المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إبتكار مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل بالكلمات



حسين أحمد سليم
23/04/2013, 09:47 PM
إبتكار مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل بالكلمات

بقلم: حسين أحمد سليم
آل الحاج يونس

المُصمّم المُبتكر والمخترع اللبناني, الفنّان التّشكيلي المتمرّس والرّسّام الهندسي الفنّي الخبير





منذ بداية رحلتي العُمريّة القدريّة مع القلم والورقة والمحارف والأرقام والأعداد, كانت تُراود وجداني الطّفوليّ الأفكار غير الإعتياديّة, المختلفة عن تلك التي كانت تُراود أمثالي من الأطفال وأقراني من الأولاد, وأنا أرتع وأمرح وألهو وأتشيطن في تلك القرية الرّيفيّة البقاعيّة, المُتربّعة إلى الغرب من مدينة التّاريخ المتماهية بالشّمس, القرية الفقيرة والنّائية عن كلّ معالم المدنيّة الحديثة في ذلك الزّمن... وكانت تُحاكي خيالاتي في البعد الممتدّ, إمتدادات السّماء الزّرقاء الصّافية, التي كانت مُقبّبة فوق قريتي وبيوتها وحواكيرها وقمّة جبلها, ورؤى أخرى ترميزيّة وتعبيريّة, مُغايرة تماماً, للواقع القرويّ الغارق بالفقر والعوز والحرمان, والسّائدة في رحابه وبين أفراده في بيئة المجتمع القروي التّقليدي, العادات القديمة, والتّقاليد الموروثة, والأخلاق العربيّة المعروفة بالكرم والعنفوان والوفاء والعزّة والإباء, وكانت الأعراف العشائريّة والقبليّة والعائليّة مسيطرة, وعلى الكلّ العودة لشيخ القبيلة في كلّ شاردة وواردة... ولم أكن يومها نظراً لصغر سنّي, أستطيع فكّ رموز ومصطلحات تلك المظاهر والموروثات والعادات والأعراف... وكانت كذلك تعتلج في كوامن نفسي, ثورة من الرّفض الذّاتي على كلّ ما يُحيط بي, دون أن أدرك الأسرار الخفيّة, الكامنة وراء ثورتي النّفسيّة, والتي كانت عارمة في تلك المرحلة من عمري, يوم كنت في عمر الورود المتفتّحة, تتماهى على أكمامها قطرات برّاقة من لؤلؤ الطّلّ والنّدى, تتلامع تحت سيّالات الشّمس الصّباحيّة...

غدوتُ فيما بعد, ومواكبةً مع كلّ ما كانَ يتفاعل في أعماق كينونتي, من سيل عاصف من الأفكار المختلطة والرّؤى المتشابكة, الممزوجة ببعض الكوابيس البيئيّة الإفتراضيّة, وبعض الأضغاث الإجتماعيّة الضّاغطة بكلاكلها, والتي حملتني, كأمر لا مفرّ منه, مقيّداً مُصفّداً ومسلسلاً على متون صهواتها, تشدّني نجمة الصّبح القدريّة, التي تتماهى بأطيافها الفجريّة, ترتسم برّاقةً في الأفق الشّرقيّ لبلادي, وتُحرّضني بقوّة وتُثيرني بشدّة, لريادة عوالم الفنون الأدبيّة, وولوج آفاق الفنون التّشكيليّة, وممارسات فاعلة لفنون الرّسم الفنّي والهندسي, لأخوض منذ البدء التّكويني لوعيي وعرفاني, غمار متاهات الخربشات العشوائيّة, وأهيم قناعة في ممارسات الشّخبطات غير المنتظمة, ودون أن أعرف أو أدرك أنّ ما أقوم به هو تطبيقات تنفيذيّة عمليّة, للأوجه عديدة ومتنوّعة ومختلفة وفي آن واحد, لمباديء وأسس العديد من المذاهب والمدارس الفنّيّة للرّسم والتّشكيل...

تعلّمت من خبراتي وتجاربي المديدة, وإقتبستُ من تقلّباتي وتأرجحاتي الإيجابيّة فوق محوري الرّقّاص, تلك التي لم ولن ولا تستقرّ على حال سلبيّ في مطاوي ومعالم, الفنون الأدبيّة والفنون التّشكيليّة وفنون الرّسم... تعلّمت شيئاً آخر, كان وما زال يتفاعل في متاهات بواطني التّفكيريّة, من حيث لا أدري, ولا أفقه له من تفسير أو تأويل, رغم كلّ إجتهاداتي وإستقراراتي... فغدوتُ حين أُمسكُ قلمي, أمسّده بدفء بنانات أناملي الحانيّة, حتّى يستدفيء ويبدأ بفعل التّحريض في البوح النّجوي, ذارفا دموعه حيناً, ويهرقها حيناً آخر, يبثّ حنين نجواه فوق صفحات الأوراق البيضاء...

فحين تحتضن أناملي النّحيلة قلمي, تبدأ بالإهتزازات المنتظمة والإرتجافات الآليّة, والقلم يتأرجح راقصاً على رأسه النّازف مداداً, وهو يُنمنم عناصر وجزيئات المحارف, ليُشكّل منها الكلمات, ويصوغ من الكلمات التّعابير, بحيث تتوالى ليصنع منها الخاطرة التي تُراود تفكّري ووجداني... أتفكّرُ يعقل مقلبن, وأتحسّس بقلب معقلن, بتحريض من وعيي الباطني, وتحفيز من عرفاني الذّاتيّ, وقلمي المطواع, صاحب الوفاء والإخلاص, يقوم بترجمة ما به أتفكّر, عبر سيلان الحبر الأحمر والأزرق والأخضر والأسود من طرف لسانه فوق الورق, تمدّه دواة الحبر بألوانها, تتّصل قدراً بشريان نابض بالحياة, لا يجفّ ولا ينضب ولا ينقطع...

فعندما أبدأ وقلمي بنمنمة عناصر وجزيئات محارف الكلمات, لتشكيل التّعابير التي تصنع خاطرتي, يتراءى لي تحسّساً عمليّاً وإستشعاراً إفتراضيّاً, أنّني بدأت برسم لوحة فنّيّة تشكيليّة جديدة, تنبض بالحياة عاكسة ما يعتلج في أثيريّات روحي... فأنا أمارس الكتابة والرّسم معاً, أكتب بالرّيشة اللونيّة, وأرسم بقلم حبر الكتابة... فتغدو الألوان تُشكّل خاطرتي, ويغدو القلم يرسم لوحتي, بحيث أمارس حركات فعل الإنسيابات الأثيريّة في تحوّلاتي, بين تموّجات شفافيّات سحب الكتابة والرّسم, فتارةً أكون كاتباً في ظواهري, بينما أنا رسّام في بواطني, وطوراً أكون رسّاماً فيما ينعكس عن إبداعاتي الظّاهريّة, بينما أنا كاتب تشكيلي في نبضات شغاف أعماقي... وحقيقة الأمر أنّني كاتب ورسّام في آن واحد، تلعب دواة الحبر عندي مقام ألواني, ويُمارس قلمي دور فرشاتي, وتتشكّل الكلمات التي أخطّها بين ثنايا صفحات الأوراق, لتصنع الخطوط التي أرسمها لقسائم وجه أفكاري, التي تتدفق من البعد الآخر عبر وجداني... فقلمي هو ريشتي, وريشتي هي قلمي, وأنا كاتب ورسّام، أرسم وأكتب كلّ ما أراه أو ألامسه أو أتفكّر به, ليتجسّد بين يديّ في نهاية المطاف رسماً ونصّاً لشيء في الكينونة والوجود موجود...

أنا ككاتب ورسّام, أكتب وأرسم معاً كلّ فكرة تتناهى لوجداني, آتية على صهوات التّفكّر, عبر خيالي من البعد الآخر, فأقلبن عقلي وأعقلن قلبي وأحرّض وعيي الباطني, وأحفّز عرفاني الذّاتيّ, وأستقريء ما يتماهى في البعد, ولا يستميلني إلاّ كلّ غريب وعجيب, وكلّ حديث وجديد... فأعمل على تلقيح ما يتناهى لتفكّري, وأبذل قصارى جهدي, ليتمخّض عقلي عمّا يسكنه ويشغله, لأبدع بفرشاتي, وأبتكر بقلمي, محاولا أن أصنع إطاراً جميلاً, مُجسّداً صور ومشهديّات أفكاري, فوق صفحات من الأوراق ومساحات من الخامات, وبأحبار لونيّة طيفيّة قزحيّة, أو ذات لون أحاديّ قاتم وداكن...

ما يسكنني من أطياف أفكار, وومضات رؤى, وسيّالات خلق, ودفق إبداعات, وليدة إيمان وإطمئنان ووعي وعرفان وثقافة... أحسّها رحمة ومودّة وعدالة وكرامة من الخالق لمخلوق فقير ضعيف على شاكلتي, لترفد كينونتي بخزّان متنوّع من الفنون الأدبيّة والتّشكيليّة, تتفجّر دفّاقة من فجوة نبع وجدانيّ تفكيريّ ما, وتتفتّق من كوّة تواصليّة ما في مكان ما, داخل كينونة أسرار بدائع صنع عقلي, الدّالّ على عظمة الخالق, والذي لا يتفكّر إلاّ بعظمة الله, عقلي المقلبن بالإيمان والإطمئنان, يدفع تحريضاً وتحفيزاً, بما في سرادقاته من أفكار, للخروج من سباتها وهدأتها وسكينتها, لتتجلّى بعظمة وعنفوان, وتتماهى بمسحات من الجمال في الواقع, بكلّ قوّة وثبات, وفي أبهى لوحة ومشهديّة وصورة, وفي أوضح وأجلى بيان...

تتلاقح بذور الأفكار قناعة إيمان في وجداني وعلى حين ومضة أثيريّة, في غفلة من الهدأة والسّكون, فيحبل بها عقلي ويحملها أجنّة في أحشائه محتضناً لها, ولا يتمخّض في وضعها إلاّ بعد أن تنمو بعناية وتتكامل منتعشة بالرّوح... فمنذ توامض الفكرة إلى حين ظهورها, وتجلّيها, أرتحل في غيبوبة قدريّة من الأحاسيس والإستشعارات والإستلهامات والإيحاءات, وأنشغل بأصداء ورجع أصوات, تناجيني جلاءً نفسيّاً حيناً, وتهمس بي جلاءً سمعيّاً أحياناً, تستصرخني وتستغيث بي, فأعتكف في صومعتي الصّوفيّة مُتفكّراً, أجدُّ في البحث والتّنقيب والإجتهاد والتّجريب, لأخلق إبداعاً إبتكاريّاً جديداً, بأسرع ما يمكن غير آبه بضغوطات الحياة اليوميّة, ومتطلّباتها اللامتناهية, وسباقات معتركاتها, التي تأخذنا من كينونتنا رغماً عن إراداتنا...

مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل بالكلمات, هي مولود فنّيّ إبداعيّ إبتكاريّ جديد, هداني الخالق لكشف النّقاب عنه... هذا العمل الفنّي الإبداعي الإبتكاري, يعتمد في عمليّات الكتابة والتّوقيع والتّشكيل والرّسم والإخراج, يعتمد أساساً على أشكال محارف الكلمات العربيّة والأجنبيّة, وعلى أشكال الأرقام العربيّة والهنديّة, وأسلوب حرفيّة التّلاعب الفنّي التّقني الدّقيق بها, لتأخذ أنواع تشكيليّة متنوّعة ومختلفة, بجودة قياسيّة, بحيث تتشابه وتتماثل وتتطابق مع أشياء تحيط بنا من كلّ حدب وصوب, بأنماط ترميزيّة وتعبيريّة وتجريديّة وسورياليّة وإنطباعيّة ومفاهيميّة... لينتج عنها في الحصّلة النّهائيّة, لوحة فنّيّة متكاملة إلى حدٍّ ما, تمّ رسمها وتشكيلها وتلوينها وإخراجها, بأنماط وأشكال وأجسام محارف الكلمات فقط دون غيرها, لتتماهى بمسحات جمالها أمام المشاهد لها, تحكي له همسا ومناجاة, وتبوح له بما تكتنز من رموز وتعابير, تعكس البعد الفنّي التّشكيلي المحارفي, للكلمات المنعتقة من سياقات موازين أصول تجويدها بالأمشاق, ورؤوس القصبات والرّيش المعدنيّة... والتي هجمت عليها جحافل جيوش الحواسيب الرّقميّة, تُساندها ألوية لامتناهية من وحدات جيوش البرمجيّات الرّقميّة العشريّة, التّشغيليّة والفنّيّة والهندسيّة والعلميّة والمحارفيّة... والتي ساعدتني كثيراً في إرساء قواعد وثوابت عناصر وأسس هذه المدرسة الفنّيّة, للرّسم والتّشكيل بصور وأجسام الكلمات ومحارفها, ترميزيّاً وتعبيريّاً بمشهديّات تجريديّة وسورياليّة وتكعيبيّة, يتمّ رسمها وتوقيعها بحرّيّة وإنعتاق وإبداع وخلق وإبتكار, وفق رؤى البعد الفنّي للرّسّام الفنّان...

المتعة الرّوحيّة التي تُنعشني, لا مثيل لها من مُتع أخرى, وأنا أقوم بأبحاثي حول إبداعاتي وإبتكاراتي, وأتابع توثيقها ونشرها, الواحدة تلو الأخرى, ليُستفاد منها في هذا العصر المعولم, الذي تحكمه الثّورات الرّقميّة والشّبكات العالميّة العنكبوتيّة العشريّة الأنترنت, وملحقاتها من برمجيّات تشغيليّة وتطبيقيّة وأدوات إخراجيّة أخرى...