رسالة من تحت الأنقاض ...... !
(5) رســــــالة من تحت الأنقاض !
طويت صفحة الشهيدة (نبال) وكأنها تراث من الماضي السحيق ، كما طويت صفحات أخرى لشهداء وجرحى ومعوقين آخرين ، طالهم العنف والهمجية والقسوة ، بينهم أطفال بعمر الربيع ، أضحوا فاقدي البصر ، ومنهم من بترت أيديهم أو أرجلهم أو انغرست في أجسادهم شظايا من كل الأصناف ، لأسباب يجهلون كنهها .
تحول الحي السكني الهادئ إلى ورشة عمل صاخبة ، تشعرك بأن زلزالا عنيفا ، بدرجة يجهل السكان المحليون رقمها ، على مقياس ريختر ، لعدم توقعهم الحاجة له يوما ما بتاتا . وتحول الجو المعطر بعبق الورود والرياحين إلى آخر فيه كل روائح الاسمنت والرمل والحصى وغاز ثاني أكسيد الكربون المنبعث من آليات البناء والمركبات .
كل هذا طبيعي ومتوقع في لحظات غياب سلطة القانون ، بيد أن رجال الإنقاذ كانت لهم رؤية أخرى . فقد تناهى إلى سمعهم وجود أسرة تتكون من أربعة أفراد اعتبرت في عداد المفقودين ، إذ تقدم ذووهم بشكوى إلى المسئولين طالبين البحث عنهم . وبعد (س) و (ج) وأخذ ورد توصل الكل إلى مخرج أخير لعله يميط اللثام عن ملابسات هذه المصيبة ويضع النقاط فوق الحروف لمعرفة مصيرهم . إنه الهاتف النقال . ولكن هل عرفوا الرقم بالضبط ؟
ذلك هو الإشكال الوحيد الذي لا حل بدونه .
مضت الدقائق والقلوب تخفق وجلة مضطربة خوفا من المجهول . وبذل كل شخص جهدا مضنيا خاصا به . فماذا أثمرت الجهود ؟
امتلك طفل صغير رقم هاتف أبن عمه . وأخذه الجد على الفور ثم بدأ الأخير يضغط على أزرار الهاتف وهو في الرمق الأخير إلى أن
جاء الفرج عبر الحوار التالي :
- غ ، هل تسمعني ؟ أنا أبوك . أين أنت ؟
- لا أعرف . بعد الزلزال انقطع النور عنا .
- يا ولدي ، اطمئن . سوف نسعفك .
- ولكن ، أين زوجتك وطفلاك ؟
- معي .
- في أية حجرة أنتم الآن ؟
هنا انقطع الاتصال لنفاذ شحن الكارت ، كما يبدو . ومع هذا انطلق الكل نحو بيت المنكوب ، فماذا وجدوا ؟
وجدوا أن السقف قد تساوى مع الشارع . كما عرفوا بان الضحايا كانوا راقدين في قيلولة بسرداب المنزل لحظة حدوث المأساة .
إذن هم الآن ، حسب الرسالة من تحت الأنقاض ، في انتظار من يمد لهم يد العون . ولا أحد يستطيع ضمان بقائهم أحياء إلا بعد رفع الأنقاض عنهم .