المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الصور



توفيق بن حنيش
31/05/2013, 01:13 AM
الصور
في آخر لقاء لي به اتفقتا على أن نفترق نهائيّا ...نظرت إليه حدّقت فيه مليّا حدّق في عينيّ أشحت بنظري عن وجهه لم أدر ما فعل أدرت له ظهري وهممت بالذّهاب فأدار لي ظهره وتظاهر بالرغبة في الذّهاب .عَدلْت عن ذلك فعدل هو أيضا .رجعت أحدّق في عينيه الذّابلتين المتعبتين وفي الشيب الذي غزا شعر رأسه ..سألته عن هذه الأخاديد في جبينه وعن ارتخاء عضلات الوجه والعنق ,,,حرّكت يدي وشفتيّ كالمتحدّث سمعته يحدّثتي عن الارتعاشة وهو يحرّك يده وشفتيه كالمتحسّر .استقمت في وقفتي وحدّقت في بؤبؤي عينيه وأحسست أنّه يذوب في أغوار الذّات ...قال لي :أنت طيّب أكثر من اللازم ..أنت خجول ,أنت حييّ ". كنت متعجّبا من قدرته على سبر أبعادي الدّفينة ,..قال لي :"أنت "جدير" بالسخرية .ماذا فعلت بالعشرات من سنيك التي كنت تزعم أنها ثمينة ؟ لا ,لا أنت جدير بالشفقة وحقيق بالرثاء .اجلس ,ها وراءك كرسيّ " قرّبت مني الكرسيّ وكنت مركّزا على الكرسيّ الذي كان وراءه ,جذب الكرسيّ وجلس وجعل يحدّق في فمي فجعلت أفتح فيّ وأنا منشدّ لحالة أسناني التي ما فتئت تطول وتجفو منابتها من اللثة .قلت له هامسا :"أرأيت إلى هذا الصّمت ؟ إنه صمت المقابر .إنّ الصمت مطبق رغم أنّ الأولاد والزوجة كلّهم في الدار ..."
عدني ألا تسعى إلى الشغب على راحتي ..يكفي ما عشناه مترافقين ,كنت ألتقيك في كلّ صباح لأحيّيك وأصاحبك لدقائق ثمّ أودّعك وأ صطحبك في الشارع وفي العمل وفي لقائي بالآخرين وفي عزلتي وو ومع ذلك كلّه فنحن ندّعي دائما أنّني لا ألتقيك إلاّ لبضع ثوان ...كم نحن كاذبان ...عدني أنّك لن تعود لإثارة تلك المشكلات التي لا حلّ لها .يا هذا اتركني لنفسي بقيّة هذا العمر .
قهقه حينما قهقهت وقال لي:"ها بدأ العجز ينخر مفاصل كونك .مم خوفك ؟قهقه مرّه أخرى إن كنت صادقا وجريئا ,هيّا افعلها لتؤكّد لنفسك أنّك تحيا ..هيا ...امسح العرق الذي تكاثف على جبينك .وهدّئ من روعك .." وليت مغضبا ,وأعتقد أنّه هو أيضا ولّى مغضبا ,ومسحت العرق من على وجهي السّاخن . ولكنّي استدرت حينما تذكّرت أنه لم يعدني بما طلبته منه .كنت عصبيّا التفتّ اليه ورفعت يدي متوعّدا وكان هو أيضا يرفع في وجهي يده متوعّدا .تطايرت بيننا شظايا الكلمات ...كانت أنصاف كلمات وأرباع وأثمان :هل ؟ دعني .أتذك..؟ كفّ .وافترقنا لسنين طويلة .كنت أقول في نفسي :"لم يحدث شيء طوال هذه المدّة ,مرّت الحياة في هدوء ورتابة سرت في كلّ تلك المدّة ناسيا همومي مؤمنا بقدري (لقد تغيّر كلّ شيء ومحال أن يدوم الحال ...أسير في الطرقات اتفحّص وجوه الناس ,,,بعض تلك الوجوه يذكّرني بصاحبي وبعضها يعيد عليّ تفاصيل التاريخ ...نسيت صاحبي وعلّقت وجهي بالمجهول ...
كنت عند الطّبيب ..."كلّ التحاليل سليمة إلاّ أنّ صورة الرنين لابدّ منها ففي مثل هذه الحالات لاغنى لنا عن الصّور " ,قال لي الطّبيب :"هل تريد غسل وجهك؟ من هنا ,,,تفضّل "
ملأت راحتيّ ماء وغسلت وجهي ...رفعت عينيّ ...حدّقت في الوجه الشاحب ...قال لي:"لا بدّمن الصّور ؟..صور الرنين المغنطيسي ؟ لا بدّ من الصّور ..."أشحت بوجهي عنه ...سمعته يقول :"غيّرك الدّهر بعدي "...قهقه ...قهقه مرة ومرّة .صحت فيه :"لعنة الله على الصّور "ثمّ ضربت بجمعي المرآة مرّة ومرّة ومرّة ثمّ اغمي عليّ
في 30 ماي 2013