كيف تسجد الشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب لله تعالى؟

كيف تسجد الشمس والقمر والنجوم والجبال
والشجر والدواب لله تعالى

قال تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَن يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاء {18} الحج.
مادة "سجد" مستعملة في التقييد والاتباع.
فالساجد يتخلى عن خصوصيته، بتقييد نفسه باتباع غيره،
ونحن نرى سجود كثير من الناس لله تعالى ويقيدوا أنفسهم بشرع الله تعالى.
ونعلم عن سجود الملائكة لله تعالى التي ذكرها في كتابه،
وعن وجود من يؤمن من الجن ويسجد لله تعالى كذلك.
والإنسان مقيد في حدود كثيرة؛ في عمره الذي يعيشه،
وبطوله، وقدرته، وطعامه، وشرابه، ولباسه، ومسكنه،
وحواسه الخمسة، لها حدود فهي تقع بين حدين من الترددات
والتغيرات التي تحدث فيه من ولادته وقبلها إلى شيخوخته،
ولا سلطان له عليها، ومنع ما لا يرغب منها.
وسجود كل هؤلاء حيث يوجدون في الأرض أو في السماوات.
وقد أعطي الإنسان هامش من عدم التقييد وأعطي له حريه العمل بالأوامر واجتناب النواهي
فكان أكثر الناس لم يلتزموا فاستحقوا كلمة العذاب

أما سجود الشمس والقمر والنجوم،

فنحن نرى تقيدها في نظام لا تخرج عنه في طلوعها وغروبها، ومسارها،
ولو كان ذلك منها لغيرت وبدلت، وهي على ما هي عليه منذ آلاف السنين،
فهي مستسلمة لما وضعها الله تعالى فيه من مسارات وقوانين لها، لا تخرج عنها.
فهذا هو سجودها لمن خلقها وما فرضه الله تعالى عليها.

أما سجود الجبال؛

فهي لم تلق نفسها في الأرض حتى لا تميد بالناس
ولم تنصب نفسها، فبلغت هذه الارتفاعات،
ولم تختر أماكن وجودها في مشارق الأرض ومغاربها، وفي البر والبحار،
فلم تبلغ بمشيئتها ارتفاعها ، ورسوها قائمة،
لا تنهار بشدة ريح أو مطر أو زلازل فتصبح كثيبًا مهيلاً.
فهذا التقييد للجبال بلا حول لها ولا قوة للخروج عنه، هو سجودها لله تعالى،
ومتى شاء الله تعالى سيَّرها أو نسَفها فيجعلها هباء منثورًا.

وأما سجود الشجر

فهو مقيد في نموه ووقت إخراج أوراقه وسقوطها،
وفي أي عمر يزهر ويثمر، وامتداد طوله وعمره، والمكان الذي يصلح لإنباته.
فهذا هو سجود الشجر لله تعالى بتقيده بما سنه الله تعالى له.

وأما سجود الدواب؛

والدواب شاملة لكي حي متحرك يتنقل في الأرض والسماء.
فهي محكومة لسنن الله التي وضعها لكل واحدة منها؛
في عمرها ومهامها وقدرتها، ومنفعتها، وتكاثرها، وأكلها،
والأماكن التي تسكن فيها؛ بين أماكن شديدة البرودة إلى شديدة الحرارة،
فسجودها في هذا التقييد لها بسنن الله التي فطرها الله تعالى عليه.

وأشد التقييد والاتباع

أن لا تنقاد وراء سمعك وبصرك،
فتكون جبهتك ملاصقة للأرض؛
لا ترى شيئًا ولا تلتفت إلى مصدر صوت.
فهذا السجود الخاص الذي نقوم به في الصلاة
وبقية حياتنا كلها سجود كما بيناه .
وأسجد الجمل إذا طأطأ رأسه وذل ليركبه صاحبه

.

لماذا أمرت الملائكة بالسجود لأدم ؟

كان في استخلاف آدم في الأرض ارتباط كبير للملائكة بآدم وذريته،
فهم سيتولون نفخ أرواحهم في الأرحام، وقبضها عند الموت؟
وكتابة أعمالهم،ونصرة المؤمنين، وعقاب الكافرين في الدنيا والآخرة،
وإنزال الكتب على الرسل منهم وتعليمهم ما لا يعلمون من قبل.
وتوزيع الأرزاق عليهم ... ففي ملازمتهم تقييد من الله تعالى لهم
فأمرهم بالسجود لآدم في بداية ارتباطهم بآدم؛
لأجل تعليم آدم العبادة وعلى رأسها السجود،
وليكون أول درس يأخذه آدم بأن يرى السجود،
وكم للدرس الأول من أثر ممتد. فيعرف لماذا خلقه الله تعالى.
فوق تعظيم قدرة الله في خلقه لآدم، والامتثال لأمر الله مهما كان.

لماذا لم يسجد إبليس لأدم ؟

قد أدرك إبليس أن في سجود الملائكة لآدم تقييد وارتباط له أيضًا بآدم،
فهو ليس خيرًا منهم، ولا منزلته فوق منزلتهم،
وسيكون هو وذريته تبعًا لما عليه آدم وذريته،
فأدرك إبليس أن الله تعالى كرم آدم عليه،
: { قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَـذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ {62} الإسراء.
وأن الله تعالى قد اصطفى آدم عليه،
: { إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ {33} آل عمران.
ولم يكن مع آدم إلا إبليس وهما اللذان خلقهم الله لعبادته،
وهذا الاصطفاء أشكل على علماء كبار في اللغة والشرع،
لأن الاصطفاء يكون من متعدد،
فجر بعضهم إلى القول بوجود أوادم مع آدم،
وهذا التكريم والاصطفاء جعل الجن تبعًا للإنس.
فالجن تبعًا للإنس في الإيمان؛ فرسل الله كلهم من الإنس،
وهم أنفسهم أيضًا رسل الله إلى الجن؛
فمن الجن من أتباع موسى عليه السلام؛
: { قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنزِلَ مِن بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُّسْتَقِيمٍ {30} الأحقاف.
ومن الجن نصارى وقد انحرفوا عن عقيدتهم بفعل سفهائهم؛
: { وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا {3} وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا {4} الجن.
ومنهم المسلمون الذين آمنوا بمحمد لما بعث؛
: { وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلَا يَخَافُ بَخْسًا وَلَا رَهَقًا {13} وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا {14} الجن.

لماذا سمي الشيطان بإبليس ؟

إبليس من مادة "بلس" وهي مستعملة في التحير.
فلما أمر الله تعالى الملائكة بالسجود .. وقف إبليس متحيرًا
يريد أن يسجد خشية من عقاب الله تعالى له بعدم السجود
ولا يريد أن يسجد استعلاء على آدم وتفضيل نفسه عليه.
وانتهى سجود الملائكة وهو على هذا الحال؛
فخاطبه الله بعدله ليبين سبب عدم سجوده
فقال له : يا إبليس ..... أي يا أيها الواقف المتحير
ولم يسم إبليس بهذه التسمية إلا في هذا الموقف الذي انتهى بطرده من الجنة،
وموضعين آخرين
وفصلت هذا الأمر على هذا الرابط :

يا إبليس ... يا أيها الواقف المتحير

ولماذا سمي إبليس بالشيطان ؟

الشيطان من مادة "شطن"؛
وهي مستعملة في بقاء شيء معلقا لا يميل على جانب دون الآخر.
وكان فعل إبليس بعد طرده أن أغوى آدم فجعله يعصى الله ويبعده عنه،
فجعله بعيدًا عن الله،
فهو معلق لا يجد بعد الله عز وجل أحد يعتمد عليه،
لكن آدم تاب واستغفر بعد ذلك فغفر الله تعالى له وقربه
ولذلك سمي إبليس بعد فعله هذا بالشيطان
وتفصيل ذلك على هذا الرابط

الشيطان .... ذلك المُعَلَّق المُعلِّق

كيف نفهم سجود إخوة يوسف له ؟

: {إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ {4} يوسف.
: {99 وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدًا وَقَالَ يَا أَبَتِ هَـذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِن قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا {100} يوسف.

من فهمنا السابق لمقصود السجود بالتبعية والانقياد
فقد أصبح أبويه وإخوته تابعين له في مصر
ووجودهم فيها بسبب وجوده هو في مصر ومكانته كعزيز مصر
فسجودهم له هو إعطاء العهد والمواثيق بالتبعية له وبعدم الخروج عن طاعته
فهو الكفيل لهم في أرض مصر
فأسقطوا من أنفسهم وتخلوا عن كل ما يرون أنه كان حقًا لهم وأولى به من يوسف عليه السلام.
والذي يخر يترك قيامه وينزل ليبين أنه منقاد بلا حول ولا قوة أمامه.

تنبيه لا بد منه

ما أنشره يصل القريب والبعيد فيطلع عليه من يصله من أهل الأرض
وقد يرى بعض الإخوة أن الحديث في مثل هذه الأمور
هو جرأة غير محمودة وأن التسليم بالأمر هو أفضل
وأن سجودها سجود يليق بجلال الله ويناسب خلقها ..
والاكتفاء بهذا القول .. والوقوف عليه.
وفعل الله الذي لا ندرك كنهه على الحقيقة نقول فعل يليق بجلاله
أما فعل العباد فعلى قدر طاعتهم وعلمهم وتقواهم يكون فعلهم.

هناك أمور كثيرة مضرة السكوت عنها أعظم بكثير من القول فيها
ولو لم يكن القول مستوعبًا لكل ما فيها،
فالسكوت عنها يفتح باب الآخرين للقول والطعن في كتاب الله أو في سنة نبيه
ولن تسطيع ان تلجم كل الأفواه فتمنعها من الكلام ولن يقدر أحد على ذلك
في هذا الزمن الذي انفتح القول فيه لكل الناس ويصل كل الناس
ولا يجد الغيور على دينه ردًا عليهم إن لم يستهويه كلامهم.

فقد ابتدأت الآية التي تكلمنا عنها في هذا الموضوع بـ "ألم تر"
وهو خطاب للفرد والمقصود به الكل ولو لم يوجه للجماعة ،
ويعنى ذلك أن كل فرد يرى ويعلم ويقر بما ذكر من سجودها ...
وهناك أمور لا تعرف ولا تعلم إلا بالجهد الجماعي
وقد يستغرق الجهد فيه قرونًا عديدة

ولكن هذا الأمر معلوم للجميع وبأقل تدبر يدرك المقصود
فكل الناس يرون خضوع وانقياد الشمس والقمر والنجوم والجبال،
والشجر، والدواب، والناس ومن في السماوات ومن في الأرض
للقوانين والسنن التي وضعها الله تعالى في الكون ولكل واحد منها
ولا يستطيع واحد منها أن يخرج عما وضع فيه ووضع له.
أما أمر الله لعباده فيخضع له قسم من الناس وليس كل الناس،
فمن انقاد وخضع لأمر الله غنم ، ومن عصى فقد خسر.

ولم أقم إلا ببيان ذلك .. ولم أأت بالمعجزات ولا بأمر غير معلوم
وما أقوم به من نشر عشرات الأبحاث والمقالات التي زادت عن المائتين
إلا خدمة لديني بما بسط الله لي من العلم
وتحصينًا للمسلمين ممن ينشرون الفتنة فيهم ويشككون في دينهم
ولا أسأل إلا الله تعالى الأجر والثواب وأن ينفع الله به المسلمين في كل مكان

اقرأ أيضًا

كيف تسجد الشمس تحت العرش كل ليلة ؟