المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إبتكار مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الحسيني



حسين أحمد سليم
18/04/2013, 08:33 PM
إبتكار مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الحسيني
بقلم المُصمّم والمُبتكر اللبناني, الفنّان التّشكيلي والرّسّام الهندسي الفنّي
حسين أحمد سليم

كربلاء أرض الطّفّ بالعراق, التي جرت فوق ترابها واقعة مقتل الإمام الحسين في العاشر من شهر محرّم للعام الهجري الواحد والسّتّين, والجعجعة به, ثُمّ قتله وقطع رأسه والتّمثيل بجسمانه, وقتل أصحابه ظلماً وإعتداءً وزوراً وبهتاناً, والإعتداء السّافر على أهل بيته والتّنكيل بهم, دون وجه حقّ, وهتك أستارهم وقتل غالبيّتهم, دون إيمان أو وازع من ضمير أو رادع من وجدان, وسبي من بقي منهم على قيد الحياة عنوة قهر وإذلال, وممارسات فعل تعذيبهم وتجويعهم في مسارات الطّريق الطّويل, ومروراً بهم إستعراضاً ومهانةً في همروجات سياسيّة ساقطة, بمدن وقرى وبلدات ومسافات ممتدّة, وإجتيازهم الأودية والأماكن الوعرة والجبال والسّهول, وصولا بهم إلى مجلس الحاكم الطّاغية في دمشق ببلاد الشّام...
إنبثقت من رحم تلك الواقعة الكربلائيّة المؤلمة, الشّعائر الحسينيّة العاشورائيّة السّنويّة, التي تتفاعل مع الطّقوس والشّعائر التي تتعاظم في تفاعل ثورتها على صعد كثيرة, بحيث ساهمت الشّعائر الكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة بقوّة, في التأثير الواسع الفاعل في بُنى وتطوير وتفعيل منظومات الفنون الثّقافيّة الأدبيّة منها, والفنّيّة التّشكيليّة والأدائيّة القديمة والحديثة على حدّ سواء...
وعاشوراء الحسين, غدت ترتبط بواقعنا الذي نعيش اليوم, وتتّصل بحياتنا التي نُريد لها الإستمرار للغد, بحيث تُغذّي ذاكرتنا وتشحذ وجداننا, وتُقلبن عقولنا وتُعقلن قلوبنا, لتتجذّر في ذواتنا وكينوناتنا وثقافاتنا, ومخزوننا الشّعبي التّقليدي, وتروي ظمأ فنوننا العامّة من أدبيّة وأدائيّة وغيرها, سيّما في مجالات ثقافة الفنون التّشكيليّة منها, وبأساليب متنوّعة من حركات فعل الإبتكار والصّنع في فنون الإبداع بالرّسم, وفنون التّشكيل بالنّحت, وفنون الإبتكار بالأشغال اليدويّة والصّناعيّة والإحترافيّة, بالإعتماد على أسس ومباديء مدارس ومذاهب ومسارات الفنون التّشكيليّة العالميّة المعروفة, مع الإحتفاظ بالخصوصيّات الرّوحيّة الدّينيّة, إضافة لإستنباط وإبتكار رؤى ومسارات ومدارس فنّيّة عاشورائيّة حسينيّة تتماشى مع وقائع مجتمعاتنا وبيئتهاً...
فعاشوراء الكربلائيّة الحسينيّة بالمفاهيم الثّوريّة الفكريّة والثّقافيّة المعاصرة, أضرمت حركات فعل الإبداع والإبتكار, وحفّزت وجدان الفنّانين التّشكيليين رسماً ونحتا, وأثرت خيالهم برؤى وأطياف فنّيّة من إمتدادات البعد الخيالي, لتصوّر الواقعة الكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة بالطّفّ العراقيّ, ورسم معالم ذيولها اللاحقة التي توالدت من رحمها, كمسيرة السّبي لأهل بيت الحسين وأصحابه إلى بلاد الشّام, بما ساهم وساعد على ولادة الإبداع الفنّيّ التّشكيلي العاشورائي الحسيني الخاصّ, لرسم وتشكيل اللوحة الكربلائيّة والمشهديّة العاشورائيّة الحسينيّة, بأسلوب فنّيّ لافت وجذّاب ترفل له العيون وتهرق دمعها, للإيحاءات التي تعكسها تلك اللوحة أو المشهديّة الكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة, التي تنمنمها وتنسجها وترسمها وتشكّلها أنامل الفنّانين التّشكيليين والرّسّامين الفنّيين... لتتزركش بالدّماء الحمراء, المنسابة من الرّؤوس المشقوقة بالسّيوف, على شكل صور متنوّعة وأيقونات مختلفة, وشعارات هادفة, ورموز ومصطلحات وتعابير وملصقات, ولوحات ومشهديّات ورسومات, ورايات سوداء وحمراء, ولافتات وعبارات وأقوال وحروفيّات ومجسّمات...
عاشوراء الكربلائيّة الحسينيّة, أزهرت الكثير وتوالد من صميمها الكثير من حركات فعل الخلق والإبداع والإبتكار في مجالات عديدة, وعاشوراء الحسين فعلت فعل السّحر في تطوير شؤون الفنون التّشكيليّة, بحيث كان لها الأثر الأكبر في تحديث جوانب عديدة في الفنون التّشكيليّة المعاصرة, سعياً لخلق وإبتكار مدرسة فنّيّة تشكيليّة جديدة, أفخر بتسميتها مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الحسيني العاشورائي...
أريد لمدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الحسيني العاشورائي الكربلائي, أن تكون المدرسة الفنّيّة التّشكيليّة الإيمانيّة المميّزة, التي تحملنا على صهوات أثيريّات ألوانها وأشكالها وعناصرها التّكوينيّة ورموزها ومصطلحاتها وتعابيرها, لترود بنا عالم الفنون الإسلاميّة الهادفة في هذا الزّمن...
فمسيرة فنون الرّسم والتّشكيل العاشورائي بدأت فور مصرع الإمام الحسين فوق رمال كربلاء, وواكبت مسيرة السّبايا من بقايا أهل بيته... حيث كانت ولادة أوّل عمل فنّي رسّخ في الذّاكرة والوجدان الحدث الكربلائي الحسيني التّاريخي وما تلاه, رسمة تلك اللوحة الفنّيّة التي قام بنقشها الرّاهب النّصراني قراقوليس لرأس الإمام الحسين, أثناء مسيرة السّبايا من كربلاء إلى الشّام, حين طلب الرّاهب إيداعه الرّأس الشّريف داخل كنيسة دير رأس بعلبك للتّبرّك به... وهذه اللوحة ما تزال محفوظة ضمن ممتلكات متحف موسكو بروسيا...
وإنبثقت بعد ذلك محاولات تشكيليّة محدودة, من قبل البعض المهتمّ في التّوثيق للواقعة الكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة بالرّيشة واللون, ومنذ زمن الحكم البويهي, حيث أوحت المأساة العاشورائيّة الحسينيّة الدّامية, بالخلق والإبداع الفنّي التّشكيلي, للفنّانين والرّسّامين والتّشكيليين في العراق وإيران وأزربيجان والأناضول وبعض مناطق سيبيريا وعدد من الدّول الأخرى, إلى أن عمّت أنحاء كثيرة في العالمين العربي والإسلامي...
ومع بدايات الإحتفاء السّنوي التّقليدي بالذّكرى العاشورائيّة الحسينيّة, أخذت المراسم العاشورائيّة بالتّطوّر في ممارسات الشّعائر والطّقوس, ومنها الإفتاء الشّرعي بجواز التّصوير والرّسم والتشكيل... وتشييد المباني الحسينيّة والتّكايا, وتزيينها بالزّخارف واللوحات الفنّيّة العاشورائيّة والمشهديّات الكربلائيّة الحسينيّة, بحيث تضمّ إحدى هذه التّكايا في كرمنشاه والتي تمّ تشييدها في العام 1917 للميلاد, أكبر لوحة فنّيّة شعبيّة لمشهد السّبايا الحسينيين وهنّ مكبّلات بالسّلاسل والأصفاد الحديديّة, بالإضافة إلى لوحات ومشهديّات أخرى, تُحاكي الوقائع الكربلائيّة التّفصيليّة, بتقنيّات بانوراميّة تصويريّة للواقعة بتفاصيلها وعناصرها ورموزها وشخصيّاتها... بحيث غدت اللوحة الفنّيّة التّشكيليّة العاشورائيّة الحسينيّة لوحة سرديّة, شاء الفنّان التّشكيلي من خلالها القيام بدور الرّاوي التّصويري, لتجسيد المشهديّات العاشورائيّة الحسينيّة البّانوراميّة, وللإحاطة بتفاصيل الواقعة من جميع الجهات...
هذا وأصبحت فنون الرّسم العاشورائي الحسيني تحكي قصّة الثّورة العاشورائيّة الحسينيّة بلغة تشكيليّة فنّيّة, تذخر بالرّموز والتّعابير والدّلالات والإشارات التي تدخل الوجدان من دون إستئذان, وتُحرّك العواطف من خلال جماليات فنون التّشكيل والرّسم في لوحات وجداريّات ومنمنمات, لإيصالها إلى الجمهور المتلقّي بأسلوب ممتع وطريقة سهلة... وتحوّلت اللوحة الكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة, لوسيلة حديثة وعصريّة من وسائل وأدوات الإعلام العاشورائي الحسيني, لا تقتصر على جماليات الفنون فقط, وإنّما لها وظيفتها الإعلاميّة والإخباريّة, بما تثير التّفاعل مع المتلقّي ليعيش الواقعة الكربلائيّة وكأنها حدثت في الحال...
فنون التّشكيل العاشورائي هي حركات فعل محاكاة الواقعة الكربلائيّة الحسينيّة, والتّعبير عنها بالرّيشة واللون فوق الخامات المتعدّدة ووفق الأساليب والمدارس والمذاهب الفنّيّة المتنوّعة, وبمؤازرة الكلمة التّعبيريّة, بحيث يسهل على المتلقّي فهمها...
والفنّ التّشكيلي العاشورائي الحسيني غدا عنصراً مهمّاً لا بُدّ منه لعرض تفاصيل ملحمة كربلاء وإيصال رسالتها المحقّة إلى أبعد ما يُمكن في إثراء مفاهيم عقول الناس وهديها للحقيقة...
ومع تطوّر فنون الرّسم والتّشكيل العاشورائي الحسيني, راح الفنّان يُمارس حركات فعل الإبداع في عمليّات التّعبير عن الواقعة الكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة, وأخذت هذه الفنون في تأدية دورها الوظيفي الإعلامي الدّيني, وإنطلقت المراسم والشّعائر العاشورائيّة الكربلائيّة الحسينيّة, وإخترقت إطارها التّقليدي, حتّى أصبحت عاشوراء الحسين النّاطق الأصدق, تحكي معاناة الشّعوب المغلوب على أمرها والمظلومة بحكّامها, والحاضرة من خلال المعاني والرّموز والتّعابير الفنّيّة في عناصر اللوحة العاشورائيّة الحسينيّة, لتتحقّق عاشوراء الحسين وتتجسّد في كلّ زمان وفي كلّ مكان وفي كلّ أرض...
وعليه نستطيع تحديد قواعد وأسس مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل للواقعة العاشورائيّة الحسينيّة, التي نستكمل إستنباط وإبتكار عناصرها التّشكيليّة, ونطمع في ترسيخها وتثبيتها كمدرسة فنّيّة تشكيليّة حسينيّة عالميّة, تأخذ مكانها الصّحيح في منظومة مدارس الفنون التّشكيليّة المعروفة, لتتجسّد بمجموعة من الرّموز والتّعابير والمصطلحات العاشورائيّة الحسينيّة, الدّالّة عليها تمييزاً وتحديداً, والتي نُلخّصها كما يلي:
بصورة رمزيّة لشكل السّيف, الذي يقطر دماً أحمراً قانياً, والذي يرمز تعبيريّا إلى إستشهاد الإمام الحسين به, فوق أرض كربلاء في العراق...
وبصورة الرّأس البشري الملتحي والمُشعّث الشّعر, المخضّب بالدّماء الحمراء, والمقطوع عن الجسد الإنساني, والمرفوع على الرّمح, تعبيرا رمزيّاً لرأس الإمام الحسين, الذي رُفع بعد فصله عن الجسد على الرّمح, والسّير به إلى مجلس حاكم الشّام...
وبصور الأكفّ المقطوعة, وصور أشكال قربة الماء الممزّقة, والتي تُعبّر الأكفّ مع القربة عن شخصيّة العبّاس, أخ الحسين, الذي لُقّب بساقي العطاشى...
لتتماذج هذه الرّموز والمصطلحات مع العناصر الفنّيّة التّشكيليّة العاشورائيّة الحسينيّة وأجزائها, كالصّور التّعبيريّة والتّرميزيّة للإمام الحسين والعبّاس وعليّ الأكبر, وصور السّبايا التّرميزيّة والتّجريديّة والسّورياليّة: شقيقة الحسين زينب, وزوجاته وزوجات أهل بيته وأصحابه مع الأطفال, بحيث تبرز بعض الرّموز كذلك, لتضاف إلى أسس إبتكار مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الحسيني العاشورائي ومنها:
الأصفاد والسّلاسل الحديديّة, التي تمّ بها جعل جميع السّبايا ومن معهنّ مكبّلين بالأصفاد والحديد, ومُتشحات بالسّواد...
وكذلك صورة الحصان المُدمّى والمثقل بالجراحات, والمُأطيء الرّأس حزنا وألماً على فقدان فارسه الإمام الحسين...
إضافة للحروفيّات الكتابيّة التي تتناغم وتتكامل مع تشكيلات الرّسومات الفنّيّة, لتؤلّف العمل الفنّي الإبداعي العاشورائي الحسيني...
ناهيك عن منظومة أطياف الألوان التي تتميّز بها اللوحة العاشورائيّة الحسينيّة, وخاصّة اللونين الأحمر والأسود...
بحيث يرمز اللون الأحمر إلى لون الدّمّ ويُعبّر عن القتل والشّهادة, فيما يُعبّر اللون الأسود عن الحزن والحداد والفاجعة والمأساة في كربلاء, إضافة لرمزيّته للظّلم بحقّ النّاس...
هذا ولقد تعدّدت الأساليب والتّقنيّات وتنوّعت المواد والخامات التي تُستخدم في صناعة اللوحة العاشورائيّة الحسينيّة, والتّعبير من خلالها عن الواقعة الكربلائيّة, من نقوش ولوحات جداريّة إلى لافتات إعلانيّة فملصقات ومجسّمات جامدة ومتحرّكة... وتعدّدت كذلك الأساليب الفنّيّة وتمحورت بين فنون المدارس الكلاسّيكيّة والإنطباعيّة والرّمزيّة والتّجريديّة والسّورياليّة والبصريّة والمفاهميّة وغيرها من الفنون التّجهيزيّة والإنشائيّة التّشكيليّة... كما تعدّدت أساليب التّقنيّات, ما بين إستخدامات الأقلام التّحبيريّة التي تستخدم الحبر الصّيني, وأقلام الرّصاص, والأقلام الخشبيّة الملوّنة, والأقلام المائيّة التّلوينيّة, إلى إستخدامات أصناف الألوان التّرابيّة فالألوان المائيّة والزّيتيّة والطّباشيريّة والصّناعيّة, وصولا لتقنيات الفنون اللونيّة والإبرو والحاسوبيّة, والجمع واللصق والتّشكيل الورقي, والموادّ المختلفة وفنون النّحت والحفر, والرسم على الزّجاج والخزف بكافّة أشكاله وأنواعه وتقنيّاته الحديثة, وصولا لتقنيّات فنون الرّسم الرّقميّة التي تُستخدم من خلال الحواسيب الشّخصيّة والبرمجيات العشريّة الرّقميّة التّابعة لها...
إلى هذا فإنّ التّعبير الحزين والمأساوي عن الواقعة الكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة, قد إختلف من مكان إلى آخر, ومن زمن إلى زمن آخر, ومن مجتمع إلى بيئة أخرى, وتحت ظلّ دولة ما إلى ظلّ دولة أخرى, وما بين ظروف ما وظروف أخرى, وبين حالة وحالة, وبين رسّام ورسّام آخر وفنّان تشكيلي وآخر, وبين مرسم ومرسم آخر وبين معرض ومعرض آخر... إلاّ أنّ جميع النّتاجات التي تنضوي تحت مدرسة فنون التّشكيل العاشورائي الحسيني, تلتقي وتتوافق على جوهر الموضوع, وتوجّهه وقيمته الهدفيّة, وإستلهام الأبعاد الرّوحيّة للثّورة الحسينيّة... بحيث غدت مدرسة الفنون الكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة, غنيّة وثريّة بالرّموز والعناصر والمصطلحات التّشكيليّة التّعبيريّة, التي تغدو متناغمة متماذجة متجانسة ومنسجمة مع كافّة الوحدات الفنّيّة الأخرى, التي يشأ الفنّان التّشكيلي التّعامل معها, لتفعيل لوحته الكربلائيّة العاشورائيّة الحسينيّة الفنّيّة...