من سـيّدِهِ
أن يَحْـرِمَهُ اللُّقْمَـهْ
يَخْشـى إنْ لاوَعَـهُ ... أنْ يَصْفَعَـهُ...
أنْ يَحْـرِمَهُ عَطْفَـهْ
يخشـى إنْ قاطَعَـهُ... أنْ يَخْلَعَـهُ...
يخشى عََسْـفَهْ
يخشى إنْ قارَعَـهْ ...أنْ يَقْمَعَـهُ
يخشـى من سيـِّدِهِ حَتْفَـهْ
يخشـى يُتْمَـهْ
هلاّ يبقـى شَكـْلاً يَعْـلِكُ وَهْمـَهْ
هلاّ يبقى ظِـلاًّ...
يطلب من سَـيِّدِهِ دَعْمَـهْ
جاء دَعِـيٌّ
يَقْتُـلُ فيه النَّخْـوَهْ
جاء خَفِـيٌّ ...
يَسْـتُرُ بَغْـوَهْ
جاء حَـفِيٌّ نَحْـوَهْ
جاءَ يُنَمِّـقُ هَـوْلَ الخـطْبَةِ ...
جاء يُطَـوِقُ عُـنُقَ الدَّعْـوَهْ
يَهْتـِفُ...
هَيَّا نَقْطُـفُ فَرَحَ الذُّرْوَهْ
يُغْـري قَبْلَ فَوات النّعْـتِ...
وقبل بُـزوغِ الصَّـحْوَهْ
يهـتفُ
هَيَّا نَلْعَـقُ جَـامَ الخـطَّهْ
هيَّا نَكْـرَعُ كأسَ زمانِ الحِـطَّهْ
هيّا إنَّ لذيـذَ السُّـلْطَةِ لا يَعْرِفُ طَعْمَـهْ...
إلاّ مَنْ ذاقَ وجَـرَّبْ
إلاَّ مَنْ شَـطَّ وأغْضَـبْ
إلاَّ مَنْ صَـلَّبْ...
إلاّ من خَـطّطَ في الظُّلُـماتِ ودَرَّبْ
مرحـا لِحِمارِكِ بـوريدان ...
يُثَبِّـتْ فوقَ الرَّأْسِ العِـمَّهْ
-آهِ- يُثبّـت فوق الكتفِ نَياشـين الإخْـراجِ...
سـيوفاً حـول التاجْ
إنّ الأجـوَفَ... منفـوخ الأوداجْ
مهما في الجلسـات تَسَـوَّفْ...
يَسْـهُلُ ضَبْطَـهْ
يسْهُـلُ قَمْطَـهْ
إنّ الأجـوف يسْهـلُ وَسْـمَهْ
لا يعرف معـنى للإحـراجْ
يسْهـلُ في أوقات الشِّـدَّةِ وَشْمـَهْ
يسْهُـلُ أنْ تَمْهـرَهُ أيْـدي الصَّـخَبِ الصّـامِتِ
في رَدْهـاتِ مَواخـيرِ العَـجْزِ...
تُعَجـِّلُ خَتْمَـهْ
قبل الإفـراجْ
هيَّا... هيَّا...
آنَ أوانُ الجُـرْعَةِ قَبْلَ الزَّحْـمَهْ
آنَ أوانُ اللّدْغَـةِ
آنَ أوانُ الخِدْعَـةِ...
آنَ أوانُ الوَصْـمَهْ...
آن الإدلاجْ
إنَّ لَذيـذَ السُّـلْطَةِ
يفتح باب الغِبْطَـهْ
أنْظُرْ كيف رَقيـع الفِكْـرِ
سَـليل الصُّـدفَةِ...
جاء يُـثَبّتُ نَجْـلَهْ!!
جاء يبـرّر سَـحْبَ قـرار الإرْثِ من الأدْراجْ
هل يأبَـهُ ثَمِـلٌ ذَمَّـهْ...؟
هيَّا إنَّ رئيـسَ الجلسـةِ يُخْفـي سُـقْمَهْ
جاء يُبَهِّـرُ جَـهْلَهْ
إنّ رئيس الجلسـةِ جاء يُسَـطِّرُ ذُلّـهْ
جاء يُحَـلِّلُ قَتْلَـهْ
جاء يُسَـوِّقُ في رَدْهـاتِ الخِـسَّةِ شُـؤْمَهْ
جاء يُسَـوِّقُ لُؤْمَـهْ
باسْـمِ المُثُـلِ العُلْيـا...
باسْـمِ العِصْـمَهْ
يبنـي من وهْـمٍ أدراجْ...
في ليْـلٍ داجْ
باسـم سـلامِ الخـذْْْْلانِ...
(سلام الشّجعانِ)...
سلامِ الرِّمَّـهْ
جاءَ رئيـسُ الجلسـةِ يَعْـرِضُ فِلْمَـهْ
جاء يُـزَوِّقُ في أرْوِقَـةِ الفُرْقَـةِ فِعْلَـهْ
جاء يُشَـوِّهُ نُـبْلَ النّـيلِ
يُـرَوِّعُ بَـرَدى...
جاء يُعَـذِّبُ دِجْلَـهْ
جاء يَجِـزُّ جَـلال الأقْصَـى
جاء يَبيـعُ دُمـوعَ الصَّـخْرَهْ...
فَلْتَعْلَـمْ أصْـنام الأمّـةِ...
أنّ الشُّعْـلَةَ تُنْجِـبُ فُلَّـهْ
تُنْبِـتُ كلّ صـباحٍ عِـبْرَهْ
تُزْهِـرُ كلّ مسـاءٍ صَـوْلَهْ
ولْتعـلم أنّ سـماءَ الوِحْـدَةِ
تُمْـطِرُ ذَهَـبَ القُـوّةِ
تَنْـدِفُ فِضَـةَ أمَـلٍ...
يَنْبُـعُ نَهْـرَ أدِلّـهْ
ولْتعـلمْ أنّ سَـحابَ الوَثْبَـةِ...
يَعْـزِفُ طَلَّـهْ
أنّ شُـموسَ الأُمَّـةِ
تُثْمِـرُ حَـقْلَ أهِـلَّهْ
تُشْـرِقُ للحُرّيّـةِ نَصْـراً
تَغْـدِقُ دَوْلَـهْ
*** *** ***
ــــــــــــــــــــــــــــ
• ورد في الأسطورة أن حمار بوريدان كان منهكا من شدة الجوع والعطش، وعندما قُدم إليه الطعام والماء ظل مترددا ... هل يأكل أم يشرب ؟ وظل على حاله إلى أن مات.

عامر العظم
30/01/2007, 09:28 PM
الأخ عبد الله محمود،
اسمح لي أن أشكر الشاعر الدكتور أحمد الريماوي على قصيدته الرائعة أولا.

ثانيا، نحن أصحاب القلم! نحن نكتب الأخبار والمقالات والقصص والشعر والأدب والتاريخ والسياسة ونترجمها..فمم نخاف؟! الوطن العربي بدوننا ظلام دامس!

الجمعية قادرة على خوض أي حرب عالمية بحمد الله. هل تفهمونني يا قوم؟!

عبدالله محمود
31/01/2007, 12:22 PM
الاخ الكريم عامر العظم والعزم
وانا بدوري كذلك اشكرالشاعر الدكتور أحمد الريماوي على قصيدته الرائعة التي عبر فيها عن مشاعر الكثير منا.
نحن كما ذكرت أصحاب القلم! ونسال الله ان نكون اهلا لهذا القلم الذي لجلال قدره اقسم به الله سبحانه وتعالى الذي خلقه وعلم الانسان به واصحاب كلمه كذلك. وهل ترى معي يا اخي الغالي شيئا اعظم من الكلمه: بدأ الاسلام بكلمه -اقرأ- وبكلمه التوحيد وانطلق محركا امتنا من الركود فغدا مجدا وخلود. الم نقرأ في الاثر الشريف لسيد الشجعان رسول الله صلى عليه وسلم :* ان العبد ليهوي في النار سبعين خريفا* بسبب كلمة؟ وصدقت بقولك: الوطن العربي بدوننا ظلام دامس! فمم نخاف؟ وخاصة اننا ننير للأخرين دروب الحياه ونساعدهم تكوين رؤيه للعالم المحيط بما نكتبه من( الأخبار والمقالات والقصص والشعر والأدب والتاريخ والسياسة ونترجمها..!) كما ذكرت.
نأمل ان تتحرك فينا الكلمة الصادقه وينتهي من حياتنا كل اثر او مسبب لاي خوف مهما كان صغيرا كي نستعيد عزنا المسلوب ونحمي وطننا المنهوب ونأمل ان تكون واتا مناره تزيح الظلام من حياة هذه الامه لان الدرب طويل ويحتاج لتعاون وتكاتف كل اهل الشجاعه والاخلاص.
عبدالله محمود

عباس النوري
31/01/2007, 02:21 PM
تحية حب واجلال لكل من يكتب جملة مفيدة يوقض بها ضمير الإنسانية.

لقد قرأت كل ما كتب، لكن يستوقفني أمراً أراهُ هاماً، وهو اني اتصور بأن هناك من يريد أن يعمل ويقدم لكن قد لا يعرف كيف. وقد يكون هناك من هو محرج والظرف المحيط لا يسمح له بأن يقدم. مثلا: المبدعون في كثير من البلدان العربية يهابون السلطة، ولديهم عوائل يريدون أن يسترزقوا لهم... هل يضعون كل شيء في خطر؟ ... لا أعرف.

وهناك من يخشى أن يبدأ بفكرة دون أن بحصل على رد معنوي ايجابي فيقتل عنده الجرئه.
هل نلاحظ هذه الأمور وغيرها قبل أن نحكم؟

نعم أنا معكم يجب إيقاض كل الضمائر الغارقة في السباة العميق.
نعم يجب أن نحرك العقول ... وندغدغ المشاعر

لكننا بحاجة لتخطيط سليم ... بحاجة لوضع برنامج يستلهم منه الآخرين دفع عجلة التفكير والابداع

تقبلوا تحياتي

عباس النوري

بنت الشهباء
31/01/2007, 03:32 PM
نحن أصحاب القلم! نحن نكتب الأخبار والمقالات والقصص والشعر والأدب والتاريخ والسياسة ونترجمها..فمم نخاف؟!
ولهذا نحن قررنا أن نسكن هذا الوطن , ونعمل ليلا ونهارا من أجل رفعته وعزته
وهجرنا الخوف من داخلنا , وبدأنا نبني من جديد أنفسنا لنعيد لها حقها المشروع
الذي فقدناه في زحمة هذا الزمن الغابر

وأشكر الأستاذ الكريم صاحب الكلمة الحية الشامخة
الشاعر والباحث
أحمد ريماوي

وأقول وأنادي معه :
هل يصح لنا أن نكون شبيه حمار بوريدان , ونموت مثله !!!؟؟؟...



وأخي عباس النوري
يقول لنا :
إننا بحاجة لتخطيط سليم ... بحاجة لوضع برنامج يستلهم منه الآخرين دفع عجلة التفكير والابداع


وأنا معك يا أخي ...
ولكن أحيانا تجدنا نثور ونحترق في داخلنا ونحن نرى أمامنا أشلاء الضحايا والجثث
هل في حينها نستطيع أن نخرس أقلامنا , ونقول عليك أن تتمهلي وتنظري في روية في الأمر , وفي قول كلمة الحق عليكَ أن لا تتعجلي !!؟؟..

عباس النوري
31/01/2007, 04:43 PM
نحن أصحاب القلم! نحن نكتب الأخبار والمقالات والقصص والشعر والأدب والتاريخ والسياسة ونترجمها..فمم نخاف؟!
ولهذا نحن قررنا أن نسكن هذا الوطن , ونعمل ليلا ونهارا من أجل رفعته وعزته
وهجرنا الخوف من داخلنا , وبدأنا نبني من جديد أنفسنا لنعيد لها حقها المشروع
الذي فقدناه في زحمة هذا الزمن الغابر

وأشكر الأستاذ الكريم صاحب الكلمة الحية الشامخة
الشاعر والباحث
أحمد ريماوي

وأقول وأنادي معه :
هل يصح لنا أن نكون شبيه حمار بوريدان , ونموت مثله !!!؟؟؟...



وأخي عباس النوري
يقول لنا :
إننا بحاجة لتخطيط سليم ... بحاجة لوضع برنامج يستلهم منه الآخرين دفع عجلة التفكير والابداع


وأنا معك يا أخي ...
ولكن أحيانا تجدنا نثور ونحترق في داخلنا ونحن نرى أمامنا أشلاء الضحايا والجثث
هل في حينها نستطيع أن نخرس أقلامنا , ونقول عليك أن تتمهلي وتنظري في روية في الأمر , وفي قول كلمة الحق عليكَ أن لا تتعجلي !!؟؟..

شكراً لكِ أختي العزيزة
أبداً لا أقول تمهلي..بل زيدي وحركي كل الضمائر.
بل وأزيد ...أن نخطط لكي نظهر هذا الصرح للعالم النائم والمثقفين الذين بحاجة لدفعة ودغدغة وتشجيع لكي يواكبوا المسيرة. أود أن تكون هناك حملة لتعريف العالم على كل هذه الكفاءات بكل الطرق المشروعة...أن نحمل رسالة لكل ما هو مقروء ومسموع ومرئي بأن واتا لها الأمكانيات والأبداعات، فهلموا لنوحد الجهود وصبها في مسار واحد خدمةً للإنســــانية.

لا تهدئي، ولا تتريثي، بل المزيد المزيد من العطاء ووضع النقاط على الحروف.

تحياتي وأمنياتي
عباس النوري

ضحى بوترعة
31/01/2007, 07:39 PM
الاخ العزيز
قصيدة رائعة تفسر اسرار الوطن
وتحضن اسئلة الرعد والقلم
تفجّر كل الحروف المتمردة فينا
وتبحث عن شمس تضيء
الكلمة فينا من اجل هذا الوطن
محبتي

هري عبدالرحيم
31/01/2007, 07:46 PM
الخوف لا مكان له عندنا ،حتى في أحلك اللحظات ،لم يرهبنا أحد،ولم نخضع أبدا لأحد،وأدينا ضرائب على عدم خوفنا مرة من جلدنا ومرة من عيشنا ومرة من عمرنا،لن نخاف كما أننا لا نخاف،نحن نحارب على جميع الجبهات وعلى جميع المستويات،زادنا الكلمة ،سلاحنا الإيمان بأن ما حك جلدك مثل ظفرك،قوتنا في عقلنا الذي لم تطله سموم التمييع ،ولا فيروسات التضبيع،ولا سيناريوهات التطبيع،نحن واقفون وقفة ترهب الراغب غزونا، نحن صامدون نبني ما دكه الغزو الهمجي عبر رياح الزمن،نحن هنا والآن ودوما سنبقى نُسقط حبات القمع حبة حبة حتى تحرير العقل العربي.
أهلا بمن جاء يحمل لنا نعش الخوف،أهلا بالبواسل من كل الأقطار هيا شمروا فالوطن في حاجة لسواعد الأبناء.
فما المطلوب منا اللحظة؟

بنت الشهباء
31/01/2007, 11:49 PM
ليبقى شعارنا يا أخي الكريم
عباس النوري

وأخي الفاضل
هري عبد الرحيم

قول الله تعالى :

{الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ }
آل عمران173

ولنعلم بأن الكلمة أمانة في أعناقنا , وقد استخلفنا الله
ونسأل الله أن يجعل لنا لسان صدق في الآخرين , ولا يخزنا يوم يبعثون
يارب إنك سميع مجيب

تحية الأقلام الحرّة

أحمد الريماوي
01/02/2007, 10:01 PM
الأخ/ عامر العظم
الأخت/ بنت الشهباء
الإخوة والأخوات
أشكركم جميعاً على مشاعركم الطيبة، وأود أن أشعركم بأنني ما كتبت هذه القصيدة إلاّ وهاجس الأبيات الأخيرة يملأ قلبي صباح مساء:
"ولتعلم أن سَحاب الوثبةٍ يعزف طَلّهْ
أن شموس الأمّةِ تثمر حقل أهِلّهْ
تشرق للحرية نصراً... تَغْدقُ دولَهْ

بنت الشهباء
02/02/2007, 01:02 AM
الأخ/ عامر العظم
الأخت/ بنت الشهباء
الإخوة والأخوات
أشكركم جميعاً على مشاعركم الطيبة، وأود أن أشعركم بأنني ما كتبت هذه القصيدة إلاّ وهاجس الأبيات الأخيرة يملأ قلبي صباح مساء:
"ولتعلم أن سَحاب الوثبةٍ يعزف طَلّهْ
أن شموس الأمّةِ تثمر حقل أهِلّهْ
تشرق للحرية نصراً... تَغْدقُ دولَهْ

ونحن معكَ يا أستاذنا الأديب والشاعر الحر النزيه
أحمد الريماوي
ننادي :
الليل مهما طال فلا بد أن يبزغ علينا فجرًا جديدًا , وصبحًا منيرًا
ما دامت أقلامنا حيّة جريئة تأبى على روحها أن تسكت عن قول الحق
دون خوف ولا وجل ممن هم دونها

أحمد الريماوي
03/02/2007, 08:38 PM
للمشاركة في بناء قوة فكرية عربية، رأيت أن أرفق لكم هذا البحث:"الفكر القومي العربي المعاصر" قمت بإعداده منذ فتره، علّه يكون مساهمة مناسبة.

"الفكر القومي العربي المعاصر"


الفهرس

المقدمة 5
نشأة الفكر القومي العربي 6
الفكر العربي المعاصر ورهان الحوار 11
الهوية الوطنية والبعد القومي 18
نداء العقل والضمير نحو إعادة بناء الخطاب القومي العربي 20
حقوق الإنسان في الفكر العربي المعاصر 23
- الإختراق الإمبريالي 24
- الإضطراب السياسي 24
- التحدي ورد الفعل 25
- يوتوبيا الحرية 26
- الصراع السياسي وتشظي الوعي السياسي 27
- الوعي النقدي 29
حقوق الإنسان في الدساتير العربية 31
الخلاف بين الفكر القومي والإسلامي 32
الوحدة العربية 34
- تعدد القطبية داخل النظام الإقليمي العربي 36
- الوحدة العربية الإسلامية 37


المقدّمة

مما لا شك فيه أن دراسة تطور الفكر القومي العربي المعاصر، تجعلنا نعود إلى بدايات ظهور التيار القومي العربي كتيار سياسي منظم إبان الحكم العثماني، حيث تعود نشأة التيار القومي العربي إلى العقد الخامس من القرن التاسع عشر، خاصة وأن هذا القرن كان قرن بزوغ فكرة القوميات في أوروبا، وقد تزامنت مع ضعف الامبراطورية العثمانية التي أطلق عليها الغرب "الرجل المريض".

يتناول هذا البحث ، نشأة التيار القومي العربي ومبدأ المواطنة في الفكر القومي والإسلامي، ونداء العقل والضمير (نحو إعادة بناء الخطاب القومي العربي)، والهوية الوطنية والبعد القومي، وحقوق الإنسان في الفكر العربي المعاصر، وأخيراً الوحدة العربية بين الجذور والدعوات (مفهوم)، والوحدة العربية وإشكالية القرن الجديد، المشروع النظري للتيار القومي العربي والفكر العربي المعاصر ورهان الحوار، والخلاف بين الفكر القومي والإسلامي، والوحدة العربية، وتعدد القطبية داخل النظام الإقليمي العربي والوحدة العربية الإسلامية

ولا يغرب عن البال أن كل موضوع من هذه الموضوعات المذكورة أعلاه يحتاج إلى بحث مستقل، وعليه فإنني سأحاول الإيجاز ما أمكن وبما يسمح لأن يكون هذا البحث قد ساعد على توضيح الأبعاد الخفية وإعطاء فكرة مختصرة عن الفكر القومى العربي المعاصر.

والله ولي التوفيق












نشأة الفكر القومي العربي

تعود نشأة الفكر القومي العربي إلى العقد الخامس من القرن التاسع عشر، وتوازي ظهوره مع مؤثرات داخلية وأخرى خارجية:

1- داخلية: الانحطاط الفكري والظلم الاجتماعي والتخلف الثقافي والتعليمي والنهب الاقتصادي ووضعية العرب غير المسلمين إضافة إلى تفكك الدولة العثمانية – توقف المد منذ فشل حصار فينا وما تبع ذلك من حروب ومعاهدات – وضعف السلطنة واقتطاع أجزاء منها ووضعها تحت السيطرة الأوروبية المباشرة – بريطانيا لمصر سنة 1882 وفرنسا لتونس سنة 1881 و.......- واشتداد النزعة الطورانية(1).

2- خارجية: انتشار الليبرالية السياسية تحت تأثير الفكر الوافد من الغرب والمخططات الصهيونية والاستعمارية- يهود الدونمة- امتداد الغزو الغربي بمعانيه الاقتصادية والثقافية والعسكرية.

وأمام هذا الضعف الذي أصاب الوحدوية الإسلامية اعتقد بعض المفكرين العرب أن هناك وحدوية قومية يمكن أن تعوض القوة المفقودة – حيث أن العرب وعلى طوال الدولة الإسلامية كانت عروبتهم جزءاً من إسلاميتهم بل إن قوتهم تكمن في وحدتهم الاسلامية – فبرزت المسألة القومية:

أ- تأثراً ودفعاً- من الغرب الاستعماري الصليبي- بالفكر الغربي الذي يعطي أهمية للفكرة القومية، لأنهم يعتبرونها كتيبة من كتائب النهضة الغربية الحديثة.

ب- مشكلة الدولة العثمانية والتي غيّبت إلى حدّ ما الدور الأساسي والبارز للعرب.
ويمكن القول أن التيار القومي العربي مر بأربع مراحل(2):

الولادة- ما قبل الحرب العالمية الأولى:
ويسميها القوميون- المسيحيون أساساً- بمرحلة التنوير: أي بروز الفكرة حسب رأيهم من المكان المظلم الذي كانت موضوعة فيه إلى المكان المضيء بعد إنارة ذلك

_________________________
(1) علي بن سعيد،"نشأة التيار القومي العربي في تونس"،باحث تونسي، منشورات أيكيوبيديا.الموسوعة الحرة- موقع ألكتروني- ص1.
(2) المصدر نفسه،ص2.




المكان(1). فبرز عبد الرحمن الكواكبي- المتأثر بآراء بطرس البستاني المسيحي الداعي إلى علمانية الدولة- على أنه لا بد من الإشارة إلى جملة من الملاحظات من خلال هذه المرحلة:

**لم يصل الفكر القومي بعد إلى التأصيل الأيديولوجي للقومية العربية- رغم نشر نجيب عازوري لكتابه "يقظة الأمة العربية" وهي محاولة في ذلك الاتجاه.

أ- عدم تأثر الفكر القومي بالإنتماء الديني أساساً في المشرق- التركيز منصب على الدعوة للفكر القومي ضد العثمانيين- أما في مصر فقد كانت الكتابات الصحافية آنذاك تعكس ميلاً إلى الجانب الإسلامي.

ب- حصول تمايزات راجعة إلى خصوصيات المناطق العربية- فالفكر القومي في الشام والعراق معادٍ لتيار الجامعة الإسلامية بينما تجسد في مظهر وطني في مصر والسودان مع غياب كلي في المغرب العربي الذي تقابل فيه الإسلامي مع القطري وبالتالي كان القومي عندهم هو الإسلامي-

ج- فشل كل محاولات التوحد العربي، من ذلك خيبة المؤتمر الأول وإحباط فيصل بن الحسين في العراق، وكانت اتفاقية "سايكس- بيكو" 1916 خاتمة المطاف في ذك المصير المشؤوم بتجزئة المشرق العربي.

2- التنظير- ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية:


بعيداً عن الإسلام ومرجعيته أخذت فئة داخل النّخب العربية تفتش عن منطلقات نظرية للفكرة القومية في سبيل بناء نظرية عربية في الفكر القومي وحاول البعض من تلك النّخب بناء نظرية قومية عربية على أساس اللغة والتاريخ(2) ويعتبر ساطع الحصري من أول منظري الفكر القومي بل إنه مثّل منعرجاً في تطور الفكر القومي بحيث أعطاه مضمونا يتناقض مع الفكرة الإسلامية، فركز أساساً على عوامل اللغة والثقافة والتاريخ ثم رأى- أن الحدود السياسية موروث إستعماري مما جعله يرفض

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــ
(1) منير شفيق،"القومية العربية في الفكر والممارسة"،ص56.
(2) محمد عابد الجابري،"الخطاب العربي المعاصر"، دار الطليعة -بيروت- 1988-ط3- ص106.




الاعتراف بأن الأقطار العربية تؤلف دولاً قومية متمايزة- (1) وقد جسد الحصري من خلال فكره، مرحلة النضج والوعي في تطور الفكر القومي(2)، رغم اعتباره أن وحدة الثقافة والتعليم كافية لتحقيق الوحدة العربية، وهو ما جعله يرى بضرورة بث الإيمان بالفكرة القومية العربية في النفوس، ومقارعة خصومها بالحجج الفكرية حتى يتم الإيمان بالوحدة العربية، ومن ثم تحقيقها. ورغم تصاعد الإتجاه بالتأكيد على وجود القومية العربية، فإن أحداً لم يقدم تصوراً عملياً لتحقيقها، ولقد فشلت كل المشروعات المطروحة من السياسيين العرب من مثل:

1- سوريا الكبرى الذي نادي به الملك عبد الله بن الحسين.
2- الهلال الخصيب الذي نادى به نوري السعيد عام 1942.
3- الجامعة العربية: وجدت عليها تحفظات كثيرة ومثلت نمطاً كونفدرالياً.

3- مرحلة التأسيس الفكري والسياسي 1945- 1964:
في المرحلتين السابقتين بقي الفكر القومي أسير النُّخب، بعيداً عن الجماهير الشعبية ومشاغلها اليومية، وعلى عكس الأحزاب الشيوعية والجماعات الإسلامية، لم تستطع الأحزاب السياسية القومية أن تتجاوز دائرة النّخبة إلى حدود تأسيس حزب البعث العربي الإشتراكي، الذي استطاع أن يحقق قفزة في هذا المجال فصعد في الفكر القومي من مرحلة النظرية إلى المستوى السياسي الشعبي من جهة، وكسر حلقة التسوير التنظيمي حول النخبة، ليفسح المجال أمام الطبقات المسحوقة في المجتمع لتشكيل القاعدة التنظيمية الأساسية للحزب من جهة أخرى...(3)

ذلك أن – المرحلة الجديدة ... تحتاج إلى ذهنية جديدة وفهم جديد ونظرة جديدة إلى الواقع العربي وبالتالي إلى منهج جديد...(4) وهو ما انتبه إليه ميشيل عفلق مؤسس حزب البعث من خلال كتاباته، ومن هنا يمكن القول أن نشوء الفكر القومي بشكل عام وحزب البعث بشكل خاص، داخل إطار بيئة تطلعت فيها الحركات السياسية إلى البحث عن تأسيس هوية جديدة لأمة تعوّدت أن تحيا تحت سقف مرجعية إسلامية مهما كانت الممارسات التي يقوم بها النظام الذي حميها على أن ذلك التأسيس لا يعني الإلغاء، فقد

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــ
(1) برهان غليون،"المحنة العربية: الدولة ضد الأمة- بتصرف-، مركز دراسات الوحدة العربية- بيروت- 1993 ط1،ص66.
(2) وميض نظمي،"تطور الفكر القومي العربي" نقلاً عن- في سبيل علاقة سليمة بين العروبة والإسلام،ص306
(3) علي بن سعيد، المصدر السابق، ص3.
(4) إلياس فرح،"قراءة منهجية في كتاب في سبيل البعث،ج1،ص45.





تبنى الإسلاميون الهوية الإسلامية، فلم يمر أقل من عقد حتى ظهرت التيارات الإسلامية منادية بالعودة إلى الأصول، وإعادة قراءة تاريخ الأمة ومحطاتها المضيئة واستلهامها...
وهوما جعل الفكر القومي أمام أطراف ثلاثة تساجله: الأحزاب الشيوعية العربية وتيار الجامعة الإسلامية والقوى الاستعمارية...

أ- الحركة الناصرية: في مصر استطاعت ثورة 23 يوليو/ تموز 1952 بقيادة الضباط الأحرار أن تبعث الانتماء القومي العربي لمصر قوياًّ وفعالاً، وأدخلت مصر إلى قضايا الأمة والعروبة بشكلٍ حاسمٍ وكبير، ووضعت الطاقات والإمكانيات المصرية لخدمة القضايا العربية، وكان وزنها الاستراتيجي الكبير في المنطقة يعني أن مكسباً كبيراً للقومية العربية قد تحقق- رغم الأخطاء الاستراتيجية الرتكبة- كتصفية الأطراف السياسية والفكرية، كتيار الحركة الإسلامية والقوى اليسارية، إضافة إلى فسح المجال أمام بناء منهج استبدادي مبرر نظرياًّ وإعلامياً، أي الزعيم الأوحد والمستبد العادل(1)، مع الإشارة إلى أن النظام الناصري يتحمل مسؤولية تاريخية في عدم التقاء التيار الإسلامي مع التيار القومي، رغم أن هذا الإلتقاء هو التقاء موضوعي وضروري للأمة في مواجهة أعدائها.

كما ارتبطت الناصرية بالقضية الفلسطينية، فخسارة فلسطين والفضائح المرتبطة بها كانت من الأسباب المباشرة لتحرك الجيش المصري، ولما جاء عبد الناصر ورفاقه وجدوا أنفسهم يجابهون إسرائيل، فازدادت أهمية قضية فلسطين في الشارع المصري ومن ثم العربي،وليس معنى ذلك أنه لم ترتكب أخطاء استراتيجية في حق القضية.

ب- حركة القوميين العرب: هي الحركة التي جعلت من القضية الفلسطينية جوهر تحركها في القضايا القومية المختلفة، حيث تحسب أن ليس هناك شعار يسبق شعار الوحدة كطريق لتحرير فلسطين، حاولت اللقاء مع الشيوعيين لكنها لم تنجح بسبب تأييد الأحزاب الشيوعية لقرار تقسيم فلسطين رقم 181 لعام 1947 الصادر عن الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة، واستطاعت الاستفادة من علاقاتها بحركات التحرر في العالم، كما تراوحت علاقاتها بحزب البعث وعبد الناصر بين التحالف والعداء.

ت- حزب البعث العربي الاشتراكي: انطلق من رؤية ميدانية وهو يرى أن قضية فلسطين شرط لا تتم الوحدة العربية بدونه، والوحدة لن تكتمل إلاّ بترابطها مع المحتوى الاجتماعي الاشتراكي لها. وهو صاحب المحاولة تاريخياًّ لتعريف القومية العربية مع
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
(1) يمكن مراجعة كتاب :"هل كان عبد الناصر دكتاتوراً؟"، لعصمت سيف الدولة.


تقدم رؤيته لتقدم الأمة. على أنه لا بد من الإشارة إلى جملة من الملاحظات حول هذه الفترة:
* غلبة الأساس العلماني في النظر لنشأة القومية.
* الإنتهاء إلى أن الاحتياجات الاقتصادية وتحديث المجتمع هوغاية الدعوة القومية(1).
* انتباه للخطر الصهيوني واعتباره عائقاً أمام الوحدة.
* باسثناء وحدوية العمل النضالي ومقاومة الاستعمار لم يكن هناك تكامل بين مختلف الاتجاهات والتيارات، إنما كانت فجوات عقائدية أيديولوجية هي السبب الذي أثر على العلاقة بينها، بل ودفعها إلى التصارع وليس التكامل.
* الخلاف بين البعث والناصرية حول صورة- فدرالية أو اندماجية- وتوقيت الوحدة.
* تعدد الأساليب التي يتم بها تحقق الوحدة، فقد ظهرت اتجاهات توافق على الثورة الشعبية -القوميين العرب- وأخرى تنادي بالإنقلاب- البعث- وعلى وحدة القيادة السياسية- الناصريون-.

4- الخيبة- ما بعد نكسة 1967:
أدى اشتداد الخلاف بين القوى القومية الرئيسة في المنطقة – البعث- الناصرية- حركة القوميين العرب-، في المجال النظري والتطبيقي العملي لفكرة الوحدة، إلى اختلاف سياسات أدت بدورها إلى فشل ونكسة التجارب الوحدوية في 1958 و 1963 بل تحولت إلى حرب بيانات وإذاعات وشتائم وإقصاء، وانسحب هذا الفشل والصراع على نفسية المواطن العربي، مما أدى به إلى الإحباط والاستقالة السياسية، كما أدى إلى روح القطرية والنظرة الانفصالية الجزئية داخل موقف بعض القوى، فانقسمت إلى أجنحة بين يمين ويسار وضعفت العلاقات بين مركز كل قوة وفروعها، وزادت نكسة 1967 في تعميق الحالة من اليأس والإحباط، في الوقت نفسه، انتشرت أيضاً روح النقد والتقييم لخبرة القوى الوحدوية، فتحطّمت "الآلهة البشرية"، وأعيد الاعتبار للفكرة الإسلامية، وانتقال جزء من النخبة إلى ساحة الفكر الإسلامي: محمد عمارة- عادل حسين- منير شفيق...






ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(1) ياسين السيد،"القومية العربية في الفكر والممارسة" ص93.


الفكر العربي المعاصر ورهان الحوار

إذا أردنا أن نقرأ الفكر العربي المعاصر قراءة نقدية معرفية خلاقة، بما يحقق تجاوز هذا الفكر لأزماته وعوائقه الداخلية، ويحقق له كسب الرهانات التي تجعله عاملاً من عوامل التقدم ودافعاً إلى الإصلاح، - إذا أردنا ذلك - من أين يمكن أن نبدأ؟ وما هي أدواتنا النظرية والمعرفية، وما هو مجال عملنا من جهة الحقبة الزمنية والمدونة النصية؟ هل نفترض تساوقاً مع بعض أطروحات القراءة التاريخية، إن الفكر العربي المعاصر كانت انطلاقته الأولى مع "صدمة الحداثة" وبدايات حملات الاستيطان والاستعمار، أي أواسط القرن التاسع عشر- كما مر سابقاً- وصولاً إلى سقوط الخلافة العثمانية 1924، لتوقد شعلة هذا الفكر مجدداً إبان هزيمة حزيران 1967 وصولاً إلى المرحلة الراهنة(1).

ثم هل كان الفكر العربي المعاصر كما تُحيل على ذلك العناوين الكثيرة والمتكررة المتعلقة باستخدام هذا المفهوم المركب من اصطلاحات ثلاثة:"فكر" "عربي" "معاصر" متجانساً ومتناغماً في أطروحاته وفي استخدامه للمفاهيم؟،أو: هل كانت رؤى المفكرين العرب المعاصرين متجانسة أو متوافقة نظرياً حول مقولة الإصلاح ذاتها وحول "الدولة" "السياسية" و"الدين" و"المجتمع" و"التشريع" و"الحرية " و"الثقافة" و"التاريخ" و"الآخر" وحول "الأنا" ذاتها؟، طبعاً قد يبدو من البديهي أن التجانس لم يكن موجوداً مطلقاً إذ الإختلاف والتضاد حاصل وثابت، لكن هل كسب هذا الفكر رهاناته الكبرى؟ إن الإجابة على هذا السؤال تبدو معقدة للغاية(2).

تبعاً لما تقدم، فإنه يجدر أن نحدد مكونات اصطلاحات هذا المفهوم:"الفكر العربي المعاصر" فالفكر يتعلق بالانتاج النظري المتصل ببناء المفاهيم والنظريات والتصورات ذات العلاقة بالواقع والوجود الاجتماعي والحضاري والثقافي للأمة والمجتمع، أما في خصوص صفة "المعاصر" فإنها تحيل على المجال الزمني الذي هو التاريخ


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــ
(1) لقد استقرت عديد الأبحاث على اعتبار صدمة الحداثة لحظة الظهور الحقيقي للفكر العربي المعاصر المهتم بإشكالات التقدم والحداثة والتحرر والعوعي بالتاريخ، أنظر، إلبرت حوراني، الفكر العربي في عصر النهضة، بيروت، لبنان، 1997،(نص المقدمة) عبد الله العروي، ثقافتنا في ضوء التاريخ، المركز الثقافي، 1992.
(2) إلى الآن لم يحسم الخطاب العربي المعاصر أمر قراءة فكر عصر النهضة، وتقويمه، نحيل في هذا مثلاً على كتاب مسعود ظاهر،"النهضة العربية والنهضة اليابانية":(تشابه المقدمات واختلاف النتائج)، ضمن سلسلة "عالم المعرفة" التي يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد252 ديسمبر 1999.




المعاصرللعرب وللعالم العربي، والذي يبتديء من أواخر القرن التاسع عشر ويتواصل إلى حدود زمننا هذا. وهذا يعني أن الفكر العربي المعاصر عرف ثلاث أطوار كبرى استقطبت كل منها جملة من المسائل والقضايا الشائكة، وتتمركز كل منها حول إشكالية رئيسة:
الإشكالية المحورية الأولى تمركزت حول سؤال النهضة والتمدن وهو المشغل الأساس للفكر العربي المعاصربما هو فكر إصلاحي.
الإشكالية المحورية الثانية وترتبط بالطور الثاني تمركزت مباحثها حول دراسة أسباب الهزيمة: هزيمة حزيران 1967.
أما الإشكالية المحورية الثالثة والأخيرة فقد ارتبطت بالطور الثالث، ومداراتها كثيرة ومترامية الأطراف، غير أن هذه المرامي تتوحد جميعا حول هم أساسي وكلي هو كيف يمكن أن يحيا العرب في هذا الزمن؟

ولعله كان لأحداث 11سبتمبر 2001وللحرب على العراق عام 2003 – ولتأزّم أوضاع القضية الفلسطينية ولتصاعد عمليات العنف والإرهاب والإستشهاد في شتى أنحاء العالم، تعبيراً عن حقوق ضائعة، واحتجاجاً عن أوضاع قائمة- الأثر البارز في مسارات الفكر العربي المعاصر من جهة طبع أطروحاته واهتزاز مواقفه وتحولها إلى حدّ بدا معه أنه يحيا وضعاً قلقاً، وإشكالياًّ تجاه الوعي بالذات والموقف من الآخر أو ضبط أطر التواصل وآليات العمل وما يرافق ذلك من بناء للتصورات والرؤى وتحديد آفاق القول والعمل. أي بمعنى أنه علينا أن نعرف كيف نفكر وفي ما نفكر وبأي أدوات ومفاهيم نفكر، وكيف نتواصل مع الآخر المختلف، وعلى أي وجه يمكن أن نحيا وإياه سوياً في عالم يسوده السلم والأمان ويحتكم إلى المباديء والقوانين والقيم وأداة الوصل فيه "الحوار"(1). ويمكننا الانطلاق في معالجة علاقة الفكر العربي المعاصر بالحوار وبمدى الحاجة إليه، انطلاقاً من تأكيد حقيقة بديهية أولية، وهي أن الحوار منهج لا غاية هو يمثل بامتياز شرط إمكان قيام فكر عربي خلاق(2)، ويمثل في حد ذاته استراتيجية فهم ونظر من شأنها أن تساعد على إيجاد حلول للمشكلات والقضايا والمسائل المطروحة


ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــ
(1) ظهر مفهوم التعددية الدينية في الأول كمفهوم حقوقي سياسي فرضته أدبيات حقوق الإنسان ومواثيق الحرياتع العامة لكن سرعان ما تبنته بعض المرجعيات الفكرية الدينية، أنظر مثلاً مجلة المنطلق الجديد، لبنان ، العدد الثالث، 2001 حيث قدمت أشغال ندوة موضوعها التعددية الدينية.
(2) حول هذه الفكرة أنظر، محمد وقيدي، "حوار فلسفي قراءة نقدية في الفلسفة العربية المعاصرة، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 1985، حيث يبين على امتداد فصول هذا الكتاب دور الحوار الجدي المعرفي في الإعداد لقيام فكر عربي وفلسفة عربية تعبر عن وجودها.




على الوجود العربي اليوم، سواء ما تعلق منها بالسياسة أو ما تعلق بالمذاهب والتيارات الفكرية المتمركزة أدبياتها حول أدبيات الدين، والباحثة عن إيجاد تفسير للواقع والتاريخ في ضوء النص الديني، وانطلاقاً من فقه النص الديني حيث يحل التواصل والجدل العلمي بدل التصادم الذي ينتهي أحياناً إلى نوعٍ من الإقصاء والتكفير أو التصفية البدنية.

المشروع النظري للفكر القومي العربي

إن الوعي المعرفي الصحيح المؤسس على الفكر العلمي النقدي هو الوسيلة الوحيدة المؤهلة لإعادة صياغة وتجديد المشروع النهضوي، وتخليصه من مأزقه الراهن وهذا الوعي المعرفي لا بد له كي يمتلك الفاعلية المنسجمة أن يتكامل في أبعاده الثلاثة:
- وعي وتشخيص الواقع الحالي للمجتمعات العربية.
- وعي واستيعاب خلاصة تجارب التيارات الرئيسة لحركة التحرر العربية.
- وعي وإدراك معطيات واتجاهات التطور العالمي العام، ونحن على أعتاب القرن الحادي والعشرين. وبإيجاز فإن على المشروع النظري الذي نتطلع إلى إرساء قواعده، أن يتصدى وبمنهج علمي للإجابة على السؤالين الأساسيين التاليين:
1- ما هي العوامل والأسباب المشتركة التي كانت وراء إخفاق وفشل مشاريع النهضة والتحديث- مشاريع التحرر والوحدة- التي عرفها العالم العربي على امتداد القرنين الماضيين على تعدد وتنوع مرجعيتها؟.
2- كيف يمكن على ضوء تشخيص وتعيين تلك العوامل والأسباب استخلاص الدروس المفيدة والنتائج المطلوبة، بما يساعد في تجديد أوإعادة بناء مشروع النهضة العربية، وكيف يمكن تحديد الأهداف والمهمات المرحلية والمستقبلية واعتماد الآليات الصحيحة لإنجاز واعٍ لوحدة مسار التقدم الحضاري على صعيد إنساني شامل؟. وأرى أن أجمل التصدي للإجابة بالملاحظات الرئيسية التالية:

أولاً: في تطور الأفكار والمفاهيم:
هذه المسألة كما أعتقد هي التي تشكل قاعدة الانطلاق لكتابة أو صياغة أي مشروع تحرري جديد، مثل مفاهيم- الأمة، القومية، الهوية، العروبة، الخصوصية والأصالة وثوابت الأمة...، وما يجدر تأكيده هنا أن النظرة إلى تلك المفاهيم- وبالتالي مدى وعيها وطريقة التعامل معها، قد شهدت تطوراً كبيراً ونوعيا مدى نصف القرن الماضي من مسار حركة التحرر العربية على تعدد تياراتها، هذا من جهة، ومن جهة أخرى يمكن القول أنه مثلما كان الأمر في الماضي، كذلك هو الحال في الحاضر، ما يزال الفكر السياسي العربي يمر في مرحلة انتقالية – دون أن يبلغ حتى الآن مستوى


النضج المطلوب- لقد كانت النظرة إلى هذه المفاهيم الأساسية، ومن ثم المواقف العملية منها مختلفة بين كل فصيل أو حزب سياسي وآخر من قطر عربي لآخر، بل وفي داخل الحزب أو التيار السياسي أو الفكري نفسه: بعثي، ناصري، قومي عربي، يساري، إسلامي(1).

ثانياً: العامل الأساس
العامل الأساس في الأزمة العميقة التي تعيشها المجتمعات العربية اليوم هو التخلّف أو كما يحلو للبعض إطلاق تسميات عليه مثل التأخر أو الفوات التاريخي، فالتخلف أولاً والتخلف أساساً والتخلف راهناً العامل الأساس في الأزمة التاريخية للمجتمعات العربية- والتخلف الشامل الذي هو الصفة العامة للبلدان العربية اليوم، إنما يستمر ويتواصل لارتباطه بعلاقة جدلية وتبادلية بالعاملين الآخرين، وهما التجزئة والتبعية- فهذه العوامل الثلاث تتداخل مع بعضها تداخل السبب والنتيجة، كل منها عامل في إنتاج الآخر وإدامته(2).

ثالثاً: أزمة الحركة القومية العربية- الأمة- الوحدة العربية
يمكن تلخيص ما أسماه المشروع "أزمة الحركة القومية العربية" بما يلي:
1- أزمة في طبيعة وأهلية الفكر القومي العربي.
2- تخلف الحامل الاجتماعي للمشروع النهضوي العربي- أي تخلف قيادات وأدوات المشروع القومي التحرري.
3- تخلف المجتمعات العربية بغض النظر عن المسؤولية في دوام هذا التخلف.
التحديات والعوامل الخارجية التي وقفت في وجه هذا المشروع التحرري التوحيدي من جانب، ومن جانب آخر ضياع الفرص والظروف المؤاتية التي سنحت لدفع هذا المشروع في طريق التحقيق.
منذ أربعة عقود خلت، أي منذ فشل الوحدة المصرية السورية، مروراً بهزيمتي 1967،1973...واتفاقات السلام مع إسرائيل، وحروب الخليج الأولى والثانية والثالثة ،والمفكرون القوميون يرفعون الصوت منادون بضرورة تجديد الفكر القومي العربي ،وتجديد مشروع النهضة العربية، وذلك تحت مختلف العناوين والمسميات، وما يمكن استخلاصه من تلك المحاولات النظرية المتعددة التي طرحت حتى الآن، ومن المشروع الحالي الذي بين أيدينا، أن هناك مجموعة من القضايا النظرية المركزية التي ما تزال تنتظر الحسم والوضوح المطلوب(3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
(1) بتصرف من بحث الدكتور حبيب حداد- سوريا:"المشروع النظري للتيار القومي العربي .
(2) المصدر نفسه،ص2،
(3) المصدر نفسه،ص2-3.



رابعاً: حول الوحدة العربية
المشروع الوحدوي لا بد أن ينطلق من الواقع القائم، أي الاعتراف بالكيانات- الدول القطرية- التي نشأت بعد نيل الاستقلال الوطني، كما أن الوحدة العربية ستتم على مراحل، سواء على صعيد عام أو على صعيد ثنائي أو أكثر، ببناء وحدات فدرالية أو كونفدرالية عندما تتوفر الظروف الموضوعية لذلك. والتخلي عن الأساليب الانقلابية أو القومية، أو احتلال نظام عربي لبلد عربي باسم الوحدة أو الهيمنة عليه، وهناك عاملين ضرورين لتحقيق الوحدة وهما:1- المصلحة 2- الوعي بالهوية العربية- وإن هذين العاملين مترابطان ترابطاً صحيحاً وإنه لا يمكن لأحدهما أن يحقق الوحدة إذا ما توفر بمفرده.

خامساً: حول الديمقراطية
لقد فصل المشروع في المسألة الديمقراطية، فتحدث عن الديمقراطية كضرورة مجتمعية، وعن الدولة الوطنية الديمقراطية، والديمقراطية، والديمقراطية والتحرر الوطني، كما وحاول رسم الطريق إلى الديمقراطية، غير أنني أعتقد أن هذا العرض ما يزال أحوج ما يكون إلى إعادة صياغة لتوضيح وإبراز جملة من الأمور المفصلية بالنسبة للقضية الديمقراطية وهي(1):
1- يقول التقرير:"يعتبر تحقيق الديمقراطية الآن واحداً من المهام الأساسية للمجتمع العربي..." والحقيقة أن التحول الديمقراطي في المجتمعات العربية اليوم هو المهمة المركزية الأولى، والمدخل الوحيد لإنجاز المهمات المركزية الأخرى مهمات، التنمية والتحرر والتقدم والوحدة.
2- ما دام المشروع المقترح هو مشروع دليل نظري، ينبغي تناول المسألة الديمقراطية أولاً في منطلقاتها النظرية ونعني بذلك توضيح مرجعياتها الأساسية الثلاث:
أ- المرجعية المعرفية التي تستند إلى نسبية.
ب- المرجعية الاجتماعية: وأساسها مبدأ المواطنة الحرة المتكافئة والمتساوية.
ج- المرجعية السياسية وتأتي طبقاً عملياً للمرجعيتين السابقتين.
3- لم يتطرق المشروع للأسباب التي حالت دون نجاح أية تجربة للبناء الديمقراطي في أي من البلدان العربية.
4- الفقرة الخاصة بالديمقراطية تحتاج إلى مزيد من التوضيح بشأن عدد من المفاهيم مثل: مفهوم الدولة، ومفهوم كل من النظام والسلطة، نظراً لما أصاب هذه المفاهيم من تداخل وخلط في الفكر السياسي العربي.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
(1) بتصرف من بحث حبيب حداد، المصدر السابق ص8-9.




5- يتحدث المشروع عن مؤسسة الجيش في الدول العربية، وكيف تحول الجيش إلى أداة للسلطة، فاختلطت المهمة الوطنية بالمهمة السلطوية في الحفاظ على السلطة.
6- فقرة الديمقراطية والعدالة الاجتماعية جاءت بأسلوب أيديولوجي مثالي لا يتفق وحقيقة الديمقراطية، التي هي في جانبها التطبيقي الصيغة التنظيمية لحياة المجتمع.
7- فقرة الديمقراطية والتحرر الوطني: تضمنت تعريفات وشروح مبسطة وغير مستوعبة لمفاهيم: التحرر والاستقلال والسيادة والتبعية..إلخ.
8- الفقرة الخاصة بالطريق إلى الديمقراطية أو الدولة الوطنية الديمقراطية: لا شك أن أهم القضايا المتعلقة بالديمقراطية هي وعي وإدراك مهمات التحول الديمقراطي المرحلية، وصولاً إلى استكمال تجربة البناء الديمقراطي بصورة سليمة تكفل تطورها واستمرارها. لقد أغفل المشروع ذكر المحاور الرئيسة في تأسيس وعي ديمقراطي جمعي حقيقي وهي: الثقافة الديمقراطية وأهمية غرسها، وأن تفتح التحولات الديمقراطية ظروفاً أفضل لتلبية مطالب الجماهير العريضة في المجتمع.

سادساً: حول التيار القومي والصراع العربي الصهيوني
لا بد من تحديد موقف واضح من المسائل المركزية المتعلقة بهذا الوضوع. فالصراع العربي الصهيوني الذي هو في جوهره صراع حضاري، قد تحول الآن إلى قضية خاصة بالشعب الفلسطيني وبالدول العربية الأخرى التي احتلت أجزاء من أراضيها. يجب أن يحدد المشروع الموقف من التسوية التاريخية المرحلية التي تتضمن إقامة دولة فلسطينية في حدود ما قبل الخامس من حزيران من عام 1967، وتأمين حق العودة للأجئين الفلسطينيين، وأن الحل النهائي إنما يتمثل في نزع الطابع الصهيوني العنصري عن الكيان الصهيوني، وإقامة الدولة الديمقراطية العلمانية لجميع سكانها من العرب واليهود.

سابعاً: التيار القومي ومسألة الأقليات القومية والإثنية
ليس صحيحاً المماهاة بين القومية بمفهومها الذي ساد قي أدبيات الحركات القومية على مدار النصف الأول من القرن العشرين، وحتى السبعينيات من جهة وبين مفهوم الأمة الذي يعرفه العالم اليوم. الأمة العربية تشمل مجموعات قومية أو أقوامية وإثنية متعددة وأكبرها المجموعة القومية العربية، إضافة إلى مجموعات قومية أو أقوامية (إثنية) أخرى مثل الأكراد في العراق والأمازيغ في المغرب والأفارقة في السودان.

ثامناً: التيار القومي العربي وحركة العالم (العولمة)
ينبغي إعادة صياغة هذا المشروع بنظرة علمية تستند إلى أن العولمة مرحلة



تطور موضوعي وحتمي في النظام الرأسمالي العالمي، وتتعرف على طبيعة النظام العالمي الجديد الذي هو في طور التشكل والذي تهيمن عليه حالياً مجموعة الدول الصناعية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية. ما هي إيجابيات عصر العولمة وما هي سلبياتها وما هي التحديات والاستحقاقات التي تواجه بها مختلف شعوب العالم؟.

أقترح أن يصار إلى إعادة صياغة هذا المشروع بصورة جذرية تتناول المحتوى والشكل والأسلوب- بحيث تتوفر عملية الإعادة المزيد من الوضوح والبساطة في الصياغة والمزيد من الإنسجام والتكامل بين مختلف جوانب المشروع- وتوفر في الوقت نفسه وحدة الرؤية العلمية في تشخيص معطيات الواقع الراهن- وفي تحديد معالم المستقبل المنشود. لقد أصبحت العروبة الهوية الثقافية الحضارية التاريخية لجميع شعوب هذه الأمة . والعروبة هي في الوقت نفسه الوعي بالمصير المشترك الذي يعبر عنه بالإرادة العامة التي يسهم فيها كل فرد- ومن هنا يتجلى المحتوى الديمقراطي لرابطة العروبة.
هذا هو التيار الديمقراطي الوحدوي الذي ينبغي أن تتضافر كل الجهود المخلصة والإرادات الواعية، لتأسيس وتأطير نوياته في كل المجتمعات العربية- وهذا التيار الديمقراطي الوحدوي هو الذي ترشحه الضرورة التاريخية، كي يكون العامل الذاتي المؤهل لاستئناف مسيرة العمل والكفاح من أجل تحقيق الأهداف الأساسية للأمة، أهداف الديمقراطية والتقدم والوحدة.

















الهوية الوطنية والبعد القومي

كثرت الأحاديث في الآونة الأخيرة، الأحاديث عن هذا القطر أولاً أو ذاك القطر أولاً حتى بدا الأمر كأن ثمة موجة جديدة من الشعارات تنجرف باتجاه المحلية أو الوطنية تتصدر المشهد السياسي والثقافي، كاشفة عمق أزمة الفكر القومي العربي، وأيضاً مدى انحسار القواسم المشتركة وشدة التفاوت بين المجتمعات العربية.

والحقيقة أن شيوع الميل للتضحية بالفكر القومي لصالح الوطنية، له سياقاته ويمكن ربطه أساساً بعاملين: عامل ذاتي يتعلق بطبيعة الوعي الجديد الذي اكتسبته النّخب التي تقود في ضوء ما حصل من مستجدات، وعامل موضوعي يتعلق بما صارت إليه الأوضاع السياسية والإقتصادية والثقافية من تميّز في كل بلد عربي على حِده، تأثراً بالنتائج الهزيلة والآثار السلبية التي حصدتها تجربة تغليب النضال القومي على ما عداه وفشل تجاربه المختلفة، مثال الوحدة بين مصر وسوريا عام 1958 وعجز الفكر القومي عن التقدم وعن معالجة هزيمة يونيو حزيران 1967 وأيضاً التدخل في مواجهة ما آلت إليه الأوضاع في فلسطين والعراق(1).

إن تنامي الهوية الوطنية اليوم هو أمر مفسر، ويبدو أنه صار من المشروع والمبرر لكل مجتمع عربي أن يحرر نفسه من أعباء الالتزامات القومية، طالما لا تساعد على معالجة أزمته الداخلية بل ربما تفاقمها، لكن لا تسوغ هذه المشروعية أبداً دعوات القطع وفك الارتباط بين الأوضاع المحلية وأحوال المنطقة وصراعاتها الملتهبة، ولا يبرر للذين آمنوا بالفكر القومي هذا الانتقال السهل والسريع من تطرف إلى تطرف. خاصة وإن أحد مثالب الفكر القومي أنه عفوي أكثر مما هو موضوعي.

إن السياسة التي وسمت النخب القومية التي وصلت إلى السلطة في أكثر من بلد عربي هي سياسة الهروب إلى الأمام، فكانت الوحدة العربية وقضية فلسطين بالأمس هما محور الاهتمامات، ثم فلسطين والعراق ولبنان اليوم ولا نعرف غداً من هو البلد المرشح للإنضمام إلى القائمة. كما أن حافز الإيمان بالفكر القومي قد تراجع لكن من الواضح أيضاً أن التنمية الاقتصادية والسياسية وتحديداً وجهها الديمقراطي، تبقى هي عملية مترابطة في البلدان العربية، فالديمقراطية هي الضمانة لفتح أوسع الآفاق أمام الفكر القومي، كما هي الطريق إلى تحقيق التشارك والتضامن وربما الوحدة(2).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
(1) بتصرف عن أكرم البني،" الهوية الوطنية والبعد القومي"، المصدر الجزيره،ص1.
(2) المصدر نفسه،ص4.




بين الهوية الوطنية والنضال القومي حلقة ترابط يجب التنبه لها والتعامل معها على قاعدة الشراكة الندية وتكامل المصالح، فاعتبار الوطنية أولاً ليس خطأ أو ضرراً طالما ثمة ثانياً له بُعدٌ قومي، فما يشهده العالم من بناء التكتلات السياسية والاقتصادية يؤكد استحالة بقاء الكيانات الصغيرة، الأمر الذي يتطلب تجميع كل الموارد والطاقات الاستثمارية العربية وتقاسم أعباء النمو. وهنا يتحتم الإشارة إلى أهمية تجديد الفكر القومي كضرورة ملحة في وقتنا الراهن، ولا عيب أو ضرر من تمثل المسار الوحدوي الأوروبي، ويمكن اعتبار هذه التجربة الناجحة طريقاً عربية ناجعة نحو بناء إتحادات مستقبلية مبنية على المصالح المشتركة وحاجة الجميع إلى التنمية الديمقراطية(1).

إن ما آل إليه التنازع على الهيمنة الإقليمية يعطي كل المبررات النظرية والعملية لتطوير مفهومي الوطنية والقومية، ما يعني أن البعد القومي الناجح للمجتمعات العربية في علاقتها مع بعضها وفي علاقتها مع القوميات الأخرى التي تشاركها العيش على هذه الأرض منذ آلاف السنين، يتمثل في توحيد جهود الجميع من أجل الديمقراطية وحقوق الانسان على طريق الاندماج الوطني ومن ثم القومي كاندماج اختياري.

فمستقبل الفكر العربي، بل مستقبل العمل القومي العربي برمته، مرهون اليوم بقدرته على منح الأولوية لعملية التغيير الوطني، واحترام التعددية وحقوق الانسان في سياق التنمية السياسية المشتركة وبما يرسخ سمات ديمقراطية لعلاقة جديدة بين الهوية الوطنية والبعد القومي.












ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــ
(1) أكرم البني، المصدر السابق، ص5.




نداء العقل والضمير
نحو إعادة بناء الخطاب القومي العربي

إن التغيرات العالمية الجديدة، خاصة أحداث 11سبتمبر/أيلول 2001 وتداعياتها، تواجهنا بتساؤلات جديدة، وتحديات جديدة أيضاً، مما يتطلب قدراً كبيراً من العمق في المراجعة ونقد الذات وإعادة الصياغة الفكرية والسياسية لقضايا المسألة القومية العربية، وذلك بتجسيد وحدة المصير العربي كمنطلق للنهوض الحضاري. نحو إعادة هيكلة الفكر القومي وطرح قضاياه.

إن إعادة هيكلة المشروع القومي، تقتضي تعيين المحاور والمستويات التي تستدعي إبراز المشاكل والأزمات التي كانت الحركة العربية تخفيها أو تمر عليها مرور الكرام، إذ بين عروبة الخمسينيات من القرن العشرين وعروبة اليوم نصف قرن ،استهلكت خلاله القيم الشمولية وبرزت فيه الديمقراطية، وأظهرت التعددية قدرتها على أن تكون فعل انسجام ودافعا محركا للوحدة الوطنية تحت رعاية الدولة والمؤسسات، ولم يعد الصراع القومي مع العدو الصهيوني يشكل وحده دافعاً كافياً لإرادة التوحّد.

إننا نتطلع إلى الكشف عن الأبعاد النهضوية (العقلانية، التقدم، التنوير الديمقراطية، العلمانية) التي كانت تنطوي عليها حركة النهضة العربية الحديثة في بداية تأسيسها، والتي أهدرت لاحقاً في مشروعي التيارين القومي والماركسي، واختزلت إلى مستوى خطاب سياسوي- شعبوي- شعاراتي، بدلاً من وعي إشكالية التأخر العربي التي قادت إلى الهزائم المتكررة.

إننا أحوج ما نكون إلى استنباط وسائل جديدة لاستنهاض العمل القومي الديمقراطي العربي، على قاعدة أن المشروع الحضاري العربي ما زال بأهدافه الكبرى مطمح كثير من النخب الفكرية والسياسية العربية: الوحدة العربية في مواجهة التجزئة، والديمقراطية في مواجهة الاستبداد والتنمية في مواجهة التأخر، والاستقلال الوطني والقومي في مواجهة الهيمنة الأجنبية. ومن أجل أن نتمكن من التعاطي مع التحديات المطروحة على أمتنا العربية، يجدر بنا أن(1):
1- نتحرر من ممارسات أنظمة الاستبداد العربية التي أعلنت الخطاب القومي، ومرّغته في وحول هزائمها المتكررة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــ
(1) عن ورقة قدمها عبد الله تركماني إلى الدورة السادسة عشرة للمؤتمر القومي العربي في الجزائر (6-10 أبريل/نيسان 2005).





2- الخروج من الأيديولوجيا التي تعمي الأبصار والبصيرة إلى المشروع الحضاري العربي بأهدافه المترابطة، التي تجمع القوى والتيارات الرئيسة في الأمة.
3- التوجه نحو حل إشكالية التناقض القائم بين حجم التضحيات التي يقدمها أبناء الأمة وحجم الانجازات. إن السياسة هي الفعل الواعي الذي يهدف إلى تغيير الواقع "فن معرفة الحقائق وفن اجتراح البدائل وفن الوصول إلى الأهداف لا فن المواعظ والمواقف المبدئية التي قد تريح الضمير ولكنها لا تقدم شيئاً ولا تؤخر".
4- الحرص على عدم التماهي بين العروبة والإسلام على المستوى السياسي، ففي حين نسعى لبلورة علاقة تكاملية بين التيار القومي العربي وتيار الإسلام السياسي المتنور، فإننا يجب أن نحرص على التميز عن اتجاهات التطرف والإرهاب التي تطغى على بعض التيارات الإسلامية.
5- التأكيد على أن محنتنا العربية ليست ناتجة عن التدخلات الأجنبية فحسب، وإنما المسؤولية الكبرى تقع على عاتق أمتنا التي لم تتجاهل فقط مسؤوليات التشخيص الصحيح والعاجل لمظاهر المحنة، وإنما تقاعست عن جدية التعامل المطلوب مع مواطن الخلل داخل البنى السياسية والإجتماعية والإقتصادية والفكرية في كل قطر عربي.
6- مع اتضاح الحدود التي يمكن أن تصل إليها العروبة بصيغتها البيسماركية السابقة، بات من الملح التفكير في ما يمثل أطر المواطنة العربية الجديدة، التي تأخذ في عين الاعتبار الخصوصيات المحلية لكل بلد عربي، من خلال الاعتراف بالهويات والثقافات لقومية غير العربية ومنحها حقوقها الكاملة. ومن جهة أخرى الاحتفاظ بالهوية العربية كإطار جامع غير مبني على القسر والفرض، بالنسبة إلى الأكثرية العربية.
7- إننا نعيش عصر "عولمة المشكلات الإنسانية" ، ومن ثم فإنه يقع على عاتق المناطق الثقافية المتعددة في العالم، بما فيها منطقتنا العربية، أن تساهم في مواجهة هذه المشكلات، بالإضافة إلى اهتمامها بحل مشكلاتها الخاصة.
وإزاء ذلك يبدو أن الخطوة الأولى في محاولة التعاطي مع أسئلة المستقبل العربي ، باعتباره جزءاً من آفاق التحولات العالمية، تكمن في فهم لغة الخطاب العالمي المعاصر، إذ أن البحث في الإعتماد المتبادل بين العالم العربي والخارج هو بحث في المستقبل.
8- بات علينا، بعد الإحتلال الأمريكي للعراق منذ 9إبريل/نيسان 2003 وبعد محاولة فرض الحل الصهيوني للقضية الفلسطينية، أن نعترف بنهاية موجة العروبة، ونحاول إعادة بناء عروبة جديدة تقوم على حقائق سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية بعيدة عن المزايدات.
إن مشروع النهضة العربية كان ولا يزال في حاجة إلى فكر الأنوار والحداثة، وكذلك استيعاب التحولات والتغيرات التي تطرأ على الساحتين العربية والدولية.مما يستوجب الإعتراف بالخصوصيات القطرية، في إطار التنوع ضمن إطار الرابطة


العربية، ومن أجل ذلك تبدو الديمقراطية في رأس أولويات التجديد العربي.
9- يبدو العالم العربي عالماً مفككا أسير معادلات سياسية صعبة، وبالرغم من رفضنا الإنصياع لشروط الخارج، إلاّ أننا نرى أن التعلل بالخارج، من قبل الحكومات العربية، ليس سوى أداة للتهرب من استحقاقات الإصلاح والديمقراطية.
إن الفصل المطلق بين الداخل والخارج ليس ممكنا، خاصة في عالم اليوم الذي يتوجه نحو العولمة، ويسيطر عليه الإعلام والبث المباشر، يضاف إلى ذلك أننا لو تأملنا تاريخنا الحديث لأمكننا القول: إن الخارج كان حاضراً فيه بدرجات مختلفة.
إن قراءتنا لما يزيد عن نصف قرن من الصراع العربي – الإسرائيلي، من منظور المقارنة بين الإدائين العربي والإسرائيلي، قادنا إلى استخلاص عدد من الدروس الأساسية:
أولها،إن قوة أي مجتمع وقدرته على مواجهة التحديات الخارجية تنبع أساساً من داخله.
وثانيها،أن النجاح في الصراع يرتبط بالقدرة على استخدام جميع مكونات القوة العربية.
وثالثها، أن الشحن العاطفي للشعوب لا يمكن أن يحل محل التقديرات العقلانية للنُّخَب.

10- تبدو الحاجة ماسة إلى التحديث السياسي بمعناه الشامل وتطوير الثقافة السياسية السائدة، مما يتطلب المشاركة الشعبية الكامة في ديناميات العملية السياسية كلها. فضلاً عن مشاركتهم في اختيار الحكام وتحديد الأهداف الكبرى. وحشد كل القوى وراء أهداف وطنية وقومية عامة، فيما ستتيح للنخب استعادة دورها في قيادة الجماهير، وستشكل ضغطاً سياسياً نافذاً يصعب على الحكومات العربية مقاومته.

























حقوق الإنسان في الفكر العربي المعاصر

ليست مسألة حقوق الإنسان، في أي مجتمع من المجتمعات، وفي أي زمان من الأزمنة، مسألة بديهية، بل هي مسألة مرتبطة بنمو الروح الإنساني وانبساطه في التاريخ وفي العالم، وليست حقوق الإنسان كذلك، مسألة خاصة بهذه الأمة أو تلك أو بهذا الشعب أو ذاك، إلاّ بقدر ما يكون الخاص تعبيراً عيانياً عن العام والكلي، وإلاّ كنا إزاء أيديووجيا عرقية عنصرية.

إن "حقوق الإنسان والمواطن" نتاج تاريخ كان فيه دوماً وجه من دراما ومأساة، ولكنه في الجملة تاريخ تحسن الإنسان، على الرغم من التفاوت الحاصل، والإنتكاس هنا أو هناك، فما لم يوضع التقدم الحاصل، اليوم، تحت السؤال أمام محكمة العقل والضمير، فإن "حقوق الإنسان والمواطن" ستظلّ ضرباً من أيديولوجيا، وأيديولوجيا أمريكية بامتياز(1).
وحقوق الإنسان المعلنة حتى يومنا هي في الجانب الأهم منها حقوق سياسية لا يمكن أن تمترس إلاّ إذا كان الفرد عضواً في جماعة مشتركة، إنها تدخل في مقولة الحرية السياسية،وفي مقولة الحقوق المدنية/الوطنية (حسب ماركس)، فلا يمكن مناقشة حقوق الإنسان خارج إطار السِّمة الأساسية لعالمنا وعصرنا، ونحن لا نسعى بذلك إلى رد الكرة إلى ملعب الآخر، فهذا الآخر هو نحن في زمن انطفاء الروح، وإلاّ كنا فتحنا ملف الحروب الإمبريالية وآخرها الحرب على العراق، وملف التمييز العنصري، والصهيونية العالمية، والنازية الجديدة واليمين الجديد، ولفتحنا ملف الحروب الإقليمية وتغذية النزعات المحلية.
ولوضع مسالة حقوق الإنسان في سياق منطقي/تاريخي، في سياق واقعي، ينبغي وضعها في مقولة التقدم، وفي مسار هذا التقدم، بل في مساراته، أقحمت أمتنا في تاريخ حديث انطلق هذه المرة من الغرب من أوروبا التي "صاغت العصر الحديث وفرضت نفسها عليه" قبل أن تحل الولايات المتحدة الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية، وتعيد إنتاج الرأسمالية والعلاقات الدولية وفق مبدأ الأرض المفتوحة والعمل العبدي، وباتت أمتنا جزءاً رثّاً وتابعاً من عالمها الذي نعيش فيه، حيث يتماهى في عالم اليوم مفهوم الحق والحقوق مع مفهوم القوة، فالحق هو التعبير الذاتي للقوة، والقوة هي التطبيق العملي للحق(2).

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــ
(1) جاد الكريم جباعي،"حقوق الإنسان في الفكر العربي المعاصر"، بحث منشور في أيكيوبيديا، الموسوعة الحرة، ص.3
(2) المصدر نفسه، ص 6.




الاختراق الإمبريالي:
الحقيقة التاريخية الكبرى أن الوطن العربي يمثل نظاماً سياسياً وحضارياَ مخترقاً من قبل الدول الإمبريالية التي تهيمن على العالم، بدء تاريخه بالبلقنة وانتهى اليوم إلى اللبننة. والبداية والنهاية حالتيان تكون فيهما الجماعات الوطنية قد تحولت إلى شراذم تتبناها الدول الإمبريالية المتنافسة وتتلاعب بها، مانعة إندماجها في كيان سياسي متناسق قابل للحياة بشكل مستقل عن هيمنتها، وذلك لأن هذا الاختراق قام ولا يزال على ركيزتين أساسيتين أولاهما إدامة "التجزئة الإمبريالية" والثانية تعميق التأخر التاريخي للشعب العربي والحيلولة دون تحقيق اندماجه القومي والاجتماعي وذلك بفعل "التحديث الكولونيالي" الذي شق المجتمع عمودياً إلى جزء حديث متغرّب وجزء تقليدي راكد(1).

ولا يسعنا أن نغفل ظاهرة الاستعمار المباشر وغير المباشر، القديم والجديد، التي أنتجت ولا تزال تنتج المستعمِر والمستعمَر وتضعهما في علاقة تناحرية تدميرية ضحيتها إنسانية، المستعمِر والمستعمَر على السواء. الولايات المتحدة التي أعادت إنتاج الرأسمالية أمريكياً بعد الحرب العالمية الثانية، دشنت مرحلة جديدة بات يُطلق عليها اسم "العولمة الاقتصادية الجديدة"، واقعها هو التوتاليتارية وأيديولوجيتها هو الليبرالية الاقتصادية، وهما وجهان لعملة واحدة "صنمية السلطة".

هذا الاختراق المطرد لا يزال ينتج ويعيد إنتاج المستعمِر بالمستعمَر وجدلية القهر، وإذا كان أساس الاختراق الامبريالي أوما يسميه سمير أمين "منطق التوسع الرأسمالي" إقتصادياً، فإنه يكفي للتدليل على عمق هذا الاختراق الإشارة إلى أن الشركات الأجنبية التي كانت تعمل في العراق عام 1997 كان 255 شركة، 72% منها شركات أوروبية وأمريكية.

الاضطراب السياسي:
إتسم النصف الثاني من القرن العشرين وحتى اليوم بالاضطراب السياسي في العالم العربي ، فقد أحصى خلدون حسن النقيب في المرحلة بين عام 1950 و1978 سبعين انقلاباً عسكرياً في البلدان العربية، نجح منها واحد وأربعون انقلاباً، وأخفق تسعة وعشرون. كما أحصى واحداً وأربعين نزاعاً مسلحاً داخلياًّ وخارجيّاً منها أربعةٌ مع إسرائيل. وذكر أن عدد الوزارات التي تألّفت وانحلّت في مصر وحدها بين عام 1952 و1972، أي في مدة عشرين عاماً كان ثلاثاً وعشرين وزارة، بمعدل وزارة كل

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــ
(1) جاد الكريم جباعي، المصدر السابق، ص7.


عشرة أشهر. وذكر حنا بطاطو أن عدد الوزارات التي تألفت وانحلت في العراق من عام 1920 حتى عام 1958 ثماني وخمسين وزارة، تناوب عليها ثلاثة وعشرين رئيساً... ومع كل انقلاب عسكري، في أي بلد عربي كانت تتغير لوحة التوافقات/التعارضات بين الدول العربية، وتتغير كذلك في البلد المعني،العلاقات بين الفئات الاجتماعية والقوى السياسية من جهة والسلطة الانقلابية من جهة ثانية، ويتعمق على الغالب الاختراق الإمبريالي، لأن الحياة السياسية كالحياة الثقافية والاقتصادية كانت تتشكل تحت ضغط القوى الخارجية. لكن الظاهرة الأهم التي نجمت عن الانقلابات العسكرية كانت سيطرة العسكر على الحكم، ثم على المجال السياسي لمجتمع، وإنجاز ما اصطُلح على تسميته "عسكرة الحياة السياسية" في البلدان التي كانت ذات يوم "تقدمية" وتطور جميع الدول القطرية في الوطن العربي إلى دول تسلطية.

التحدي ورد الفعل:
الغرب الذي جاء إلى بلادنا بجيوشه وأساطيله ليعلمنا بالحديد والنار أنه لا مكان في عالمه سوى للأقوياء، أثار ردود فعل متناقضة حددت مسارات الفكر والسياسة والاقتصاد. لقد بات الغرب المتفوق، الغالب في الوعي العربي نموذجاً ومعياراً وشعوراً حاداً بالذل والمهانة والانكسار، والظلم والقهر والاستغلال. أحب العرب الغرب وكرهوه في الوقت نفسه، هذه الوضعية عبر عنها ألبير ميمي، الكاتب التونسي، الذي ينتمي إلى الطائفة اليهودية، عبر عنها من خلال التجربة والمعاناة. يقول:"واكتشفت في الوقت ذاته أن جميع الواقعين تحت قبضة الاستعمار يتشابهون، كما اكتشفت بعدها أن جميع الواقعين تحت نير الظلم يتشابهون إلى حدٍّ ما"، ولنا أن نقدر معاناة مواطن في وضعه وعى ازدواجية التعاون وازدواجية الرفض التي تحيلنا، على العلاقة التناقضية التي قامت ولا تزال بين العرب والغرب، والتي عبر عنها عبد الله العروي على أحسن وجهٍ حين قال:"منذ ما يقرب من ثمانية عقود والعرب لا يكفّون يتساءلون: من نحن ومن الآخر؟، في فبراير/شباط 1952 كتب سلامة موسى مقالاً بعنوان:"لماذا هم أقوياء؟"(إنتصارات إنسان 1960)، وهو يقصد الأجانب الحاضرين باستمرار معنا وفينا. "قد يشك المرء في صحة القولة الشهيرة (لا فكر إلاّ بالآخر) فيما يتعلق بالفرد، أما بالنسبة للجماعة، جماعتنا نحن العرب، فلا شك في صحتها، إذ نجربها في كل لحظة من حياتنا".

في ضوء هذه العلاقة، تحددت مسائل الفكر العربي والوعي العربي وأبرزها:
1- مسألة الذات، أو مسألة الهوية التي باتت لا تتحدد إلاّ بالآخر الذي هو الغرب.
2- مسألة التاريخ، إذ لا تقوم الذات ولا تمتليء أملاً إلاّ بتعبئة أمجاد الأسلاف.
3- مسألة المنهج على المستويين الفكري والعملي، أي مسألة ما يضمن للعرب المساواة مع الآخر الذي طالما استعبدهم، مسألة العقل الكوني.
4- مسألة التعبير، أي"بأية صيغة فنية يمكن تمثيل هذه الوضعية الانتقالية المؤلمة والمريبة؟ كيف نكتسب شكلاً تعبيرياًّ يكون في آن مطابقاً للمرحلة التي نعيش وذا قيمة كونية حتى يفهمه كل البشر".
عن هذه الأسئلة، المسائل، قدم الفكر العربي، منذ عصر النهضة إلى اليوم ثلاث إجابات مختلفة تنطلق من نقطة واحدة هي:" أشكالية النهضة والنزوع إلى التقدم" وتؤلف، على تباينها، الخطوط الأساسية للأيديولوجية العربية المعاصرة، في أساس هذه الإشكالية ثمة الإنسان، والإنسان المسلم والإنسان العربي وكل وصف هو تقليص وتحديد ونفي. المشترك بين هذه الإجابات هو تغليب الصفة على الموصوف، فالشيخ يرى أن سبب انحطاط الأمة كان ابتعادها عن الإسلام، والقومي يرى أن الإستبداد هو سبب الانحطاط.

ثمة إشكالية معقدة حكمت الوعي العربي منذ عصر النهضة إلى اليوم تتلخص اولاً في الفارق بين واقعية وتاريخية العلاقة بين العرب والغرب وأشكال وعيها عند العرب من جهة ووعي الغرب أو أشكال وعي الغرب لهذه العلاقة ذاتها من جهة أخرى. وثانيا في الفارق بين صورة الغرب في الوعي العربي وواقع الغرب الفعلي من جهة وأشكال وعي الغرب لذاته من جهة أخرى، وثالثا في الفارق بين واقع العرب الفعلي وصورة العرب في واقع الغرب من جهة ووعي العرب لذاتهم من جهة ثانية. وإذا كان الواقع محايداً في جميع الحالات فإن الوعي ليس كذلك.

الوعي الذي يفتقر إلى الواقعية التاريخية والكونية، هو بالأحرى وعي أيديولوجي، الاعتراف بالواقع شرطٌ لتجاوزه. لذا لا بد من الاعتراف أن مسألة ومسائل حقوق الانسان وحرية الفرد وحقوق المواطن كانت ولا تزال شعاراً وهدفاً وتطلعاً إلى مستقبل ممكن وواجب، وكانت هذه المسألة كلها جزءاً من قضية الحرية.

يوتوبيا الحرية:
شهدت البلاد العربية في القرن الثامن عشر، وكانت جزءاً من الامبراطورية العثمانية، تحولات مهمة انطلقت من مركز الامبراطورية تحت ضغط الغرب وفي مواجهته، أبرز هذه التحولات بدأ في عهد التنظيمات، فتحولت فكرة الحرية من فكرة مخارجة للدولة وللممارسة السياسية إلى فكرة معارضة للدولة واستبدادها المطلق والشامل، ولكن من داخل مجالها السياسي نفسه، وباتت الحرية، ولم تكن تعني سوى التحرر من السيطرة التركية، قضية العرب المركزية. ولعل المهم إبرازه في هذا المجال
هو انتقال الحرية من ممارسة غير مشروطة إلى قضية سياسية/ من الدرجة الأولى.


تأثر المفكرون العرب من جيل محمد عبده والكواكبي وخير الدين التونسي، وكذلك المفكرون والكتاب من جيل لطفي السيد وطه حسين وحسين هيكل وطاهر الحداد بالمنظومة الليبرالية، وقطعوا حبل الاتصال مع الفكر الإسلامي التقليدي، وهذا ما يلحقهم بالفكر الليبرالي الذي يحصر مشكلة الحرية في إطارها الإجتماعي السياسي.

وفي ابتعادهم عن تنظير مشكلة الحرية، كان دعاتها في الفكر العربي يقبلون، تحت ضغط حاجات مجتمعهم، أية فلسفة تدعو إلى الحرية لأن الحرية هدف الحياة. وغاية التاريخ عند القومي الليبرالي، والإسلامي المجدد، والماركسي الاشتراكي والوجودي، الذين أنتجوا خطابات في الحرية أقرب إلى أن تكون نسقاً واحداً "لأن جميع الفئات الاجتماعية التي يتألف منها المجتمع العربي متفقة في اعتناقها دعوة الحرية"(1). ولم يجمع العرب في العصر الحديث على شيء إجماعهم على قضية الحرية. ولم تلق المذاهب والاتجاهات الفكرية السياسية كما التقت على هذه القضية، طوال مرحلة الكفاح الوطني/القومي من أجل الاستقلال والوحدة العربية.

الصراع السياسي وتشظي الوعي السياسي(2):
كانت الحرب العالمية الثانية منعطفاً حاسماً في تاريخ العالم بوجهٍ عام وفي تاريخنا بوجهٍ خاص. في العالم العربي أخذ الاستعمار القديم بالانحسار، ونالت الأقطار العربية استقلالاً سياسياًّ هشّاً، فاستقلت سوريا ولبنان عام 1946 واستقل اليمن الجنوبي عام 1967 بعد ثلاثة أشهر على هزيمة حزيران عام 1967 والإجهاز على المشروع القومي الوحدوي، أو محاولة النهضة الثانية التي قادها عبد الناصر. واستقلت قطر والبحرين عام 1971 وتشكلت الإمارات العربية المتحدة في العام نفسه، وانتقل الوطن العربي من "نظام الأمن البريطاني/الفرنسي" إلى "نظام الأمن القومي الأمريكي".

كان لثورة تموز/يوليو 1952 في مصر ونزوع قيادتها إلى الاستقلال أثراً زلزالياً في الوطن العربي، وضع الأمة العربية في مواجهةٍ مباشرةمع الاستعمار والإمبريالية وإسرائيل، وأطلق عملية تسييس جعلت من التحرر والاستقلال والوحدة القومية والتطلع إلى الاشتراكية مضمون حركة شعبية واسعة... وكان وقوف العالم العربي إلى جانب



ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــ
(1) جاد الكريم جباعي، المصدر السابق، ص19.
(2) بتصرف، من بحث الدكتور جاد الكريم جباعي، المصدر السابق ص20- 28.


مصر أيام العدوان الثلاثي، البريطاني الفرنسي الاسرائيلي، عليها، وتأييده من ثم لوحدة سوريا ومصر عام 1958، وتطلعه إلى أن تكون نواة وحدة عربية شاملة، في هذه المرحلة حلّت مقولة "الثورة" محل مقولة النهضة، وإزاء هذه التحول، كان منطقياً أن ينفك الإجماع الذي انعقد على قضية الحرية، ذلك لأن الأحزاب الأيديولوجية احتلت المجال السياسي فطغت أيديولوجياتها على الحقل الثقافي العربي، وتوزع المثقفون العرب، سوى استثناءات قليلة بين هذه الأحزاب، ولا سيما بعد أن وصل بعضها إلى السلطة أو تحالف معها، وباتت الشعبوية سمة غالبة ليس على الحقل السياسي فقط، بل على الحقل الثقافي أيضاً. ولا سيما بعد اغتيال وحدة سوريا ومصر في (28أيلول/سبتمبر1961) ومحاولة تصفية الناصرية بحرب حزيران 1967وتداعياتها، واحتكار السلطات الحاكمة المجال السياسي، ثم احتكار مصادر القوة والثروة، وتحولت الحرية من قضية عامة إلى قضية خاصة، من حرية البشر إلى حرية "الطبقة العاملة" عند الأحزاب الشيوعية، وإلى حرية الأمة التي تجسدت في الحزب عند القوميين، وإلى حاكمية الله وحقوقه عند الإسلاميين.

هكذا كانت رؤية مختلف التيارات الفكرية السياسية: باستثناء الوجودية التي التقت مع الماركسية على نقد الليبرالية لسطحيتها وشكليتها، ويدعوان إلى حرية أعمق، أما التيار الإسلامي الجديد، الذي قطع مع التأويل الليبرالي للإسلام عند محمد عبده، فيشارك أيضاً في نقد الليبرالية ويؤسس الحرية على الإيمان. لقد انتقلت قضية الحرية وحقوق الإنسان من المركز إلى المحيط، وفي مقال كتبه حسن حنفي عام 1970 إثر وفاة عبد الناصر يقول:"هناك معركة حقيقية بين اليمين واليسار لا بد للشعب من معرفتها...خاصة وأن هناك يمينا يزايد على اليسار من أجل الدعوى للوحدة الوطنية وتحرير الأرض ونقد الأوضاع السائدة والدعوات للحريات العامة والمناداة لأسلوب العمل الديمقراطي، وأن هناك يساراً يقوم بدور اليمين من أجل تبرير الأوضاع وتبرير تبعيته للسلطة.

التيار القومي "الثوري" الجديد كما وصفه ياسين الحافظ، لا يؤسس الحرية على مفهوم الإنسان وفكرة التاريخ والتقدم، فالحرية عنده لا تعني حرية الفرد من المجتمع بل حرية الفرد في المجتمع، ويذهب عصمت سيف الدولة بعيداً في نقد الليبرالية ويعارضها بالديمقراطية شريطة أن تقطع هذه الأخيرة جميع جذورها الليبرالية وتتخلص من مقولاتها "الميتافيزيقية" غير القابلة للإثبات، هؤلاء المثقفون من القوات المسلحة

يستطيعون حل مشكلة التطوّر حلاً صحيحاً بالتزام أولوية الإنسان: تحرير الإنسان من القهر السياسي والاقتصادي، ليستطيع الإنسان الحرّ أن يبني الاشتراكية، ومع ذك لا ينكر سيف الدولة أهمية حرية الرأي وحرية "الشكوى" التي تتيح إمكانات ردع البيروقراطية. لكن هذه الحرية موقوفة على " الثورة" بصفتها الأسلوب الوحيد لتحقيق الديمقراطية. فالثورة هي "الأسلوب الديمقراطي إلى الديمقراطية والحرية، ومن هنا نفهم لماذا لا تأخذ الثورة شكل التطور الديمقراطي، فلا يستفتي الناس فيها ولا تخططها أغلبية الشعب ولا يفجرها الجميع". ها هي الأيديولوجية الانقلابية في لبوس "الثورة العربية" التي تستمد مشروعيتها من ذاتها.

ولم يكن نقد الليبرالية عند الشيوعيين أقل حدة منه عند القوميين والإسلاميين، فضلاً عن ازورارهم عن المسألة القومية، والظاهرة المهمة التي تكشف عن القاع الأيديولوجي المشترك بين الاتجاهات الإسلامية والقومية والشيوعية في الوطن العربي هي اتفاقها جميعاً على نقد الليبرالية والديمقراطية وتنكرها لهما. وإذا كان الشيخ والسياسي وداعية التقنية قد اسهموا قبل الحرب العالمية الثانية في إنقاذ التقليد كل بطريقته، فإن "المناضل" الإسلامي والقومي والإشتراكي قد أعاد بعد الحرب العالمية الثانية إنتاج عملية الإنقاذ هذه وإلا كيف يمكن أن نفسر هذا المد الإسلاموي الكاسح الذي كتلته الأساسية هي ما كان جماهير الحركة القومية والأحزاب الإشتراكية؟ وكيف يمكن تفسير انتقال مثقف ومناضل ماركسي متطرف إلى إسلاموي متطرف (منير شفيق- أبوفادي- نموذجاً)؟.

من النتائج الموضوعية للصراع الأيديولوجي بين أيديولوجيات انقلابية حقاً بالمعنى الذي نجده عند نديم بيطار وفي الانقلابات العسكرية التي وسمت هذه المرحلة، هي تشظي الحقل السياسي القومي للأمة العربية (تدل على ذلك النزاعات العربية العربية)، وتشظي الحقل السياسي المجتمعي في كل قطر على حدة، ولا سيما بعد أن أصبح مجال السياسة الوحيد هو مجال "الدولة التسلطية"، كما يسميها حسن النقيب ويرى فيها تظاهرة فرعية لظاهرة عالمية... بدأ هذا التشظي في الحرب الأيديولوجية التي تشنها الحركة الإسلامية وحزب البعث وفصائل منظمة التحرير الفلسطينية على الناصرية، بدأ ذروته بعد انكفاء الناصرية وموت عبد الناصر عام 1970.

الوعي النقدي:
إذا كانت مسألة الحرية، بجميع منطوياتها وفروعها قد تحولت من قضية سياسية عامة في مرحلة الكفاح الوطني من أجل الاستقلال، إلى مسألة نظرية حرص المفكرون على تأصيلها في التراث الفكري والتاريخ السياسي وفق الأيديولوجيات المختلفة
والمتخالفة، فاكتست طابعاً خاصاً دى كل اتجاه من اتجاهات الفكر العربي، الإسلامية والقومية والاشتراكية، فإن هزيمة الأمة العربية عام 1967 أطلقت حركة نقدية حاولت تلمس أسباب الهزيمة في بنى المجتمع العربي.


هذا الاتجاه النقدي الذي يمثه إلياس مرقص وياسين حافظ وعبد الله العروي، أعاد لمسألة الحرية طابعها العام والكلي بوصفها قضية الانسان الساسية في التاريخ وفي العالم وبوصفها مدخلاً ضروريا لعمل تاريخي قومي ديمقراطي وواجب وممكن، وتنزع عنها الطابع المثالي والقشرة الصوفية، ووضعها في نطاق الكلية الاجتماعية بوصفها مسألة سياسية ذات جذر فلسفي منطلقا في هذه القضية كما في غيرها من وحدة النظر والعمل والفكر والممارسة.

وفي المسألة السياسية، بما هي العام والمشترك بين جميع أفراد المجتمع، يتجاوز إلياس مرقص وكذك ياسين الحافظ السطح السياسي، الدولة كامتداد وولاية على البشر، ويذهبان إلى ما تحت الدولة إلى أساس الدولة، المجتمع المدن على دولة الحق، والقانون أساساً منطقياً وتاريخيا للدولة الديمقراطية ويريان في الديمقراطية مضموناً، معرفيا وسياسياً لسيرورة نهوض الأمة ووحدتها وتقدمها، وليس مجرد شكل سياسي وعلاقة خارجية بين الحاكم والمحكوم.

والواقع أن الصراعات بين أجنحة الحركة التقدمية العربية بفرعيها القومي والماركسي العربي، وخاصة الصراع بين الناصرية والشيوعية في العراق بعد 14تموز/يوليو1958، هي التي وأدت الديمقراطية في المشرق العربي. ولذك لا يمكن للمجتمع العربي، في نظر الحافظ، أن يتجاوز وضعية التأخر والاستبداد ويتحرر من الهيمنة ما لم يتبنّ القيم والمناهج التي توجه المجتمع الحديث وتنظم حياته.

كشف ياسين الحافظ بروحه النقدي جذور الهزيمة أمام إسرائيل عام 1967 ورأى فيها هزيمة طويلة عمرها أكثر من ألف عام، بدأت نُذرها مع سقوط المعتزلة وانهيار الدولة المركزية العربية الإسلامية. والظاهرة اللافتة للنظر في الوطن العربي هي تحديث السطح السياسي وبقاء المجتمع راكداً وهائجاً، بل إن الأخير انتكس بفعل انفصال مجاله السياسي في صيغة الدولة القطرية الاستبدادية التابعة التي يعاد إنتاجها من الخارج (باستثناء اللحظة الناصرية)، انتكس إلى أسوأ ما في تاريخه. وحديث الحركة القومية على اختلاف تلاوينها الأيديولوجية الإسلامية والقومية والاشتراكية، عن عدالة اجتماعية أو مساواة، لا يمت بصلة إلى الإشتراكية كصيغة عصرية وإنسانية للعدالة، ولا إلى الديمقراطية كصيغة عصرية للمساولة، إذ إن أفقها الأيديولوجي وذخيرتها الثقافية جعلا نزوعها إلى العدالة الاجتماعية ضرباً من تطع إلى تنظيم بدائي، قطيعي للمجتمع، لا مكان فيه للفردية الخلاقة ولا أثر لحقوق الإنسان.




حقوق الإنسان في الدساتير العربية:
منذ نالت الأقطار العربية استقلالها تباعاً لجأت السلطات الوطنية في بعضها إلى وضع دساتير تحدّد الأسس العامة لسياسة الدولة وطابع علاقاتها بالمجتمع. وقد تضمنت هذه الدساتير، حيث وجدت، نصوصاً صريحة حول الحريات العامة والحقوق المدنية، ولا سيما حقوق الإنسان والمواطن، مطابقة في كثير من الأحيان لما جاء في ميثاق الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحوق الإنسان، وكان قد استقر أن حقوق الإنسان الأصلية ليست هبة تمنحها سلطة دينية أو زمنية، بل هي حقوق نابعة من كيان الإنسان نفسه، إلا أن الباحث الموضوعي لا بد أن يلاحظ ما يلي:
1- تعدد مصادر التشريع في جميع هذه الدساتير.
2- وجود أكثر من قانون في المجتمع الواحد بسبب التعدد الديني والمذهبي.
3- الانتقاص من حقوق المرأة.
4- تقييد الحريات العامة ولا سيما الحريات السياسية.
5- تعزيز التفاوت الاجتماعي في توزيع الدخل القومي وتوزيع عوامل الإنتاج بين فئات المجتمع.

بيد أن الدساتير والقوانين شيء والممارسة السياسية شيء آخر. لا سيما في ظل هيمنة العسكر على الحكم في بعض البلدان، وفي ظل حكم الحزب الواحد أو الحزب القائد كما في بلدان أخرى، ناهيك عن أنماط الحكم العشائرية والمذهبية، وفي ظل فساد الدولة المتنامي باطراد.
















الخلاف بين الفكر القومي والإسلامي:

لقد ظل الخلاف بين الفكر القومي والفكر الإسلامي محتدماً، منذ القرن التاسع عشر وحتى اليوم. وإن كانت هناك محاولات متعددة تحقيق الوفاق بينها. ولكي نستطيع فهم هذا الخلاف وأسبابه وتجاوز الفجوة الكبيرة من سوء الظن بين الطرفين، لا بد لنا أن نرجع إلى بدايات القرن التاسع عشر. عند بدايات ظهور حركة القومية العربية والمد الإسلامي معاً.

كانت الدولة العثمانية تعاني الضعف السياسي والعسكري، وترافق ذلك مع ظهور الفكر القومي الطوراني، أو الدعوة الطورانية، التي قابلها العرب بالدعوة العروبية. وكان هذا في إطار الفكر القومي الذي ساد العالم في ذلك الوقت. وفي مواجهة تزايد ضعف الدولة العثمانية، انقسم الفكر العام في العالم العربي إلى قسمين(1):
الأول: إسلامي، يدعو إلى إعادة الدولة العثمانية إلى قوتها في إطار وحدة إسلامية. وذلك بالعودة إلى الأصول الإسلامية، مع تحديث الفكر والأخذ بأسباب الحضارة الحديثة. يمثل هذا التيار جمال الدين الأفغاني.
الثاني: عروبي، يدعو إلى استقلال الدول العربية في إطار دولة موحدة، وأساس وحدتها اللغة العربية. ويرى في الدولة استعماراً تركياً.

كان من الطبيعي أن يظهر الصدام بين الفكرين. فالأول يرى الثاني داعية فرقة، وخروج على وحدة الأمة الإسلامية. ويخدم مصالح الاستعمار الأوروبي، والثاني يرى الأول داعية استعمار وتبعية للإستعمار التركي. وفي الحرب العالمية الأولى، تدخلت قوات الأمير عبد الله بن الحسين ضد الدولة العثمانية، ورأى القوميون في انهيار الخلافة العثمانية، بدايةً لعصر النهضة العربية. إلاّ أن هزيمة الدولة العثمانية أدت إلى سقوط الدول العربية والإسلامية تحت سيطرة الاحتلال الأوروبي، ونكبة فلسطين، ورسم الحدود العربية العربية كما هي الآن.

تم تأسيس حركة الإخوان المسلمين عام 1928 بقيادة الإمام حسن البنا، وكان من ضمن أهدافها السعي لإعادة الخلافة الإسلامية. وظل العروبيون يرون أن لا حاجة لهم بالخلافة، وأنهم يريدون دولة عربية موحدة، فلا هؤلاء ولا هؤلاء وصلوا إلى غايتهم.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــ
(1) حسن مدني،"الخلاف بين الفكر القومي والإسلامي"، مقال نشر في "إكيوبيديا، الموسوعة الحرة"،بتاريخ 7ديسمبر/كانون أول 2006.



بل إن الفرقة بين المسلمين في تزايد، وكذلك بين العرب. ثم جاءت قمة المد القومي في فترة الستينيات من القرن العشرين، مع بزوغ نجم جمال عبد الناصر، وهي الفترة الأسوأ في المد الإسلامي، وسوء الظن المتبادل بين الطرفين جعل كل منهما يتصيد للآخر، ويأخذه بقول وفعل الغلاة في الجانبين، ويتناسى مواقف المعتدلين والعقلاء وهم الأكثرية.

فالإسلاميون لا يرون من العروبية إلاّ السجن الحربي ومذبحة حماه، وحرب عام 1967وأمثالها. والعروبيون لا يرون من الاسلاميين إلاّ اغتيال النقراشي، والتكفير والهجرة، والفكر الطالباني، وأشباهه.

من الناحية العقائدية(1):
يرى الإسلاميون أن الدعوة القومية العربية، ما هي إلاّ تطوير للعصبية القبلية الجاهلية.التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم "دعوها فإنها مُنتنة"، وهذا دفعهم إلى رفضها، والعروبيون قلل بعضهم من شأن الإسلام في حياتهم العامة، ورأى بعضهم أن العرق العربي عامل لتوحيد جزء من الأمة الإسلامية.

ومن الجانب السياسي:
يمثل العروبيون السلطة، ويمثل الإسلاميون المعارضة، ولكن دون وجود لقانون يحكم في الخلاف بينهم. كان الخلاف أن نتحد على الإسلام أو على العروبة. أما اليوم فالمطروح هو أن نتفق على موقف أم نظل على صراع بين الدول العربية والإسلامية. فالخلاف بين المغرب والجزائر، وبين سوريا ولبنان.(عربي- عربي) والخلاف بين السعودية وإيران (إسلامي- إسلامي). ألا يمكن معالجة الخلافات العربية على أساس العروبة، والإسلامية على أساس الإسلام؟ وهل انتمائي إلى أسرتي يقلل من انتمائي إلى الوطن؟ أم أن انتمائي إلى الوطن يؤثر على ان انتمائي لأسرتي؟.

أظن أن هناك مساحة كبيرة للإتفاق بين الإسلاميين والقوميين. فالكثير من القوميين يقولون نحن عرب مسلمون. والإسلاميون يقولون نحن مسلمون عرب. وهذه خطوة جيدة. بقي أن نتفق على أننا عرب ومسلمون. ولا فرق أيهما أولاً. نحن متفقون على الإسلام والعروبة والحرية والاستقلال وعلى وحدة الجزء العربي من العالم الإسلامي. فلنتعاون على هذا الجزء، ثم ننتظر بعدها ما يكون. وإلاّ فالخيار الآخر أن نذبح جميعاً عروبيين وإسلاميين، وعلمانيين. وأن تصبح اللغة العربية كاللاتينية، لغة منقرضة يستخدمها إمام الجامع فقط.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ
(1) حسن مدني، المصدر السابق،ص2.


الوحدة العربية

عندما نجح "جمال عبد الناصر" في تحقيق أول وحدة عربية بين إقليمين عربيين هما مصر وسوريا عام 1958، كان يعلم أن المعركة مع أعداء الأمة العربية في الداخل والخارج قد بدأت. فقد بدأت الأنظمة المعارضة للمشروع النهضوي العربي في الإنهيار، فسقط الحكم الشمعوني في لبنان، وسقطت المملكة الهاشمية في العراق وبدا أن هناك اتجاهاً قوياً داخل "الضباط الأحرار" العراقيين الذين قاموا بالثورة يضغط باتجاه الالتحاق السريع بدولة الوحدة الناشئة. (استطاع محمد حسنين هيكل أن يكشف بالوثائق حالة الهوس والجنون التي انتابت هذه القوى بعد إعلان الوحدة المصرية السورية عام 1958 في كتابه:"سنوات الغليان").

لقد أدركت القوى المعادية للأمة العربية- من ناحيتها- المعنى التاريخي العميق للوحدة العربية وإمكانياتها على توازنات القوى العالمية ومستقبلها. لذلك لم يكن غريباً أن يعتبر بعض المفكرين العرب أن أكبر انتكاسة لحقت بالمشروع النهضوي العربي المعاصر، هو انفصال الإقليم الشمالي للجمهورية العربية المتحدة (سوريا) عن الإقليم الجنوبي (مصر)، ولم تكن الهزائم العسكرية أمام العدو الصهيوني سوى "تجليات" لهزيمة المشروع الوحدوي بالإنفصال عام 1961(1).

لا يبدو منطقياً أن نتكلم عن الوحدة العربية الآن بالخطاب نفسه الذي كان سائداً في الخمسينيات والستينيات. فقد كانت الأوضاع السياسية والفكرية السائدة- آنذاك- تشهد حالي صعود لنظام إقليمي عربي قوامه الفكري الإيمان بالوحدة العربية، وقوامه السياسي مواجهة الاستعمار ورفض الأحلاف، وقوامه التحرري كان تحرير فلسطين من القبضةالصهيونية، لكن تبدل الحال بشكل جذري بعد وفاة عبد الناصر وبشكل يصعب تصديقه، والمحافظة السياسية والفكرية التي عرفتها مصر بعد غيابه تخطّت حدود مصر لينزلق فيها العالم العربي كله، حتى الأقطار التي كانت ترفع شعارات "يسارية " تحولتى عن هذه "الراديكالية" لتصبح سياسة مغازلة الغرب نهجاً كاملاً ومسيطراً في السياسة العربية الرسمية، ثم لم تلبث أن تلتحق بهذه السياسة قطاعات كمن النخبة المثقفة التي رات أن عجلات الزمن تدور في الاتجاه المعاصر.

يدخل العرب القرن الجديد في ظل أوضاع جديدة ومخالفة عما كان سائداً-

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
(1) صفوت حاتم،" الوحدة العربية وأسئلة القرن الجديد"، بحث قدم لندوة "الوحدة العربية وأسئلة القرن الجديد" بالقاهرة،ص1.


ومتوقعاً- خلال بداية الخمسينيات والستينيات، هذا القرن يطرح على العرب أسئلة جديدة وهي أسئلة تهم النخبة العربية المهمومة بالمستقبل العربي كوحدة واحدة. لقد دأب الفكر
السياسي التقليدي على الكلام عما سمي "حقبة التوازن الدولي" خلال حقبة الحرب الباردة، كما أن صورة "عالم ثالث" منفصل في المصالح عن الكتلتين الرأسمالية والشيوعية كان قد اتضح تماماً في ذهن زعماء العالم الثوريين الذي لعب "جيفارا" دور المتحدث الرسمي باسمهم وباسم شعوب العالم الثالث آنذاك. وإذا كان "تشي جيفارا" يمثل الثورة في رومانسيتها، فإن عبد الناصر كان يمثل الثورة في واقعيتها!! لقد راح "عبد الناصر" يعمل في اتجاهات متعددة لتحقيق ما كان يحلم به ثوريون عديدون، ولكن الحرب الباردة والتنافس والصراع بين الولايات المتحدة الأمريكية والإتحاد السوفياتي أتاحت كثيراً من حرية الحركة و"المناورة" لعبد الناصر ولحركات التحرر الوطني في الخمسينيات والستينيات من خلال الدعم الذي قدمه الإتحاد السوفياتي لها لمواجهة الضغوط التي كان يفرضها المعسكر الإمبريالي يقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

ولا شك أن حجم الوثائق التي كشف عنها في السنوات الأخيرة توضح بشكل حاسم حجم الهجمة التي تعرضت لها حركة التحرر العربي تحت قيادة الناصرية في الخمسينيات والستينيات، والتي عبرت عن نفسها في مؤامرات محلية وعالمية، وفي سياسات للأحلاف العسكرية والمواجهات المسلحة (عدوان 1956، عدوان 1967، حرب اليمن، حرب الجزائر... إلخ)

من ناحية ثانية ثبت بالدليل العلمي خلال حقبة التسعينيات (أي بعد انهيار الاتحاد السوفياتي) أن المنطقة العربية هي أول منطقة "جيوسياسية" تأثرت بهذا الاختلال في توازن القوى، فالرئيس "صدام حسين" مثلاً- ظن عندما اقتحم الكويت- أنه من الممكن تحقيق مغامرة سياسية وعسكرية ناجحة بدون "إتحاد سوفياتي" يقف وراءه، والشيء نفسه يمكن أن يقال عن نظام الرئيس "معمر القذافي" الذي بدأ بعد سقوط "الإتحاد السوفياتي" عملية "السير إلى الخلف" والتخلص تدريجياً من السياسات والأفكار التي كان أول المتحمسين لها، والاقتراب تدريجياً من الأنظمة السياسية التي كانت لسنوات طويلة محط هجومه وانتقاداته!! أما الرئيس "حافظ الأسد" فما لبث أن غير من لهجة خطابه السياسي لتتلاءم مع المتغيرات الدولية التي حدثت.

لم يعد هناك،إذاً، إتحاد سوفياتي ولم يعد هناك توازن دولي يمكن اللعب عليه أو المناورة في ظله، كل هذا ينقلنا للسؤال الأساسي: كيف يمكن للوحدويين العرب تحقيق برنامجهم السياسي في ظل الهيمنة الأمريكية على العالم بشكل عام والمنطقة العربية بشكل خاص؟ على أي قوة دولية يمكن أن يتحالف الوحدويون العرب الجددالتحقيق نوعاً
من التوازن يمكنهم من تحقيق الوحدة العربية؟، فالإجابة على هذا السؤال تستمد مشروعيتها من تطور الأحداث السياسية العالمية، وما ستتمخض عنه في السنين القادمة وهو أمر يصعب التكهن به الآن(1).

البعض ينتظر- بصبر- قيام قطب أوروبي قوي يحدث نوع من التوازن مع القطب الأمريكي الوحيد، إلاّ أن من سينتظرون هذا ينسون أن قيام هذا "القطب الأوروبي"، لن ينفصل عن النظام الرأسمالي العالمي، الذي يربطه مصالح مشتركة واسترتتيجيات عامة في كل مناطق العالم، على الرغم من التناقضات الطبيعية بين أجزائه. إذا لم يكن ممكناً تحقيق توازن دولي يستفيد منه العرب لتحقيق مشروعهم، فهل يمكن قلب المسألة رياضياً، أي اعتبار المقدمة نتيجة والنتيجة مقدمة؟. هل ينبغي انتظار توازن دولي لتحقيق الوحدة العربية؟. أم أن الوحدة العربية هي الأداة السياسية المتاحة لنا لتحقيق التوازن الدولي والدخول في صراعات تشكيل العالم الجديد بدلاً من "التسكع" في طرقات القوى الدولية انتظاراً لما قد يأتي به القدر؟ ( عبر الكاتب الكبير "أحمد بهاء الدين" عن هذا التساؤل مبكراً في مقاله "العالم كله ضد الوحدة العربية، شرعية السلطة في العالم العربي، دار الشروق) (2).

تعدد القطبية داخل النظام الإقليمي العربي:
إن تغير وضع ميزان القوى الإقليمية داخل النظام العربي، منذ السبعينيات والثمانينيات والتسعينيات، جعل النظام العربي يتسم بحالة من حالات "تعدد القطبية"، حتى أن بعض الأنظمة العربية طمحت في لحظات معينة إلى لعب "الدور القيادي" الذي كانت تلعبه مصر سابقاً.

لقد ساهمت الظروف الإقليمية والدولية التي عاشها النظام الإقليمي العربي في السبعينيات، على تطور قدرات أنظمة عربية معينة على الفعل السياسي في المحيط العربي والدولي، نتيجة عوامل كثيرة، أولها ظهور الكتلة النفطية كقدرة مالية وسياسية مؤثرة في ساحة الصراع الدولي والإقليمي.

كما أدى الصراع الدولي وحالة الاستقطاب المستمر داخل النظام الإقليمي العربي، إلى تطور القدرة السياسية لبعض الأنظمة العربية النفطية وغير النفطية، واكتسابها

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
(1) صفوت حاتم، المصدر السابق ، ص 6.
(2) بتصرف، المصدر نفسه، ص6.




أدواراً إقليمية متعاظمة لم تكن موجودة- أو لم تكن على الدرجة نفسها من التأثير- خلال حقبة صعود الناصرية. ونشير بشكل خاص إلى التطور في القدرات السياسية والعسكرية للعراق وسوريا وليبيا. والمؤسف أن هذه الأدوار المتعاظمة لبعض الدول العربية عملت على تأجيج عوامل الصراع والتنافر الإقليمي داخل المنظومة العربية،
وأجهزت تماماً على عوامل التضامن والتجمع العربي بشكل غير مسبوق.

إن مقارنة هذا الوضع الجديد، أي "تعدد القطبية" داخل المنظومة العربية بما كان سائدا في الخمسينيات والستينيات، في ظل قيادة "الناصرية" لن يكون لصالح الوضع الجديد بحال من الأحوال. لقد استطاعت مصر خلال "الحقبة الناصرية" أن تحقق قدراً من الانسجام، أو بالأحرى، الاتساق داخل النظام العربي في مواجهة الأخطار الخارجية الكبرى، على الرغم من الاستقطاب الأيديولوجي الحاد الذي كان يقسم العالم العربي إلى معسكرين أيديولوجيين متعارضين: معسكر "تقدمي" تقوده مصر، ومعسكر "رجعي" تقليدي محافظ.

ورغم هذه "الثنائية القطبية الأيديولوجية"، استطاعت مصر "الناصرية" تحقيق "إجماع" عربي فعال في مواجهة قضايا مصيرية واجهت الأمة العربية: كالحرب الأهلية اللبنانية عام 1958، الموقف من مشروعات إسرائيل تحويل مجرى نهر الأردن وانبثاق فكرة مؤتمرات القمة العربية، الإجماع العربي على دعم دول المواجهة في مؤتمر الخرطوم بعد نكسة يونيو 1967، ورفع شعار "اللاءات الثلاث"، نجاح عبد الناصر في إيقاف مذابح أيلول الأسود عام 1970 .. ثم ... ثم قررت مصر "السادات" الابتعاد عن دورها القيادي.. وتأججت حدة الصراعات الإقليمية وظهرت "الأقطاب" الجديدة التي أشاعت الفوضى والصراع والتنافر داخل النظام العربي وما جرّه ذلك من خراب وانهيار لا يمكن إنكاره بأي حال من الأحوال.

الوحدة العربية الإسلامية:
يؤسفني أن أقول أن مسألة الوحدة لم تأخذ حظها الكافي والفاعل لدى التيار القومي العربي ولا لدى التيار الإسلامي، وأن كل ما ورد حولها لا يعدو تنظيراً مبدئياً لدى الإسلاميين، واعتبارها واحدة من قضايا عدة تحدد معالم مشروع النهضة في الطرح الإسلامي. أو مراجعة لما جرى على طريق الوحدة في العالم العربي، وتقييم التنظيمات الإقليمية وكأنها خطوات على طريق الوحدة، كمجلس التعاون الخليجي ومجلس التعاون العربي واتحاد المغرب العربي ... إلى ما هنالك من إجراءات حصلت تتعلق بتيسير الانتقال بين البلدان العربية، وحرية انتقال العمالة ورؤوس الأموال مما يلخصه التيار القومي باعتبار أن العمل الوحدوي ينبغي أن ينطلق من تقديره لوقائع المادية على أرض الواقع وأثرها على المدى البعيد في تأكيد الوحدة، وإن الفكر القومي أصبح يستبعد استخدام القوة في تحقيق الوحدة.

إنني أعتقد أن قضية الوحدة العربية يجب أن تأخذ حيزاً أكبر بكثير لدى التيار القومي، لأنها إحدى مبررات وجوده أصلاً، لقد كان نداء الوحدة عندما يرتفع ترنوله القلوب والعقول وتجتمع حوله الجماهير، وإذا به اليوم يتحوّل إلى مادة جامدة في دراسة أكاديمية تستكشف جوانب الواقع أكثر مما تخطط للمستقبل. ولا أعفي التيار الإسلامي من تحويل قضية الوحدة إلى قضية نظرية.

وأشير إلى أن هذا التصور الذي يجعل الوحدة على حلقات تبدأ بالوحدة الوطنية ثم الوحدة القومية ثم الوحدة الإسلامية، هذا التصور ليس دقيقاً ولا كاملاً، إن التيار الإسلامي يجب أن يتبنى بكل وضوح الدعوة إلى وحدة عربية تلتزم بالإسلام مرجعاً. إنها في هذه الحالة تعتبر وحدة إسلامية عقائدية بالنسبة للإسلاميين، ولو كانت في اعتبار القوميين وحدة عربية قومية، فإن هذا ليس فيه إي ضرر أو خطأ طالما أن الوحدة العربية القومية لم تخرج عن حدود الإسلام. وإن من بديهيات الأمور، أن أسعى إلى توحيد العربي مع العربي تحت لواء الإسلام، قبل أن أدعو إلى توحيد العربي مع غير العربي تحت لواء الإسلام.

إن وحدة الأمة العربية على أساس إسلامي واضح يحترم وجود غير المسلمين وحرياتهم ومشاركتهم في مؤسسات هذه الوحدة، ينبغي أن تكون أحد أهم أهداف المرحلة الحالية، وهي بلا شك مما يقع اللقاء حوله بين التيارين الإسلامي والقومي. إنني أتطلع إلى غدٍ مشرقٍ أسمع فيه نداء الوحدة صادراً عن الجميع تتفاعل فيه ومعه أمتنا من جديد لأني أعتقد أنه لا خلاص لهذه الأمة إلاّ بالإسلام والوحدة.
















المراجع

1- علي بن سعيد،"نشأة التيار القومي العربي في تونس"، بحث من موقع ألكتروني "إيكيوبيديا- الموسوعة الحرة".
2- منير شفيق،"القومية العربية في الفكر والممارسة".
3- محمد عابد الجابري،"الخطاب العربي المعاصر.
4- برهان غليون،"المحنة العربية: الدولة ضد الأمة"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1993.
5- وميض نظمي،"تطور الفكر القومي العربي".
6- إلياس فرح،"قراءة منهجية في كتاب في سبيل البعث".
7- عصمت سيف الدولة،"هل كان عبد الناصر دكتاتوراً؟.
8- ياسين السيد،"القومية العربية في الفكر والممارسة".
9- إلبرت حوراني،"الفكر العربي في عصر النهضة"، بيروت،1997.
10- عبد الله العروي،"ثقافتنا في ضوء التاريخ" المركز الثقافي 1992.
11- مسعود ظاهر،"النهضة العربية والنهضة اليابانية"، سلسلة "عالم المعرفة"، يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، العدد 252 ديسمبر 1999.
12- مجلة المنطلق الجديد، لبنان، العدد الثالث، 2001.
13- محمد وقيدي،" حوار فلسفي قراءة نقدية في الفلسفة العربية المعاصرة" دار توبقال، الدار البيضاء، 1985.
14- حبيب حداد،"المشروع النظري للتيار القومي العربي" بحث من موقع ألكتروني "أوكيوبيديا- الموسوعة الحرة".
15- أكرم البني،"الهوية الوطنية والبعد القومي"، المصدر الجزيرة.
16- عبد الله تركماني،"نداء العقل والضمير نحو إعادة بناء الخطاب القومي العربي"، بحث مقدم إلى الدورة 16 للمؤتمر القومي العربي في الجزائر في (6-10إبريل/ نيسان 2005).
17- جاد الكريم جباعي،"حقوق الإنسان في الفكر العربي المعاصر"، بحث من موقع ألكتروني "إيكيوبيديا- الموسوعة الحرة".
18- حسن مدني،"الخلاف بين الفكر القومي والإسلامي"، بحث من موقع ألكتروني "إيكيوبيديا- الموسوعة الحرة".
19- صفوت حاتم،"الوحدة العربية وأسئلة القرن الجديد"، بحث مقدم لندوة الوحدة العربية وأسئلة القرن الجديد، القاهرة.

بنت الشهباء
06/02/2007, 11:06 AM
أستاذنا الشاعر الأديب الحرّ
أحمد الريماوي
لقد أوصلتنا إلى الحل النهائي عندما ختمت لنا الحديث عن الفكر القومي العربي المعاصر
إن وحدة الأمة العربية على أساس إسلامي واضح يحترم وجود غير المسلمين وحرياتهم ومشاركتهم في مؤسسات هذه الوحدة، ينبغي أن تكون أحد أهم أهداف المرحلة الحالية، وهي بلا شك مما يقع اللقاء حوله بين التيارين الإسلامي والقومي. إنني أتطلع إلى غدٍ مشرقٍ أسمع فيه نداء الوحدة صادراً عن الجميع تتفاعل فيه ومعه أمتنا من جديد لأني أعتقد أنه لا خلاص لهذه الأمة إلاّ بالإسلام والوحدة...
وهنا سؤال نسأله ونتمنى أن تكون الإجابة صريحة وواضحة دون لبس ولا غبش
متى تحققت الوحدة العربية على أساس إسلامي واعطاء الحريات الشخصية والدينية والاجتماعية !!!؟؟..
والله والله لن تعود لنا كرامتنا المسلوبة إلا إذا ما علمنا بيقين وصدق أننا أمة لها الصدر دون العالمين

أحمد الريماوي
21/02/2007, 01:19 PM
الأخت/ بنت الشهباء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بدايةً أعتذر عن التأخير بسبب انشغالي وسفري، وأود أن أوضح بأنني أردت من إرسال بحثي:"الفكر القومي العربي المعاصر" في هذا المقام، أن ألقي الضوء عن وضوح الرؤيا لدى المفكرين القوميين والمفكرين الإسلاميين والتوصل إلى تشكيل "الموتمر القومي الإسلامي" والذي توصل إلى نتائج مريحة للوصول إلى الطريق المؤدية إلى الوحدة العربية على أساس إسلامي على المستوى التنظيري أولاً.
والله ولي التوفيق

بنت الشهباء
21/02/2007, 04:25 PM
وكم أننا بحاجة ماسة يا أستاذنا الفاضل
أحمد الريماوي
في أيامنا هذه لمثل هذه الرؤى الفكرية االسليمة للفكر القومي الإسلامي
ونزيح عن جسد أمتنا ركام الجهل والتخلف التي ورثتها من الاستعمار
بهدف ضياع كرامتها , وسلب حريتنا , وتشتت قيمنا وثوابتنا وأصولنا !!..
وحمدا لله على سلامتكَ يا أستاذنا الفاضل
ونتمنى من الله أن تعطينا نبذة عامة عن بحثكَ الفكر القومي العربي المعاصر
لعلنا نستفيد من طرحكَ الواعي الحرّ
وجزاكَ الله خيرًا