المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : قصص قصيرة لمحمد حافظ رجب



د. حسين علي محمد
03/05/2007, 11:30 AM
جولة الدرويش فى حوش الملح

قصة قصيرة، بقلم: محمد حافظ رجب
.....................................

هدير الشيخ الضرير يدوى فى أنحاء العالم.«لكن عذاب الله شديد» ومضى يتحسس بعصاه معالم الطريق المندثرة أنواره»
وميض خاطر مضىء انجفر داخل (الدرويش) : غضب الله سبحانه وتعالى لما حدث له فى نقطة بوليس (المفروزة) أهدروا هناك آدميته..
..... ........... .
ذهب (الدرويش) إلى شغله كالعادة : الأفواه المذعورة تخرج بخارها ثرثرة عن (الزلزال)..
.. قالت (الثرثارة) و(ابتسام) : «أنت اللى عملت الزلزال ده» وحاولت «نرجس» الثرثرة معه عن الحدث العظيم.. لم تطاوعه نفسه على الاشتراك فى وليمة الثرثرة المباحة للجياع أجمعين... شعر بالغثيان يعود إليه من جديد.
(إيمان) المرعوشة مع ابنها المعجون بمية العفاريت يتدحرجان من المرجيحة .. الرجل (صغير الحجم) يداعب ابنها بغزارة ليكتسب خطوة جديدة عند نساء الكهفين.
نرجس تحاول - من جديد - لضم إبرة الحديث مع الدرويش بلا جدوى .. الإبرة لا تخترق القماش العنيد.
المحققة غارقة فى صمت مأساتها.. بلا ذكر هى حتى هذه اللحظات : أين الذكور يا أولاد.. غارقون فى نهر الحرمان.
عاد الدرويش مقهورا إلى بيته.. تجرع الحزن الحزين آسفا من أين يأتى بمن يقتلع من عينيه ماء الحزن الأسيف هو لا يحتمل أى شىء.. اخترق باب عمر باشا : لا حرس ولا حراس من الإنكشارية الشداد اشترى صابون غسيل وصابون حمام وكيلو رنجة.. خدعه البائع.. لف السمك المدخن فى لفافتين سميكتين ليطب الميزان قبل أن يستريح فى سريره : الأوغاد يلعبون لعبة الموازين بلا براعة.
قال الدرويش لنفسه : لم يذكر أحد من الفاعل الحقيقى.. لم يقل أحد إنه الإنذار الإلهى
المحققة العانس مهزومة فى كل الحروب.. فى قدمها جروح وتقيحات تغطى مساحة خريطة العالم الفسيح - تقهقه الآن - قهقهاتها تهز الداخل لم يبق لها إلا القهقهات لإخراج دخان العربة التى لم تسترح بعد من مشوارها الطويل.
هدى المطلقة تحضر للحسابات تضرب التليفون.. تبتلع حبوب ضغط الدم تضحك أحيانا وتبكى فى أغلب الأحيان : مات الميت ولم يظهر له أهل ولا ولد يرثه.
إيمان وابنها يثيران ضجة تصرخ فيه ليكف وتتركه يفعل ما يشاء... يلتقط الطعام تدسه له فى فمه : الرجل (صغير الحجم) يداعب ابن ايمان يجلسه على ركبتيه يهز المرجيحة تحلق بها بعيدا بعيدا حتى سماوات الله السبع..
ليلى العاشقة المسكينة : امرأة حفظ الأمانات عاشقة ضواحى المخازن تحضر كالعادة.. تدردش مع المحققة : فتح شهية ثم تدخل قفص الشمبانزى الوسيم.
علم الدرويش آخر النهار أن مدير الإدارة المالية والإدارية فى مصلحة المظاليم قال لها : ما تطلعيش فوق وتقابلى الشمبانزي الوسيم .. لم تهتم به.
نرجس قالت للدرويش انت اتغير لون جلدك خالص صار أزرقا
قال الدرويش : هل تتبادل معى.. تعطينى لون جلدك أنا أعطيك جلدى وغاصا فى المهد إلى اللحد.
حديثها طويل التيلة وهو موجوع من الزلزال : رقصوا جميعا فى ربوعه .. قالت نرجس للدرويش كلهم مش عارفين احنا بنقول إيه.. أنا وانت بس اللى عارفين : لك الشوق والشوك ولهم الخذلان أجمعين.
...
اليوم ولد بداية غريبة للدرويش .. عند مغادرته لمأواه نزل خلفه النجار الشرس (مأواه هناك فى حديقة الحيوانات) ابن صاحب البيت وثالث ثلاثة أشقاء أشقياء.. حياة الشرس رد الدرويش التحية من مكان نزول الفضلات وانصرف كل منهما إلى حال سبيله
وصل الدرويش إلى الصينية وجدها عارية اللحم إلا من أكواب الشاى.. وجد عربة مشروع دخلها وجد أحد الركاب يهىئ له المقعد الخالى.. تفرس في الرجل وجده النجار الشرس سبقه إلى المحطة.. ركب المشروع.. أخرج الدرويش العملة ليدفع له وله لكن الشرس صمم على الدفع : «ابنى شاطر وأم ابنى طليقتى تحضر لرؤيته وهى زوجة رجل عجوز عنده أولاد كبار.. لكن تعرف أنا مش عارف إزاى تم الطلاق..
«قطع الله عنقك» قالها الدرويش فى نفسه
وسرح الدرويش فى ملكوت الله العريض : الشقى النجار يهدم عليه مظلته.. تأويه الليل والنهار.. سأل الدرويش سيده ومولاه : «انظر مولاى .. كيف يدمر الشقى هدوء مأواى.. خذ بثأرنا منه.. احرمه ربى من لذة امتطاء أنثاه..
قال الدرويش اوعى تهدم السقف فوقنا
لن يهدم السقف إلا بأمرى.
قال الشقى : جاركم عاوز يعمل تقاطع فى الشقة : يفصل بين النهرين.. قلنا له إوعى تقطع حاجة وإلا قطعنا رقبتك نلقيها تحت عجلات قطار مرسى مطروح.. مش كفايه إنه دخيل على الشقة.. إحنا فى شوق لنتذوق لحمه النى
سأله الدرويش : انت رايح فين
قال : أنا بتمشى شوية من جهة محطة مصر وراجع تانى
ليتنى أراك محمولا على الأكتاف تقتات من دمك أسراب الناموس الجائعة الهائمة فى نهار الليل وليل النهار القادمة من ترعة النوبارية الوغد راح والوغد جاء متى يحملونه الحمل الأخير
قال الدرويش تعال.. معايا ديوان المظاليم.. لنفسه : تدخله ولا ترجع منه على الإطلاق.
وضع ذراعه فى ذراعه.. لكنه فى داخل سوق القطارات والفحم المشتعل بالدموع الحارقة .. سار وحده إلى مصلحة المظاليم وجد سعيدة المطلقة الثانية تأكل أظفارها ولا تهضمها يبدو عليها الإرهاق الشديد.. تحتضن ابنتها (الأب موظف من امبابه أنجبها فى ساعة عسر عسير) فى حنان حزين لم تحضر العانس الجميلة إلى مصلحة المظاليم .. اليوم (إيمان) ابنها يتبرز عفاريتا وجنونا .. تصرخ فيه يعبث بأدوات المطبخ تقتلع شعر نعليه .. يزداد جنونا.. ويلوك شعره حتى التخمة الحائط يركز ذكورته على الكاهنة رئيسة الحسابات.. نرجس تحتضن كلمات الدرويش وصغير الحجم يتناول سندوتش الصباح رشوة كل صباح من أمانى المشتاقة إلى يوم العناق.
النساء فى الحجرين يشحن بوجوههن عن وجه الدرويش المتآكل من الحزن الحزين.. يبدو لهن عفريتا من الجن.. تحولن بأنظارهن إلى الرجل صغير الحجم قال الدرويش أظنه من عمل الشياطين يريدون محاصرتى لأكف عن متابعتهن. حمل الباب.. نفذ منه أوقف الناس عن السير حتى يعبر النفق .. أسأل الذين يسألون : يا ناس يا بشر : خيرات الله تغمرنا فى الطريق العام حيث يتبول الحمار والبغل والحصان .. فلم تدوس المعزة على عنق جرتها.
بطاطس اشتراها مذاق كل عصر.. حملها مع كيلو بامية.. اشتراها من عامل فلاح يعمل بمصلحة المظاليم.
تتابعت الكاميرات الحية والميكروفونات حول شاب أنقذوه من تحت أنقاض عمارة مصر الجديدة المنهارة بعد أن قرض فئران المذبح حديدها في يوم الزلزال العظيم قال مدير مستشفى هليوبوليس إن الشاب شرب من بوله حتى ارتوى من مائه الذى اقترضه من فئران المذبحة أسفل الصهاريج الصدئة ورفضت زوجته الأجنبية شرب بولها فماتت.
فتح صنابير النافورات المتدفق سيرها وأخمد حريق الجسد الفائر فى منتصف مياه ميدان التحرير.. صلى الشيخ صادق العدوى صلاة الغائب على أرواح ضحايا .. قال : «إن السوء انتشر
قال الدرويش لرجل يمر أمامه.. يتعب المرآة ويمر : الطحال يباع فوق عربات.. يجب أن يتطهر الناس بفرشة أسنان جيدة..
يحترق الدرويش حريقا حريقا يدمر بنيانه كلما فكر فى السبب فى الطول والعرض ويباع أنقاضه فى سوق الجملة بأرخص الأسعار كل ما يريده من الدنيا استخراج بطاقة شخصية ولا يعرف كيف يستخرجها من تحت الأنقاض..» ترك الأمر لله دليل الحيارى فى متاهات الأيام العجفاء.. قال: «مولاى لا يريد الآن - على الأقل - أن يدلنى على طريقة أحصل بها على البطاقة..
عطس عطسة حلوة.. فكت كربه الشديد.. شكر (الدرويش) ربه القدير عليها.
ليلى امرأة حفظ الأمانات حبيبة أمين المخزن وقرة عينه .. نقلتها هودج اللحم العظيم إلى فرع من فروع مصلحة المظاليم. من الأرض الحارة نقلتها تنبت شعيرا وحنطة إلى حمامات السباحة أيام المجد الرومانى التليد : لمحها موظف الأمن فى المصلحة وهى تسير مع حبيبها من فتوات محرم بك صار أمين المخزن العاشق وحيدا : كلبا أجرب ينبح وحده بلا إناث متيمة بحبه.. ماتت أم هودج اللحم العظيم مديرة مصلحة المظاليم وتوافد الرجال يبحثون عن مقر وضع جثة الأم الكبيرة فى مدافن المنارة.. فى عربة مصلحة. جلس رجل الإدارة المالية القبطى والمهندس القبطى بجوار السائق.. فتح السائق أبواب محطة القرآن الكريم وباقى العربة تحمل مظاهرة المعزين.. أما الإبراهيمية حيث إقامة هودج اللحم العظيم رفعت رايات الحزن العميق تحية لجثمان الأم وهى فى طريقها إلى نهاية النهايات.. وجلس بجانب الدرويش هانى شارب البايب الموظف القبطى الجديد.. ومدخنة البايب تنفث دخانا رماديا بنكهة لذيذة غطت الطرق والكبارى والترع والمصارف عند أول وآخر الطريق السريع.. عند السرادق وقف الشاب الطبيب الممتلئ لحما وعظاما ودما تمرح فيه سيارات الحزن الغامر على الجدة الحنون ووقف بجانبه ضابطان كبار من البحرية ومعهما عدد من الجنود ببنادقهم.. قال الدرويش لأحدهم : ما لزوم حملة البنادق وإطلاق النار فى الهواء.. وبث القلق فى نفوس الموتى الراقدين فى هدوء تحت عالم الأتربة قال : لزوم العز والأبهة والمجد المهيب .. وقف شعب المصلحة بجوار بعضهم يتهامسون ووقف الدرويش بجوار دهاء التصق دهاء بالدرويش قال الدرويش لنفسه لعل شجرة الجميز طرحت ثمارها فى داخله.. أما النصف بغلة فإنه لا يمسك نفسه بحبل غليظ.. تطل من شبابيك عينيه قهقهات ملتصقة بالغراء فى وجهه لا يقدر على نزعها إلا نجار عقير متمرس فى الداخل أشار دهاء للدرويش إلى حجرة تتصدر مدخل الباب : حمدى صالح الضابط السابق ورئيس الوزراء فى عهد سابق ينام فى قبره حزينا تذرف عينه دموع ساكنة صامتة أغمض العينين يزهد فى الدنيا بعدما رأى ما وراء الغمام حيث المسرات والأحزان ومجدى فواز أحد المحافظين السابقين لا حرس يحييهما ولا يتذكرهما أحد.. قال الدرويش : صمت أنتما صمت والعالم مشتعل الإوار قالا : عافنا الدنيا وان كان هناك حنين للعودة ولو كضابط صغار الرتبة .. قال قائل : تقبل العزاء فى الداخل يا سادة حيث يرتفع الموت فى الساحة الآهلة بالمنسيين.. رحلوا ثم يعودون فى يوم من الأيام.. سبقه دهاء وجد الدكتورة شقيقة هودج اللحم العظيم وأختها الغارقة فى بئر الدموع الممتلئ حتي الحافة.. ولمح الدرويش ابنة أخت هودج اللحم العظيم وأخريات يقرأن آيات من القرآن : الآن تتجلى الحقيقة رائعة.. ضوء عظيم يضىء لعدة ساعات ثم ينساه الناس : رحلة اللاعودة للدنيا إلى الأبد.. دنيا حافلة بالأحزان والمسرات واللامسرات..
صافح الدرويش الدكتورة وصافح أختها النائحة بشدة على الميتة حتى غرقت سفن أحواض المقابر..
وتوجه الدرويش إلى عرب المصلحة فى الطريق إلى المصلحة مكتظفة هى بالعائدين : عادوا من نزهة الحقيقة الصارمة لا حدود لها.. يغرق من يغرق ويسبح من يسبح حيث لا شاطئ إلا شاطئ لله..

د. حسين علي محمد
03/05/2007, 11:31 AM
عن محمد حافظ رجب

بقلم: محمد جبريل
.....................

هل أخطأ محمد حافظ رجب حين ترك الإسكندرية..؟ وهل أخطأ حين عاد إلى الإسكندرية..؟ سؤال يناوشنى -أحياناً- فلا أعثر له على إجابة محددة.
محمد حافظ رجب -إن كنت لا تذكر، أو لا تعرف- هو صاحب مقولة: نحن جيل بلا أساتذة..
قصصه القصيرة موسومة بطابع فنى لم يقلد، وإن حاول البعض تقليده.. حتى نجيب محفوظ -هذا رأيى- لم يكتب ثرثرته النيلية إلا بعد أن قرأ حافظ رجب جيداً..!!
وصف فؤاد دوارة قصة حافظ "البطل" بأنها أعمق من قصة مشابهة لجوركى، وقال يحيى حقى إن أعماله سبقت زمانها بأعوام كثيرة، وذهب بعض النقاد إلى أن ما يكتبه حافظ رجب لا يعدو هلوسة كلامية..!
لكن حافظ رجب ظل هو الظاهرة الأشد تميزاً بين مبدعى جيله..
تعرف كبار الأدباء إلى حافظ رجب، وإلى إبداعاته، من قبل أن يجاوز مكانه فى محطة الرمل.. وتوالت النصائح بأن حياته الوظيفية فى القاهرة أفضل من السعى إلى رزق يوم بيوم فى مدينته الملحية..
ولأن الزن على الأذان أمر من السحر، فقد توكل حافظ على الله ذات صباح -وربما ذات مساء- وسافر إلى القاهرة.
مثَّل انتقال الشاب ذى الأعوام الخمسة والعشرين عاماً إلى العاصمة، انعطافة -حسب الكليشيه المتوارث!- فى مسار القصة القصيرة المصرية.. تباينت الآراء فى استقبال أعماله بين الحفاوة والرفض، وإن ظلت تلك الأعمال معلماً من المستحيل إغفاله.
إذا استعرت وصف نجيب محفوظ للمهمين من الأدباء، فإن حافظ رجب ينتمى إلى طبقة الفتوات الذين يحسنون توجيه ضرباتهم، بينما يتحدد دور المساعدين فى تلقى الضربات.. إنه فتوة فى جيله، مثلما كان إدريس بين مبدعى الفترة التى قدم فيها إبداعاته، ومن قبله محفوظ فى الرواية، الأمر نفسه بالنسبة لنعمان عاشور فى المسرحية، وعبد الصبور فى قصيدة الفصحى، وجاهين فى قصيدة العامية..
كنت أتردد على حافظ فى المجلس الأعلى للفنون والآداب، التقى به فى الغرفة الخشبية، فى الناحية المقابلة لمبنى المجلس، كان عباس محمد عباس هو أقرب أصدقاء حافظ إليه، فهما فى مكتبين متجاورين، وأحاديثهما لا تنتهى.. فى الغرفة نفسها تعرفت إلى عبد المعطى المسيرى وحامد الأطمس بعد أن هجر أولهما مقهاه فى دمنهور، بينما أغلق الثانى دكانه للنجارة فى المدينة نفسها..
ثم عاد حافظ رجب إلى الإسكندرية بعد أن هدته المتاعب!
بين أوراقى رسالة من محمد حافظ رجب -بخط يده- يعتب فيها على عبد الفتاح الجمل تغاضيه عما سماه وصاية من اثنين أو ثلاثة ينتسبون إلى جيل الستينيات، فهو -الجمل- ترك لهم أمر الموافقة أو الرفض فى الأعمال التى يتلقاها من الأدباء.. وحافظ واحد منهم!
أتردد فى نشر الرسالة التى تعرى بعض الأسماء التى مازالت تحاول فرض الوصاية على حياتنا الأدبية، مع أن المبدعين الذين أضيروا بوصايتهم، ووشاياتهم، ورفضهم غير الموضوعى لإبداعات الآخرين.. هؤلاء المبدعون يستطيعون المطالبة بترحيل السادة الأوصياء إلى محكمة العدل الدولية لمحاكمتهم بتهمة قتل مواهب كانت مبشرة وواعدة!

د. حسين علي محمد
03/05/2007, 11:32 AM
الذى تجشأ قشا..

قصة قصيرة، بقلم: محمد حافظ رجب
.....................................

أرسلت (المرأة) تستدعيه... طاعة الجبناء طاعته... نادت بنت شقيقها على (سلوى)...
قال لها: «أغلقى النافذة ـ ذات الكوات الكئيبة ـ وحضرى القفل..»
التفت إلى مخلوقات الحجرة النائية: «صباح الخير أيتها المرأة التى تثيرنى» .. الحلوف الصغير داخل دورة المياه يزوم،... يبتلع ملء وزنه ليرش أرض الله المحترقة تحتهم... يعرقل اطمئنانه فى كل اللحظات...
ـ «راهبة بوذية تحرق نفسها إحتجاجا على تزوير الانتخابات فى فيتنام الجنوبية».
خرج مثقل الخطى : الأغلال فى العنق والقدمين.. تسحب جثته طفلة ضريرة تسوقه إلى حيث الانتهاء...
.. قال للرجل المشارك له فى حوض المغسل والمشرب: «الصباح مبارك عليك يارب الأشقياء»
.. قالت زوجته: «مش تجيب الوليه»
فرت منه: من عالم الأسرار الرهيب... مقطوعة صلته بالسماء .. بلا رب يعيش .. يأكل لحمها فى الصباح والمساء... بلا موقد يطهيها : فرت بما بقى من لحم الجسد والروح...
.. قال لها: «يا ابنة سمنود... لن تعود .. دى فى أجازة خليها فى أجازتها أحسن»
.. تسربت من ثقب الباب.. إلى ابن خالتها مسعود .. تائه فى عالم حائر... يبحث هو و(سلوى) عن القفل.. لم يجده.. يبحثان وسط الزحام... فى كل الطرق والميادين .. حيث تنكسر علامات المرور... يخترقها كل صبى أرعن يملك عربة بها أبواب ونوافذ من سيراميك .. ياعين البشر هل شاهدتم قفل بابنا.. تائه عن عين البشر هو الآخر...
.. قال (لسلوى) : «روحى لها .. اسأليها عن قفل لم يأكله الصدأ.. بريقه يخطف عين القمر... اسأليها عنه فقد يكون فى يد فريق كرة القدم المنتصر»
عادت: «ملقتش»..قال لها: «اطلعى لسمية»
.. صعدت إلى السحاب المثقل بالهم... عادت: «قالت معنديش»
مد يده الملتاثة العقل.... دمر بنيانها .. جاس خلال لحمها وعظامها .. هكذا هو غول كل لحظاتهم...
.. قال لها: «خليكى هنا... ومترحيش المدرسة النهارده».. لا تملك سوى ماء العيون تذرفه آبارا وترعا وأنهارا أو بحارا .. وذهب إليها وجدها تمسح البلاط بالخيشة... قال باصقا لعنته على الفارة من عشهم القاتم : «بنت الإيه ضيعت القفل»
قالت: «لازم (سميرة) شايلاه... إنت لازم تاخد أجازة علشان تقعد فى البيت... وكمان أنت عيان» تصير أنت أم الدار.. بدلا من دخولك حوض النار»
.. غادر البيت رمادا.. مشى فوق جثمانه أهل (غربال) شيعوه فى جنازة منتفضة.. كل مشيعيه من العمى ومقطوعى السيقان والأذرع وأجساد بلا رءوس.
إشترى الأهرام... دخل يوقع فى الساعة الميقاتية بالديوان .. وجد (بهجت) مع (أحمد صالح): الرجل ونصفه... صافح الرجلين...
ـ ليه أجازة والا لأ... أنا عيان وأمى مش فى البيت .. قال (النصف رجل) : «أنا قلت كده برضه.. وأنت لك أجازة».. دخل عليهم السكرتارية وهو ساقط من أعلى السور داخل أعماقه المنهارة فى ساحة (مقابر المنارة)... هل سيغيرون معاملتهم له بعد زيارة الساعى (صلاح) والموظف (بسيونى طلبه).. وشاهدا عن قرب جثمانه المعلق فى السقف الخشبى المثقوب... قال يواجههم برعبه من ظهور احتقارهم له: « صبحين ياحلوة» وصافح الساعى (حسن) وعم (مصطفى) العجوز المرح... و(فخرى) القبطى... وجاء (صلاح) الساعى... فأخرج سيجارة وأعطاها له... يغريه على شاهده: سقف بيته المغروس بحبات البق والحشرات: سيجارة شعيراتها ملتفة حول عنقه يحس بالعار: سقف بيته يأوى المردة من حبات البق... يشعر بالعار أنه من أهل (غربال) .. قال (فخرى) القبطى راكبا عربة الموتى يشدها عدد من الخيل: أنا من (غربال) وحضر (بسيونى طلبه) بقميص جديد غالى الثمن... أول ما رآه أخرج له لسانه: أنا سيدك ياابن (غربال) أرتدى غالى الثمن وأعيش فى عمارة متخمة بالوجاهة والفرنجة كانت لمهاجرين من الأجانب.. زرتك أمس فى إصطبلك رأيت مأساتك الفتاكة مع الحمير... ترعى جرذانك.. حيطانك وسقف بيتك معششا بالبوم والحدآت ... أصبحت منذ الآن عبدا لى.. صرخ (الشحات) فى وجهه: «صبحين ياحلوة» .. بعيد هو عن مدد السماء..
..حضر (حمدى) ـ الملتصق به دائما ... كما البق ملتصق به ـ جلسا يثرثران: «اذهب .. قل لكبيرهم أن يتدخل .. فنحن بين فكى النجوم الصغيرة يمضغوننا متى أرادوا ويبصقوننا فوق أسفلت الطريق..» قال (حمدى) .. شاب كلية التجارة: «أود أنا وأنت أن ندرس الفرنسية معا... ربما تفيدنا فى الهجرة إلى الخارج».. بالأمس .. ظل سجينا فى سجن (الحضرة).. تناول حبتين نوفالچين... فاستولى عليه السلطان ... ولم ير نور الحياة إلا بعد أن جاء الصغير وسأل عنه... بعدها جاءت قريبته ونزلت... ونزلت (سمية) من الطابق الأعلى: «قابلت (عزيزة) و(سادات) ابنى سمع (فوزية) تقول: أنا ح أجره زى الخروف جوه» شخرت لهم. وقلت: «أنا ح أطلع دينكم» و(على السنطاوى يتظاهر بالنوم».. قالت قريبتهم: « البنت الدكتورة ـ ممرضة ـ راحت عند (إبراهيم فهمى) ابن خالتك وقالت لهم: أيوه إحنا حرقنا الجلابية وأنا سبق وضربت (أم الشحات) وجرجرتها على السلم.. إشمعنى المرة دى يعمل كده... أنا ماما برضه تركب عربة السجن... الحق عليها هى اللى سمعت كلام العسكرى لو كنت أنا موجودة كنت رحت مع العسكرى النقطة وشربت معاه جوزة .. أنا المرة دى اللى ح أقف له بمطوة وأضربه بيها» .. قالت (سمية) .. ساكنة الطابق الأعلى ..إنت لازم تعمل احتياطك.. آدينا اتفقنا معاه... يجيب السمتو وإن مجبش دول... لازم يبقى مخبيين حاجة»
..قالت قريبتهم: « ياللا قوم وانزل معايا»
... فى (المبالة) المواجهة لسينما (ستار) دخلت (فهيمة) (القريبة) لتتبول ... وتقدم هو من عسكرى المرور: «دخلت تتبول وأنا أدور باحثا عن القفل...لا أراه ولا يرانى... هل من العسير العثور عليه فى هذا العالم المحتشد بالأقفال».. فى الطريق قال لها: «تيجى نروحو للضابط اللى فى مديرية الأمن» .. واكتشفت فجأة أنه نسى اسمه: غاب فى الكهف والديناصور حارس الكهف يزأر... يقف أمامه بالمرصاد..آه لو اصطدته فى متاهات... متاهاته... ما كان يعيقنى أى شىء عن ملاقات الكبير لأشكو له ضراوة الصراع مع سكان الطابق الأرضى وأقاربهم المختفين فى فاه (شارع أخوان الصفا) ... وتذكره .. عندما غاب الوحش عن كهفه ليشرب كوب شاى وسيجارة.. قال لها: عارف من اسمه (رحمى) .. قالت زى بعضه .. نسألو عنه».
.. انتهى التحقيق مع (صلاح نصر) فى حادث انتحار (المشير عبد الحكيم عامر) .. أعلن اليوم الجنرال (إسحاق رابين) أن القوات المسلحة المصرية قد عوضت أسلحتها».
يعيشون هذه الأيام على علب اللحم المحفوظ القادم من الاتحاد السوفيتى كمعونة.. بالأمس تناولوا فى الغداء لحما دسما بــ 9 قروش أدخلوا ألسنتهم داخل العلبة بعد ما أكلوا ما فيها... لعقوها وجدوا فيها رجلا سوفيتيا يئن... أداروا ظهورهم إليه... «إحنا ناقصين نواح»... وضعوا على اللحم بقرش فول مدمس... عزق أرضه فلاح مصرى.. مزجوا الفول المصرى باللحم الروسى وصرخات الهلع تندفع من داخل العلبة والطبق... وقف (الشحات) وعائلته ينشدون : نحن الشعب المصرى.. طعامنا الآن اللحم المستورد من الإتحاد السوفيتى وعجوة العراق... رخيصة الثمن... الكيلو بأربعة قروش: «أبانا الذى فى السموات : الاتحاد السوفيتى: العطاء والمنح والجود والكرم والشبع... شبع البطون الجائعة... فليتقدس اسمك... آمين».
.. بالأمس ذهب الفأر الرابض فى جيب (الشحات) : (حنفى محمود) الطالب بكلية التجارة وآخر بكلية الفنون الجميلة إلى شركة بيع المصنوعات واشترى (الشحات) زوجين من الأحذية بــ 259 قرشا .. ومشوا فى الشوارع يقهقهون: اضحكوا يا أولاد من هذه الأيام الحافلة ـ قهقهوا... أمامكم طريق السد أغلقوه أمامكم.. سترون الدهشة والعجب فى باقى أيامكم القادمة... فى السكرتارية... قال (حنفى محمود) للشحات: فيه جوارب روسى فى (عمر افندى) الجورب بثمانية قروش ... وخرج (الشحات) مع (حنفى محمود) (والهبيان) ليشتروا الجوارب... قال النصف رجل (بهجت) شوف لى الثمن كام.... وأراد (أحمد حامد) أن يرقص فوق المتوازنين قال:
ـ هات لى جوز معاك نمرة 42 ووضع يده فى جيبه يتظاهر بإخراج النقود .. لكنهم انصرفوا وتركوه...
... فى (ميدان التحرير) عثروا على الترام الجديد.. الذاهب إلى القبارى يسير مزدهيا بفروته اللامعة: غير ملامح الميدان وشكله... ووجدوا (شركة بيع المصنوعات) مغلقة.. قال (حنفى محمود) : «تريدون سلخ فروة الترام... سأسلخها .. لكم .. المهم أتغدى عند واحد منكم» يعنى تناول الغداء عند (الشحات) .. قال (الشحات) فى نفسه: «يشاركنا فى تناول لقيمات عزيزة المنال.. لكن المكان يتسع له دائما».
.. وطوال الطريق راح (الشحات) يسأل (الهبيان) «هل تعرف كيف يخترق الرجل المرأة...» فكان «الهبيان» يتعلق بذراعه فى نشوة وجوع: «دى متين فولت .. دى تلتميه.. دى ربعميه وخمسين فولت»
ـ لو كان (للشحات) ذرة من إيمان بالسماء .. لتغير الحال غير الحال ـ (والهبيان) يغرق فى حمام بخار ساخن ويتشبث بيد (الشحات) ليحميه من سخرية (حنفى محمود).. لحق بهم (حسين جمعه) عند السنترال ... تعلق بالصارى الهائل .. قال (للشحات) : «أنا وأحمد قعدنا ننتظر (جودو) فى النادى ساعتين.. مشينا واحنا بنقول ملعون أبو جودو: وقح كعادته يدخل فى الواحد شمال.. لكن الشحات عامله بهدوء صادر من كثافة تجمع الإعياء فى بنيانه فى الطول والعرض... عند (محطة مصر) اعتذر (حنفى محمود) عن المشى معهم وتركهم يبحث عن وجبة غداء عند أحد من الآخرين... وسار (الشحات) و(حسين جمعه) و(الهبيان)... عند مدرسة (النهضة) النوبية تركهم (حسين جمعه)... فى سراديب الليل تناولوا عشاءهم بقايا اللحم الروسى الدسم والفول المدمس أبو منديل محلاوى... (سميحة) نامت بلا عشاء.. أصابتها لعنة الزكام وجز الصداع دائرة رأسها ومن أنفها يتعالى الشخير...
ـ قومى يابنتى ناكل اللحم الروسى المصنوع من لحم الناس السوفييت
ـ رفضت : «أنا شبعانة» أعطاها حبة نوفالچين ونامت ..وشعر بحاجته إلى النوم .. والتعب يسرى فى طول وعرض جسده.. قال: «لا مؤاخذة ياابنتى.. أنا ح أسيبك دلوقت» وسرت فى الليل أصوات قادمة من مهجر عائلة (ريحان) ورأى (الشحات) الضفادع النائمة على ضفتى (المحمودية) تنقنق .. قال: «بلاشك .. هى تشعر بالتألق والمحاورة رغم أنها نائمة فى أمان الله... لو كان ضفدعة.. وله صلة أو شعاع من السماء لكان الحال غير الحال.. لكنه وعائلته الصغيرة معرضون للفتك واللعنة بلا حارس يحرسهم وبلا قفل على الباب يطرد الطارقين..
.. وسمع (رئيسه) زوجة (حسب الله) «تقول ده بيرمى علينا قزايز ميه..» يتآمرون فى الظلمات .. لم يكفهم ذبح الجلباب وحرقه والجيات أكتر من الريحات (وغربال) يشهد مصرع بنيه...تموت الكلمات قبل أن تولد .. ماذا يقول والحريق التهم جلبابك ياصغيرتى بعد أن انتزعوه من فوق جسدك ودخانه يتسرب حاملا جرابه من تحت عقب الباب..»
.. لم ينم إلا بعد أن ابتلع حبة نوفالچين أخرى: « أيام المهدئات أيامنا..،. تحت طاسة الخضة تموت العوالم... وضى الشمس يلتهم كل المرئيات..»
..ونهض فى عمق سواد الليل... (وزينب عبد المقصود) شريكتهم فى الشقة تستحم : سرقت لحظة لذة من زوجها الإسكافى (محمد على عيسى) بعد أن نامت البنات ونام الصبيان.. مرصوصين رصا فى القبو المظلم .. يريد أن يستحم هو الآخر.. رأى نفسه يمارس عملية جنسية غريبة فى كوخ مثل صناديق سطح المهندس فى (العجوزة) والطرف الآخر فى العملية (إسماعيل العشماوى) ساعى المكتب .. وبحث عن القصرية ليتبول... لم يجدها،، تبول فى طبق فارغ وعاد إلى سريره....
(بسيونى طلبه) ساكن شقة الخواجات (بالأزاريطة) سلوكه تغير مع (الشحات ) بعد أن رأى جحافل البق تمرق من بين ضلفتيه وهى تترنح من حمل آلاف القناطير من الدماء..
قال (بسيونى طلبه) : « أنت بقة كما باقى البق المنهمر من دلايات السقف.. اسمح لى .. أن أعاملك بتحفظ فأنت سليل غجر (غربال)..»
حاول (الشحات) فتح سلة الدردشة معه... «السلال رفض مقابلة اللجنة الثلاثية»
استمع إلى كلامه ببرود قطعة ثلج تتصاعد منها الأبخرة الحادة... وجلس (بسيونى) على مكتبه بلا إقبال عليه... أما عدوه الملقاط (أحمد حامد) فإنه أدخل إبرة ماكينة الخياطة فى عضله : «سمعت إنك اشتريت إمبارح جزم» قال (الشحات) : «اشتريت جوزين بمتين وستين قرشا» قال (أحمد حامد) : « لابس جزمة منهم» قال : (الشحات) : لأ...
ـ أمال لابس إيه
ورأى الحذاء البلاستيك الأصغر فى قدميه..
.. استدار (الشحات) دخل حذاءه... إختبأ فيه صار جلده بلاستيك أصفر بعد دقيقتين..
.. عمال النظافة يحتشدون حول مبنى السكرتارية وسور ديوان المحافظة يطالبون بصرف أيام الجمع....
..الآن يعرون جثته الملقاة فى حذائه ... رخيص الثمن صار... لم يعودوا ينخدعون بشقشقة أحاديثه فى السياسةوحكام اليمن الجدد وانتحار المشير عبد الحكيم عامر والأحاديث اللامعة... قال (أحمد حامد) وهو يشده من تحت غطاء الحذاء: « مش عيب تلبس جزمة صفرا.. أنت حقك تلبس جزمة حريمى.. و،إلا تلبس فرده حريمى وفردة رجالى..»
وقهقه الجميع وهم سكارى من الانبساط والفرفشة... «الآن يشرب الوغد من دمه العكر.. من ماء حياته الموجعة الغضب فى داخله يقرضه كلب أجرب.. لم يجد ما يقوله سوى: «إنت ح تسكت وإلا أصبحك.. إنت بتحسب دمك خفيف... إنت دمك تقيل قوى كما البقة فى سقف بيتنا..
قال (أحمد حامد) : « أنا دمى تقيل وزى البق علشان اللى باكلمه دمه أتقل تلاتين مرة»
.. واستدار (الشحات) ـ وهوعار تماما ـ يطلب العون من النصف رجل رئيس المكتب (بهجت) : «والنبى خليه يبطل لأحسن هو فاكر إنه ظريف»
..قال (عم مصطفى) كبير السن المرح: «والنبى ده بيحبك» .. واقترب (أحمد حامد) من (الشحات) وقبل رأسه قال: «حقك على وأنا مش ح أتكلم معاك تانى» وأخرج العامل (صلاح) سجائره وأعطى (الشحات)سيجارة: «يمتطيه بطول جسده وعنقه... يمنحه العطف الذى به يزدريه»
«صرف السلف لتجار السويس فورا وتعويض المبانى التى أضرت بالعدوان»
«(على صبرى) يبحث مع وزيرى الصحة والخزانة إجراءات عاجلة لحل مشاكل العاملين فى السويس»
«(أم كلثوم) تفتح ثدييها لأخبار اليوم: ماهى أكبر خطيئة
ـ أن ترى الخطأ ولا تنبه إليه
..أحسن صديق
ـ شخص يشاركك فى ألمك
.. أحسن مكان
ـ حيث تنجح..
.. أقصر طريق للنجاح
ـ العمل..
.. أحسن عمل..
ـ الذى تحبه..
.. أكبر راحة...
ـ أن تؤدى عملك جيدا..
.. أكبر خطأ..
ـ اليأس
..أحقر شعور
ـ الحسد
.. أكبر لغز
ـ الحياة..
..أكبر أمل
ـ أن تعود فلسطين
.. أسمى فكرة
ـ الله..
.. أكبر عدو
ـ إسرائيل..
.. أول أمس .. هل يتذكره.. آه... جاء ابن قريبتهم فى الرابعة والنصف .. أيقظه وباقى مخلوقاته يغصن فى النوم... قال الصغير: «أمى وخالى حسين والعسكرى جارهم جيين ومعهم الأسمنت ليرشوا البلاط كى لا يخر الماء على عائلة (محمد ريحان) .. نهض .. واشترى له الصغير موسا ليحلق دقنه... حضرت قريبتهم وابنها والعسكرى..
.. عسكرى مارد يرتدى جلبابا اشتراه من جوار طنطا.. استعان به (محمد ريحان) لإجراء مفاوضات معه... جاءت به قريبتهم وهى حافلة بالرضاء عن نفسها... على وشك أن تضع مولودها .. أزال الشحات شعر ذقنه والعسكرى يربض فوق ظهر الكنبه والحمار ينهق من تحت ساقيه وعيناه لا ترى مخابئ البق
ـ لم يكن (الشحات) راغبا فى الحديث معه... ودخل دورة المياه المشتركة..وأزال رائحة الهم من داخل منحاريه وارتدى ملابسه يغطى نفسه الأمارة بالسوء... وتبادل مع العسكرى بضع كلمات: «فيه ناس بتحرق الهدوم» قال العسكرى: « وبيحرقوا اللى جوه الهدوم» وضحك وضحكت القريبة وابنها... لو التفت برهة من الزمن إلى السماء فوقه لرآه وعرفه ولم يكن وقتها قد حدث له كل ما حدث: السير فوق أبراج النار إلى الأبد...

د. حسين علي محمد
03/05/2007, 11:35 AM
عالم القاص المصرى محمد حافظ رجب .. اختلال وقسوة وظلام

بقلم: أحمد هاشم الشريف
...........................

محمد حافظ رجب كاتب قصة أسهم فى ادخال شكل جديد للقصة القصيرة فى مصر عن "دائرة المعارف البريطانية". نعم محمد حافظ رجب احد رواد جيل الستينيات فى فن القصة القصيرة، وقد قال سامى خشبة: ان صرخة او صيحة حافظ رجب المشهورة نحن جيل بلا اساتذة اعلنت عن ميلاد جيل الستينيات، حافظ رجب صار الآن فى السبعين من عمره، ورغم كثرة ما كتب ونشر عنه من مقالات وملفات وكذلك اعادة طبع كتبه، فإنه لايزال يعيش فى منزله النائى فى الاسكندرية وسط اسرته الصغيرة، وحتى الآن لم يحصل على ما يستحق من تقدير معنوى ومادي، هذا الرجل صاحب الشخصية الفريدة والابداع الاكثر تفردا لا يزال يبحث عن يوم يعود فيه شعاع الامل والمحبة الى قلب الانسان، هنا قراءة لاعماله.
فى خضم عالم اختل النظام فيه ولم يعد احد يحتفظ بتوازن، عالم يمتلئ بالجوع والعطش والزحام والقسوة والحروب المستمرة، يتساءل "محسن ابو الدهب" "فى قصة "اشياء مشطورة.. اشياء محترقة""، هل سيأتى يوم يعود فيه الشعاع الى قلب الانسان من جديد. رغم مصرع كل امل.. تحت عجلات الجمال العابرة.. "ص 75". بعد فترة انتظار طويلة سيشعر محسن ابو الدهب انه مات، رغم انه يفكر كثيرا ويتكلم قليلا، لذا كان يجب ان ينقذ نفسه والآخرين، يصبح خارج العادات ومدمراً لسلام زائف وعالم اكثر زيفا، الامتلاء بالجنون يمكن ان يفضى للخلاص، لا مفر القى ابو الدهب بالموقف المشتعل فى جوف الحجر/البيت/الشارع/المدينة /العالم القديم.. هذا الفعل الذى قام به ابو الدهب/الفنان، فعل ملحا للغاية، محو الماضى الضعيف الواهي، ارهاص بمستقبل افضل، فشهوة التحطيم شهوة خالقة، وفق تعبير م. باكونين، تحطيم القديم وبناء الجديد.. نعم يا اصدقائى كان ضروريا تفكيك وتكسير ذلك العالم، المهترئ، الرث، الشوق لوجود قتلة ملائكيين بات حتميا، تحديدا، لهذا الينبوع المضطرب الذى له عوالمه، وقوانينه "الادب"، لا بد من فعل التفجير والقطيعة مع الكتابات التقليدية، ثم التحليق بعيداً عن دخان الحريق القديم، كى تصبح الرؤية واضحة والاسلوب جديدا.
شكل جديد للقص
هدم العالم القصصى القديم، يستدعى بالضرورة، شكلاً جديدا، للقص، هذا الشكل الجديد تتكون له ديناميته الخاصة والقدرة الجبارة المرنة معا على استيعاب معطيات العالم فى ظل المتغيرات الدائمة، رغم المكاسب على مستوى الشكل/المضمون فى المجموعتين السابقتين "الكرة ورأس الرجل"، و"مخلوقات براد الشاى المغلي" من سقوط للأنساق التقليدية واطلاق لحرية المخيلة الفانتازية الى ابعد الحدود، واشتباك العوالم الداخلية والخارجية او الظاهر بالباطن، واتحاد المكان بالزمان، الا ان هذه المكاسب، صارت تحتاج الى تجديد واعادة بناء، فى ظل المرحلة الجديدة "حماصة.. طارق ليل الظلمات".
بالاضافة الى عدد كبير من القصص خارج هاتين المجموعتين، ظهرت عوامل ومكاسب جديدة اضيفت للسابقة، التناص، الانطلاق من متكأ واحد للقص وليس عدة متكآت، ظهور البعد السياسي، الحوار الطويل او كثرة الحوارات، سأتوقف لاحقا عند الحوار، خفوت تدريجى للعنف الجسدي، ضيق المساحة المكانية مع مهارة شديدة فى التعامل معها فنيا لقد غدا العالم اضيق واللغة غاية فى التكثيف والشاعرية، تكاد تكون صوفية لولا انغرازها بعمق فى صلب العلاقات البشرية واليومى والمبتذل والمهمل والثانوى واللامألوف.
الى جانب ذلك الطيران بعيدا عن هذا العالم فى بعض القصص، تلك العلاقة الخاصة جداً بين الفنان والكون وفعل الكتابة واسئلته التى لا تنتهي، محاولة، ربما للامساك بطرفى المعادلة المراوغة دوما ــ الخلود والحاضر المتناهى الصغير ــ او النهائى واللانهائى رأسى يميل، يغادرني، يفر، يمرح فى غابات استوائية. يركب نهر الامازون، يعود مع، دقات طبول الزنج فوق الافيال "ص 12". يمكن اعتبار هذه القصة التى اخذنا منها الاقتباس "عبور جسر الاختناق" نموذجا لعلاقة الفنان مع فنه، ومع الاسئلة المحيرة، كالسؤال عن معني، الليل والنهار، والزمن والحياة والموت والحزن والشقاء ومصير الفقراء والمعذبين فى هذا العالم.
البتر والتقطيع
ضمن التيمات التى ميزت محمد حافظ رجب واستمرت معه تيمة التقطيع والبتر، تقطيع السرد والجمل وتقطيع اجزاء الانسان، قضم الاذن، قلع الشعر، نشوب الاظافر فى الوجه، طعنات الرقبة، مضغ المخ بعد انشطاره، فقء العيون، غرس الأسنان فى اللحم، دهس اليد، قطع الاذرع.. الخ بعض النقاد القدامي، قالوا: ان هذا التقطيع انعكاس لمجتمع ممزق الاوصال، لا بأس، لكن الا يعنى هذا التقطيع الذى يقترب من السادية، فى بعد من ابعاده، قسوة "من وضد" من المجتمع والظروف المحيطة، ضد الانسان/الكاتب، ومن هذا الانسان ضد هذا المجتمع وتلك الظروف. اخشى القول ان هذه القسوة تعدت فعل الكتابة الى الحياة. اعتزال حافظ رجب الكتابة فترة، الانعزال عن الناس الاكتفاء بالحياة فى مكان اقل ما يوصف به انه مزعج، وبالطبع لا اود ان اوحى هنا بالزهد، لان هناك بالفعل قدرا من القسوة على النفس والآخرين. هذه القسوة شعر بها معظم اصدقاء حافظ رجب، وجائز ان تكون هذه القسوة، قسوة الولادة الجديدة والرغبة فى دفع الروح الفردية والجماعية للتطلع ولو بالقوة الى عالم افضل، والى سماع لحن ونشيد الفرح البعيد الآتي.
عالم حافظ رجب توجد به سمات بارزة يجدر التوقف عندها اولاً، انسنة الاشياء، استوقفنى مكتب تركنى اجهش باكيا فوق كتفيه، عمود النور الذى يشعر بالدفء، الشعور بالحذاء الذى يئن من الضربات، التحدث للاحجار، التحدث مع الليل، رغبة التحول الى طبلة او مزمار، والحديث مع النمل واخذ موعداً غراميا من خنفسة داخل سلة مهملات، تلك العلاقات مع كائنات واشياء من الطبيعة، الا يعنى هذا حبا جارفا للطبيعة والحياة؟ حتى وان اخذ هذا الحب شكلاً غريبا وقاسيا، كغرابة وقسوة عالم حافظ رجب.
صورة سلبية للمرأة
ثانيا، المرأة، غالبا مدانة وقاسية وخائنة لعله ضاجعها وانجب منها اطفالا فى غيبتى "ص 66 ــ "ذراع النشوة المقطوع""، هنا كان احدهم.. اقتحم عرينه فى غيابه الطويل: تبول فى الشيء الكامن "ص 13 ــ "طارق ليل الظلمات"" الدماء والخيانة الوحشية، صفات، نجدها عندما تكون المرأة داخل المشهد، لذا لا نعثر على علاقة حب، حتى فى مجموعة "طارق ليل الظلمات" رغم تلويح الراوى بأنه اقام علاقة حب الا ان هذه العلاقة على ما يبدو كان الهدف منها تعذيب المرأة افسدت والشيطان معى هذه المرأة: لم تكن تعرف غير مذاق زوجها، جعلتها وعائلتها تعساء.. غفر الله لى ولها "ص 122 ــ "انسكاب قارورة العطر الفواح"" وعندما تسللت هذه المرأة او كادت، الى قلب الراوي، نجده يحكم عليها حكما نهائيا وردة حبيبتي.. ماتت اليوم "ص 132"، وفى طقس كهذا تصبح المتعة الجنسية التى تأتى من المرأة، لا معنى لها ما معنى الرحلة التى تنتهى بالعثور على امرأة تحت لحاف مظلم فوق سرير عال فى مدينة بعيدة؟ "ص 117 "عظام فى الجرن"" ضمن التنويعات المختلفة على لحن المرأة العذاب/المتعة الجسدية/ارتباط المتعة الجنسية بالتعدى على المحارم "قصة "صمت صوت هواجس الليل"" الحوذى "فتحى عبد الراضى خلف الله" ازاح الليل جانبا، دخل فى الترنح وتجرع آخر قرعة بوظة ابنتها.. اشتهيها.. ماذا يمنع.. اخذت من امها ما يكفينى "ص 89"، "فتحى عبد الراضى خلف الله"، يحاول ان يقوم بطقس شيطانى محرم، يريد مضاجعة ابنة زوجته، يعرف مسبقا ان هناك سلطة المجتمع/زوجته، تمنعه من ارتكاب فعله والتعدى على المحارم، رغم ذلك يحاول، فالتجربة مؤلمة، محيرة، كلها دناءة وقتامة وجنون، لقد استعد بأن تناول البوظة، كى تسقط امامه كل الحواجز بما فيها الزمان والمكان، ذات الفعل سوف يقوم به "حسن" فى قصة "اشياء مشطورة.. اشياء محترقة" مع اختلاف الدافع وشكل العلاقة، لكنه هو الآخر تجرع المسكر، صار طينة، ذهب الى بيته واحتضن زوجته المريضة يجب ان اضاجعك.. يجب ان يحدث هذا الآن.. قبل ان افيق.. والا لا فائدة "ص 76"، هنا اللذة الجنسية تبدأ بالتهور والرغبة فى ايقاع الالم، الفارق انها لذة، دافعها القهر الخارجى "حسن" الثور الصبور، الذى لا يحصل على اجازة فى ايام الجمع ينفجر فجأة كمردود طبيعى لما يحدث له.. "الاخصاء" هو التنويع الاخير على اشكالية المرأة/الرجل/العنف/اللذائذ المؤلمة، "قصة، "طارق ليل الظلمات"" تفض الاشتباك تركت البرج.. سبحت فى النوبارية.. سبقتنى زوجتى اليها.. حاولت الامساك بها.. حاصرتنى اسماك القرش.. هاجمت "عضوي" التهمته "ص 9".

مرجل يغلي

ثالثا: فى قصص حافظ رجب تكثر النقاط ومساحات الفراغ بين الكلمات والجمل، كأنها دعوة للقارئ، كى يملأ مكان هذه النقط والمساحات الفارغة ومن ثم يكمل القصة او يعيد تركيبها، لو اراد، تشعر ان القصص وكاتبها فى حالة بداية مستمرة، مرجل يغلى باستمرار، لا يوجد صمت او سكون، فقرات التأمل الطويل لا توجد ايضا، لكن القصص زاخرة بالجمل والعبارات الموحية، الرامزة، التى تحوى بنسيجها حكم وخبرة السنين وفلسفة الحياة، هل توجد علاقة بين حافظ رجب واسلوبه، التقطيع والبتر والانتقال السريع من مكان الى مكان ومن زمان الى زمان؟ لا شك ان العلاقة وطيدة بين هذا الاسلوب وشخصية الكاتب، لقد عاش حافظ رجب حياة ممزقة، ترك الاسكندرية التى عشقها وترك زوجته وابنتيه وذهب للقاهرة كى يجد له مكانا، لم يقدر على تحمل قسوة القاهرة فعاد للاسكندرية، شعر انه اخطأ فرجع للقاهرة ثانية، ثم اصيب بانهيار عصبى فرجع للاسكندرية مرة اخري، بالاضافة الى علاقات ممزقة مع الاب والاخوة والأهل وزملاء المهنة الواحدة هل هذا هو الثمن الذى يدفعه الفنان الصادق؟ عدم القدرة على العيش خارج النموذج المتكرر الوحيد، وعدم تحمل او الاستمرار فى علاقات زائفة لا جدوى منها، وفى نفس الوقت فوران داخلى وانفعالات ومشاعر جامحة وتوتر دائم ورغبة بأخذ ولو ابسط حقوق الانسان فى مجتمع مضطرب، يمكن ان نقول عن حافظ رجب واسلوبه انهما متطرفان، يتحولان من النقيض الى النقيض، من العنف والقسوة الى الحديث مع الليل والكائنات الضعيفة، من الملل والوجوم والزحام الى الشعور بروعة الحياة، البشر الكادحون المسالمون الى جانب الاثرياء والمنحرفين. حافظ رجب نفسه تحول اكثر من مرة، من الوداعة الى العنف ومن الثورة الى المهادنة ومن الكلام والثرثرة الى الصمت، من اللذة الجسدية وانعدام اليقين الى الزهد والدروشة.
ذلك الرجل الذى كان فى بداية الخمسينيات ينتظر موكب عبد الناصر وقائد الثورة، كان الموكب يأتى من قصر المنتزه مرورا بمحطة الرمل ومتوجها الى قصر رأس التين، كان حافظ رجب يشترى الورود، كى يلقيها على عبد الناصر، وفى احد اجتماعات عبد الناصر بالجماهير فى الاسكندرية، جذب يد عبد الناصر وشد عليها بقوة قائلا له: نحن معك سر، هو حافظ رجب الذى عندما مات عبد الناصر، كان وقتها فى القاهرة، خلع الجاكيت وجرى خلف الناس، الباكين غير المصدقين موت الزعيم، كان يجرى لاعنا صارخا فيهم يا ولاد الكلب، واحد ومات واحد ومات، ايه يعنى ايه يعنى .

تكنيك فنتازي

نعود الى خصائص التكنيك والبناء، هذا البناء المتجاوز دائما لكل المرجعيات كان متوقعا ان يحمل رؤى ومضامين بعيدة، مغرقة فى الذاتية والشطحات الجامحة المنعزلة عن كل شيء، فهو تكنيك سريالى فنتازي، عبثي، مكثف وصادم، لكن مع كل هذا، لا يوجد انحلال او تفسخ ولا يوجد تجاهل ولا مبالاة تجاه العالم الراهن والحدث الساخن، انها كتابة اللحم والدم، متشبعة بكل ما هو واقعى بشري، متجذر فى علاقات الناس، شخصيات حافظ رجب: بائع متجول، عسكري، عربجي، قهوجي، بائع الجرائد، رشاد الفكهاني، زبائن قهوة فانجلي، سكان غبريال، كان من الممكن الاستغناء عن كل هذه القائمة، المنبع هناك واضح وجلى بشكل لاذع: سودانى محمص.. لب اسمر.. حمص ولوز "ص 42 ــ هذه الجملة من قصة "حديث بائع مكسور القلب"، هى هى ذات الجملة او الصرخة التى كان يطلقها حافظ رجب عندما كان يعمل بائعا للفول السودانى واللب بجوار سينما ستراند بمحطة الرمل".
رابعا: قلت آنفا، انى سأتوقف عند الحوار، المتتبع، لاعمال الكاتب سيجد ان الحوار، كان قليلاً وقصيرا فى عمليه السابقين، اما فى ظل المرحلة الجديدة، او مرحلة ما بعد التوقف، نجد ان الحوار يزداد ويطول، توجد قصص بعنوان حوارات مثل: "حوارات: سفريات سائق المظلات"، "حوارات: تل العظام الهشة"، من مجموعة "طارق ليل الظلمات". فى اكثرمن حديث قال حافظ رجب: انه يحب المسرح كثيرا، لكن هل هو المسرح فقط سبب الحوارات الكثيرة ام ان مرحلة الشيخوخة وقرب نهاية الرحلة، توجب الحوار والفضفضة وحتى الثرثرة والبوح بالاسرار والذكريات.
خامسا: المكان الصغير او الحيز الضيق، تبدأ القصة، غالبا، من داخل علبة سجائر على رف، او براد شاى مغلي، او غرفة مكتب او نافذة تطل على ليل لانهائي، ثم تتسع القصة وتتمدد وتغوص فى حياة الاخرين، عند قراءة اى قصة نحس انها تحوى عدة قصص وعددا كبيرا من الشخوص، رغم ضربات قلم الكاتب السريعة ونقلاته اللاهثة، ربما يكون منبع الفن فى هذه القصص، تلك القدرة على الانطلاق من ركن فى جدار حائط فى غرفة صغيرة الى براح عالم يمتد كالحياة ذاتها، يبدو ان الوقت أزف، كى اكف عن تجوالى فى عالم محمد حافظ رجب.

الزمن والحياة والفرح

قبل الختام احب ان اقف عند ثلاث كلمات: الزمن، الحياة، الفرح فى بعض النصوص، نجد الزمن متلاشيا متشظيا، وهناك حنين فى نصوص الى زمن مضي، ونصوص ثالثة ورابعة يقول فيها الراوي، انه لم يعد يعرف فى اى زمن هو، لكن يمكن القول بحذر كبير ان الزمن عند الكاتب يعتبر هاجسا انسانيا لفكرة الشيخوخة والموت واعمال رجب تحيد الموت او تنساه وتتعامل معه بعفوية، كأى فعل عادي، احتساء القهوة، الاستلقاء فى الشارع وتأمل النجوم الباهتة، الحديث العابر مع الاصدقاء، ومن ثم اتساقا مع هذا التحليل الاخير، يمكن الادعاء بأن الزمن ممتد ولا نهائي، حتى ولو كان هذا الامتداد، داخل الضباب وزرقة الليل ومجاهل الغموض، فالحياة ازلية ولا مطلق فيها سوى الحياة نفسها، مدهش.. كل شيء فى هذا العالم مدهش كل كلمة وجملة عند الكاتب لها اهمية وعمق فى ذاتها، تحس ان لها عالما مستقلا بها، محتشدة بالغنى والثراء ونابضة دوما بالحياة، معظم القصص نجد فيها جملة او اثنتين او فقرة كاملة، نشعر فيها برغبة/الراوى الاستمتاع بكل ذرة فى الحياة فهو يجلس مع الكلب تحت شمس الله، المطر عندما يسقط يعتبر شيئا بهيجا، يشاهد وجوه الفساتين الملونة فى انبهار، السيجارة متعة، لانها محشوة بقناطير الاوراق الهندية المعطرة، يود ان يركب اعالى السحابات العابرة ومجاهل المحيط وان يلعب مع الخيل الجامحة وقطيع الثيران ووحوش البرية، الامطار، العواصف، جبال الامواج، السهول الممتدة بلا نهاية كلها اشياء مدهشة وعجيبة وذات درجة فائقة من الجمال، فى قصص حافظ رجب، رغبة عارمة للقبض على لحظات الفرح، رغم قسوة المكان والظروف، يقول الراوى فى قصة "عظام فى الجرن" "ص 114": لو تدوم البهجة؟ لو تدوم الحياة كما هي، غنوة وتصفيق واناشيد، الدنيا بترقص، لو يبقى السرور سائرا فوق القضبان الممتدة الى آخر آفاق الحياة .. هنا جوع حقيقى للفرح، والجمال والدفء والنور، شراهة كامنة للتحرر من كل شيء.

د. حسين علي محمد
03/05/2007, 11:36 AM
ارتعاشة عجوز الزبادى

قصة قصيرة، بقلم: محمد حافظ رجب
.....................................

دخل عليهم دب الأمس : هائل الحجم .. رجولة فضفاضة فى جلبية زفير جسم ضخم يقنع أية امرأة به زوج (هويدا) الموظفة الجديدة : عيون خضراء : وادى أخضر .. فجل عال يا وراور لا تكف عن إطلاق الغازات : القولون واجعنى .. بيشدنى بيزقنى .. بيلاوعنى .. تستند على كوعها : «يا زوجى الهائل جئت بك لتأخذ بتار الإناث.. خذ بتارى يا رجلى .. خذ بتارى يا سيدى ..»
.. صاح الدب «أين الواد النملة.. اللى عامل قملة على بنات الناس الكويسين».
رمقه فاحصا بسرعة مناخ نزول الثلج فى القطر القارى : «لا شك أنها قالت له ما يقوله أهل الجناحين عن الدرويش : قاتل القتلى شارب الدماء .. ونكت معه صغير الحجم.. ولاغته نرجس وراحت المرعوشة تتحدث معه وابنها فى حجرها .. الجدة : «كتر الله خيرك يا محمد .. طلعنا الحج وأكلنا اللبن الزبادى .. يا من يجيب لى زبادى يطرى على القلب ويبرد الجوف».
أراد «الدرويش» أن يتجاهل أمر الزبادى .. لكن الصغير (إسلام) قال له بحزم «هات لها زبادى» وأراد (الدرويش) النزول بالبيچامة لكنه وجد ثقبا خلف البنطلون يمر فيه فيل ملفوف فى منديل .. قال لها : «شوفى البنطلون فيه حفرة يدفن فيها الأموات المسلمين» ..
حسست - وهى لا ترى - «مفيش حاجه فى البنطلون» غضب (الدرويش) : «الفتق فى البنطلون يظهر واحة لحمى» وهم بارتداء چاكت البدلة الإسموكنج .. لكن «سميحة»..
قالت : «خلى الولد ينزل يجيب اللبن الزبادى..»
نزل .. وعاد معه جردل ملآن بالزبادى .. خلعت الجدة ملابسها وهبطت إلى قاع الزبادى تدندن فى انسجام : «بلبل بلابل واقف ع الشجر .. زقزق فى عشه قام ع الخبر .. كده كده تطير العصافير .. كده كده يقعدوا الشاطرين .. يارب يا ربنا تاخد بيدنا كلنا.. الحمد لك سيد الوجود الحمد لك يا محمود فى كل وجود .. الحمد لك يا إلهى العظيم .. الرحمة منك والحمد لك يا عظيم الوجود».
بالأمس وقبل نزول (رسمى فايز) مدير الشئون المالية والإدارية فى (مصلحة المظاليم) دخل عليهم قال للكاهنة الصغيرة (مديرة الحسابات) : «تحبى تروحى معايا أوصلك بالعربية شكرته ولم تغادر مكانها .. وغادرهم (رسمى فايز) وعلى الفور قامت القيامة فى (الكهف المجاور) : «يا هو .. يا هو .. المجد للعربدة .. المجد للفرفشة .. إحنا بنغنى .. إحنا بنرقص .. غنا ورقص وزغاريد .. إحنا الناس الكمل صدقنى ولا تهمل .. ارقص تكبر .. ارقص تكمل .. هيلا .. هيلا هب .. ارقص غنى .. وفتحوا الباب وانصرفوا فى أمان ...».
اليوم عندما حضروا راحوا يلتقطون انفعالات الدرويش عندما يراهم بنت (الحامد) بلا طلاء .. لونها أسود أصم .. يدها محترقة وجنبها واجعها .. صامتة بلا عربدة .. لا تمتطى أعناق الموظفين، ناداها (الدرويش) وهى تهم بالانصراف «إيه اللى جرى لك» قالت بحدة : «جنبى واجعنى شويه» قال «الدرويش» «لله الأمر والتدبير تعشش الزنابير فى جسدها الساخن المثير» (والحائط) داخل طالع .. عريس الإناث فى زفافه اليومى مع نساء الكهف المجاور : مايسترو حفلة الأنس تم زفافه عليهم فى غيبة عمد ومشايخ الكفر ..
فى الصباح (والدرويش) مستغرق مع نفسه .. يمر على قهوة (السلطان حسين) فوجئ (بسعد الشوتش) الشيال بائع الجرائد زمان .. سأله عن صحته وحمد الله أنه ما يزال يعيش والسرطان يأكل عروق الحديد .. لحظتها انبثق من داخل قرص شمس الظهيرة «فؤاد ابن أحمد الإنجليزى وهو يندفع بصاروخ دراجته حاملا حصة الباعة من الجرائد الأجنبية .. ملقنا كل بائع جرائد حصته من جرائد (لا ريفورم).. (والشدرومس) .. (الناتولى) ويقتحم الباعة مشرب (على كيفك) و (بتى تريانون) على الخواجات وبلهفة يتناولون جرائدهم وعلى الله التساهيل ..
صاح (الدب) أشهر سيفك .. ستبارزنى غصبًا عنك .
قال (الدرويش) : «روح يا شيخ منك لله».
قال (الدب) اختار شهودك فأنا على عجل .. أسلخ جلدك وأعرضه فى سوق النخاسين .. أنا زوج (هويدا) منقريوس الأول .. إنك تغيظ نساء المصلحة بتدخلك فى ماسورة النخاع .. تشفط لابريز.
قال (الدرويش) : «هل تحب الزبادى .. الجدة تعشق الزبادى هل أنت مثلها .. إنها غارقة فيه .. لم يخرجها أحد من عمقه العميق ..
(سعد الشوتس) يجلس يدخن سيجارة توسكانيللى فيها مقتله فى انتظار فرج الله.
منذ يومين فوجئوا فى المصلحة (بهودج اللحم العظيم) مديرة المصلحة تحييهم من فوق الباب .. سكان الحارة فى أماكنهم وكل شىء على الطبطاب.. لم تدر عن حفلات الكرنفال شيئاً ..
(سميحة) تعطى درسا لابنها مشغولة بالامتحانات والبنت لا تكف عن النظر إلى المرآة .. زرعت وردتين فى رأسها.
قالت (الجدة) «عقلى بيقول لى أعمل الكنافة دلوقت»
قال (الدرويش) لأهله «خليها لبكره».
ما هذه الرائحة يا جدة .. الكنافة بقت سودة من لفة الجرنال .. عاد يشمها .. نفث فيها ضبع أصم أنفاسه.
قالت الجدة : «دلوقت تشوفها ترجع بيضه زى ما كانت».
أحضرت حتة من السمن .. راحت تدعك بها ظهر الكنافة : «إيش تعمل الماشطة فى دمامة بنت أختها تبرز قرد فى الكنافة صارت الخميلة مقلبا للزبالة.
- «إيه اللى جرى لك يا وليه».
- «دلوقت أوديها لك تبقى حلوة خالص».
قال الدكتور فكار : «الإنسان المسلم النافع بإيمانه يجب أن يعيش فى القرن الواحد والعشرين».
«لقاء بين البابا والشيخ شعراوى»
«كلينتون فى الكرملين يقابل يلتسين»
«القتال فى الشوارع فى أفغانستان»
قال زوج (هويدا) : «أنا فارس القولون ومشتقاته»
قال (الدرويش) لزوج هويدا : «هل تحب الزبادى .. الجدة تعشق الزبادى .. هل أنت مثلها «إنها غارقة فى قاعه لم يخرجها أحد من عمقه العميق».
وعلى الفور ارتمى على وش الأرض (دب الأمس) ودمدم غاضبا : «كسبت الجولة يا درويش» وأمسك بسيفه .. كسره قطعا متناثرة وهو يقول : «يا خسارة كنت أريد مبارزتك ولكنك مدعم بالزبادى .. النصر للزبادى وسيدة الزبادى» وراح يبكى البكاء المر.

د. حسين علي محمد
03/05/2007, 11:38 AM
مغامرات صغير الحجم والدرويش

قصة قصيرة، بقلم: محمد حافظ رجب
.....................................

جلس (الدرويش) بجوار (النصف بغلة) كركر ضاحكا: شيشة عجمي تكركر.. انغرس بضحكاته في بلاهة صيفية..
ضاقت به الأنفاس .. تكلم دهرا.. واستدار
(الدرويش) بجناحيه .. وعاد إليه فجأة.. لمحه يخرج له لسانه ساخراً معبرا عن حيرته في أمره أمام واجهة النافذة: لا فائدة جيله لا يعرف له كبيرا يوزنه بالميزان الدقيق.. يبصق علي حذائه.. من كان منكم كبيرا فليتقدم منه...
من باب قلعة سوق (عمر باشا) دخل (الدرويش) ومعه فتي جاء من (الفيوم) ويقيم (بالدخيلة).. اشتري (الدرويش) فاصوليا خضرة وقلقاسا ولوبيا وبلحا أحمر ورفع يده يلقي بالتحية للباشا في قلعته حيث يقيم.. وكاد يمضغ آذان الباعة وهو يبتاع منهم قوته وقوت أحفاده.. قال الفتي القادم من الفيوم.. «واضح إنك تستسيغ لحم البشر» قال (الدرويش) : «كثرة الحرائق في داخلي أشعلت جيوش السوس خليها علي الله ولا تعلق علي ما يحدث داخل قلعة الباشا» وركب (الفيومي) عربة مشروع ذاهبة إلي (الدخيلة) وركب (الدرويش) عربة أخري إلي (المتراس) والحمل ثقيل : برك البعير من ثقل ما يحمله.. ولم يقل أحد ارفعوا الحمل من فوقه حتي ينهض ويحمل الهودج.. إلي مقصده عند (الصينية).. فجأة تمزق الكيس الذي يحمل مأكولاته التي يحملها (هولاكو) أثناء حروبه الدموية في أنحاء الدنيا.. وتبعثرت الفاصوليا من فوق الموقد واشتعلت الحرائق في كثير من بلدان العالم المتحضر واللامتحضر.. وقلب (الدرويش) الكيس فاهتزت جيوش القائد هولاكو الملعون لم تجد ما تأكله.. حبيبتي (لولا) أحضنك بقرارة كي لا تلوميني علي فشلي في حمل أثقال الزاد والزواد» وزفر (الدرويش) زفرة حارة من تحته «غفر الله لي ذنبي» وهو يري الفاصوليا طرحت زرعا أخضر ترويه الأمطار الموسمية الغزيرة في بلاد حوض نهر النيل الطويل.
(نرجس) قطع لسانه عنها صار أخرس لا يسمع ولا يري: تعاني من حالة ثقيلة من الإحباط لم تجد ما تفعله سوي أن تدرك النوم علي شاهد مقبرتها في مقابر المسيحيين بالشاطبي.. ظن (الدرويش) بحمق أنه إن أهملها تعود بكيانها كله إلي زوجها مستغفرة.. وحضر رجلها الأخير الذي انتقته بعناية من نوباتشية يوم الاثنين.. جلس (مدحت) بجانب (الدرويش) : أراد أن يجر عجلات لسان (الدرويش) فوق بلاط الحجرة كي يلعق السائل الذي يخر من فمه...
انصرفوا إلي بيوتهم..
انتخابات المجالس المحلية.. (بوش) (وكلينتون) في أمريكا.. أمريكا ترقص التانجو.. مرشح ثالث مليونير مستقل.. عشاء الدرويش والجدة شريحة خبز وشريحة جبن أبيض وتجرع كوب حلبة..
(شارك إيمان) (الدرويش) والجدة في شرب الحلبة و(سهام) كان لها نصف كوب.. تعاكس (الدرويش) أثناء مشاهدته نشرة أخبار التاسعة في التليفزيون. (نرجس) الشيطان، يجرها من سروالها الطويل.. ألاعيبه الفاجرة معها.. لف الطوق حول وسطها وراح يدغدغها أحضرت معها بعض ثمار اليوسفي من شجرة حديقتها وترمس به قهوة آلية.. أعدت (للدرويش) كوبا فخما.. قاطعها (الدرويش).. قال الذي يقول في داخله: «لا تحدثها».. حول كشافيه عنها.. يزهد فيها وهي تلتقط نظراته بلهفة أفريقية حارة...
في خارج (مصلحة المظاليم) يذل (الدرويش) إبليس قائد سلاح الأبالسة.. يتبول عليه كل لحظة وهو مستغرق في إخراج قصلاته في المرحاض حيث يحترق زعيم الأبالسة في اليوم ألف مرة.
اليوم عاد (إبليس) إلي القلعة.. صافح الباشا عمر واشتري (الدرويش) باذنجانا ضخما دقق النظر في الباذنجان طالع فيه رؤوس شياطين .. طماطم كيلو ونصف بجنيه .. عمر باشا صار صديقا حميما (للدرويش) يمنحه مأكولاته مقابل عملاته الغالية.. أمسك (ايمان) ساق (الدرويش) غرس فيها أنيابه أسقطه علي الأرض: عقور هذا الكلب الصغير متهيج يريد التهام لحم (الدرويش).
الجدة مع الله ...
ذهبت (الجارة) إلي مستشفي الحميات تعمل تحاليل (لإيمان) و(سهام) هناك الشك في عودة (الصفراء) إلي صحراء (إيمان) حيث قوافل الجمال تتهادي فوق بساط الريح.. ومرت الجارة علي مكتب التموين هناك.. يريد (مهني) البقال من (غربال) باشا خاتم المكتب علي بطاقة تموين (الجدة) ليثبتوا أنها مازالت حية ترزق تتعاطي حبات الترمس والحلبة ساعة العصرية...
دخلت الجارة المكتب.. الموظفات بلا عمل.. داعبن (سهام). داعبن (إيمان).. ثرثرن مع الجارة شرحت لهن عجز الجدة عن الحضور.. تخوفن من وضع الختم علي البطاقة.. الله في ملكوته تدخل.. وضعت موظفة ختم المكتب علي البطاقة: «يوم تبيض وجوه وتسود وجوه».
قالت جريدة (الوفد) مأتم الديمقراطية .. أذاع التليفزيون نتائج انتخابات المحليات.. نجح مرشحو الحكومة.. سقط (بوش) في أمريكا.. نجح (كلينتون)... أرسل (حسني مبارك) برقيتين واحدة للرئيس الجديد وواحدة للرئيس القديم.. مات الرجال.. قطعت أرجلهم.. اغتصبت النساء .. تيتم الأولاد في البوسنة والهرسك بكي الدرويش ألما.. قال: (ولكن الله حي لا يموت) رأي (الدرويش) حلما. رأي فيه آلاف النساء يزدحمن حوله في أرض مساحتها آلاف الكيلو مترات
صاح فيهن: كفي كفي .. كفي عني يا سيدتي أنت وهي.. إنني استغيث بالله من طول حبالكن.
جلست (سلوي) في (مصلحة المظاليم) تضع ساقا فوق ساق وسيارتها مربوطة بحبل في الحجرة وأمامها حزمة برسيم تقتات منها علي مهل بلذة وتذوق وهي تتحدث مع (نرجس).. (نرجس) ذهبت إلي (كوم الدكة) اشترت خبزا طازجا وعادت مغتبطة ودار الحديث بين (سلوي) (وبخيتة) القبطية عن عم (بشيري) والد (بخيتة) التهم الترام ساقه ويعيش الآن بدون ألم أو خجل يبيع الخضراوات الطازجة.. (الرجل صغير الحجم) يلعب بالجيتار في قلوب ساكنات الجحور..
(أماني) التي قيل إنها ستتزوجه توصي (الدرويش) أن يرعاه وياخد باله منه.. الشاب (الحائط) يدخل ينظر إلي (الدرويش) ملياً : «إيه يا ريس» أيعود إلي مأواه.. تمتم (الدرويش) : «الحزن وأنا قرينان.. سيطول عناقنا لبعض» (سهام) الصغيرة تجلس في البيت تتصفح كتابا : سنة أولي ابتدائي.. (والجدة) تركت (الدرويش) ودخلت سريرها.. قالت (الجارة).. تنازل لي عن حجرتك .. إني أطمع في تنازلك عن مأواك المندثر تحت الأغطية» قال (الدرويش): «تأكلون السلام تحت المائدة ما أشقاكم بشرا» قالت: «غضبت بسرعة» قال: «أرفض أنا (الدرويش) أن تتناولوني في عشائكم».. ذهب إلي المأوي القديم في جحر (غربال باشا).. إلي (مهني) البقال.. أبوابه مغلقة الوجه.. جلس بجوار بائع الكسكسي القديم هز بنيانه الشلل: «يا بائع الكسكسي القديم بجوار (الكراكة) أنت .. أين أجد من يسمونه (مهني).. عنده تمويننا: زيتنا وسكرنا والشاي» قال بائع (الكسكسي) القديم: «ربما تجده عند البقال الفلاني بشارع محسن باشا» ركب (الدرويش) عجلات قبقابه المنزلق فوق مياه ترعة المحمودية.. لم يجد رجل السكر والشاي والزيت هناك..
جلس فوق دكة العرش في قهوة هناك وطلب شايا.. وعاد إلي (مهني) لم يجده ظل الدكان عابسا في وجهه.. رجع إلي مثواه خائب الرجا من رحلة العذاب المستعر.. طوال جلسته في القهوة عينه مزروعة في الأرض الحرام.. آثم جسده وروحه ماتت فيها الرغبات.. سندوتش بيض بالبسطرمة أكلته المفضلة.. تذوقه علي مهل وبلذة ملحوظة.. صقيع برد الشتاء أحسوا به اليوم.. أغلق (الدرويش) نصف حاجز النافذة المطلة علي حوض ترعة (النوبارية) عواصف اليوم هزت ثباته في داخله هزاً موجعاً..
نزل (الدرويش) فوق دقات قلبه فوق درجات السلم المرتعش يأتي بماء آسن يشربه .. رآها قادمة : (نرجس) وخلفها (مدحت) ذكرها الجديد.. بديل (الدرويش).. نظراته وضعها في كوب الماء.. هبط فوق جدران الكوب.. إلي أسفل... إلي أسفل لا يجيد السباحة.. غرق في قعر كوب الماء.. غرق في شبر ميه.. لم يعد يقدر علي اجتياز حاجز الصوت الرهيب والسفن تعبر القناة تتمطي فوق جثمانه تشيعه بصفيرها المدوي إلي مقره الأخير.. ألقت نرجس تحية الصباح المبكر علي (الدرويش) رد عليها بصوت مجروح.. خرج صوته مشيعا في جنازة حارة إلي مقابر العلمين ورأي القائد الألماني (روميل) يجلس في الهواء الطلق يشوي كيزان الذرة لجنود الحلفاء الذين انتصروا علي فيلقه الحربي أيام معركة العلمين .
صعدا درجات السلم.. ظهر عليها التعب الثقيل.. مد (مدحت) .. يده إليها.. رفعها إلي طول قامته.. انتقته من بين رجال نوباتشية يوم الاثنين.. صعد بها درجات السلم.. ضحكت في سعادة.. لم يذهب انتقامها عن (الدرويش) عبثا ثم رفعها فوق فراشه الملتهب أدرك (الدرويش) قسوة التدبير الشيطاني حوله.. تهزه الشياطين هزا شديدا وحرساً.. أدركت أنه سيغرق إن ظل حبيس جدرانها: (الدرويش) كلمته وهي تتثاءب فوق الفراش.. رفض التحدث معها:
خائنة هي في نظره.. لم ترجع إلي زوجها كما ظن «مالك ومالها.. اتركها في حالها».. لكن الشيطان الوغد يلاحقه يرقص في خلاياه.. يفتته.. ظل محطما طوال اليوم.. وذهبت هي إلي بيت أمها المشلولة لترعاها.
(الدرويش) اليوم يقاوم بكل عنفوان قوته مذبحة (ديوان المظاليم.. يقهقه.. عفريتا محترقا يناوله أكواب الشاي يقهقه.. يقهقه عاليا حتي لا يضيع.. تجاوبت معه (الثرثارة) عزم عليها (الدرويش) بالشاي.. سارعت (بخيتة) القبطية وعملت لها شايا: مباركة بنت بائع الخضار المقطوعة ساقه.. منحته (الثرثارة) قرصة أعدتها في بيتها.. وجدها رديئة الصنع.. فوجئت (نرجس) بضحكاته المدوية : جرس عربات مطافئ ذاهبة إلي حريق في الورديان.. ظهر عليها الامتقاع.. راحت تثرثر وتضحك هي الأخري.. همس الدرويش لأحشائه: تظنني سأدخل كفني أتواري في قبري.. تترحم علي بالقرص للفقراء هي وعشيقها..».
تجمد (الرجل صغير الحجم).. اقتربت (نرجس) من (الدرويش) تتمسح فيه.. قطة لطيفة بلا مخالب.. خائفة ترتعش من بحر الشتاء..
وظل ممتقع الروح حتي آخر النهار.. ومشي معه (خاطر) حتي (محطة مصر) وعرج (الدرويش) علي باب قلعة (راتب باشا واشتري 3 كيلو طماطم بجنيه وكيلو وربع بطاطس بجنيه آخر وجاء حاملا حمله وتركه ينزلق فوق سطح (النوبارية) وسار القطار الذاهب إلي (الغرب) متعطشا إلي وجبة البطاطس التي ستعدها (الجدة) رفيعة المذاق.

د. حسين علي محمد
03/05/2007, 11:40 AM
جولة الدرويش فى حوش الملح

قة قصيرة، بقلم: محمد حافظ رجب
........................................

هدير الشيخ الضرير يدوى فى أنحاء العالم.«لكن عذاب الله شديد» ومضى يتحسس بعصاه معالم الطريق المندثرة أنواره»
وميض خاطر مضىء انجفر داخل (الدرويش) : غضب الله سبحانه وتعالى لما حدث له فى نقطة بوليس (المفروزة) أهدروا هناك آدميته..
..... ........... .
ذهب (الدرويش) إلى شغله كالعادة : الأفواه المذعورة تخرج بخارها ثرثرة عن (الزلزال)..
.. قالت (الثرثارة) و(ابتسام) : «أنت اللى عملت الزلزال ده» وحاولت «نرجس» الثرثرة معه عن الحدث العظيم.. لم تطاوعه نفسه على الاشتراك فى وليمة الثرثرة المباحة للجياع أجمعين... شعر بالغثيان يعود إليه من جديد.
(إيمان) المرعوشة مع ابنها المعجون بمية العفاريت يتدحرجان من المرجيحة .. الرجل (صغير الحجم) يداعب ابنها بغزارة ليكتسب خطوة جديدة عند نساء الكهفين.
نرجس تحاول - من جديد - لضم إبرة الحديث مع الدرويش بلا جدوى .. الإبرة لا تخترق القماش العنيد.
المحققة غارقة فى صمت مأساتها.. بلا ذكر هى حتى هذه اللحظات : أين الذكور يا أولاد.. غارقون فى نهر الحرمان.
عاد الدرويش مقهورا إلى بيته.. تجرع الحزن الحزين آسفا من أين يأتى بمن يقتلع من عينيه ماء الحزن الأسيف هو لا يحتمل أى شىء.. اخترق باب عمر باشا : لا حرس ولا حراس من الإنكشارية الشداد اشترى صابون غسيل وصابون حمام وكيلو رنجة.. خدعه البائع.. لف السمك المدخن فى لفافتين سميكتين ليطب الميزان قبل أن يستريح فى سريره : الأوغاد يلعبون لعبة الموازين بلا براعة.
قال الدرويش لنفسه : لم يذكر أحد من الفاعل الحقيقى.. لم يقل أحد إنه الإنذار الإلهى
المحققة العانس مهزومة فى كل الحروب.. فى قدمها جروح وتقيحات تغطى مساحة خريطة العالم الفسيح - تقهقه الآن - قهقهاتها تهز الداخل لم يبق لها إلا القهقهات لإخراج دخان العربة التى لم تسترح بعد من مشوارها الطويل.
هدى المطلقة تحضر للحسابات تضرب التليفون.. تبتلع حبوب ضغط الدم تضحك أحيانا وتبكى فى أغلب الأحيان : مات الميت ولم يظهر له أهل ولا ولد يرثه.
إيمان وابنها يثيران ضجة تصرخ فيه ليكف وتتركه يفعل ما يشاء... يلتقط الطعام تدسه له فى فمه : الرجل (صغير الحجم) يداعب ابن ايمان يجلسه على ركبتيه يهز المرجيحة تحلق بها بعيدا بعيدا حتى سماوات الله السبع..
ليلى العاشقة المسكينة : امرأة حفظ الأمانات عاشقة ضواحى المخازن تحضر كالعادة.. تدردش مع المحققة : فتح شهية ثم تدخل قفص الشمبانزى الوسيم.
علم الدرويش آخر النهار أن مدير الإدارة المالية والإدارية فى مصلحة المظاليم قال لها : ما تطلعيش فوق وتقابلى الشمبانزي الوسيم .. لم تهتم به.
نرجس قالت للدرويش انت اتغير لون جلدك خالص صار أزرقا
قال الدرويش : هل تتبادل معى.. تعطينى لون جلدك أنا أعطيك جلدى وغاصا فى المهد إلى اللحد.
حديثها طويل التيلة وهو موجوع من الزلزال : رقصوا جميعا فى ربوعه .. قالت نرجس للدرويش كلهم مش عارفين احنا بنقول إيه.. أنا وانت بس اللى عارفين : لك الشوق والشوك ولهم الخذلان أجمعين.
...
اليوم ولد بداية غريبة للدرويش .. عند مغادرته لمأواه نزل خلفه النجار الشرس (مأواه هناك فى حديقة الحيوانات) ابن صاحب البيت وثالث ثلاثة أشقاء أشقياء.. حياة الشرس رد الدرويش التحية من مكان نزول الفضلات وانصرف كل منهما إلى حال سبيله
وصل الدرويش إلى الصينية وجدها عارية اللحم إلا من أكواب الشاى.. وجد عربة مشروع دخلها وجد أحد الركاب يهىئ له المقعد الخالى.. تفرس في الرجل وجده النجار الشرس سبقه إلى المحطة.. ركب المشروع.. أخرج الدرويش العملة ليدفع له وله لكن الشرس صمم على الدفع : «ابنى شاطر وأم ابنى طليقتى تحضر لرؤيته وهى زوجة رجل عجوز عنده أولاد كبار.. لكن تعرف أنا مش عارف إزاى تم الطلاق..
«قطع الله عنقك» قالها الدرويش فى نفسه
وسرح الدرويش فى ملكوت الله العريض : الشقى النجار يهدم عليه مظلته.. تأويه الليل والنهار.. سأل الدرويش سيده ومولاه : «انظر مولاى .. كيف يدمر الشقى هدوء مأواى.. خذ بثأرنا منه.. احرمه ربى من لذة امتطاء أنثاه..
قال الدرويش اوعى تهدم السقف فوقنا
لن يهدم السقف إلا بأمرى.
قال الشقى : جاركم عاوز يعمل تقاطع فى الشقة : يفصل بين النهرين.. قلنا له إوعى تقطع حاجة وإلا قطعنا رقبتك نلقيها تحت عجلات قطار مرسى مطروح.. مش كفايه إنه دخيل على الشقة.. إحنا فى شوق لنتذوق لحمه النى
سأله الدرويش : انت رايح فين
قال : أنا بتمشى شوية من جهة محطة مصر وراجع تانى
ليتنى أراك محمولا على الأكتاف تقتات من دمك أسراب الناموس الجائعة الهائمة فى نهار الليل وليل النهار القادمة من ترعة النوبارية الوغد راح والوغد جاء متى يحملونه الحمل الأخير
قال الدرويش تعال.. معايا ديوان المظاليم.. لنفسه : تدخله ولا ترجع منه على الإطلاق.
وضع ذراعه فى ذراعه.. لكنه فى داخل سوق القطارات والفحم المشتعل بالدموع الحارقة .. سار وحده إلى مصلحة المظاليم وجد سعيدة المطلقة الثانية تأكل أظفارها ولا تهضمها يبدو عليها الإرهاق الشديد.. تحتضن ابنتها (الأب موظف من امبابه أنجبها فى ساعة عسر عسير) فى حنان حزين لم تحضر العانس الجميلة إلى مصلحة المظاليم .. اليوم (إيمان) ابنها يتبرز عفاريتا وجنونا .. تصرخ فيه يعبث بأدوات المطبخ تقتلع شعر نعليه .. يزداد جنونا.. ويلوك شعره حتى التخمة الحائط يركز ذكورته على الكاهنة رئيسة الحسابات.. نرجس تحتضن كلمات الدرويش وصغير الحجم يتناول سندوتش الصباح رشوة كل صباح من أمانى المشتاقة إلى يوم العناق.
النساء فى الحجرين يشحن بوجوههن عن وجه الدرويش المتآكل من الحزن الحزين.. يبدو لهن عفريتا من الجن.. تحولن بأنظارهن إلى الرجل صغير الحجم قال الدرويش أظنه من عمل الشياطين يريدون محاصرتى لأكف عن متابعتهن. حمل الباب.. نفذ منه أوقف الناس عن السير حتى يعبر النفق .. أسأل الذين يسألون : يا ناس يا بشر : خيرات الله تغمرنا فى الطريق العام حيث يتبول الحمار والبغل والحصان .. فلم تدوس المعزة على عنق جرتها.
بطاطس اشتراها مذاق كل عصر.. حملها مع كيلو بامية.. اشتراها من عامل فلاح يعمل بمصلحة المظاليم.
تتابعت الكاميرات الحية والميكروفونات حول شاب أنقذوه من تحت أنقاض عمارة مصر الجديدة المنهارة بعد أن قرض فئران المذبح حديدها في يوم الزلزال العظيم قال مدير مستشفى هليوبوليس إن الشاب شرب من بوله حتى ارتوى من مائه الذى اقترضه من فئران المذبحة أسفل الصهاريج الصدئة ورفضت زوجته الأجنبية شرب بولها فماتت.
فتح صنابير النافورات المتدفق سيرها وأخمد حريق الجسد الفائر فى منتصف مياه ميدان التحرير.. صلى الشيخ صادق العدوى صلاة الغائب على أرواح ضحايا .. قال : «إن السوء انتشر
قال الدرويش لرجل يمر أمامه.. يتعب المرآة ويمر : الطحال يباع فوق عربات.. يجب أن يتطهر الناس بفرشة أسنان جيدة..
يحترق الدرويش حريقا حريقا يدمر بنيانه كلما فكر فى السبب فى الطول والعرض ويباع أنقاضه فى سوق الجملة بأرخص الأسعار كل ما يريده من الدنيا استخراج بطاقة شخصية ولا يعرف كيف يستخرجها من تحت الأنقاض..» ترك الأمر لله دليل الحيارى فى متاهات الأيام العجفاء.. قال: «مولاى لا يريد الآن - على الأقل - أن يدلنى على طريقة أحصل بها على البطاقة..
عطس عطسة حلوة.. فكت كربه الشديد.. شكر (الدرويش) ربه القدير عليها.
ليلى امرأة حفظ الأمانات حبيبة أمين المخزن وقرة عينه .. نقلتها هودج اللحم العظيم إلى فرع من فروع مصلحة المظاليم. من الأرض الحارة نقلتها تنبت شعيرا وحنطة إلى حمامات السباحة أيام المجد الرومانى التليد : لمحها موظف الأمن فى المصلحة وهى تسير مع حبيبها من فتوات محرم بك صار أمين المخزن العاشق وحيدا : كلبا أجرب ينبح وحده بلا إناث متيمة بحبه.. ماتت أم هودج اللحم العظيم مديرة مصلحة المظاليم وتوافد الرجال يبحثون عن مقر وضع جثة الأم الكبيرة فى مدافن المنارة.. فى عربة مصلحة. جلس رجل الإدارة المالية القبطى والمهندس القبطى بجوار السائق.. فتح السائق أبواب محطة القرآن الكريم وباقى العربة تحمل مظاهرة المعزين.. أما الإبراهيمية حيث إقامة هودج اللحم العظيم رفعت رايات الحزن العميق تحية لجثمان الأم وهى فى طريقها إلى نهاية النهايات.. وجلس بجانب الدرويش هانى شارب البايب الموظف القبطى الجديد.. ومدخنة البايب تنفث دخانا رماديا بنكهة لذيذة غطت الطرق والكبارى والترع والمصارف عند أول وآخر الطريق السريع.. عند السرادق وقف الشاب الطبيب الممتلئ لحما وعظاما ودما تمرح فيه سيارات الحزن الغامر على الجدة الحنون ووقف بجانبه ضابطان كبار من البحرية ومعهما عدد من الجنود ببنادقهم.. قال الدرويش لأحدهم : ما لزوم حملة البنادق وإطلاق النار فى الهواء.. وبث القلق فى نفوس الموتى الراقدين فى هدوء تحت عالم الأتربة قال : لزوم العز والأبهة والمجد المهيب .. وقف شعب المصلحة بجوار بعضهم يتهامسون ووقف الدرويش بجوار دهاء التصق دهاء بالدرويش قال الدرويش لنفسه لعل شجرة الجميز طرحت ثمارها فى داخله.. أما النصف بغلة فإنه لا يمسك نفسه بحبل غليظ.. تطل من شبابيك عينيه قهقهات ملتصقة بالغراء فى وجهه لا يقدر على نزعها إلا نجار عقير متمرس فى الداخل أشار دهاء للدرويش إلى حجرة تتصدر مدخل الباب : حمدى صالح الضابط السابق ورئيس الوزراء فى عهد سابق ينام فى قبره حزينا تذرف عينه دموع ساكنة صامتة أغمض العينين يزهد فى الدنيا بعدما رأى ما وراء الغمام حيث المسرات والأحزان ومجدى فواز أحد المحافظين السابقين لا حرس يحييهما ولا يتذكرهما أحد.. قال الدرويش : صمت أنتما صمت والعالم مشتعل الإوار قالا : عافنا الدنيا وان كان هناك حنين للعودة ولو كضابط صغار الرتبة .. قال قائل : تقبل العزاء فى الداخل يا سادة حيث يرتفع الموت فى الساحة الآهلة بالمنسيين.. رحلوا ثم يعودون فى يوم من الأيام.. سبقه دهاء وجد الدكتورة شقيقة هودج اللحم العظيم وأختها الغارقة فى بئر الدموع الممتلئ حتي الحافة.. ولمح الدرويش ابنة أخت هودج اللحم العظيم وأخريات يقرأن آيات من القرآن : الآن تتجلى الحقيقة رائعة.. ضوء عظيم يضىء لعدة ساعات ثم ينساه الناس : رحلة اللاعودة للدنيا إلى الأبد.. دنيا حافلة بالأحزان والمسرات واللامسرات..
صافح الدرويش الدكتورة وصافح أختها النائحة بشدة على الميتة حتى غرقت سفن أحواض المقابر..
وتوجه الدرويش إلى عرب المصلحة فى الطريق إلى المصلحة مكتظفة هى بالعائدين : عادوا من نزهة الحقيقة الصارمة لا حدود لها.. يغرق من يغرق ويسبح من يسبح حيث لا شاطئ إلا شاطئ لله..

د. حسين علي محمد
03/05/2007, 11:50 AM
نحيب الزلزال والدرويش

قصة قصيرة، بقلم: محمد حافظ رجب
............................................

عادوا إلى ( مصلحة المظاليم ) بعد أن مشوا فى جنازة ( أم هودج اللحم العظيم ) .. وجدوا النساء يركبن الهواء .. يتأرجحن فوق المراجيح .. يصحن صيحات خرقاء ، يرقصن .. يلعبن لعبة الاستغمـــاية : (السوداء) فوق مكتب ( الثرثارة ) تفترش مكتب ( الدرويش ) و(عايده ) السمينة مع ( سوسن ) ( والكاهنة الصغيرة ) فوق دفة العرس تحكم رعاياها بالضحكات الوضيعة القاتلة والمرتعشة بلا ابنها ... ( نرجس ) تحطم القاعدة بفأس عزق حديقتها .. تجلس تحت شجرة الموز بجانب الدرويش وهى تقيد استمارة إجازة .. تعرض صورة لزوجها القبطى وأمه وجدة زوجها .. تعرضها على ( الدرويش ) : تأتى له بالجدة والجدود وأصول عائلة زوجها : هذا هو ( الدرويش ) الأعمى جاء لها من بعيد .. بعيد البعيد .. أفرغ - دون قصد- شحنة رغباته الخفية فى دماء هذه العائلة المسكينة .. جعل ( نرجس ) تتعاطاه فى الليل والنهار .. ( .. يبدو الاستيــاء على وجه ( الكاهنة الصغيرة ) القبطية .. عاشت المهزلة : مهزلة غرام ( الدرويش ) ( بنرجس ) القبطيــــة كما سعت لتحقيقه الشياطين .. والكراهية فوق وجه ( بخيته ) القبطية .. قاطعها ( الدرويش ) : مش عايز شاى يا أستاذ ( درويش ) وأعطاها كوبه : إعداد الشاى لعبتهم فى الدوامة .. وقال الذى يقول له فى داخله : انته من ( نرجس ) إلى الأبد ولك السلام . كريم ذلك الذى ينصحه من داخله بإخلاء نفسه منها .. وجاء ( الدرويش ) اليوم وفى داخله إرادة على تلبية ذلك الأمر .. تجنب ( الدرويش ) ( نرجس ) على قدر المستطاع : أغرقها فى صحراء الجدب وسار معها بلا أحذية . غادرت ( المحققة ) الحجرة أصبحا وجهاً لوجه تحت أشعة الشمس الكاوية .. صمت (الدرويش) صمت الصمت تعلق فى شعره .. فتحت بابها للدخول : زوجها .. طلبت منه أن يعزى فى وفاة أم المليكة : ( هودج اللحم العظيم ) وانزلق الكلام فوق الساحة سهلاً سلساً بدون مقاومة : الشياطين تحرسه يرقصون حولها يلقون بماء الياسمين عليها .. يتناجيان حتى دخل (النصف بغلة ) فانقطع التصوير وصاح المخرج أستوب ( أمين المخزن ) حبيب ( امرأة حفظ الأمانات ) لم يشترك فى جنازة أم ( هودج اللحم العظيم ) لأنها فرقت بينها وبينه .. دخل المهندس ( صلاح ) اتجه إلى الجسر ليحملها فوق يختهلا ترى فيه ( نرجس ) دمامته .. تعلقت بعين ( الدرويش ) من فتحة باب ( عمر باشا ) لم يجد الحراس مكانهم الباب أصلع لا يطرح شعرا اشترى خضرة للبصارة - تجيد الجدة طبخها - وعاد .. فى مدخل البلوكين قابل حمدى رجل الطعمية .. يسير مترنحاً .. سأله ( الدرويش ) عن سبب حزنه قال : الحاج مات .. صعق ( الدرويش ) دخل قدرة الفول بعثر غراء الفول كله وداعا صاحب المطعم الصغير.. رجل الجوزة والمعسل ينفث دخانه من الأرض حتى سماوات السحاب : لا إله إلا اللـه .. رأى الله يحيط بهم أجمعين ، دخل مسجد ( الغفران ) وعاد إلى ( إيمان ) و ( سهام ) وأمها والجدة .. بيوت جديدة سقطت على من فيها بالقاهرة من الزلزال أتى أمر اللـه فلا حائل أمامه . ( حزب اللـه ) فى لبنان يقتل 5 جنود إسرائيليين .. هرول الزلزال بعصاه يشير إلى من يريد أن ينقض عليه فيخر صريعاً .. إسرائيل تحمل موتاها .. طائراتها ومدفعيتها تدك جنوب لبنان .. معارك شرسة مجنونة ضد المسلمين فى ( البوسنة والهرسك ) انضمت ( كرواتيا ) إلى الصرب فى ضرب المسلمين .. قال الذى يقول له فى داخله : اقطع أحاديثك المشبعة بصبغة اليود والرغبة فى ( نرجس ) ولك الخير : بالأمس تحدثا ،أزالا العوائق والأوامر جانباً . أزالا الأسلاك الشائكة الفاصلة بين الحدودين .. تسربا من خلال فتحات الأسلاك .. تعانقا .. غرقا فى سحابات ماء الأمطار الراعدة .. حبها لا مستقبل له .. أمسكا بأيدى بعضهما .. سارا يترنحان فوق الألغام المتفجرة : اليوم يوم نوباتشيتها مع رجال آخرين .. صار صديقاً حميماً ( للدرويش ) يتبادلان الأحاديث بنهم .. لم يعد ( الدرويش ) يضيق به .. قال ( الدرويش ) هذا حدث بفضل اللـه .. يحضر دائما إليه ومعه ( النصف بغل ) ومعه زاده وزواده يحمله لنش صغير .. ( دهاء ) أصابته نوبة برد خر مصعوقاً .. أخذ مسكناً .. سرح الألم فى جسده الميت صاح : الفجل عال يا اخضرانى البشر زرعوا فى الخيام فى القاهرة والجيزة من أثر الزلزال يطعمهم الجيش 3 وجبات فى اليوم . ( سوزان مبارك ) تطلب تبرعات من رجال الأعمال لبناء مدارس تدق أجراسها فى الصباح الباكر وبعد الظهر .. صار الصغير المجنون العابث بحجرة الحسابات ابن ( إيمان ) جزءاً من الحسابات والشئون الإدارية يزرع الأمان بعبثه القارص يدمر من يفتح له خزائن الود .. ( النصف بغله ) ذلك القادم من بعيـد (مدرسة الصنايع) مجنون هو بنساء الحجرتين يزرع فى أرحامهن شبقاً حاراً .. ( سهــام ) الصغيرة مع ( الجدة ) .. ( الجدة ) تمضغ خبزاً مقرقشا وسهام قردة تلدها أمام زوار حديقة الحيوان .. تمشى ( الجدة ) على أربع - بإرادة اللـه - فوق أسلاك السكك الحديدية فى محطة مصر .. الجارة تقول لها : " أكلت المقرمش خلاص " . (سهام) تقول ( للدرويـــــــــش ) المذيعة يخر ماء المصارف من عينيهـــــا من أجل البيت الذى وقع من انفجار الزلزال .. قال (الدرويش ) للجدة : وقع تلت بيوت .. قالت ( الجدة ) فيهم سكان .. قال : فيهم الجارة لإيمان ابنها : تاكل بامية والا كوسة .. قال : بامية (محطة القرآن الكريم ) : إن يأجـــــوج ومأجوج مفسدون فى الأرض وكان وعد ربى حقاً .. قال ( الدرويش ) بفضل اللـه صار أعداء الأمس أصحــــــاباً . ( الحائــط ) يفرغ من جيوب أمعائه نكتا سخيفة : لست خيرا منهم : يقف ( الحائط ) عند محطة ( الكاهنة الصغيرة ) يمتطى أوتوبيسه المزدحم .. أحاط الجميع (بالدرويش) : ( النصف بغلة الصغير ) .. ( الحائط ) ( دهاء ) .. و ( الرجل صغير الحجم ) مكرهم أعمى يرمون شباكهم حول السمكات الصغيرات الممتلئات باللحم والجاذبية السابحات فى حوض الورد .. لكنه يحتمل بفضل مولاه كل ما ينقصه خلع ضرس ( نرجس ) من فكه حتى تكمل المسيرة إلى دنيا اللـه .. البعوض الوحشى ترك علامات دموية فوق ذراعيه ويديه .. التهمته رياح الخماسين الصفراء الحارقة .. ( سلوى ) ملامح الفلاحة المتمدينة .. تضع ساقاً فوق ساق تلتصق ( بالكاهنة ) الصغيرة القبطية رئيسة الحســــابات عربتها فى الحجــرة مستنـــدة إلى كوعها تلتهم برسيم الربيع الأخضر اليانع .. ( بخيته ) لم تحضر منذ يومين .. النمل يغوص فى قاع المحيط داخل برطمان السكر القابع فى الدرج يترنح من شدة السكر .. الخمر ذهبت بعقله صار متيما به .. قالت ( مريم ) : " إنى نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا " قال ( رمزى ) مدير الشئون الإدارية والمالية ( بمصلحة المظاليم ) للدرويش : " جبت منين البدلة دى " : " يا موسـى إننى ( أنا اللـه رب العالمين ) .. ( على عزت بيجوفيتش ) : يستجدى منح العون من الإمارات .. ( الدرويش ) يتجاهل طريق ( نرجس ) المعوق .. لينحيها من جيوبه إلى الأبـد .. اللـه يملأ الدنيا شمساً نوراً .. لم يحضر ( الرجل صغير الحجم ) اليوم إلى ( مصلحة المظاليم ) .. يستولى على أيام الإجازات يمضغها بلا إذن .. يعتمد على زرعه المزروع فى أرحام ستات المصلحة .. يحس ( الدرويش ) بقوة اللـه فى داخله .. مقبلون نحن على فترة يهز اللـه فيها أرضنا.. يثبت فيه : " الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب اللـه شديد " .. وحده .. الدرويش وحده مع نساء الحجرات .. يزداد إحساسه انفراداً بالنفس وقتما يذهب ( دهاء ) ( والنصف بغلة ) إلى المخازن .. يتمنى ( الدرويش ) لو كان ( الرجل صغير الحجم ) حاضرا لامتص أشواقهن .. يمتص اللعنة من فم الحيات القابعات فى شق النمل البعيد : كلب ضال يمشى وراء قطعة لحم .. يتحاشى ( الدرويش ) ( نرجس ) علاقته الغامضة بها تسير على عربة نقل وهى تحاول إخراجه من العربة الضالة المسرعــــة فى الطريق الصحراوى البارد .. ( نرجس ) تغسل أكواب الشاى .. تلقى ببقايا الشاى من نافذة الزنزانة فى سجن الحضرة الواقع خلف مكتبه حيث يوجد بشوارب يقف عليها الثيران الهائجة والتيادور ميت منذ سنوات ببدلة مصارع الثيران وهو مخضب بالدمــــــاء .. ( الرجل صغير الحجم ) ذهب إلى ( النمرة ) موظفة الإجازات .. جعلته يقف فوق كتفيه لا يقدم طلب إجازة عنادا فى الدرويش العنيد .. حبتان ريفو واحدة تدفع الأخرى فى أنحاء الدنيا تأتى بالسلام المنشود .. أعاد التوازن إلى عالم ( الدرويش ) الخفى المعلق فى الفضاء العالى وذهب الصداع اللئيم يشق أرضه يحرث نافوخه بمحراث من نار .. ثمرتان بطاطا له ومثلهما للجدة وثلاثة ( لسهام ) و ( إيمان ) وأمها .. ( سهام ) تأتى ( للجدة ) و الدرويش تقتات بعينيها قطعة بطاطا من الغيط القريب .. تذهب إلى أمها تهدد بإطلاق غازات الدموع على لهب شوى البطاطا : " عاوزه تانى بطاطا " وتعطيها إيمان قطعة من لحمها ويبتلع الدرويش قطعة صامتا : تمثال أجرب .. عند (مهنى ) البقال فى تمام أذان الظهر .. لم يجد الدكان مفتوحا .. سأل رجلا غجريا من رجال الماضى : ( إخوان الصفــــــا ) .. ( يصلح الآن غسالات ) عن (مهنى) قال الرجل ( راح يصلى الظهر ) جلس مطرقا ونظراته فى الأرض تخر من منخاره كمية من الانفعالات الزائدة : هنا كانت مأساته : أكل لحم أمه نيئا .. هنا كان انحداره إلى القاع النتن الرائحة وجهه يلفت النظر .. لكنهم لا يعرفون تضاريـــس وجهه الآن .. شوارع وجهه تدوس فوق وحلها مراكيب الناس .. وجاء ( مهنى ) لم يقبله الدرويش كعادته جمده الانتظار .قطعة لحم فى ثلاجة شتوية .. ابتدره ( مهنى ) : " عاوزين الحاجة صاحبـــــــــــة البطاقة الفردية فى مكتب تموين ( امبروزو ) عشان يتأكدوا أنها مازالت حية .. لم يحملها المشيعون حتى تراب العامود .. تهدم حيل الدرويش .. فتاتا صار .. غطته عفارة أحجار البيوت التى هدمها الزلزال .. اختفى تحت الأنقاض .. لم يعد يرى الهواء النقى يتنفس فيه .. قال ( مهنى ) من تحت الأنقاض: "دى ما بتخرجش بقالها سنين ما بتمشيش" مد يدك عاونى على إزالة الموت الرابض فوقى ، قال ( مهنى ) بحزم : الأوامر كده وحدثه عن تعبه مع مكتب التموين والصحة والنقود التى يدفعها للمكاتب تجرى مع مياه المجارى معطلة مجرى الحياة ، وانقبض عنق الدرويش اختنق خانقه قفاز أسود يرتديه عفريت من الجن .. شعر أن كربه زاد وسأله : " طب وإيه الحل يا عم مهنى ؛ نرجعوا إلى اللـه " غادر ( الدرويش ) ( مصلحة المظاليم ) لم يقبض حوافزه : طابور طويل ثعبانى الحركة عند الصـــــــراف القبطى ( جورج ) وطابور آخر طويل عند الحاج النوبى .. لم يقبض مرتبه واتخذ طريقا إلى البحر سربا مشيا على الأقدام إلى ( غربال ) عن طريق ( شجرة الدر ) ماتت الملكة بقبقاب ضرتها على ما يظن جلس (الدرويش) فى ( مصلحة المظاليم ) وقد تشقق لحمه وفرت العظام هاربة من جسده المغموم حزين الملامح بين نساء الضفتين والنهر صامت وراح يعبث بحذائه وجوربه فى الماء العطن .. ( النصف بغلة ) غائب اليوم .. ( ودهاء ) مثقل بمرض ابنه : " أنا رايح بيه للدكتور وح خلى أمه الممرضة تاخد إجازة لمدة أسبوع" ( وصغير الحجم ) ظهرت دمامل فى عينيه وهو مايزال يلتهم سندوتش الصباح من التى قيل إنها ستتزوجه : " أمانى الرقيقة " ( ووائل ) ابن ( إيمان ) حفر حفرة يلقون بداخلها الأموات فى النار والماء مقطوع فى (مصلحة المظاليم) ( ونرجس ) عملت شايا بماء وسخ .. انفجر (الدرويش) ضاحكا بالرغم منه .. قالت (نرجس) له : تشرب شاى ، قال لا .. وانصرف إلى بيته .. فى الطريـــق عرج (الدرويش) على ( الغدير ) استحم فيه وطلب من العامل بعض الفول والطعمية قال طاهى الطعمية فى ( الغدير ) الفول خلص .. وضعت ( الجدة ) طبق ( البصارة ) أمام (الدرويش) : أكلوا حتى الشبع الحاد ، وبكت ( سهام ) المفجوعة لأن طبق البصارة قد نفد أحضرت أمها نصف طبق من الثلاجة التهمته .. صرخ (الدرويش) صرخة محبوسة داخل قفصه الصدرى : " اللهم أعنى على استخراج بطاقة إثبات شخصية وختم بطاقة الجدة من مكتب التموين .

د. حسين علي محمد
03/05/2007, 11:54 AM
عن محمد حافظ رجب و «جيل بلا أساتذة»

بقلم: أ.د. حسين علي محمد
------------------------

محمد حافظ رجب قامة سامقة في القصة القصيرة، وقد أخذ بأيدينا حينما أسس "الصحوة" عام 1968م، لكنه كان قد توقف عن الكتابة طوال السبعينيات، وجلس في بيته (20 ش غربال ـ الإسكندرية). وقد زرتُه في أواخر السبعينيات في بيته ـ وكان معي الدكتور ماهر علام (وهو ليس أديباً ولكنه متذوق) ـ وقد أخذت منه قصصه التي نشرها في "المجلة" و"القصة" في منتصف الستينيات، ونشرتها له في سلسلة "كتاب آتون" التي كنتُ أشرف عليها، وترك لي اختيار العنوان، فاخترت "مخلوقات براد الشاي المغلي"، وأجريت معه حواراً مطولاً نشرته يومها في "الوطن" العمانية. وحاول بعدها أن يصدر "الصحوة" مرة ثانية، ولكنه لم يتمكّن، ولديَّ في البيت بمصر كتاب بخط محمد حافظ رجب بعنوان "جيل بلا أساتذة"، جمع فيه كل المقالات التي كُتبت عنه حتى عام 1980م، وكنتُ أريد أن أصدره في سلسلة "كتاب آتون"، لكن السلسلة توقفت بعد تسعة أشهر ـ في مارس 1980، لأبدأ في الشهر التالي مباشرة في إصدار سلسلة "أصوات مُعاصرة"، التي أصدرت حتى الآن (184) كتابا.
محمد حافظ رجب لا يُمكن أن أشبه به واحداً من جيل الستينيات في القصة القصيرة.
إنه رائد ومجدد.

د. حسين علي محمد
03/05/2007, 12:00 PM
أصابع شَعْرِكَ للموت

شعر: د. حسين علي محمد
............................

(إلى الصديق القاص المُبدع محمد حافظ رجب
صاحب قصة «أصابع الشعر»)

أعطيتَ لهذي المهرةِ
أُفْقَ صباكَ الغامرِ في الفجرِ
وحكمةَ أسلافِكَ
فجرَهمُ الكاذبْ
أعطيْتَ
أصابعَ شَعْرِكَ للموْتِ
وللأمواجِ القاربَ
كيْ تهبَ لجسدِكَ شهوةَ فعْلٍ
يتجذَّرُ فيهِ الموْتُ
وألفُ صنوْبرَةٍ تتآمرُ
كيْ تصنعَ نعْشاً
(أوْ إكليلا)
للجسدِ الخائرْ !
ديرب نجم 29/4/1990