رد: هَنَاديِ روايتي الجديدة
هنادي
الفصل الثاني
اليوم غير الأيام التي سبقته ، شعور مختلف عند هنادي ، وهي تقف خلف البترينة ،
يأخذها الخيال فتغيب عن وعيها ، تسبح في بحرها الذي لا ترى له شواطئ ، تتجلى
الصورة في عينيها ويهدر الموج الضاحك ، ينتابها الخوف ترتد مذعورة وتخشى
المصير المجهول ، يعيد إليها الوعي العامل المكلف بطلبات الزبائن ، إنها المرة الأولى
التي تجد فيها نفسها بلا وعي ، شعور مغاير ، ودقات قلبها المتسارعة ، لقد باتت مؤرقة
حتى أحست أن وسادتها اشتكت ، من كثرة نقلها وتقلبها تحت رأسها ، ذهبت إلى المرآة
التي تقف على وجه الحائط ، كأنها تريد أن تحدثها عن نفسها ، تحكي لها عما يؤرقها ،
تعرف يقينا أن المرآة حفظت كل ملامحها ، تعرف أن المرآة صادقة معها ، ولا تخبئ
عنها شيئاً إذا قصدتها ، لم تضحك المرآة كعادتها لها ، وإنما وارت عنها ما لاحظته في
عيونها ، لكنها أوحت إليها بشيء أخر ، طال وقفها أمام المرآة ، والبحر لا يتوقف
عن الهدير وهي لا تجيد السباحة ، سمعت الكثير من القصص ، لكن وجدان هنادي
باتت تشكو من العطش ، تحتاج من يرويها لها ، لماذا لا يسقط عليها الغيث ؟،
لماذا لا يندي وجهها الندى ؟، تعود هنادي تقهقريا للوراء حين يصدمها الواقع ..
كيف تنجو من المألوف عند القوم ؟،كلما نظرت وأرادت أن تدور برأسها لتجد منفذا ،
اصطدمت بالعرف الأسود ورجاله الأشداء يلتفون حولها ، يحملون المدي والخناجر ،
لا شيء يتم إلا بموافقة العرف ورجاله ، وأي تمرد سوف يقابل بطعنة خنجر أو
رصاصة من بندقية غير مرخصة جاهزة لتجرب في هذه الحالات ، كانت هنادي تريد
أن تجد لها منفذا تخرج منه وتنجو بنفسها ، وكلما أدارت وجهها وجدت أمامها أخيها
عبد العزيز بنظراته الحادة وهو يأكل في شفتيه بأسنانه ، وطه بصوته العالي وتهوره ،
واسماعيل التي كانت تظنه مختلفاً عنهم ،والذي بات داهية من الدواهي الكبيرة .
أما زوجاتهم تعرف هنادي أنهم لا يختلفون عن إخوتها شيئاً ، فقد لاقت منهم الكثير
قبل زواجها ، دائما ما تصف عايدة زوجة عبد العزيز بالسوسة ، فمن عادتها أن تنخر
في السليم كي تفسده ، أما سمية التي تجرعت كل أنواع السموم وباتت كالحية ،
لا يحلو لها إلا الزحف على الأرض واللدغ ، وبنت اللئام فاطمة التي رضعت لبن الذئاب
وباتت كاللبؤة مفترسة ، والذي لا يعنيها إلا مصلحتها ، كيف تستطيع هنادي الخلاص
أو التمرد ؟، تعلم هنادي يقينا أن أمرها في غاية الصعوبة ، فقد تأخذ لتكون ضحية بدون
عيد أضحى ، وقد تصبح وجبة دسمة في وليمة بدون عُرس ، استطاعت هنادي أن
تخلق هدنة أو تصنع بينها وبين إخوتها سلام هزيل .. كممت أفواههم وراحت تغدق عليهم
بالكساء من حين لأخر وهي تحاول ارضائهم واسكاتهم عنها ، لكنها لا تعرف إلى أي مدى
يستمر الوضع معها هكذا ؟....
تذكرت هنادي وقد سقطت من مقلتيها دمعة حارة ، سمعت صوت اصطدامها بالأرض
تذكرت أن النافذة التي كانت ترى بها الدنيا قد أقفلت ، لقد ماتت أمها التي كانت هنادي ترى
من خلالها الدنيا ، وهي التي كانت تحميها من اخوتها وتدافع عنها ، تذكرت هنادي
حينما كانت أمها تختلق الأعذار لتأخذها معها عند العوجة عند أخوالها ، ملفوفة بملاية
من صابع قدمها حتى رأسها ، مسدله على وجهها طرحة أو لا ثمة وجهها بطرحة ،
فتبطيء هنادي خطوتها خلف أمها لتكشف عن وجهها ، لتنعم ببعض الهواء البارد
كي يلفح وجهها وتشم بعضاً من الهواء وهي تقول :الله .. الله على الهواء الطيب
وكأنها تدهن بشرتها بهذا الهواء وتشربها إياه ، فتحس بالنضارة قد ملأتها ..
تخشى أمها أن يكون أحدا قريبا منهم فيرى وجهها فيشي لأحد من أخوتها أو أبيها
فتنال علقة ساخنة .. لقد تزوجت هنادي ممن هو في سن أبيها لتهرب لتنجو بنفسها ..
لكن القدر جعلها بين فكي الرحى ، فهل تكرر هنادي ما فعلته حتى لا تعود للجحيم ؟
وإلى فصل أخر مع هنادي
بإذن الله تعالى
رد: هَنَاديِ روايتي الجديدة
هنادي
الفصل الثالث
استعانت هنادي بأحد الطهاه كي تطوير نشاطها فيما ودت أن تقدمه لزبائنها ، فبدلا من اكتفائها بطبق الكشري المكون من الأرز والمكرونه وقليل من حبات الحمص والعدس وقليل من صلصة الطماطم المسبكة ،صنعت الهامبرجر والحواوشي وطواجن اللحمة والباشمل ، فتنوعت زبائنها وجلبت إلى مطعمها فئة قادرة على الدفع ، كتقديم وجبات كاملة من الدجاج المشوي تحتوي على الارز والسلطة الخضراء والحمراء والخبز وجميع الخضروات ، حتى سادت وتسيدت الزمان والمكان ، فقصدتها العائلات وأصحاب الدخول المرتفعة، كما قصدها من قبل العمال والفقراء وأصحاب الأعمال الذين يسعون لوجبة سريعة ليس فيها تكلف ، فاستطاعت أن تسحب السجادة من تحت أقدام الكثير ين من أصحاب الشهرة في مجال المأكولات ، وصعد نجم هنادي وارتفع في عنان السماء حتى باتت تسطع في سماء المدينة كلها ...و كان ممن بات يقصدها زبونا لم تعره بألا وانتباها ، شأنه شأن الكثيرين الذين يترددون على مطعمها ويقصدونه ، عادة ما يأتي إلى المطعم في المساء ، يجلس هناك على طربيزة تقع في الركن الهادئ كما يسميه هو ، يبدو أنه من الذين يعشقون الهدوء ، يكاد عمره لم يفارق العقد الخامس إلا بعام أو عامين ، يتبعثر الشعر الابيض في رأسه وينتشر ،طويل متزن يبدو عليه الوقار ، مهندم في لباسه ، دائما ما يخفي عينيه تحت نظارته العسلية الفاتحة ، لا يأتي مترجلا ، عادة ما يصحب سيارته السوداء ، يقف قريبا من المطعم ثم يدخل لتناول طعامه ، اليوم جاء مبكرا على غير عادته ،جلس في مكانه المعتاد له ، لم يكن في هذه المرة وحيدا ، بل جاء بمن يصاحبه ويمشي خلفه ، طلب طعاما لنفسه ورفيقه ، لاحظت هنادي أنه بنظرها ويرمقها من خلف زجاج نظارته العسلية ، كانت الحركة في المحل مكتظة ،لا تجعلها ولا تسمح لها بالوقوف طويلا أمام كل ما تشاهده أو تراه ، أنهى الزبون ورفيقه طعامهما ،تقدم الزبون المهندم صاحب النظارة العسلية إلى هنادي ليدفع لها قيمة فاتورة طعامه .. صاح العامل المخصص في تقديم الطلبات .. مئة جنيهاً يا معلمة ، ناول الزبون المعلمة هنادي الحساب حاشرا بين النقود بطاقة تعارف له ، الزبون : تفضلي يا هانم الحساب ...
لاحظت هنادي البطاقة المحشورة بين النقود وهي تتناول النقود منه .. ما هذا ؟. الزبون : بطاقة تعارف خاصه بي. ... هنادي دون أن تنظرها جيدا : وماذا أفعل بها و لماذا التعارف يا أستاذ ؟ . الزبون : أرجو أن لا يساء فهمك لي ، فأنا أقدم لك نفسي وهذا شرف لي ، أنا العقيد كرم الماحي ضابط شرطة ، لم يكمل حديثه معها ، فانقبض قلبها وتغيرت ملامحها في الحال . رأى العقيد كرم أثر الموقف على وجه هنادي ؛ فتبسم ابتسامة عريضة وهو يقول لها : لا تخافي ولا تنزعجي .. أنا طالب قرب ، وطالب حلال ، هنادي :وكأنها لم تسمع ما قاله وتنكره . يا سعادة البيه :أرجوك أخبرني ما الحكاية وما القصة؟. العقيد كرم وابتسامته لم تفارقه ، كما قلت لك بالضبط وتستطعين أن تتحري عني وهذه البطاقة ستيسر لك معرفتك بي والسؤال عني ،.....
فلا ترفضين ولا توافقين سأنتظرك حتى تأخذين وقتك في التفكير و تأخذين قرارك على مهل وتدبر .ثم تركها وغادر هو وصاحبهوابتسامته تصاحبه ..إنسامت هنادي وتركاها في لجة من الطوفان لا تعرف كيف تنجو من الغرق
ومع هنادي وفصل أخر
باذن الله تعالى