المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : سِمةُ المرءْ



حسين أحمد سليم
20/05/2013, 07:10 PM
سِمةُ المرءْ
بقلم: حسين أحمد سليم

سِمةُ المرءِ القويم لا تُقاسُ في ممشوق بنية قوام هيكلهِ, ولا يكمن كمال الإنسان في شكل عناصر تكوين بنيتهِ, وليست قيمة المرءِ الذي أبدع الله في صنعهِ, في جمال وجههِ أو مدى طولهِ أو قصرهِ أو مكوّنات شكلهِ, أو في زينة يرفل بها مُتماهياً تزيد فتنة في هندامهِ وطلعتهِ, أو زركشة في أثوابهِ أو في طيبٍ يفوح من أردانهِ وقفطانهِ, فالمرء يُعرف في أحرج المواقف برجاحةٍ في عقلهِ, ومقياس المرء يأتي على قدر سعةِ العرفانِ في وجدانهِ, وتقدير المرء يأتي على مستوى الوعي في عمقِ تفكيرهِ, ويسمو المرء في رؤى النّاس كلّما ترقّى بين النّاس بفعلهِ ومسلكهِ, ورفعة المرء عند الآخرين تتجسّد في مكنونِ رفعةِ خصائلهِ ومناقبهِ, والكريم كريم النّفسِ والخلق العظيم للمرء يدلُّ على طهارةٍ في أصلهِ, ونسب المرء ليس بالإنتماء لعشيرةٍ أو قبيلةٍ أو عائلةٍ فالمرء يُنسب شرفاً رفيعاً بإيمانهٍ...
يا إبن آدم كُن على قدرٍ من الوعي والعرفان فالمرء يُنظرُ لهُ في وعيهِ وعرفانهِ, أعقلْ وتوكّل على الله في كلّ شاردة وواردة فليس يخيب أملاً من إتّقى الله في توكّله, ومارس الخشوع لله في عباداتك فقبول عبادات المرء في مدى صدقِ خشوعهِ, وإعلم أنّك ضعيفٌ خائرُ القوى مهما بلغتَ قوّةً فقوّةُ المرءِ تتجسّدُ في نسيج علمهِ وفعلهِ, وأصبر على مرارةِ الأيّام ومضضِها فمقياس المؤمن تتجلّى في رباطةِ جأشهِ عند الشّدائدِ وقوّةِ صبرهِ, والعمرُ المديدُ وإن طالَ يمضي سريعاً بين حلو الزّمان ومرّهِ وصلفهِ, وإعلم أنّ العمرَ ومضةَ عينٍ والعاقلُ من يستفِدْ بالحكمةِ والموعظةِ في مديدِ عمرهِ, ويعملُ على إكتنازِ زُوّادتهِ للآخرةِ بالصّالح من عملهِ ووالمعروفِ من فعلهِ, وليعلم كلّ ذي وعيٍ وعرفانٍ أنّ الله عادلٌ لا يظلمُ في حكمهِ وقضائهِ, فلو إجتمع النّاس قاطبةً على ردّ القضاءِ فإعلم أنّ الله بالغ في أمرهِ...
لا تمارسُ الإستغابةَ يا إبن آدمَ فتُستغابُ وكُنْ حافظاً لِسانكَ في كلامهِ ونُطقهِ, فلسانُ المرءِ إن قالَ شيئاً بما ليسَ بهِ عِلمٌ فنفسُ الذي قالَ سيقالُ من حيثُ لا يدري فيهِ, والرّزينُ النّاضجُ في وعيهِ وعقلهِ يتجنّبُ الفحشاءَ قولاً وفعلاً ولا يُمارسُ الفحشَ في فعلهَ وقولهَ, فقد ينزلقُ اللسانُ دونَ إنتباهٍ ويُلقلقُ بالفحشِ بين جدّ القولِ وهزلهِ, ويغدو المرءُ رهيناً سجيناً بما قال وظهرِ وبانَ فحشاً من فلتاتِ لِسانهِ, ومن كان مؤمناً ورِعاً حكيماً يخافُ الله في علانيّتهِ للأشياء وفي خفايا سِرِّهِ, ولا يتسرّعُ في القولِ جزافاً أو يُصدِّرُ الأحكامَ بغيرِ وجهِ حقٍّ على غيرهِ, قيُصبح نادماً على ما قالَ يوماً وتسرّعَ بهِ ويدفعُ الثّمنَ باهظاً في تسرّعهِ...
وإذا الجاهلُ صديقاً كان أو غيرهِ وجارَ على إمرءٍ ومارسَ لهُ الظُّلمَ بجهلهِ, فالعفو أقربُ للتّقوى والصّفحُ من شِيَمِ من قدّم رباطةَ جأشهِ على غضبهِ, وليست الحكمةُ في عملِ السّيفِ في رقبةِ الجاهلِ وليَسبقُ العالِمُ بعدلهِ على سيفهِ, وما العفو أو الصّفحُ مخافةً من أحدٍ إنّما الصّفحُ لأجلِ الوِدِّ وليسَ لأجلِ الجاهلِ بجهلهِ, وواجبُ العالِمِ إستيعابَ الكُلِّ وتعليمَ الجاهلِ ليتفلّتَ من ربقةِ جهلهِ بزيادةٍ في عِلمهِ, والعالِمُ المتفضّلُ إذا ما سُبَّ وشُتِمَ من آخرٍ فليسَ يُنتقصُ منهُ شيئاً في سَبّهِ وشتمهِ, فقد يكونُ الشّاتِمُ جاهلاً قاصِراً ولا يُساوي ما قد يعْلقُ في نعلهِ, فالذّهبُ ذهبٌ مهما فيهِ قالوا بخساً والفحمُ فحمٌ مهما رفعوا من شأنهِ, والعالِمُ عالِمٌ وإن سُبَّ وشُتِمَ والجاهلُ جاهلٌ وإن على كرسيِّ العرشِ رفعوا بهِ...
أمواجُ البحرِ لا تحملُ فوقها إلاّ بقايا الجِيَفِ ترمي بها إلى شاطئهِ, وليسَ تطفو على سطحِ مياهِ البحرِ إلاّ الحشراتُ تتراكمُ نتنةً فيقذِفها البحرُ إلى خارجهِ, وأمّا اللؤلؤ والدُّرُّ والمرجانُ فمطمورٌ في قاعِ البحرِ تحتَ رملهِ, فمن أرادَ السّهلَ في صيدهِ إصطادَ من مياهِ البحرِ ما بانَ من جيفهِ, ومن أراد الدُّرَّ المكنونَ غاصَ في قاعِ البحرِ يُصارعُ الموجَ ليبلغَ ما دُفِنَ في قاعهِ من دُرِّهِ, فمن أحكمَ التّفكُّرَ في عقلهِ تعقلنَ في قلبهِ وتقلبنَ في عقلهِ, وإزدادَ في الباطنِ وعياً في وعيهِ وإزداد في ذاتهِ عرفاناً في عرفانهِ, ورجحَ نضوجاً ملموساً ولافتاً في مطاوي وجدانهِ, وهدأ في سكينتهِ وإزدادَ طمأنينةً في روحهِ ونفسهِ...
فكم أعجبُ من إمرءٍ طائشٍ خفيفَ العقلِ لا يلتفتُ إلى طيشهِ, يُزيِّنُ لهُ الشّيطانُ الحُسنَ في طيِّ شرورِ نفسهِ, ويُمارسُ زجَّ الأنفِ في كلِّ معضِلةٍ والفضولَ السَّلبيَّ من شيمتهِ, يسكنهُ الغرورُ فيتنافخُ بلا مُبرِّرٍ ويُزاحِمُ من هو فوقَ مقامهِ, يندسُّ بين البصلةِ وقِشرتِها ولا يظفرُ بغيرِ النّتانةِ في رائحتهِ, فكمْ من إمرءٍ مُغفّلٍ أدّى به طيشهُ إلى حتفهِ, فلا يُمارِسُ الطّائشُ طيشهُ إلاّ لقصورٍ في عقلهِ ونقصٍ في إيمانهِ وضعفٍ في وعيهِ, فليسَ يُجنى الشّهدُ إلاَّ من الرَّحيقِ في ميسمِ زهرهِ ووردهِ, وليس يُصنعُ العسلُ إلاَّ في جوفِ بطنِ الأنثى من نحلهِ, ومذاقُ الشّيءِ يقضي بالرّجوعِ لإدراك كنهِ السِّرِّ في أصلهِ...
يا إبنَ آدمَ فمنْ يعملَ الخيرَ بين النّاسِ كمثقالِ ذرَّةٍ يعودُ الخيرُ مُضاعفاً عليهِ, ومن يعملُ الشَّرَّ بين النّاسِ كمثقالَ ذرَّةٍ يعودُ الشَّرُّ مُضاعفاً إليهِ, ومن يجعلُ المعروفَ في غيرِِ من لا يستحقَّهُ يُلامُ ويُعنَّفُ في أهلهِ, ومن لا يلتفتْ للخيرِِ في المعروفِ بينَ النّاسِ وهو عليهِ قادرٌ لا يُكترثُ بهِ, ومن لا يستطعْ على فعلِ المعروفِ لفقرٍ في المالِ أو لأمرٍ آخرَ فالإبتسامةُ خيرُ معروفٍ في معروفهِ, قدْ وعدَ الله فاعلَ المعروفِ بأجرٍ وثوابٍ وجزاءٍ على المعروفِ بأضعافٍ من مثلهِ...