المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : إبتكار مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الزّينبي



حسين أحمد سليم
01/05/2013, 09:40 AM
إبتكار مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الزّينبي

بقلم: حسين أحمد سليم
آل الحاج يونس

المُصمّم المُبتكر والمخترع اللبناني, الفنّان التّشكيلي المتمرّس القدير والرّسّام الهندسي الفنّي الخبير





السّيّدة زينب بنت عليّ بن أبي طالب, الحوراء عقيلة بني هاشم, تلك المرأة القديرة المميّزة والشّجاعة, التي شهدت وفاة جدّها الرّسول الأكرم عليه الصّلاة والسّلام, وشهدت وفاة والدها الإمام عليّ بن أبي طالب, بعد غدره بباب المسجد عند صلاة الفجر, وشهدت كذلك وفاة والدتها السّيّدة الجليلة فاطمة الزّهراء كريمة النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام, وحملتها الأقدار أن ترافق أخيها الإمام الحسين إلى أرض الطّفّ كربلاء, لتشهد فاجعة قتله وإستشهاده وقطع رأسه زوراً وظلماً وبهتاناً وإعتداءً, وقتل الكثير من أصحابه وأهل بيته, بعد الجعجعة بهم ومنع الماء عنهم... ومن ثمّ السّير بها سبيّة مع سبايا ما تبقّى من أهل بيت الحسين وصحبه على قيد الحياة, لتعيش القهر والمعاناة والعذاب في درب السّبي الطّويل وصولاً إلى بلاد الشّام ودخول مجلس الحاكم الطّاغية مكبّلأة بالسّلاسل والأصفاد والحديد...
العقيلة الهاشميّة السّيّدة زينب, التي مارست أدوار عديدة بصفة تكليفيّة وليست تشريفيّة, كانت الزّوجة الوفيّة المخلصة, وكانت الأمّ الرّؤوم التي جعل الله الجنّة تحت أقدامها, وكانت البنت الكريمة المخلصة لأبيها, وكانت الأخت العطوفة لأخيها, وكانت المربّية الواعية لمسؤوليّاتها, وكانت الإداريّة الحاذقة في ترتيب الشّؤون, وكانت المُداوية المتخصّصة للجراحات, وكانت الرّائدة الإجتماعيّة في العلاقات, وكانت السّياسيّة النّاضجة في الإهتمام بالغير, وكانت الشّجاعة الجلود في صلب المواقف الحرجة, وكانت الخطابيّة الجريئة في مجالس الطّغاة والظّلمة, وكانت الأنثى المغايرة التي تتمتّع برباطة الجأش وضبط الأعصاب في خضمّ المحن والمصائب...
حريّ بالعقيلة الهاشميّة السّيّدة زينب بنت عليّ بن أبي طالب, أن تُكرّم على أكثر من صعيد إجتماعي وإنساني وتربوي وتمريضي وديني وسياسي وأدبي وفنّي... وحريّ بها أن يُخلّد إسمها مدى الحياة, وأن يُنظر لها من زاوية روحيّة إنسانيّة واسعة منفرجة, وأن تُدرس شخصيّتها بعمق ودقّة وشموليّة, وأن تُعطى حقّها الكامل الذي في الذّمم... وحريّ بها أن يُشرّف إسمها الزّينبيّ المبارك, أيّ عمل كبير وعظيم, له شأنه في مسارتنا الحياتيّة, وهو ما حمل تفكّري الفنّي التّشكيلي, على أن يُبتكر بإسمها مدرسة فنّيّة تشكيليّة خاصّة ومميّزة, تحت إسم مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الزّينبي, تكريماً لها وتخليداً لدورها البطوليّ النّسائيّ الفريد, الذي لعبته بعظمة وقوّة وجدارة في موقعة كربلاء, ومدى إستيعابها الإنساني, للفاجعة النّكراء التي حلّت بها ظلماً وعدواناً, من جرّاء مقتل أخيها الحسين وصحبه وأهل بيته بغير وجه حقّ, ورفع رأسه على أسنّة الرّماح بعد إقتطاعه الوحشيّ عن جسده, والسّير به وسبي العقيلة زينب ومن تبقّى على قيد الحياة, وحملهم إلى بلاد الشّام, حيث مقرّ الحكم والحاكم الظّالمين في مدينة دمشق...
حملتني رؤاي الفنّيّة التّشكيليّة إلى خلق وإبتكار مدرسة لفنون الرّسم والتّشكيل الزّينبي, وكان ذلك بعد تفكّر عميق, وأنا أبحر في تفاصيل حقب تاريخ السّيّدة زينب بنت عليّ بن أبي طالب, الحوراء وأمّ المصائب عقيلة بني هاشم... سيّما أبّان الواقعة الكربلائيّة المفجعة بنتائجها المؤلمة, التي دوّت لها السّماء وعصفت وبكت لها الأرض وإنتحبت, ولما حدث بعدها من عذابات وقهر وظلم في رحلة ومسارات السّبي الطّويلة المسافات... فكان لا بُدّ أن يتناهى لوجداني الإنساني, كفنّان تشكيلي متمرّس وقدير ورسّام فنّي هندسي خبير, فكرة توالدت من رحم الفنون التّشكيليّة التي أمارسها منذ زمن بعيد, قضت الفكرة المتوالدة في ثنايا وجداني, العمل الجادّ على إبتكار تصميم لمدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الزّينبي, تيمّماً وتنسيباً للحوراء زينب بنت عليّ بن أبي طالب, وتوالداً من رحم فواجع أرض الطّفّ في كربلاء العراق, ومقتل الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب وإبن السّيّدة الجليلة فاطمة الزّهراء وحفيد النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام, وإستشهاده في يوم عاشوراء في العام واحد وستّين للهجرة, على يد زبانية الكفر والإلحاد في ذلك الزّمن العتهر القاهر...
إنطلقت في تصميم ووضع مقوّمات إبتكار فنون الرّسم والتّشكيل الزّينبي من حركة فعل الإستقراءات التّاريخيّة, التي عاشت في خضمّها السّيّدة زينب, وإعتمدت ما توصّل إليه وجداني وتفكّري من تحليلات وإستنتاجات, بعد سبر أبعاد وخفايا واقعة كربلاء المفجعة, التي سبق وأرسيت لها ومن رحمها, إبتكار مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل العاشورائي... ومن نسيجها إستطعت وضع أسس وقواعد ومفردات إبتكاري الجديد, لمدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الزّينبي... بحيث إخترت اللون الأسود المفردة الأساسيّة لتكوين اللوحة الفنّيّة التّشكيليّة الزّينبيّة, وهذا اللون الأسود, هو لون داكن دامس متحندس كما هو معروف ومرئيّ وملموس, ويدلّ على الظّلام الليلي الشّديد, مقابل الضّوء الأبيض السّاطع النّاصع لتمييز النّهار... وإستخدامات هذا اللون عبر التّاريخ, يعكس مستوى الظّلم اللاحق بالمظلوم, ويُجسّد حالة الجهل والغباء بخفايا حقائق الأمور والأشياء, وهذا اللون هو أفضل الألوان للدّلالة على الحزن العميق الذي يُصيب الإنسان من جرّاء فقدان الأهل والأخوة والأحباب والأعزّاء... وهذا اللون الأسود يتماشى مع العباءة السّوداء اللون أيضاً, والتي تُغطّي كامل الجسد الأنثوي, ويتوافق مع الخمار الأسود, الذي يحجب جماليّات الوجه عن الآخرين, منعاً لتحريض الأحاسيس الشّيطانيّة... وهذا اللون هو اللون الرّسمي الذي يلتزم به النّاس في حالات الحزن, ونفسه هو اللون الذي يعكس الظّلم والقهر والحرمان...
هذا, وإخترت اللون الأحمر القاني من بين منظومة أطياف الألوان المعروفة, المفردة الأساسيّة الثّانية والهامّة في تشكيل بنية اللوحة الفنّيّة التّشكيليّة الزّينبيّة... حيث يتوافق هذا اللون الأحمر مع لون الدّماء النّازفة, ويعكس معالم الثّورة المتفجّرة في وجه الظّلم والظّالمين, واللون الأحمر هو لون الرّفض القاطع لكلّ أشكال الحكم الغاصب القاهر المتسلّط, ومن أين جاء أو أتى لا فرق, وهو كذلك اللون الرّافض بقوّة متعاظمة لكلّ الطّغاة والطّواغيت, كائنين من كانوا...
وهكذا, إنطلاقاً من حركة فعل الإستقراءات في كنه ومطاوي وأبعاد اللون الأسود وإستنتاجات دلالاته التّ‘بيريّة والتّرميزيّة, وكذلك من عمق الإشباع الطّيفي في أثيريّات اللون الأحمر, وإنعكاساته التّعبيريّة والتّرميزيّة... فإنّ المفرة الأساسيّة في قواعد وأسس تصميم وتكوين اللوحة الفنّيّة التّشكيليّة الزّينبيّة, هو اللون الأسود القاتم الدّاكن, ويليه اللون الأحمر المشبّع الدّافق والمتفجّر...
ولا بُدّ لإستكمال أساسيّات البنى التّكوينيّة في تشكيل اللوحة الفنّيّة الزّينبيّة, من فعل التّركيز على أيقونة الوجه الأنثوي التّعبيري والتّرميزي, المجلّل باللون الأسود حجاباً, والمشرق بالضّوء السّاطع في سيّالاته المنبعثة من قلب الوجه التّعبيري التّجريدي, كمفردة أساسيّة ثابتة في مكوّنات اللوحة الفنّيّة الزّينبيّة, إنّما بمشهديّات متنوّعة ومختلفة العرض ولقطات الزّوايا...
من جهة أخرى إستكماليّة أيضاً لمجمل المفردات الأساسيّة من المستوى الثّاني والتي لا تقلّ أهمّيّة في صناعة وتكوين اللوحة الفنّيّة التّشكيليّة الزّينبيّة, مثل العباءة السّوداء المرسلة حتّى ملامسة التّراب, والتي تخفي كامل المكوّنات الجسديّة الأنثويّة بشكل فضفاض وواسع... والقيود والأصفاد والسّلاسل الحيديّة حول المعاصم, يجب عدم إغفالها أو تركها بدون تجسيدها بشكل أو بآخر في بنيّة اللوحة الفنّيّة الزّينبيّة... والدّموع الحارّة الرّقراقة, المنسكبة حزينة على الخدود المجرّدة, والسّير على الأشواك والمسامير في الدّروب والطّرق الوعرة... وهناك أيضاً المفردات الهامّة واللازمة, والتي لا بُدّ من وجودها ضمن بنية اللوحة الفنّيّة الزّينبيّة, كالسّيف الذي يقطر دماً, في دلالة لدماء الإمام الحسين, والرّماح المنتصبة وعليها الرّأس أو الرّؤوس المخضّبة بالدّماء, في دلالة لرأس الإمام الحسين ورؤوس أصحابه وأهل بيته الشّهداء القتلى... وكذلك ركب الجمال المحمولة بالأشكال البشريّة النّسائيّة المجلببة بالسّواد, في إشارات ودلالات للسّبايا على صهواتها وظهورها... والصّورة التّجريديّة التّعبيريّة للحصان الحزين المطأطيء الرّأس, الذي يُشير إلى فقدان فارسه أيّ الإمام الحسين...
ومن مفردات اللوحة الفنّيّة التّشكيليّة الزّينبيّة أيضاً, إظهار الموقف الشّجاع الجريء للسّيّدة زينب في إلقاء خطابها التّعريفيّ بالحقائق على إمتداد طريق السّبي الطويل وفي مجلس الحاكم الطّاغية الظّالم في دمشق في ذلك الزّمن الرّديء... ولا يجب أن ينسى الفنّان التّشكيلي والرّسّام الفنّي من أن يُبرز تجريديّاً صوراً تحقيريّة لؤلئك الظّلمة والمعتدين ومرتكبي الجريمة النّكراء بحق الإمام الحسين وأهل بيته وأصحابه...
وبناءً لما أكرمني به الخالق سبحانه من رحمة ومودّة وعدالة, بالوحي التّفكيري لوجداني وعقلي وتفكّري ووعيي وعرفاني, من إبتكار تصميم مدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الزّينبي, فإنّني من منطلق تكليفي الإيمانيّ الملتزم مذهب أهل البيت عليهم السّلام, أتوجّه بالنّداء الإيماني التّكليفي إلى كلّ فنّان تشكيليّ ونحّات ورسّام من محبّي الإمام الحسين وأهل بيته, ومن محبّي عقيلة بني هاشم السّيّدة زينب بنت عليّ بن أبي طالب, كارزاً لهم بالحقّ, شادّاً على أناملهم المبدعة, من العمل الجادّ والكثيف على تفعيل وإذكاء حركات الفعل الإبتكاري والإبداعي لمدرسة فنون الرّسم والتّشكيل الزّينبي, والنّفخ الفنّي التّشكيلي لإذكاء نيران هذه الثّورة لتبقى متّقدة مدى الزّمان, وإثراء هذه المدرسة المباركة بما لا نهاية له من الرّسومات والصّور والتّشكيلات, بأساليب فنّيّة مختلفة ومتنوّعة من تعبيريّة وترميزيّة وتجريديّة وسورياليّة وتصويريّة وتكعيبيّة ومفاهيميّة وتلصيقيّة... لتبقى مدرسة السّيّدة زينب خالدة, تتنامى بإستدامة وتتوالد مع كلّ نتاج فنّيّ تشكيليّ جديد, يُساهم به كلّ فنّان تشكيلي ونحّات ورسّام من المؤمنين بالله تعالى وتوحيده, ومن المحبّين لله تعالى ورسوله وأهل بيته, سيّما عقيلة بني هاشم السّيّدة زينب بنت عليّ بن أبي طالب, وكريمة السّيّدة فاطمة الزّهراء, شقيقة الإمام الحسين المظلوم, وحفيدة النّبي محمّد عليه الصّلاة والسّلام...