المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عودة الزعيم



مصطفى الزايد
11/06/2013, 03:57 AM
عودة الزعيم

في إحدى المدن كان يعيش رجل وأولاده الثلاثة ، وكانت له ثلاث صفات جعلت أهل المدينة يحبونه ويحترمونه ، حتى إنهم قدموه وجعلوه زعيما لهم ، يرجعون إليه في جل أمورهم ، ويلجؤون إليه في المسائل الصعبة ، ولا يقطعون أمرا دونه ، ويستمعون لقوله ، ويلتزمون بطاعته. أما الصفات التي يتمتع بها وحببته إلى الناس فكانت: بعد النظر ، القوة في الحق ، لين الجانب.
وقد ورث كل واحد من أبنائه صفة من صفاته تلك.
فلما توفي الأب أراد أهل المدينة أن ينصبوا مكانه أحد أبنائه. فتقدم الابن الأكبر، وقال: أنا أحق الناس بالقيادة فأنا لدي بعد نظر لا يتمتع به أخواي!
فالتفت إليه الأوسط، وقال: ولكنك ضعيف في الحق تتهاون به إذا دعتك الحاجة ، ولذلك فلست أهلا للقيادة. أما أنا فلدي قوة في الحق لا أتنازل عنها مقابل كل مغريات الدنيا.
فتقدم الآخر، وقال: لكن أنتما الاثنان لديكما شراسة وصعوبة مراس لا يطيقها الشعب ، وأنا أولى منكما بالقيادة لأنني لين الجانب مما يجعلني أقرب إلى قلوب الناس.
فقال له الأوسط: أنت أضعف من أخيك الأكبر في الحق فأنت تتهاون به عند الحاجة ودونها.
واشتعل النزاع بين الإخوة، فكل منهم كان حريصا على القيادة ليس طمعا فيها ، وإنما ليقينه أنه سيقوم بها ويؤدي حقها أفضل من أخويه. وأن أيا من أخويه لو تسلم القيادة فسوف يفسد المدينة.
وهنا قرر أهل المدينة أن يختاروا قائدا من غيرهم إلى أن يتفق الإخوة فيما بينهم. فرضوا بذلك!
فتسلم القيادة شخص فأفسد اقتصاد المدينة وبدد أموالها ، فعزل واستبدل بشخص نشر الفساد في المدينة ، فعزل واستبدل بشخص أهمل حراسة حدود المدينة مما جعلها تتعرض لهجمات اللصوص في وضح النهار ، فعزل واستبدل بشخص أثار البغضاء والشحناء بين أهل المدينة. وهكذا كلما تسلم القيادة شخص أضاف سيئة إلى سيئات سابقيه. وكان أهل المدينة خلال تلك الفترة قد افتقدوا الصفات الثلاث التي كان يتمتع بها زعيمهم القديم، فلم يعد لدى أحد منهم بعد نظر ، ولا قوة في الحق ، ولا لينا في الجانب!
أما الأبناء الثلاثة فلم يعد نزاعهم منهجيا ، وإنما تحول إلى نزاع شخصي تطور مع الأيام إلى عداوة وبغضاء.
كانت بعض العجائز خلال تلك الفترة تتحدث عن نبوءة بأنه سيأتي لهذه المدينة رجل يحمل صفات الزعيم مجتمعة ، وتبشر الأجيال الجديدة به وأن حال المدينة لن يصلح حتى يأتي ذلك الرجل المذكور في النبوءة.
أما الأطفال فصاروا يحلمون بمجيء هذا الرجل ، وتلهمهم فطرتهم صورا له تشبه الزعيم المفقود رغم أنهم لم يروه. وتبدو لهم وتلاحقهم في مناماتهم صور لمدينتهم في ظل عودته تشبه المدينة الفاضلة ، رغم أنهم لم يعرفوا أرسطو ولم يقرؤوا له ، فيلمح الناظر طيف ابتسامة تعلو شفاههم وهم نائمون.
أما الشباب فكانوا يتحاورون فيما بينهم بكيفية إيجاد رجل في صفات الزعيم ، فكان بعضهم يرى أن يبحثوا في المدينة لعله موجود ولا يعرفه أحد ، وبعضهم رأى أن يبحثوا في إمكانية استنساخ الزعيم في ظل التطور العلمي الحديث ، والبعض رأى أن يتولوا تربية مجموعة من الأطفال وتنشئتهم على صفات الزعيم ، ثم يختاروا الأشبه منهم بالزعيم.
أما الرجال فكانوا يبحثون في طريقة للإصلاح بين الإخوة ، وجمعهم في مجلس شورى ، تحت قيادة أحدهم ، على ألا يقطع أمرا دون الرجوع لأخويه. لكنهم صدموا حين تحاوروا مع الأبناء فوجدوا كلا منهم يعتبر الآخر عدوا حقيقيا لا يمكنه الاتفاق والعمل معه.
كانت المدينة خلال ذلك تتعرض للنهب والعدوان ، وتتعاظم فيها موجة الفساد ، وينتشر فيها الظلم ، وبدأت القيم تتلاشى ، وتنقلب الآية ، فالكاذب مصدق لدى الناس محبوب ، بينما الصادق مكذب منبوذ ، والخائن مستأمن ، بينما الأمين متهم بأمانته ، والتقي موسوم بالدجل ، والدجاجلة موسومون بالتقى.
وما زالت العجائز تبشر.
والأطفال يحلمون.
والشباب يتحاورون.
والرجال يبحثون.
والشيطان يستلقي على ظهره من شدة الضحك.
- مصطفى الزايد -