المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرئيس المنهك وخفايا غزو أميركا للعراق



رامي
01/05/2007, 06:00 PM
الرئيس المنهك وخفايا غزو أميركا للعراق

متابعة/رامي الغف

انه الخامس من ديسمبر 1990. كانت حرب الخليج تلوح في الافق. مشى قائدان عربيان لاستطلاع الفرقة العسكرية على جانبهما. نظرا باحراج الى عيون بعضهما البعض. على الاقل واحد منهما كان يعتقد انه لن يرى الثاني الى الابد.
الرجل الاول هو صدام حسين والثاني أقرب حلفائه الملك حسين عاهل الأردن. قال صدام وقتها للملك 'كل الكون ضدنا والله معنا. سيكون النصر حليفنا فلا تقلق ولا تحمل نفسك من الهم ما هو أكثر من طاقتها'.
يتذكر الملك حسين تلك اللحظات بالقول 'كان علي العودة إلى بلدي وكنت حزينا وقلقا وتملأني التصورات السوداء. ما سمعته من صدام فاق مقدرتي على التعامل مع الامور'، وخلال اكثر من 6 عقود عاشها صدام، لم يستطع احد ان يثنيه او يتعامل معه.
كانت الديكتاتوريات تنهار هنا وهناك: سيسيسكو وموبوتو وميلوسوفيتش، لكن صدام حسين كان يحتفل بسقوط كل من شارك في حرب الخليج ضده لانه مازال في السلطة وانه نجح في الوصول إلى القرن الحادي والعشرين وهو يترأس العراق.
خلال 23 عاما كان صدام هو (الملهم) و (المنصور) و (الضرورة) ولو لم يكن النبي محمد (ص) آخر الأنبياء، لسمي هو نبيا كما قال ابرز مساعديه وهو عزة الدوري في يوم من الايام. انه (المهيب الركن) الذي لم يقدم الخدمة العسكرية لبلاده كما كان هو القائد القادم من القرية ليحكم المدينة باحكامها والتي اذته هو اولا باول حينما حرمته تلك القرية من التعلم وعاش في فقر حتى قرر الهرب إلى بغداد.
السنوات الاولى...
ولد صدام حسين في البيجات وهي احدى تفرعات عشيرة (البو ناصر) في الثامن والعشرين من ابريل (نيسان) 1937، اليوم الذي كان يحتفل بعيد مولده رسميا فيه، وتشير بعض المصادر الى ولادته في 27 ابريل(نيسان) وبعضها ان ولادته كانت في 1935. وعاشت عائلته في العوجة الواقعة قرب تكريت (160 كيلومتر شمال بغداد) ولم تسجل ولادته في اي سجل رسمي، ربما لان العراقيين كان يترددون في تسجيل اسماء ابنائهم الجدد خوفا من الخدمة العسكرية في زمن الحروب العالمية ومن هنا كان الاختلاف في تاريخ ميلاده.
اختار والده الغياب بعد ايام قليلة من ولادته، فتولى زوج أمه صبحة (حسن الابراهيم) مهمة تربيته. اشتهر زوج والدته بالقسوة، وكان يعرف في العوجة بـ (حسن الكذاب) او (حسن الجذاب) وكان غالبا ما يهين صدام ويهمله حتى عن الدراسة، وكان غالبا ما يكون خارج حلقات الاصدقاء ويحمل عصا حديدية ليحمي نفسه، وكان احد ذراعيه يحمل وشما عبارة عن من ثلاثة نقاط كانت ترسم على اذرع الاطفال في تلك الفترة.
ولعل الشخصية الأبرز في تلك الفترة والتي تركت أثرا على حياة صدام كان خاله (خير الله الطلفاح) الذي حمله من العوجة الى بغداد حينما بلغ العاشرة وادخله المدرسة كما زوجه فيما بعد ابنته ساجدة.
كانت رؤية خير الله الطلفاح السياسية هي التي اسهمت في بناء صدام سياسيا. كان يكره البريطانيين ويتغنـى بامجاد هتلر. وسجن خير الله طلفاح لست سنوات بسبب انتمائه الى احدى المجموعات النازية التي نجحت القوات البريطانية في تفريقها عام 1941 مع ظهور حركة رشيد عالي الكيلاني. وخلال تلك الفترة كتب جملته الشهيرة التي غالبا ما يشار اليها حينما يتم استعراض حياته : كان على الله أن لا يخلق ثلاث وهم الفرس واليهود والذباب.
في كتاباته وصف خير الله اليهود بأنهم 'نجاسة ومخلفات الشعوب الباقية'. وكان خير الله طلفاح هذا هو الذي صنع (صدام) سياسيا ومن العوجة تعلم صدام كيف يفرض بالخوف تلك الرؤى على اقرب مساعديه وهو ما سيكون واضحا في وقت لاحق لدى توليه السلطة.
عبد الناصر في شوارع بغداد...
كان الوضع في بغداد في بداية الخمسينات غير مستقر مع ظهور جمال عبد الناصر في القاهرة وكان صدام حسين من الأهداف الطبيعية لحزب كحزب البعث يسعى لتجنيد عناصر جدد إلى صفوفه يحملون نفس الخلفية الثقافية لصدام حسين. وكان هذا الحزب قد ظهر فعليا في سوريا عام 1944 قبل ان يتخذ شكلا رسميا في 1947. وكان الهدف الاول لهذا الحزب هو توحيد الأمة العربية وهو ما لم يتم حتى بعد أكثر من خمسين عاما تراوحت بين الحكم وعدمه في بعض البلدان العربية.
وعلى طريقة أفلام العصابات الأميركية التي تكلف أعضاءها الجدد بمهمة تثبت إخلاصهم،كانت المهمة الأولى التي أوكلت الى صدام حسين لدى انضمامه الى البعث الاغتيال، وكان أول ضحاياه سعدون التكريتي، وهو احد قادة الشيوعية في تكريت. والمعلوم ان الشيوعية كانت العدو الأبرز لحزب البعث العربي في بدايته، وكذلك حين تولى عبد الكريم قاسم السلطة بعد مذبحة قصر النهاية، على الرغم ان الشيوعيين استخدموا نفس طريقته كلما سنحت لهم الفرصة في مناسبات لاحقة.
نيران صديقة...
في العام 1958، اغتيلت العائلة المالكة الهاشمية في بغداد في ثورة دموية كما ذكرنا آنفا، لتبدأ مرحلة الديكتاتورية مع تولي عبد الكريم قاسم - وهو احد الجنرالات الكبار في الجيش العراقي في اخر ايام الملكية - مقاليد الامور في بغداد وهو الذي ناداه رئيس الوزراء العراقي (نوري السعيد) في اخر مرة رآه فيها بـ (كرومي) وهو اسم اطلقه تحببا دون ان يعرف نوري السعيد وهو صاحب المقولة الشهيرة (دار السيد مأمونة) ان كرومي هذا سيضع حدا له ولابنه الوحيد (صباح).
في العام 1959، قررت قيادة البعث العراقية التخلص من عبد الكريم قاسم بعد عام على توليه الحكم، وأوكلت هذه المهمة إلى صدام حسين وعدد من زملائه، ليس لإثبات الولاء هذه المرة إنما للترقية/، وهو ماتم حينما تعرض 4 أشخاص لموكب قاسم ولكنهم أصابوه دون أن يقتلوه وقد تفاوتت القصص حول ماحدث بعد ان اصيب صدام حسين وقتها في رجله اليسرى وقيل ان صدام هذا نجح في قيادة سيارة قطعت الطريق أمام قاسم وفتح النار ولكن السائق نسى مفتاح السيارة فيها وقد تسبب ذلك في ان يهرب صدام ورفاقه جريا وبعضهم ينزفون لكنهم نجحوا في قتل سائق الرئيس فيما اصابوا واحدهم الاخر اثناء مهرجان اطلاق النار في وسط بغداد حيث قيل ان صدام حسين هو الذي قتل زميله عبد الوهاب الغريري قبل ان يصاب باطلاقة احد زملائه الاخرين.
نجح احد مسؤولي البعث عن صدام في اخراج الرصاصة من رجله ليهرب في فجر اليوم التالي خارج بغداد على ظهر حصان ورغم جروحه نجح ابن البيجات في عبور نهر دجلة من اجل الوصول الى العوجة حيث ولد ومن ثم هرب إلى سوريا.
استخدم صدام هذه القصة فيما بعد في أكثر من مناسبة كان أبرزها قصة لفيلم (الايام الطويلة) الذي قام بتمثيله زوج ابنته الذي قتل فيما بعد على يد علي حسن المجيد بعد هروبه هو واخيه (حسين كامل) الى الاردن بتهمة الخيانة ثم جرى تسميتهم (شهداء غضب) وفي وقتها قتل المجيد أخاه في منطقة السيدية في بغداد وسرت شائعة أن علي حسن المجيد حينما دخل إلى بيت أخيه بعد أن اخمد اطلاق النار وضع قدمه على رأس أخيه الميت دليل على النصر.
وقام بإخراج الفيلم (الأيام الطويلة ) المخرج البريطاني (تيرينس يونغ) وقام ببطولته إلى جانب صدام كامل كل من إبراهيم جلال و محسن العزاوي و سلمان الجوهر وكان من الافلام الاخيرة التي اخرجها يونغ حيث اخرج 3 افلام اخرى بعد ذلك اخرها عام 1988 وتوفي عام 1994. خلال السنوات الاربعة التي تلت هروبه عاش صدام حسين في دمشق ومن ثم العاصمة المصرية القاهرة وقد كرمه الحزب بجعله عضوا عاملا في الحزب وهنا صعد نجمه.
خلال اقامته في مصر بدات علاقته مع ابنة خاله (خير الله طلفاح) وهي ساجدة والذي تزوجها في عام 1964 وكان يحاول وقتها دراسة القانون في جامعة القاهرة قبل ان يعود الى العراق عام 1963 اثر انقلاب عبد السلام عارف على صديقه القديم عبد الكريم وبعد اشهر قليلة انقلب عارف على الزملاء اللذين ساعدوه في الانقلاب ليدخل صدام الى السجن مرة اخرى حتى عام 1966 وهو العام الذي شهد مقتل عبد السلام بعد سقوط طائرته التي كان يقول عنها بما يمكن وصفه (بالقول المأثور) العراقيون (صعد لحم .. نزل فحم) اختصارا لمصير رجل في السلطة وخلال فترة سجنه كان الامور خارج السجن تتوالى حينما أصبح احمد حسن البكر وهو من أقرباء صدام من الدرجة الاولى قائدا للجناح العراقي لحزب البعث وكان البكر غالبا ما يفضل صدام في اعطاءه مختلف المهام في وقتها , ومع خروج صدام حسين من السجن كانت عمليات الاغتيال في العراق أسهل بكثير من الحصول على المسدس والاطلاقات التي سيتم بها هذا الاغتيال خصوصا وان الرئيس العراقي (عبد الرحمن عارف) وهو شقيق الرئيس السابق (عبد السلام عارف) كان يعرف عنه زهده عن الرئاسة وانه كان ينتظر يوميا الساعة الثانية ظهرا لانه موعد مغادرة وظيفته اليومية المتمثلة في (كرسي رئاسة الجمهورية).
اصبح صدام نائبا فعليا للبكر حتى قبل مجئ البعث للسلطة في 17 يوليو 1968 حينما نجح حزب البعث في السيطرة على القصر الرئاسي بعد تواطئ حراسه ورئيس الوزراء في عهد عبد الرحمن عارف وهو التواطئ الذي ادى بهم الى دفع الثمن غاليا فيما بعد .. حياتهم.
رسميا قيل ان صدام دخول القصر في دبابة وقد قاد عملية اطلاق النار داخل القصر الجمهوري بينما من كان هناك وقتها (واغلبهم اصبح ضد الثورة التي قادوها) قدموا رواية اخرى لما حدث رغم انهم لايشكون ان دوره كان أساسيا في عملية السيطرة تلك , وحينما اصبح البكر رئيسا بعيد نجاح الثورة قدم لصدام منصب نائب الرئيس له هدية لم يكن يعلم وقتها انها ستكون سكينا على رقبته في ليلة احتفاله بالذكرى الحادية عشرة لانطلاق الثورة.
استخدم صدام حسين المليارات من عائدات النفط التي حصل عليها من خلال تاميم النفط العراقي وقام بعملية تحديث واسعة على مستوى البلد لتتحول بغداد من سيدة هاربة دوما من الفيضانات الى مدينة حديثة فيها ابراج حديثة و طرق على أعلى مستوى واطلق صدام واحدة من اهم الحملات في العالم لتحديث نظام التعليم في العراق ببناء المدارس و محو الامية الامر الذي اثار اعجاب (اليونيسكو) التي قدمت له جائزة.
ومع كسب قلوب العراقيين بهذه الحملة كان صعود نجم صدام حسين يعنـي مزيد من اطلاق النار في الكواليس خصوصا في منتصف السبعينات وهي الفترة التي شهدت افتتانه بالحكم في العراق وكانت تلك الفترة التي شهدت تحويل الاموال من البناء في العراق الى بناء من نوع اخر ... بناء الجيوش الجرارة.
في عام 1975 زار صدام حسين فرنسا, وهناك التقى جاك شيراك الذي اصبح فيما بعد رئيسا للوزراء ومن ثم رئيسا لفرنسا وكان شيراك قد دلل صدام كثيرا في هذه الزيارة من اجل ان يبيع له مفاعلا نوويا يبلغ قيمته 2 مليار دولار وهو ما نجح في الحصول عليه ... توقيع صدام بالموافقة.
ما كان مثيرا في هذا الاتفاق ان صدام حسين فرض شروطه التي علمه اياها خير الله طلفاح (يمنع على فرنسا الاعتماد على اي شخص ذو جذور يهودية او له اي صلة قرابه بهم في الاشتراك في هذا المشروع) ووافقت فرنسا. اصر جاك شيراك ان المفاعل النووي هو للاستخدام السلمي المدني فقط بينما كان صدام حسين اكثر صراحة حينما قال ' الاتفاق مع فرنسا هو الخطوة القوية الاولى من اجل انتاج قنبلة نووية عربية!'