-
إنهم يموتون بصمت
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
منذ أن وضع الإحتلال في نيسان 2003 بصماته الكريهة على خارطة العراق العزيز وكل مافي العراق يسير حثيثاً بإتجاه التخلف، وبإتجاه مزيد من التخلف يوماً بعد آخر. ومنذ ذلك التاريخ غادر العراق كل علمائه ومعظم مبدعيه وفنانيه وأدبائه ورياضيه وفي غير ذلك من مجالات الإبداع. وكثير من هؤلاء غادرونا بصمت.
ليس في الإحتلال خير! ومن يقول غير ذلك أمّا أن يكون خائناً أو مستفيدا أومغشوشاً، وقد يكون "غشيماً" أيضاً.
وحين يدافع الخونة عن المحتل فهذا مفهوم، فهو يندرج تحت باب الدفاع عن النفس ذلك أن مصدر قوة الخونة ووسيلة دفاعهم عن بقائهم مستمدة من وجود المحتل وقوته وآلته العسكرية و الثقافية والإعلامية والإجتماعية، وهم يعلمون أن عمودهم الفقري لن يسندهم للوقوف على أرجلهم لولا الإتكاء على جدار الإسناد الذي يوفره جيش الإحتلال وقوته التقنية والمادية فهم إن لم يكونوا منبوذين من جماهير شعبهم فإنهم في أحسن حالاتهم نكرات ليس لهم لا في العير ولا في النفير!!! وهم بهذا الموقف إنما يخسرون كل شيء مقابل متاع دنيوي زائل يمكن أن يذهب هو أيضاً في أي وقت. فهم خسروا دينهم وآخرتهم قبل كل شيء ومن ثم خسروا أنفسهم وأهليهم وخسروا شعبهم وخسروا حتى إحترامهم لأنفسهم مقابل مكسب معرض للزوال وبشتى الوسائل وفي كل الأحوال! وذلك هو الخسران المبين.
وكذلك دفاع المستفيدين، فهو دفاع عن مصدررزق- وهو في معظم حالاته حرام- ودفاع عن لقمة عيش مغمسة بآلام الأهل والأحبة والأصدقاء. ويرتبط هذا النوع من الإصطفاف مع المحتل بدوام مشروع الإستفادة، وهو مرشح لأن ينقلب وبعنف إلى الإتجاه المعاكس متى ما جف نهرالنقود الذي كان سبباً في إدامة الصلة. ولكن دخول الحمّام ليس كالخروج منه كما يقول المثل المصري المشهور، والعودة إلى القواعد قد لايكون سهلاً ومتيسراً إلا ما رحم ربي. وقد يجد هذا النوع من الناس نفسه منبوذاً من الطرفين ويكون قد أضاع المشيتين كما نقول في العراق،،، فلا صفوف المواطنين الشرفاء تأمن غدره إن عاد نهر المال الى الجريان، ولا ذلك النهر فيه من المال ما يشبع جشعه وطمعه، وذلك هو الضلال البعيد!
والمغشوشون كثير وهم أنواع؛ فمنهم من يعلم أنه مغشوش ويستمر في غيّه، ومنهم من لا يعلم أنه كذلك ويغرق في جهله، ومنهم من يغلق الأبواب على عقله ويمنعه من تمحيص الحقائق كسلاً أو دفعاً لأذى أو طمعاً في مكسب.
والمغشوشون وهم يعلمون هم الطامة الكبرى! فكونهم يعلمون يعني أنّ لديهم عقلاً يفكرون به وهو عقل تحليلي يفرّق بين الأسود بكل درجاته والأبيض بكل درجاته هو الآخر، ولكنهم يختارون الأسود أو درجة منه لغاية في نفس يعقوب! والغاية هذه قد تكون إستفادة أو دفع أذى أو هوىً ، وهو في حالته الأولى نفاق والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، وفي حالته الثانية تقية... ويحذركم الله نفسه والله شديد العقاب، وهو في حالته الأخيرة: " أولئك الذين أشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وماكانوا مهتدين".
أمّا المغشوشون حقيقة فهم في جهلهم يعمهون، وهم أكثر مما نتصور أو نحسب، فهم كل البسطاء الذين قادتهم الأحزاب الطائفية بشقيها، وقادتهم الأحزاب العرقية بأنواعها إلى مواقف التأييد أو السكوت عن الحق في معظم الأحيان، وغذتهم تلك الأحزاب بشتى أنواع الوعود والتمنيات الدنيوية والأخروية!!! فهؤلاء تسيّرهم الأحزاب الطائفية بأحاديث ملفقة عن سيد الخلق وعن أهل بيته الأطهار وتصوّرلهم أن رضا الله مرهون برضا "المراجع العظام وممثليهم"،،، وهذه "المراجع العظام" لم تعد في أغلب الأحوال وأعمّها مراجعَ وهي لم تكن في يوم من الأيام عظيمة إلا قدر تمسكها بطريق الحق وقربها من المعين الصافي الذي لا يحيد عنه إلا هالك. فمعظم مراجع هذه الأيام أمّا عملاء للأجنبي مهما كان لونه أو مستفيدين ومنتفعين أو طارئين لبسوا العمامة وبدأوا بالفتوى دون علم ولا كتاب منير مستفيدين من حالة الإنفلات القيمي التي جاء بها الإحتلال وأعوانه، مستغلين حالة عدم التوازن التي تسود التجمعات البشرية البسيطة في العراق نتيجة معناة السنوات الست المنصرمة، أو نتيجة الجهد الإعلامي المعادي المكثف الذي سلط عليها خلال أكثر من عقدين من الزمان. والبعض الآخر أشبعتهم الأحزاب العرقية من أحلام الإنفصال وتمنياته دون أن يكون هناك بالمقابل إعلام هاديء يضع النقاط على الحروف بغير تشنج وبغير تطرف.
نعم،،، فقد كان الإعلام الوطني في العراق قاصراً عن مجاراة أو محاربة الإعلام المعادي ولأسباب عديدة منها موضوعي ومنها غير ذلك... فقصور الأمكانيات التقنية والبشرية وغياب فرص التدريب والإحتكاك وصعوبة ودقة ظروف الحرب والحصار يمكن لها أن تدخل في باب الدفاع الموضوعي عن الإعلام، لكن تخلف الإعلام عن مواكبة حركة الدولة وأجهزتها المبدعة، وقصوره عن توجيه أصابع النقد البناء المتزن والهاديء وتشخيص المرافق التي كانت تعاني من تلكؤ وتباطيء، أو تلك التي كانت توفر الوقود اللازم لبعض النزعات الطائفية والعرقية بتصرفات غير مسؤولة وقرارات دنيا حمقاء يتخذها مدير عام أو حتى وزير فلا يمكن الدفاع عنه، خصوصاً إذا تذكرنا مقولة القائد الشهيد" أكتبوا دون تردد أو خوف وبغض النظر عمّا إذا كانت الدولة راضية عمّا تكتبوه أم لا". صحيح إن الأمر كان ستطلب تضحيات، وصحيح إن بعض الإعلاميين كانوا قد دفعوا ثمناً غالياً لمثل هكذا مواقف، إلا إن العراق وعزة العراق وحب العراق كان يستدعي الثمن الذي كان من الممكن أن يقدم،،، خصوصاً بعد أن رأينا البديل من تقتيل للصحفيين وإغتيال للإعلاميين، وما حصل للشهيدة " أطوار بهجت" ليس ببعيد.
المحزن في الأمر أن كثيراً من الإعلاميين، وكثير من الساكتين – وفيهم من كفاءات العراق وعلماءه ورموزه- والمُضَلَلين إنما يموتون بصمت دون إن يتاح لهم فرصة رفع صوتهم بالإحتجاج أو بغير ذلك. إنهم يموتون نكرات لا نعلم بموتهم إلا من خلال خبر قصير جداً في " سب تايتل" في إحدى الفضائيات المغمورة... ولا يعلم بموتهم زملائهم في المهنة ورفاقهم في النضال وأحبائهم في الأيام الصعبة إلا بعد فوات الآوان...
إني من هنا أناشدهم وأخصهم بالمناجاة،،، أولئك الأخيار الذين يمتلكون من خزين الحقائق والذكريات مايستطيعون به أن يكسبوا كثيراً من البسطاء الذين مايزالون فاقدين للتوازن والذين يعصبون عيونهم ظانين أن سوء الإحتلال قد لا يصل إليهم، غير عارفين أن من يسكت عن "أكل" الثور الأسود لابد أن يؤكل هو في الآخر، وأن النار حينما تنتشر فهي لا توفر أحداً... فلماذا الموت بصمت إذاً؟؟؟ ألم تكف معاناة الشهور السبعة العشرين المنصرمة ليرى كل ذي بصيرة مكان قدمه من الأرض، وليعي كل ذي لب أن الحياد خيانة!
-
رد: إنهم يموتون بصمت
بسم الله الرحمن الرحيم
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ....
احييك اخي د.امير البياتي واسعدني كثيرا اعادة قراءة مقالك القيم هنا في واتا ثانية بعد ان قراته صباح اليوم
في مواقعنا الوطنية المجاهدة . ويسعدني دخولك بقوة اكبر في هذا المحفل العربي الكبير ..واتا الكريمه ...وانا كلي ثقة بان دخولك بقوة اكبر من الاشهر الماضية سيكون له اعظم الاثر في دعم جهاد العراقيين بالقلم والفكر النير المجاهد الصابر ...
وفي فرش ارضيات اوسع واكبر من الحقائق امام اخوتنا ابناء العروبة ونحن نسير في درب النصر الناجز باذن الله ومشيئته .
-
رد: إنهم يموتون بصمت
شكراً أخي وحبيبي د. كاظم وسنعمل بالوصية ما وفقنا الله لذلك وشكراً على تحياتكم:mh57:
-
رد: إنهم يموتون بصمت
نرحب بك أخي المقاوم الدكتور أمير البياتي
كتاباتك ياسيدي فخر للعراقيين لكونها تبرز الجانب الوطني الحقيقي للأصلاء الذين لم يحيدوا عن الحق مهما أنقلبت الموازين ، وهذا ما نحن نعاني منه وهو السلبيين من المواطنين الذين لم يجنحوا لساحل بعد، رغم الأحتلال والتدمير وألأستقطاب الطائفي إلا أننا نجدهم ينتظرون الفرج من الله دون سعي واقعي ، ولا يعلمون بأن النصر على الأعداء لن يأتي دون تضحيات ودون دماء ودون قتال ودون ومعاناة ،وما دام الأنسان في العراق لابد من ألمه ومعاناته بسبب الأحتلال فمن باب أولى أن يتخذ قراره بمقاومة الأحتلال والعمل ضد مخططات المحتل في ترسيخ الطائفية التي نرى الكثير ممن وقع في فخها.*
-
رد: إنهم يموتون بصمت
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
شكراً أخي المهندس المسافر- جعل الله سفركم في سبيله
كلامك حق والمصيبة أن هؤلاء الذين يقفون في طابور الأنتظار السلبي كثرة!
ندعو الله لهم بزوال الغشاوة وندعو الله لنا بالثبات ولكل المجاهدين
وفقكم الله