المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصة قصيرة من الادب العالمي



فتحي صالح
01/05/2007, 01:56 PM
الاحبة الواتاويون،

اقدم لكم هذه المشاركة المتواضعة، وهي عبارة عن قصة قصيرة كنت قد ترجمتها قبل وقت وارجو ان تجدوا فيها المتعة والفائدة:

الإتقان
تأليف : جون جلزويرثي
الفائز بجائزة نوبل للأدب لعام 1932م

عرفته منذ كنت في ميعة الصبـا لأنه صنع لأبي جزمــة ( حذاء ذا ساق طويلة ) ذات مرة ، وكان وقتها يسكن وأخوه الأكبر في حانوتين صغيرين، ضما فيما بعد معاً ليكونا حانوتاً واحدا،ً في زقاق ضيق ، لـم يعـد له وجــود الآن ، وان كـان وقتئذ من المواقع المميزة في الطرف الغربي West End )) . لم يميز ذلك المبنى ، بطابعة الهاديء نسبياً ، اية لوحة تشير إلى أنه شيّد لأحد أفراد الأسرة المالكة ، بل كان بسيطاً في كل شيء حتى في الاسم الألماني " الأخوة جزلر" الذي كتب على واجهته ، والعدد اليسير من أزواج الجزم التي عرضت في أحدى نوافذه . أذكر كم كنت أقف حائراً متسائلاً عما يمكن أن تدره تلك الجزم على صانعها من دخل ، لاسيما أن صنعها لا يتم إلى بطلب من عملائه، وأرجع بأفكاري دون أن أصل لشيء سوى المزيد من الحيرة ، بيد أنني لم أشك لوهلة بأن، يكون صانع هذه الجزم قد أخفق ولو لمرة في إتقان ما يصنع ، ولطالما خطر لي انه قد يكون اشترى تلك الجزم لكي يعرضها في تلك النافذة ثم ما البث أن استبعد تلك الفكر ، فمن غير المعقول أن يملأ بيته بالجلود دون أن تكون مادة لعمله . كما كانت هذه الجزم النسائية ذات الكعب ، غاية في الجمال ونحيلة بغير رونق ، وكان القماش الخاص الذي يعلو جلدها ذا جاذبية يسيل لها لعاب ناظرها، وكان بريقها السخامي البهي يترك لديه انطباعاً بأنها ارتديت على مدى مائة عام ، رغم جدتها. إن من صنع هذه الأحذية ، لابد أن يكون قد استحضر أمامه الجزمة بروحها وكنهها لكي تكون صنيعته مثالاً لا يشوبه ما يشوب سائر النعال.

لقد تداعت عليّ هذه الأفكار بالطبع في وقت لاحق ، رغم أني لمحت فيه وفي أخيه ، عندما تعرفت عليه وأنا في الرابعة عشرة من عمري تقريباً ، ما يدعوني لاحترامه ، فمن يصنع مثل هذه الجزم لابد أن يكون غامضاً وعبقرياً .

أذكر جيداً ملاحظتي التي جاءت على خجل ذات يوم عندما مددت له قدمي الفتية : " أظن انه من الاستحالة بمكان صنع حذاء يلائم هذه القدم يا سيد جزلر " ، وبادرني برده بعد أن افترت لحيته الحمراء عن ابتسامة ساخرة : " أنه فن! " .
بدا لي وكأنما صنع هو ذاته من الجلد إلى حد ما ، بوجهه الأصفر المتغضن وشعره ولحيته الضاربين إلى الحمرة والطيات التي تتدلى بأناقة أسفل خديه حتى زوايا فمه وصوته الأجش الذي يصدر من عمق تكوينه بنغمة وحيدة لا تتغير ، فالجلد مادة توحي بالتهكم والجمود والإثارة وتلك هي صفات وجهه، عدا عينيه بلونهما الأزرق الضارب إلى الرمادي واللتين ابقتا له على جاذبية الرجل البسيط الذي تستحوذ عليه المثالية، وأن لم يفصح عنها . أما أخوه الأكبر فيكاد يشبهه في كل شيء باستثناء عينيه الدامعتين باستمرار وشحوبه الواضح وبراعته التي لم أفطن لها حتى انتهى لقائي به ثم علمت فيما بعد بأنه هو العقل المدبّر عندما سمعت منه عبارة : " سأستوضح الأمر من أخي " ولولا هذه العبارة ما عرفت بأنه أكبر الأخوين.

ان تقدم السن بالمرء واشتداد عوده يكسبه فن المراوغة والتهرب من سداد الفواتير ،اما امام الأخوين جزلر، فانه يقف عاجزاً عن التهرب والمراوغة. لم يخطر لي ببال أن أذهب إلى محلهما لأمد قدمي أمام تلك النظرة الفولاذية الزرقاء الفاحصة لأنني كنت بحاجة لأكثر من زوجين من الأحذية ، بل لم يعدُ الأمر كونه مجرد تأكيد له بأنني لا زلت من عملائه. ولم يكن التردد على المحل ممكناً إذ أن ما يصنعه من جزم يعمر طويلاً حتى يخيل للمرء بأن عامل الزمن قد ألغي من قاموس صانعها، وإنها صنعت من خامة اجتمعت فيها خلاصة الجزم. أن دخول هذا الحانوت ليس كدخول أي حانوت آخر يدلف إليه المرء ليتلقى الخدمة ثم يمضي سريعاً في حال سبيله، فالأمر هنا مختلف تماماً ويشبه دخول الكنيسة التي يمكث فيها المرء ملياً. يجلس الزبون هنا على كرسي خشبي يتيم ولا يجد أحداً في المحل ليستقبله بل يلمح بعد حين من فوق الحافة العليا لألواح الجلد الداكنة والتي تنبعث منها رائحة مميزة تبعث على الارتياح وجه صاحب المحل أو وجه أخيه الأكبر يرقبه من تحت وهو منكب على عمله. ثم ما يلبث أن يسمع صوتاً أجش متبوع بقرع قبقاب يذرع الدرج الخشبي الضيق ثم يجد صاحب المحل واقفاً أمامه بانحناءة خفيفة دون معطف وإنما مئزر جلدي وأكمام مقلوبة إلى الخلف كما لو كانت أفاقت لتوها من حلم جزمي أو كأنها بوم فاجأه ضوء النهار فقض عليه عزلته . عندما كنت ابادره بالسؤال عن حاله وعما إذا كان بوسعه صنع زوج من الجزم الجلدية الروسية لي ، كان يقف لبرهة ثم يعود أدراجه من حيث أتى ، أو يتجه إلى ناحية أخرى من حانوته دون أن ينبس ببنت شفه ويدعني أواصل استرخائي على الكرسي الخشبي والاستمتاع باستنشاق رائحة الجلود المستوطنة في محله والتي تمثل عنوان صنعته. لا يمضي الكثير من الوقت حتى يعود وتمتد يده بعروقها النافرة وهي تحمل قطع من الجلد الذهبي الضارب إلى اللون البني ثم ينطق أخيراً : " أليست قطعة رائعة " ؟ وبعد أن أبدي إعجابي بها تأتي عبارته الأخرى " متى تريدها " ؟ فأجيبه " في أقرب فرصة دون أن تضغط على نفسك " ، ثم يقول " أيناسبك مساء بعد غد " أو إذا كان من قابلك هو الأخ الأكبر فسيقول : " سأسأل أخي " فأتمتم عندها: " شكراً لك ! طاب نهارك يا سيد جزلر " فيرد: " طاب نهارك" دون أن يرفع عينيه عن قطعة الجلد التي بيده ، وأثناء توجهي إلى باب الحانوت ، يعود القبقاب إلى النقر مجدداً وهو يعود به إلى حيث كان مرتقياً به درجات المحل الخشبية إلى عالمه الجزمي الحالم . أما إذا فكر المرء بنوع آخر من الأحذية التي لم يسبق لجزلر أن صنعها له فسوف يقحم نفسه في مراسم وطقوس أخرى تبدأ بتجريده من جزمته وتقليبها لوقت طويل بين يدي جزلر ورمقها بنظرة فاحصة حنونة كما لو كان يذكر بريقها وقت صنعها ويلوم الزبون على الطريقة التي عبث فيها بتحفته الفنية ، وبعدها يضع قدم زبونه على قطعة من الورق ويجول حول قدمه مرتين أو ثلاث مرات بقلم رصاص ثم ما يلبث أن يتلمس بأصابعه وبحركة عصبية على أطراف أصابع قدم الزبون ليقف بنفسه على غور متطلباته .

لم يغب عن ذاكرتي ذلك اليوم الذي سنحت لي فيه فرصة لأبادره بالقول : " سيد جزلر ، أتعلم بأن الزوج الأخير من جزم التمشية بالمدينة قد بدأ يصدر صريراً أثناء المشي " وعندها نظر إلىّ لبرهة دون أن يرد لعلي أتراجــع عما قلت أو أبدي بعض التحفظ على مقولتي ، وبادرني بقوله " لا ينبغي له أن يصدر صريراً " لكنني عدت فقلت له " لقـد وقـع منه ذلك " فرد عليّ قائلاً : " يبدو أنك تركته يبتل قبل هذا الصرير " ، فأجبته : " لا أظن أنني قد فعلت " وعند ذلك تحول نظره إلى الأسفل كما لو كان يسترجع ذكريات خاصة لها صلة بتلك الجزمة وأحسست عندها بالأسى لقولي ما قلت. وسمعته بعد إطراقه يقول " أعده لي ثانية لأفحصه " .

شعرت بالأسف لما اثاره موضوع جزمتي من فضول وكآبة وهم لديه : " هذه الجزمة رديئة منذ الولادة وإذا لم أتمكن من فعل شيء لإصلاحها فسوف أنزل قيمتها من فاتورتك " لبرهة ( ولبرهة فقط ) شرد مني ذهني متجولاً في حانوته وأنا أنتعل زوجاً من الجزم كنت اشتريته على عجالة من أحد المحلات الكبرى . أخذ طلبي دون أن يعرض عليّ أية قطعة من الجلد ولاحظت عينيه وهما تخترقان أعلى قدمي ولم يلبث أن قال لي : " هذا الحذاء ليس من صنعي " ولم يبد على نبرة صوته أي غضب أو أسى أو حتى ازدراء بل شابه شيء من الهدوء الذي يجمد له الدم في العروق . أنزل يديه وضغط بأصابعه على موضع في الحذاء الأيسر الذي بدا عصرياً ، وأن لم يكن مريحاً بما يكفي ، وأردف بقوله : " أن هذا الموضع هو سبب ألمك ، ..هذه الشركات الكبيرة لا تحترم نفسها ... قمامة ! " ثم عقب ، وكأن شيئاً ما في أعماقه قد أطلق لسانه ، ليحدثني ملياً وبمرارة ، وكانت هذه هي المرة الأولى التي أسمعه يتحدث عن ظروف صنعته والصعوبات التي تكتنفها .

" لقد أخذوا كل شيء ، أخذوه بالدعاية لا بالعمل ، وسحبوا البساط من تحت أرجلنا ، نحن الذين تربطنا بالجزم علاقة عشق ، حتى أصبحت اليوم بلا عمل . أن أحوالنا في تراجع مع كل عام يمر كما ترى " . تفرست في وجهه الذي ترك فيه الزمن خطوطه ولمحت فيه أشياء لم ألمحها من قبل ، أشياء مُّرة وصراع مرير وشيب غزا لحيته الحمراء بغزارة دون مقدمات.

لقد ناضلت وأنا أشرح له الظروف التي اضطرتني لشراء هذه الجزمة المشؤومة بيد أن تعابير وجهه وصوته تركا لدي انطباعاً عميقاً دفعني في ثوان معدودة لطلب العديد من أزواج الأحذية مدفوعاً بعقدة الذنب التي لازمتني أطول من أي وقت مضى . ولم تطاوعني نفسي على الذهاب إليه ثانية لأكثر من عامين بسبب ضميري الذي ما فتيء يؤنبني ، بيد أني استجمعت شجاعتي أخيراً وقررت الذهاب إليه ، ولدى وصولي دهشت إذ لاحظت أسماً آخر قد رسم على أحدى النافذتين الصغيرتين لحانوته وكان أسماً لصانع أحذية لكنه كان ، بطبيعة الحال ، صانع أحذية للأسرة المالكة . لم تعد الجزم القديمة المعهودة قادرة على الاحتفاظ بعزلتها الوقورة بل كدست في نافذة واحدة أما من الداخل فقد أصبحت البئر الضامرة للحانوت الصغير أكثر ظلمة واشتدت الرائحة المنبعثة منها عن ذي قبل . كما انتظرت أكثر من المعتاد قبل أن يطل عليّ جزلر بوجهه من الأعلى وقبل أن يبدأ قرع القبقاب لأرضية الدرج الخشبية. أخيراً وقف أمامي وحملق بي من خلال نظارته التي يحيط بها اطار من الحديد الصديء وبادرني بقوله " سيد ... ، أليس كذلك ؟ " فأجبته بصورة متلجلج " ها أنت ذا يا سيد جزلر! " ، فأردف بقوله " لكن جزمتك تبدو بحالة جيدة جداً ، كما ترى ! أنظر ، لازالت بحالة ممتازة " ثم ما لبثت أن مددت له قدمي قلب نظره : " أجل لم يعد الناس بحاجة إلى جزم جيدة ، كما يبدو " . ولكي أهرب من عينيه المعاتبتين ونبرة صوته اللائمة ، ابتدرته على عجل متسائلاً عما فعل في حانوته فأجابني بهدوء " انه باهظ التكاليف" ثم أردف متسائلاً : " هل تود شراء بعض الجزم " فما كان مني إلا أن طلبت ثلاثة أزواج ، رغم أنني لم اكن بحاجة لأكثر من زوجين ، ولم يطل مكوثي لديه فسرعان ما استأذنته وانصرفت . مضيت في طريقي وأنا أفكر بأن لابد من أنه يظن بأن لي دور ما في التآمر عليه ، أو على أقل تقدير ، في الوقوف ضد تصوره لمفهوم الجزمة . كثيرون هم اللذين لا يلقون بالاً لمثل هذه الأمور إذ أنه قد يمر عدد من الشهور قبل زيارة هذا الحانوت ثانية ، فانا أتذكر ذلك الشعور المُلحّ : " حسناً ! لست أنا من يتخلى عن هذا العجوز ، فلأمض إليه ... لكن لربما قابلت أخاه الأكبر هذه المرة " أنني على يقين بأن الأخ الأكبر هذا ليس في تكوينه ولا في شخصيته ما يعطيه القوة الكافية لتوجيه اللوم لي حتى وأن كان من قبيل البلاهة وعن غير قصد ، وفي غمرة أفكاري المتداعية أثناء مكوثي في الحانوت جاءني الفرج فقد بدا لي بأن أخاه الأكبر منهمك في معالجة قطعة ما من الجلد . هتفت : " سيد جزلر ! كيف حالك ؟ " فدنا مني وقلب بصره بي وقال: " أنا في خير حال " قالها ببطء ثم عقب: " لكن أخي الأكبر مات “.

لاحظت بأنه هو لكـن كان الهرم والذبول باديان عليه بوضوح ! كمـا لم يسبق لــي أن سمعته يتحدث عن أخيه بتاتاً . لقد صدمني سماع هذا الخبر فلم أملك سوى أن أقول له بصوت واهن : " يحزنني سماع ذلك منك ! " فأجابني : " نعم لقد كان رجلاً طيباً وكان يتقن صناعة الجزم " ثم مر بيده على رأسه الذي اختفى معظم شعره فجأة ولم يبق منه سوى شعيرات واهنة كتلك التي كانت تكسو رأس أخيه المسكين ، وظننت لوهلة أن قلة الشعر تلك كانت سببا لوفاته " لم يحتمل خسارة الحانوت الآخر . "هل تريد أن أصنع لك بعض الجزم " قال ذلك وهو يرفع قطعة من الجلد بيده ثم ثنى بقوله: “ إنها قطعة جميلة “.

طلب عدة أزواج من الجزم وقد استغرق صنعها بعض الوقت لكنها أفضل بكثير مما كانت عليه في أي وقت مضى ، ولم يكن من السهل أن تهتريء . لم يمض بي وقت طويل حتى سافرت إلى خارج البلاد ولم أعد إلى لندن إلا بعد عام ونيّف وكان أول حانوت قصدته هناك حانوت صديقي القديم الذي تركته في الستين ورجعت إليه بعد أن تحظى سن الخامسة والسبعين وتحول إلى إنسان ضامر ومهتريء ومرتعش وكانت هذه هي المرة الأولى التي لم يعرفني فيها بحق. بادرته بالتحية كالمعتاد لكن بقلب يعتصره الحزن " كم هي جميلة جزمتك هذه ! أرأيت لقد داومت على ارتداء هذا الزوج في كافة الأوقات أثناء وجودي خارج البلاد ، ولم يهتريء نصفه بعد ، إلا ترى ذلك ؟ " أطال النظر إلى جزمتي وهي زوج من الجلد الروسي ، وبدا لي أن وجهه استعاد بعض عافيته ثم مد يده إلى باطن قدمي وقال لي : " هل يلائمك هنا ؟ أنني أذكر بأن هذا الزوج أتعبني قليلاً " فأكدت له بأنه يلائمني تماماً وعندها سألني " هل تود أن أصنع لك بعض الجزم ؟ بوسعي صنعها لك بسرعة إذ ليس لدي ما أقوم به هذه الأيام " أجبته : " بلى من فضلك فأنا بحاجة إلى جزم من كافة الأنواع " فرد عليّ : " سأصنع لك طرازاً جديداً لم يسبق أن صنعته لك. لقد صارت قدمك أكبر فيما يبدو، بعدها بدأ في تدوير قلم الرصاص حول قدمي بتثاقل شديد ثم تلمس أطراف أصابع قدميّ، ونظر لمرة واحدة إلى الأعلى ليسألني عما إذا كان قد أبلغني بوفاة أخيه. لقد كان النظر إليه يبعث في داخلي الحزن والألم، إذ لاحظت وهنه وهرمه ولم أفرح بشيء كفرحي بالفرار منه ولم أعد أفكر بهذه الأحذية لاستبعادي فكرة صنعه لها، بيد أنها وصلتني ذات أمسية.

فتحت الطرد لأرى أربعة أزواج من الجزم فقمت برصها إلى جانب بعضها البعض ثم جربتها واحداً تلو الآخر ، كانت تلك الأزواج الأربعة رائعة حقاً في الشكل وفي الملاءمة لقدمي وفي تشطيب وجودة الجلد الذي صنعت منه . لقد كانت بحق أفضل ما صنعه لي على الإطلاق . نظرت إلى فتحة ساق أحد الأزواج التي استلمتها فوجدت فاتورة منه بقيمتها وكان المبلغ هو نفس المبلغ المعتاد لكنني صدمت إلى حد ما إذ لم يسبق له أن أرسل لي فاتورة قط قبل مرور أربعة أيام على استلامي للطرد . هبطت درجات السلم مسرعاً وحررت له شيكاً بالمبلغ وقمت بإرساله بالبريد فوراً وبنفسي . وبعد مضي أسبوع عرجت على الزقاق الذي كان يقبع به حانوته ووجدت ساقي تسير بي إلى ذلك الحانوت ورأيت في ذلك فرصة لكي أعبر له عن إعجابي الشديد بالجزم الجديدة التي صنعها لي واصف له كم هي مريحة ولدهشتي وجدت اسمه قد اختفى عن واجهة الحانوت رغم وجود نفس الجزم النسائية ذات السيقان الرفيعة والجلود الخاصة المكسوة بظهارة من القماش، وجزم الفروسية بلمعتها السخاميّة ، تقبع جميعاً في مكانها . دفعني شعور عميق بالقلق إلى ولوج المحل لأجد الحانوتين قد ضما معاً كما كانا في السابق ووجدت هناك شاباً أنجليزي الملامح ، فبادرته : " هل السيد / جزلر في الداخل ؟ " نظر إليّ الشاب نظرة استغراب ورمقني شزراً ثم أجابني : " لا يا سيدي " ، " لكن بوسعنا خدمتك بكل سرور ، فقد أصبح المحل ملكنا ولابـد انـك رأيت اسمنا معلقــاً على واجهة بابه الآخر . أننا نخدم بعض الشخصيات المهمة " فعاجلته : " أجل : أجل ! لكن ماذا عن السيد / جزلر ؟ " تأوه ذلك الشاب عندئذ وأجابني " لقد مات " ، وقع عليّ هذا الخبر وقع الصاعقة فما دريت إلا ولساني يسبقني في التساؤل باستغراب: " مات ! كيف يكون هذا وأنا لم استلم هذه الجزم إلا يوم الأربعاء من الأسبوع الفائت " فعقب الشاب بقوله " رحيل تصدم له بحق ! لقد قضى العجوز المسكين جوعاً ".

" رحمتك يا رب! "

" إنه الجوع البطيء ، هكذا سماه الطبيب. كما ترى فقد نهج هذا الأسلوب لكي يستمر في العمل ولكي يبقي على حانوته ، لم يسمح لأحد بأن يلمس ما يصنع من جزم إلا نفسه وعندما كان يتلقى طلباً كان يستغرق وقتاً طويلاً في صنعه فأنفضّ الناس من حوله وخسر جميع زبائنه . كان يجلس هناك منكباً على عمله ليله ونهاره وأصدقك لو قلت بأنه ما من رجل في لندن بوسعه صنع جزم أفضل من تلك التي كان يصنعها ! لم يلجأ بتاتاً إلى الترويج لنفسه رغم ما تراه من منافسة ، لم يكن يتعاطى إلا بأجود أنواع الجلود وكان يقوم بكل العمل بنفسه . أنظر ماذا كانت النتيجة ! ماذا تتوقع لرجل بهذه الأفكار ؟

" لكن الجوع ! - قد يكون هذا القول مغالى فيه – بيد أنني كنت أراه بنفسي منكباً على جزمه مواصلاً ليله بنهاره حتى آخر رمق ". كما ترى فأنني كنت أراقبه ولم أره قط يمنح نفسه فرصة ليأكل ولم يدخر قرشاً لنفسه بل كان ينفق كل ما لديه في سداد إيجار الحانوت وشراء الجلد وأستغرب كيف ظل على قيد الحياة لهذه المدة الطويلة . لقد اعتاد على ترك ناره تنطفئ . انه شخصية لا تنسى . لقد كان صانع أحذية جيد " .

علقت : " بلى ! كان صانع أحذية جيد " ثم استدرت ومضيت على عجل إذ لم أشأ أن يلحظ ذلك الشاب أنني بالكاد أرى طريقي .

ايمان حمد
01/05/2007, 08:02 PM
السلام عليكم

استاذ فتحى صالح
قرأتها وتسلم يمناك
ولكن سيدى ليتك تضع النص الأجنبى كى نرسلها فى النشرة الأسبوعية
فهى جديرة بالمتابعة

تحيتى وانتظارى

فتحي صالح
02/05/2007, 03:19 AM
الاخت الفاضلة ايمان،
نرولا على طلبك، ارفق النص الانجليزي للقصة، لكن لدي سؤال طالما جال في خاطري: "هل للمترجم الحق في نشر عمل آجر تقاضى اجره عنه؟"

آمل تفضلك بطرح هذا السؤال للنقاش ، فلعل اهل الاختصاص يفيدونا عنه، ولعلي ان لم يكن في ذلك بأس ان ادلي بدلوي وارتقي بمشاركاتي الى المستوى الذي يستحقه جمعكم الرائع بكل جدارة

َQuality
By John Galsworthy
1932 Nobel Laureate for Literature

I knew him from the days of my extreme youth, because he
made my father’s boots; inhabiting with his elder brother
two little shops let into one, in a small by-street-now no
more, but then most fashionably placed in the West End.
That tenement had a certain quiet distinction; there was
no sign upon its face that he made for any of the Royal
Family—merely his own German name of Gessler Brothers;
and in the window a few pairs of boots. I remember that it
always troubled me to account for those unvarying boots in
the window, for he made only what was ordered, reaching
nothing down, and it seemed so inconceivable that what he
made could ever have failed to fit.
Had he bought them to put there? That, too, seemed
inconceivable. He would never have tolerated in his house
leather on which he had not worked himself. Besides, they
were too beautiful—the pair of pumps, so inexpressibly slim,
the patent leathers with cloth tops, making water come into
one’s mouth, the tall brown riding boots with marvellous
sooty glow, as if, though new, they had been worn a hundred
years. Those pairs could only have been made by one who
saw before him the Soul of Boot—so truly were they prototypes
incarnating the very spirit of all foot-gear.
These thoughts, of course, came to me later, though even
when I was promoted to him, at the age of perhaps fourteen,
some inkling haunted me of the dignity of himself and brother.
For to make boots—such boots as he made—seemed to me
then, and still seems to me, mysterious and wonderful.
I remember well my shy remark, one day, while stretching
out to him my youthful foot: “Isn’t it awfully hard to do, Mr.
Gessler?”
(continued …)
And his answer, given with a sudden smile from out of the
sardonic redness of his beard: “Id is an Ardt!”
Himself, he was a little as if made from leather, with his
yellow crinkly face, and crinkly reddish hair and beard; and
neat folds slanting down his cheeks to the corners of his
mouth, and his guttural and one-toned voice; for leather is a
sardonic substance, and stiff and slow of purpose. And that
was the character of his face, save that his eyes, which were
grey-blue, had in them the simple gravity of one secretly possessed
by the Ideal. His elder brother was so very like him—
though watery, paler in every way, with a great industry—that
sometimes in early days I was not quite sure of him until the
interview was over. Then I knew that it was he, if the words,
“I will ask my brudder,” had not been spoken; and that, if they
had, it was his elder brother.
When one grew old and wild and ran up bills, one somehow
never ran them up with Gessler Brothers. It would not
have seemed becoming to go in there and stretch out one’s
foot to that blue iron-spectacled glance, owing him for more
than—say—two pairs, just the comfortable reassurance that
one was still his client. For it was not possible to go to him
very often—his boots lasted terribly, having something
beyond the temporary—some, as it were, essence of boot
stitched into them. One went in, not as into most shops, in
the mood of: “Please serve me, and let me go!” but restfully,
as one enters a church; and, sitting on the single wooden
chair, waited—for there was never anybody there.
Soon, over the top edge of that sort of well—rather dark,
and smelling soothingly of leather—which formed the shop,
there would be seen his face, or that of his elder brother,
peering down. A guttural sound, and the tip-tap of bast slippers
beating the narrow wooden stairs, and he would stand
before one without coat, a little bent, in leather apron, with
sleeves turned back, blinking—as if awakened from some
dream of boots, or like an owl surprised in daylight and
annoyed at this interruption.
And I would say: “How do you do, Mr. Gessler? Could you
make me a pair of Russia leather boots?”
Without a word he would leave me, retiring whence he
came, or into the other portion of the shop, and I would, continue
to rest in the wooden chair, inhaling the incense of his
trade.
Soon he would come back, holding in his thin, veined hand
a piece of gold-brown leather. With eyes fixed on it, he would
remark: “What a beaudiful biece!”
When I, too, had admired it, he would speak again. “When
do you wand dem?” And I would answer: “Oh! As soon as you
conveniently can.” And he would say: “To-morrow fordnighd?”
Or if he were his elder brother: “I will ask my brudder!”
Then I would murmur: “Thank you! Good-morning, Mr.
Gessler.” “Goot-morning!” he would reply, still looking at the
leather in his hand.
And as I moved to the door, I would hear the tip-tap of his
bast slippers restoring him, up the stairs, to his dream of
boots. But if it were some new kind of foot-gear that he had
not yet made me, then indeed he would observe ceremony—
divesting me of my boot and holding it long in his hand, looking
at it with eyes at once critical and loving, as if recalling
the glow with which he had created it, and rebuking the way
in which one had disorganized this masterpiece. Then, placing
my foot on a piece of paper, he would two or three times tickpage
2
le the outer edges with a pencil and pass his nervous fingers
over my toes, feeling himself into the heart of my requirements.
I cannot forget that day on which I had occasion to say to
him; “Mr. Gessler, that last pair of town walking-boots
creaked, you know.” He looked at me for a time without
replying, as if expecting me to withdraw or qualify the statement,
then said: “Id shouldn’d ‘ave greaked.”
“It did, I’m afraid.”
“You goddem wed before dey found demselves?”
“I don’t think so.”
At that he lowered his eyes, as if hunting for memory of
those boots, and I felt sorry I had mentioned this grave thing.
“Zend dem back!” he said; “I will look at dem.”
A feeling of compassion for my creaking boots surged up
in me, so well could I imagine the sorrowful long curiosity of
regard which he would bend on them.
“Zome boods,” he said slowly, “are bad from birdt. If I can
do noding wid dem, I dake dem off your bill.”
Once (once only) I went absent-mindedly into his shop in
a pair of boots bought in an emergency at some large firm’s.
He took my order without showing me any leather, and I
could feel his eyes penetrating the inferior integument of my
foot. At last he said:
“Dose are nod my boods.”
The tone was not one of anger, nor of sorrow, not even of
contempt, but there was in it something quiet that froze the
blood. He put his hand down and pressed a finger on the
place where the left boot, endeavouring to be fashionable,
was not quite comfortable.
“Id ‘urds you dere,” he said. “Dose big virms ‘ave no selfrespect.
Drash!” And then, as if something had given way
within him, he spoke long and bitterly. It was the only time I
ever heard him discuss the conditions and hardships of his
trade.
“Dey get id all,” he said, “dey get id by adverdisement,
nod by work. Dey dake it away from us, who lofe our boods.
Id gomes to this—bresently I haf no work. Every year id gets
less you will see.” And looking at his lined face I saw things I
had never noticed before, bitter things and bitter struggle—
and what a lot of grey hairs there seemed suddenly in his red
beard!
As best I could, I explained the circumstances of the purchase
of those ill-omened boots. But his face and voice made
so deep impression that during the next few minutes I
ordered many pairs. Nemesis fell! They lasted more terribly
than ever. And I was not able conscientiously to go to him for
nearly two years.
When at last I went I was surprised to find that outside
one of the two little windows of his shop another name was
painted, also that of a bootmaker-making, of course, for the
Royal Family. The old familiar boots, no longer in dignified
isolation, were huddled in the single window. Inside, the now
contracted well of the one little shop was more scented and
darker than ever. And it was longer than usual, too, before a
face peered down, and the tiptap of the bast slippers began.
At last he stood before me, and, gazing through those rusty
iron spectacles, said:
“Mr.——-, isn’d it?”
“Ah! Mr. Gessler,” I stammered, “but your boots are really
too good, you know! See, these are quite decent still!”
page 2
And I stretched out to him my foot. He looked at it.
“Yes,” he said, “beople do nod wand good boods, id
seems.”
To get away from his reproachful eyes and voice I hastily
remarked: “What have you done to your shop?”
He answered quietly: “Id was too exbensif. Do you wand
some boods?”
I ordered three pairs, though I had only wanted two, and
quickly left. I had, I do not know quite what feeling of being
part, in his mind, of a conspiracy against him; or not perhaps
so much against him as against his idea of boot. One does
not, I suppose, care to feel like that; for it was again many
months before my next visit to his shop, paid, I remember,
with the feeling: “Oh! well, I can’t leave the old boy—so here
goes! Perhaps it’ll be his elder brother!”
For his elder brother, I knew, had not character enough to
reproach me, even dumbly.
And, to my relief, in the shop there did appear to be his
elder brother, handling a piece of leather.
“Well, Mr. Gessler,” I said, “how are you?”
He came close, and peered at me.
“I am breddy well,” he said slowly “but my elder brudder
is dead.”
And I saw that it was indeed himself—but how aged and
wan! And never before had I heard him mention his brother.
Much shocked; I murmured: “Oh! I am sorry!”
“Yes,” he answered, “he was a good man, he made a good
bood; but he is dead.” And he touched the top of his head,
where the hair had suddenly gone as thin as it had been on
that of his poor brother, to indicate, I suppose, the cause of
death. “He could nod ged over losing de oder shop. Do you
wand any boods?” And he held up the leather in his hand:
“Id’s a beaudiful biece.”
I ordered several pairs. It was very long before they
came—but they were better than ever. One simply could not
wear them out. And soon after that I went abroad.
It was over a year before I was again in London. And the
first shop I went to was my old friend’s. I had left a man of
sixty, I came back to one of seventy-five, pinched and worn
and tremulous, who genuinely, this time, did not at first know
me.
“Oh! Mr. Gessler,” I said, sick at heart; “how splendid your
boots are! See, I’ve been wearing this pair nearly all the time
I’ve been abroad; and they’re not half worn out, are they?”
He looked long at my boots—a pair of Russia leather, and
his face seemed to regain steadiness. Putting his hand on my
instep, he said:
“Do dey vid you here? I ‘ad drouble wid dat bair, I remember.”
I assured him that they had fitted beautifully.
“Do you wand any boods?” he said. “I can make dem
quickly; id is a slack dime.”
I answered: “Please, please! I want boots all round—every
kind!”
“I will make a vresh model. Your food must be bigger.”
And with utter slowness, he traced round my foot, and felt
my toes, only once looking up to say:
“Did I dell you my brudder was dead?”
To watch him was painful, so feeble had he grown; I was
glad to get away.
I had given those boots up, when one evening they came.
page 2
Opening the parcel, I set the four pairs out in a row. Then one
by one I tried them on. There was no doubt about it. In shape
and fit, in finish and quality of leather, they were the best he
had ever made me. And in the mouth of one of the Town
walking-boots I found his bill.
The amount was the same as usual, but it gave me quite a
shock. He had never before sent it in till quarter day. I flew
down-stairs, and wrote a cheque, and posted it at once with
my own hand.
A week later, passing the little street, I thought I would go
in and tell him how splendidly the new boots fitted. But
when I came to where his shop had been, his name was
gone. Still there, in the window, were the slim pumps, the
patent leathers with cloth tops, the sooty riding boots. I went
in, very much disturbed. In the two little shops—again made
into one—was a young man with an English face.
“Mr. Gessler in?” I said.
He gave me a strange, ingratiating look.
“No, sir,” he said, “no. But we can attend to anything with
pleasure. We’ve taken the shop over. You’ve seen our name,
no doubt, next door. We make for some very good people.”
“Yes, Yes,” I said, “but Mr. Gessler?”
“Oh!” he answered, “dead.”
“Dead! But I only received these boots from him last
Wednesday week.”
“Ah!” he said, “a shockin’ go. Poor old man starved
‘imself.”
“Good God!”
“Slow starvation, the doctor called it! You see he went to
work in such a way! Would keep the shop on; wouldn’t have a
soul touch his boots except himself. When he got an order, it
took him such a time. People won’t wait. He lost everybody.
And there he’d sit, goin’ on and on—I will say that for him not
a man in London made a better boot! But look at the competition!
He never advertised! Would ‘ave the best leather, too,
and do it all ‘imself. Well, there it is. What could you expect
with his ideas?”
“But starvation——!”
“That may be a bit flowery, as the sayin’ is—but I know
myself he was sittin’ over his boots day and night, to the very
last. You see I used to watch him. Never gave ‘imself time to
eat; never had a penny in the house. All went in rent and
leather. How he lived so long I don’t know. He regular let his
fire go out. He was a character. But he made good boots.”
“Yes,” I said, “he made good boots.”
And I turned and went out quickly, for I did not want that
youth to know that I could hardly see.