كعادته ؛ الأستاذ الدكتور محمد اسحق الريفي ، لا يتحدث إلا في المهم !!
(( التملق )) : ليس موضوعا مهما و حسب ، بل هو مهم بامتياز ..
أتساءل و أنا أتأمل في تفاصيل حياتنا :
أليس التملق واحدا من أخطر أسباب تخلفنا كأمة ؟
خطورته آتية من أنه يبدو لنا مظهرا اجتماعيا عاديا ، لأن أغلب الناس في المجتمع يمارسه على ما فيه من قبح و مذمة ..
و تبدو خطورته واضحة جلية إذا ما تنبهنا لتأثيره المباشر في تردي أوضاع الأمة جميعها .. و إجهاض انتصاراتها .. إنجازاتها ، و تكريس هزائمها ، و جر أمر الأمة من الرديء إلى الأردأ ، و تسببه في هذا الاختلال المريع في منظومة القيم لدينا .. فصرنا يزاحم بعضنا بعضا على احتلال موقع المؤخرة في ركب الحضارة ! .
لا يحتاج استكشاف تأثير التملق في تردي حياتنا إلى كبير جهد .. نلحظه باديا للعيان في طبيعة حياتنا الاجتماعية ، السياسية ، الاقتصادية ، الرياضية ، الفنية ... في سلوكيات الأفراد و الجماعات ...
" نجيب عز الدين " : يعرف ظاهرة (( التملق ))على أنها وسيله ماكرة وخبيثة يلجأ إليها أصحاب المصالح والمنافع الشخصية لتحقيق أهدافهم الضيقة على حساب المصلحة العامة ولتحقيق أجنده ومكتسبات ليست حقا لهم وليسو أهلا لها .
ولأصحاب هذه الظاهرة صفات وسمات تبدأ من التلون والاختلاف الكبير ما بين السلوك الداخلي والخارجي والتكيف مع تغير المراحل والرموز والأحداث العامة التي تجري في المجتمعات وتعكس فعلها القوي على حياة الأمم والشعوب ،واستخدامها لأساليب الغش والخداع والمكر والغدر لتحقيق أهدافها وغاياتها محاربة بذلك الوسائل الطبيعية والقانونية و الأخلاقية والدينية والعلمية للوصول إلى الأهداف المشروعة ، ناهيك عن استخدام رواد هذه الظاهرة لوسائل التعالي على الآخرين والتحقير والاستهزاء بهم في مرحلة بلوغهم لأهدافهم الخبيثة .كما يمتازون بالغرور لتعويض النقص في مكنوناتهم الشخصية وإخفائهم للأجندة الخاصة والارتباطات المشبوهة التي يعملون لخدمتها.
و تظهر خطورة وتأثير هذه الظاهرة في مراحل عده، أهمها في المرحلة التي تتعرض فيها الأمم والشعوب لاحتلال عسكري وأجنبي أو في مراحل التحرر الوطني .
ففي العراق وبعد تعرض هذا البلد لاحتلال أجنبي أطاح بالدولة ومؤسساتها وملاحقة قادتها ورموزها من قبل الاحتلال ،ظهرت فئة تتباهى وتجاهر أنها عانت من ظلم النظام السابق وأنها قاومته بكل الوسائل وتعرضت لكل أنواع التعذيب والبطش رغم أن هذه الفئة كانت مستفيدة وتعتاش من نفس النظام فتراها تتلون وتتكيف لتعيش وتستفيد من تغير وتبدل الأحوال والحكومات، وفي هذا السياق ونحن نتحدث عن المنافقين والمتملقين فإننا لا ننفي تعرض بعض الفئات للظلم .
ويمكن تحديد الوسائل والأشكال المتبعة للمنافقين والمتسلقين بوسائل عده أهمها كيل المديح والإطراء المفرط واستخدام اليافطات في الشوارع والأزقه واستخدام وسائل الإعلام المختلفة لغايات التهنئة والتعزية و التبريك والترحيب وإقامة تجمعات وزيارات وعلاقات عامه وغيرها،ولكن الأهم في تحليل الظاهرة هو تحديد مخاطرها وتأثيرها على المجتمع ونسيجه الاجتماعي في حال أصبحت ظاهره عامه ومتمكنة:
أولا:
تعميق الشعور بالظلم والإحباط وغياب العدالة لدى شريحة واسعة تناضل وتكافح من اجل بلوغ حقوقها بوسائل مشروعه وتقوم بما عليها من واجبات ومسؤوليات، وقد يؤدي هذا الشعور إلى محاولة البعض الحصول على حقوقه بوسائله الخاصة ويؤدي إلى شكل انفلات امني يستفيد منه أيضا المنافقون وأعداء المجتمع .
ثانيا:
تغييب الأنظمة والقوانين ومحاولات تقويض الفرصة والظروف التي تمكن من ترسيخها في ثقافة المجتمع ومؤسساته.
ثالثا:
بروز الشلليات والمصالح الفئوية وتكوين علاقات خاصة قويه تأخذ موقع الأولوية والصدارة أثناء التقييم بعيدا عن الكفاءة والمؤهلات العلمية والإنتاجية وهذا يتجلى في بعض المؤسسات الرسمية والأهلية بحيث تغلب هذه المصالح على قوة القانون ونزاهته.
رابعا:
إنشاء مراكز القوى والنفوذ وجماعات الضغط وفق خطط مدروسة ومبرمجه تؤدي إلى تعريض الأمن الاجتماعي للخطر.
خامسا:
تهديد الثروة الاقتصادية وتبديد الإمكانيات والموارد الوطنية وحرمان الأغلبية من حقوقهم.
سادسا:
محاربه ومقاومة الخطط الوطنية للتنمية والإصلاح وحل مشكلة الفقر والبطالة .
سابعا:
استغلال العدو الخارجي والاحتلال لهذه الظاهرة ودعمها وتمكينها بكل الوسائل حيث يقوم بتجنيد العملاء من معظم أصحاب هذه الظاهرة لخدمة أهدافه وخططه وبرامجه لتدمير الطموحات والأهداف الوطنية ، وقد اقترن ذكر المنافقين في القران الكريم مع الكافرين وتساوت أعمالهم وتأثيرهم المدمر على مر العصور،
أنها نبته خبيثة أنبتت سبع خبائث فاحذروها !!
ما أعظمك يا سيدنا عمرَ بنَ الخطاب و أنت تقول :
(( رحم الله امرأ ً أهدى إلينا عيوبَنا !! ))
و ما أروع الدعاءَ لأولي الأمر أن يرزقهم الله تعالى بطانة صادقة ، صالحة ، تريهم الحق حقا ، و تعينهم على اتباعه ، و تريهم الباطل باطلا ، و تؤازرهم في العمل على اجتنابه !!