المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
عودة الروح للطائفية في العراق
بـقـلـم
الدكتور عبدالرزاق محمد جعفر
استاذ جامعات بغداد والفاتح وصفاقـس /سابقا
عاصرت الطائفية في العراق منذ عهد الصبا و استنكرت و سئمت معارك الكلمات ما بين ابناء الطائفتين السنية و الشيعية على حد سواء ! و قد خفت تلك المعارك او قل كادت ان تزول في بداية الخمسينات من القرن الماضي ,الا انها عاد ت من جديد بعد الاطاحة بالملكية في الرابع عشرمن تموز 1958ميلادية , حيث استغلها الحاكم بأمره او قل القائد العام لكل ثورة بشكل خفي و احياننا علني و استمر ذلك حتى بعد التاسع من ابريل (نيسان) سنة 2003 و ليومنا هذا !
اخذت على عاتقي تفنيد الأ فكار المعتمة التي تسيئ الى الأسلام و تفرق ابناء الشعب العراقي , حيث ان اختلاف الرأي لا يفسد المودة , و من اجتهد و اصاب فله اجران و من لم يصب فله اجر واحد , و ان اكرمكم عند الله اتقاكم .
تحقق لي الأستقرارالنسبي, بعد تغرب في العديد من البلدان العربية و الأسلا مية لعدة سنوات, و لطالما كنت اتعرض للسؤا ل عن منطقه سكني في العراق !! فاشعر بتقزز من ذلك السؤا ل لأنني اعرف قصد السائل منه , فهو يريد ان يعرف هل انا سني ام شيعي؟ !! ثم يطرح سؤالا آخر, و من هم الشيعة ؟ .. و هكذا و كما يقول المثل اللبناني او المصري, ( سيره و أنفتحت !) .
و لذا رغبت في كتابة ما اختزنته من معلومات, و استنادا لمصادر موثوق بها للرد على الأفتراءات التي نسبت الى السنة و الشيعة , منذ الفتنة الكبرى والى يومنا هذا !!
التحدث عن الطائفية المتغللة في نفوس المتعصبين من ابناءالشعب العراقي هو امر صعب و محزن ,لأنها ليست صناعة الجهلة من الأمة بل هي من صنع البعض من المتعلمين من الكتاب والشعراء والساسة المغرضون سنة وشيعة على حد سواء!
دونت كل طائفة على صفحات كتب من تأليف علماء دين من كلا الطائفتين,
للطعن بالطائفة الاخرى !..مفعمة بالشتم و التجريح و مولدة البغضاء عند كليهما !
لقد شوهت تلك الكتب الصفراء احاديث السنة و الشيعة معا و استطاعت ان تخترق جسد المسلم بالرغم من انها احاديث مزعومة عن الماضي استغلت لتحقيق اغراض نفعية لا صلة لهابحاضر الوطن وقد اكل الدهر عليها و شرب ! .
انتشرت الطائفية في الجامعات العراقية بسبب كثرة الطلاب المنتمين لها , اما عامة الناس البسطاء فهم لا يشغلون انفسهم بها, و قد ادى ذلك الى التباعد بين الطائفتين !.. و نتيجة لذلك قل الأختلاط وقل التزاوج بين ابناء الطائفتين , او قل, نادرا ما تجد شاب شيعي رغب بالزواج من شابة سنية و العكس صحيح !.. و خاصة في المدن ذات الغالبية الساحقة من احدى الطائفتين, و قد تعمقت هذه الفجوة بسبب عدم تردد الشيعة على مساجد السنة,او قل السنة لا يدخلون مساجد الشيعة !...الا ان هذا الواقع قد تبدل في السنوات الاخيرة (السبعينات من القرن الماضي) وكثر الزواج بين ابناء الطائفتين بسبب الاختلاط في الكليات و العمل في الادارات الحكومية, حيث دخل اهم عامل من عوامل الزواج , الا و هو الحب ! ! , الذي سحق التعصب المذهبي و العنصري ! السائد آنذاك.
استمرت التفرقة الطائفية بشكل خفي في جميع العهود وخاصة في عهد الأحزاب, فالأنتماء الحزبي مباح للجميع ولا فرق بين سني و شيعي الا بمتانة الولاء لمبادئ الحزب او قائده, و هكذا زاد الصراع بعنف عندما منع النظام الصدامي معظم المراسم الدينية عند الشيعة بشكلها العلني المتعارف عليه في كافة العهود السابقة مثل المآتم الحسينية و اللطم و القامه و غيرها من الفعاليات التي يعرفها كل عراقي, وخنعت العديد من الفصائل الدينية للأمر الواقع, بغض النظر عن كونها سنية او شيعية, الا ان بقاء الحال من المحال , فالواقع اظهر ان ذلك الخنوع كان وقتيا و لم يصل في اي يوم الى حالة انعدام الطائفية البغيضة بالضربة القاضية !! و خاصة في النفوس المتعصبة من الطائفتين و خاصة في الجامعات العراقية و الدوائر الحكومية !. و بذهني الكثير من الوقائع, بعضها طريف, والبعض الآخر مقرف, و لا اريد التطرق لها لأزيد الطين بلة.
تمثل الجامعات العراقية نموذجا للمجتمع العراقي , و لذا يمكن القول ان الطائفية قد راجت بسبب كثرة الجامعات و المعاهد التي تضم بعضا من اساتذه الطائفتين ممن نشروا العديد من الكتب الدينية التي دست فيها روايات فيها طعن بالسلف الصالح و امتلاك الشيعه لقرآن خاص بهم !و ان الوحي الذي ارسل الى علي (رض) ثم اصابه الوهم و توجه بالخطا الى محمد(ص).
سمعت مثل ذلك الادعاء عند زيارتي لقاهرة المعتز في سنه 1972 ضمن وفد جامعي ضم العديد من الدكاتره العرب لحضور مؤتمر علمي للكمياء ,و في احد الايام وجهت لنا دعوة لزيارة الجامع الازهر و الذي شيد في العصر الفاطمي(الشيعي) و تجول معنا في ارجاء المسجد الواسع احد طلبة الماجستير في (جامعة الازهر) و راح يسرد علينا تاريخ ذلك المسجد , الى ان وردت بكلامه لفظة (الشيعة ) و هنا قاطعه احد الزملاء المصريين وسأله عمدا,(حيث سبق وان حدثته عن الصراع الخفي للطائفية ):
مين هم الشيعه ؟ !! .. ثم التفت نحوي مبتسما و فهمت مداعبته ..ثم انطلق محدثنا بكل حماس ليشرح للوفد معنى الشيعة, و قال :
( دول ناس كفره , بيعتقدوا ان سيدنا جبريل عليه السلام قد ارسله الله عز و جل الى علي بن ابي طالب ليبلغه الرسالة النبوية الا انه خان الامانة و ابلغها الى محمد بن عبدالله !! ), استغرب البعض و لم استغرب انا , فقد سمعت ذلك مرات و مرات من الأخوة العرب و خاصه في المغرب العربي , و قلت لمحدثنا : ما هذا الهراء ؟ انك طالب دراسات عليا , فمن المفروض ان تحكم عقلك و تستخدم المنطق في اي علم تقرأه ولا تصدقه ان لم يكن مدونا في مصدرعلمي او قد ورد في كتب الصحاح,..
و لا يجوز لك ان تردد اقوال المغرضين و تساهم معهم في اشعال لهيب الطائفية البغيضة , فقد كان (علي) صبيا يعيش في كنف (محمد) , و هل من المعقول ان يرسل الله عز وجل ملاكا لا يلتزم بأمره!! ؟. و اذا افترضنا صحة ذلك , و ان الوحى المرسل قد اخطأ العنوان !! الم يكن بقدرة الله خالق السماوات و الارض و القادر على كل شيئ ان يصحح مساره !! .. كما انني لم اشاهد و لم اسمع من اي رجل دين شيعي عن وجود قرآن مطبوع خاص بالشيعة البته!
ان التعصب الطائفي يعمي العيون و القلوب او قل يجعل الأنسان اعمى بطريق مظلم!! , فتنعدم عواطفه و احاسيسه الانسانية و سوف يستمر حال الطائفية في العراق ورقة بيد تجار السياسة و ترتفع اسهمها طالما وجدت الظروف الملائمة لنموها و العكس صحيح!! و سيكتب لها الزوال اذا ما نبذت كل طائفة ما في قلبها من ضغائن و احقاد, ومن الغريب ان الطائفية لم تكن ظاهرة في الاسواق التجارية الشعبية لدى الطائفتين !! و الحق يقال : ان الزائر للاحياء الشعبية التي يسكنها خليط من الطائفتين في المدن لا يشعر بوجود مظهر واضح للتفرقة الطائفية ! , الا ان ذلك لا يعني ان السني ينظر للشيعي كما ينظر الحنفي الى الشافعي و الشافعي الى المالكي! , ومن الملفت للنظر ان الصراع الطائفي في كل العهود لم يؤثر في سير الأعمال العامة للشعب ولم اسمع او اشاهد اي شجار فردي او جماعي بين السنة و الشيعة و لا ادري سببا يدعو الكثير من ابناء الجالية العربية لللأفتراء على ابناء الشعب العراقي و ترديد مزاعم باطلة لا اساس لها من الصحة و ليس من ورائها نفع يرتجى واقول لهم دعونا نبني كيان امة موحدة في وطن واحد, ونمجد الوحدالوطنية.