"عمرو خالد".. إلى متى؟!
جواد البشيتي
ثمَّة ظاهرة دينية ـ ثقافية ـ اجتماعية ـ سياسية جديدة هي ظاهرة "الداعية عمرو خالد"، إنْ صحَّ أنَّ اسمه الحقيقي، أو جزءا من اسمه الحقيقي، هو "عمرو خالد".
"عمرو خالد"، أأدرك ذلك أم لم يدرك، هو جزء؛ بل هو من أهم أجزاء، "الحل" لمشكلة تسمَّى في بعضٍ من الغرب الثقافي ـ السياسي "الوحشية السياسية في الإسلام (الكامنة تارةً، والظاهرة طوراً)". وقد كان السؤال الذي وجدوا في "عمرو خالد"، ومن هم على شاكلته كمثل الدكتور زغلول النجار، بعضاً من جوابه هو "كيف نَنْزَع من الإسلام، فكراً وعملاً، تلك "الوحشية السياسية"، فيتحوَّل إلى ديانة للخلاص الفردي، ويُقام، بالتالي، برزخ بينه وبين كل مقاومة عربية للحرب الإمبريالية الشاملة التي تخوضها الولايات المتحدة، بالتعاون مع قوى غربية أخرى، ومع إسرائيل، ضد الوجود القومي العربي، وضد المصالح والحقوق القومية والديمقراطية للعرب؟ القوَّة الإمبريالية العظمى في العالم لا تخوض حروبا دينية خالصة، على افتراض أنَّ التاريخ عَرَفَ "الحروب الدينية الخالصة"، وإنَّما توظِّف الدين، نزاعاً وصراعاً.. وحواراً، في حروبها الدنيوية الخالصة.
لقد أرادت أن تدل الشباب المسلم ـ الذي، بفضل عدائها الإمبريالي للعرب، اشتد لديه الميل إلى "أسْلَمة" مقاومته لها، وإلى أن يُظْهِر ويؤكِّد قوة إيمانه والتزامه الديني في المقاومة، وبها، والتي يرى فيها "جهاداً" ـ على تجارةٍ تنجيها هي من عذاب أليم، فدلَّته على "إسلام الخلاص الفردي (الأخلاقي)" الذي يدعو إليه "عمرو خالد".
إذا تحدَّث "عمرو خالد" في الأمور والقضايا السياسية التي تشغل بالنا وفكرنا، أو إذا توفَّر على "تسييس الدين"، فإنَّه لا يتحدَّث إلا بما يقع موقعا حسنا في نفوس ذوي المصلحة في نشر روح الانهزامية القومية بين شبابنا. إنَّه، في تلك الأمور والقضايا، لا يصمت دهرا إلا لينطق كفرا.. وقد نطق بشهادة تلمودية إذ روى قصة المسجد الأقصى، عَبْر فضائية مُسخَّرة له، ولأمثاله، هي فضائية "اقرأ"، بما يتَّفِق مع أوهام "العهد القديم".
هذا الداعية الدعي، الذي، لجهة أسلوبه في محاورة الشباب، أرى فيه سقراط في طور المهزلة، روى لنا وكأنَّه "شاهد عيان" أنَّ النبي داوود، وبأمر من الله، هو الذي بنى المسجد الأقصى؛ وقد بناه في مكان بيت رجل يهودي؛ ثمَّ جاء النبي سليمان ليُكْمِل، بأمر من الله أيضا، ما بدأه داوود. وغني عن البيان أنَّ هذا المعبد، الذي يسميه الداعية "المسجد الأقصى"، هو "هيكل سليمان"، الذي، بحسب الرواية اليهودية، التي لا سند لها في التاريخ والواقع، يقع تحت المسجد الأقصى.
ولعل خير دليل على أنَّ "عمرو خالد" لا ينطق إلا بما يرضي، سياسيا، صُنَّاع ظاهرته هو أنَّ غير فضائية إسرائيلية تبث برامجه الدينية التي يتَّجِر بها في سوقي "اقرأ"، و"L.B.C" التي يملكها حزب الكتائب اللبناني، وتعود عليه بربح جزيل يحسده عليه كبار "التجار غير الشرعيين".
علم المحاسبة الذي درس شحذ حسه التجاري، وجعله لا يتورَّع حتى عن "تسليع" الدين، وعن استحداث فرع جديد لـ "قطاع الخدمات" هو "مكاتب الخدمات الدينية" التي يبيع فيها لجمهوره المسكين حتى "النغمات الدينية للموبايل".
ذات مرة، تفتَّق ذهنه عن فكرة عبقرية للتضامن مع الشعب العراقي، مؤدَّاها أن ينفر المسلمون إلى "الجهاد الموبايلي"، فيكثرون من الاتصالات الهاتفية العشوائية مع العراقيين. ولولا الخراب الذي يعم شبكة الهاتف العراقية لعادت فكرته بربح ملاييني على شركات الموبايل التي يتعاون معها "عمرو خالد" على البر والتقوى.
عجزه عن تحقيق فكرته العبقرية جعله ييمِّم وجهه شطر المعجزات، فدعا مشاهديه، الذين جلهم من أبناء البرجوازيين الذين يريدون لأفلاذ أكبادهم تديُّناً "يُغَنِّمهم (أي يجعلهم أغنام) سياسياً، إلى أن يقولوا "حسبي الله ونعم الوكيل" مدة 24 ساعة، فينجلي الغم عن الشعب العراقي!
لقد رأيتُ أولئك الشباب من الجنسين وقد أسلموه عقولهم الصغيرة، وقلوبهم الكبيرة، ليُعيد خَلْقها على مثاله، وعلى مثال مساندي دعوته من أمثال صفاء أبو السعود وزوجها. رأيته، وبعدما انتهى من أسْلَمة الرواية التلمودية لهيكل سليمان، يتصبَّب عرقاً من فرط ما بذله من جهد فكري وديني لإثبات قضية تشغل بالنا وفكرنا وهي أنَّ البصاق في الشارع حرام؛ لأنَّه يؤذي الملائكة!
هذا هو زمننا العربي.. زمن "عمرو خالد"، وهيفاء وهبي، وسمير جعجع.. و"بوس الواوا"!