عندما يتوقف الزمن ... بقلم: منذر أبو هواش
عندما يتوقف الزمن
بقلم منذر أبو هواش
ربما يكون من المفيد وقبل كل شيء، أن أنوه بأن ما أكتبه هنا ليس سوى محاولة بسيطة ومتواضعة من أجل الربط بين بعض الثوابت الإيمانية، وبين بعض الحقائق العلمية المعقدة، البعيدة نوعا ما عن الحياة اليومية للإنسان العادي، مع العلم بأن الحقائق والمعلومات الواردة في هذا المقال هي حقائق علمية مجردة، تم التوصل إليها من خلال لغة العلوم ومفتاحها (الرياضيات)، وتم إثباتها بشكل قاطع ونهائي من قبل ندرة من العلماء الذين تمكنوا من فهمها، والوقوف على أسرارها، وتوصلوا من خلالها إلى تصورات غريبة عجيبة، تتناول الكون الواحد، وإن كانت هذه التصورات (على غرابتها) تبدو متفقة إلى حد بعيد مع الثوابت الإيمانية.
في مطلع هذا القرن، ومن خلال المعادلات الرياضية والبحوث المتواصلة في علوم الفيزياء والرياضيات المتقدمة، توصل العالم العبقري آينشتاين إلى العديد من النظريات العلمية والاكتشافات الهامة والخطيرة، أثبت من خلالها (كما هو معروف) أن مجموع الطاقة والمادة ثابت، وقام بوضع المعادلة التي تحدد العلاقة بينهما، كما اكتشف أن الزمن هو بعد الرابع إضافة إلى الأبعاد المكانية الثلاثة: الطول والعرض والعمق، وأن الزمن يتغير بتغير سرعة الكتلة، كما قام آينشتاين بوضع المعادلة البسيطة التي تحدد العلاقة بين زمنين، وتوصل من خلال هذه المعادلة إلى استنتاجات وحقائق علمية منهجية يصعب تخيلها وتصديقها. ومن بين هذه الاستنتاجات الحقائق، أن الزمن يمكن أن يتوقف، أي أن الزمن يمكن أن يصبح صفرا إذا ما أمكن الوصول بالسرعة إلى حدود سرعة الضوء. وقد وضع آينشتاين الكثير من المعادلات والنظريات، كان أهمها النظرية النسبية (العامة والخاصة) والتي أعترف العلماء المختصون بصحتها بما لا يدع مجالا للشك. وتشير المعلومات العلمية المتوفرة بين أيدينا إلى أن آينشتاين قد توصل إلى شبه تصور لشكل هذا الكون، وإلى أنه قد توقف عند حدوده مذهولا خاشعا ومسلما بعظمة خالق الوجود، وأن آينشتاين قد توصل إلى قناعة بحتمية كروية هذا الكون، وأنه تمكن من تفسير الكثير من المعضلات العلمية الغامضة في ذلك الوقت، غير أنه عجز عن تجاوز تلك الحدود، وعن تقديم تفسيرات للأمور العجيبة التي اثبت وجودها، كما أنه عجز عن تقديم تصورات عن ماهية تلك الأمور، مثل توقف الزمن عند التوصل إلى سرعة الضوء وعن الكون السالب وما إلى ذلك.
في سورة (الأعراف) الآية 187 يقول سبحانه وتعالى: (يسألونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربي لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسألونك كأنك حفي عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون)
و في سورة (المؤمنون) الآية 112-115يقول تعالى: (قل كم لبثتم في الأرض عدد سنين -112- قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين -113- قل إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون -114- أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون -115-)
في بعض دروسه التفسيرية، يقول الشيخ محمد متولي الشعراوي رحمه الله بأن الميت حين يبعث يوم القيامة، يخيل إليه انه قد مات بالأمس، مهما كانت المدة بين تاريخ موته وتاريخ حدوث يوم القيامة بالنسبة لزمننا الدنيوي. ومن جهة أخرى يقوم آينشتاين ونظريته النسبية بتقديم الدليل والإثبات العلمي المجرد حول مسالة توقف الزمن، ووجود أكوان وعوالم أخرى، أغلب الظن أنها مختلفة عن عالمنا هذا ودنيانا هذه.
ومثال المركبتين (أ) و(ب) المتباعدتين عن بعضهما بالسرعتين (أ) و(ب) لا يبدو عصيا على الفهم . فقائد المركبة (أ) يتصل بقائد المركبة (ب) ويبلغه بان مركبته (أ) تنطلق في تلك اللحظة بسرعة مقدارها (أ) غير أن قائد المركبة (ب) ينظر إلى مقياس سرعة الأجرام الأخرى الموجود في مركبته (ب) فيجد انه يشير إلى أن المركبة الأخرى (أ) تنطلق مبتعدة عنه بالسرعة (أ+ب) وهذا أمر حسابي نسبي بسيط.
غير أن آينشتاين وانطلاقا من هذا التفسير المبسط للنسبية يتوصل إلى مفهوم نسبية الزمن، ويتمكن من تحديد العلاقات الرياضية للأزمان والسرع، ويضع معادلاته الحسابية التي تثبت بدون أدنى شك بأن الساعة الموجودة في مركبة فضائية متسارعة، تتباطأ إلى أن تتوقف، عندما تصل سرعة تلك المركبة إلى سرعة الضوء، أي أن الزمن في تلك المركبة عند تلك المرحلة يتوقف، ويصبح صفرا، وأن عمر الإنسان الموجود فيها (على فرض حدوث ذلك) يتوقف عن التقدم، مهما طال تجواله في الكون، إلى أن يعود إلى الأرض، وإلى الزمن الأرضي الحالي ليجد أحفاده على الأرض وقد أصبحوا شيوخا، وليجد نفسه وقد أصبح هو أيضا أقل سنا من أبناءه أو أحفاده.
التصورات صعبة والتصديق صعب رغم صحة الأمر وسلامته من الناحية العلمية المجردة. وهو من الصعوبة لدرجة أن الإيمان بالثوابت والغيبيات المنزلة على الأنبياء يبدو إلى جانب ذلك أكثر يسرا وسهولة.
وبعيدا عن التطرق إلى موضوع أشراط الساعة، أتوقف هنا لكي أتوجه بالسؤال إلى المتسائلين عن موعد يوم القيامة، ولكي أتسائل بدوري معهم عن الداعي إلى هذا التساؤل الذي ليس له جواب، طالما أن القيامة بالنسبة لكل إنسان تحدث بعد وقت قصير من وفاته (يوم أو بضع يوم)، بسبب توقف الزمن واختلاف الأزمان، مهما اختلفت المدة بين موت الإنسان وبعثه، ومهما طال الزمن الأرضي على وفاته، إلى أن تقوم الساعة (سنوات أو بضعة ملايين من السنوات)، وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
هذا رأيي واجتهادي، والله أعلم
منذر أبو هواش
:tired:
عندما يصبح كل شيء حولك سالبا ...
عندما يصبح كل شيء حولك سالبا ...
بسم الله الرحمن الرحيم...
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته...
أخي سعد،
هذه الأمثلة في الواقع هي بعض من الأمثلة التي يضربها علماء النسبية من أجل تبسيط الفكرة وتقريبها من أذهان الناس. المبدأ الأساسي صحيح كمبدأ، ويمكن إثباته مخبريا، لكن ليس شرطا أن تنتهي الأمور في هذه الرحلة الافتراضية لو تحققت أسبابها على النحو الذي قلناه. النظرية النسبية وهي نظرية مادية شهودية مثبتة رياضيا وفيزيائيا في قسم كبير منها تقول بتغير الزمن أو بتعدد الأزمان، وهي تثبت نظريا على الأقل وجود أمور تختلف في طبيعتها عن المادة التي نعرفها، وعوالم غير العوالم التي نوجد فيها. وأنا أستخدم هذه الأمثلة المادية لأنني أناقش إنسانا لا يؤمن إلا بما هو مادي، فأردت أن أصل به من خلال ما يؤمن به إلى ما لا يؤمن به.
هذه الحكاية العلمية والرحلة الافتراضية على فرض استمرارها يا أخي لا تنتهي عند توقف الزمن كما ظننت، بل تستمر ونستمر معها لو أردنا، لنفترض أن رائد الفضاء المذكور لم يوقف سرعة المركبة عند سرعة الضوء ولم يرغب في العودة إلى ولده وزوجته اللذان ينتظرانه منذ عشرين سنة على أحر من الجمر، ولنفترض أنه أراد الاستمرار في طريقه فزاد من سرعة مركبته واجتاز سرعة الضوء فماذا يحدث؟
عند تجاوز سرعة الضوء يفترض أن الزمن في هذه الحالة سوف يستمر بالتناقص إلى ما تحت الصفر وأنه سوف يتحول إلى زمن سلبي (وما أدراك ما هو الزمن السلبي!!!)، فضلا عن أن المادة أيضا سوف تتحول إلى مادة سالبة (وما أدراك ما هي المادة السالبة!!! وكيف تكون ... إنه عالم آخر سلبي غير عالمنا ... وهذا ما أردت الوصول بأخينا المادي العنيد إليه.
الذي أعرفه ببساطة أن سرعة النمو البيولوجي للكائن الحي مرتبطة بسرعة الزمن، فإذا حصل النمو في الظروف الأرضية العادية فيفترض أن الكائن ينمو بمقاييس الزمن الأرضية، وفي كل ساعة ينمو الكائن بمقدار ساعة ... ويزداد عمره ساعة ... أما في مركبتنا المتسارعة فيفترض أن النمو يتباطئ بنسبة تباطؤ الزمن ...
هذه افتراضات ... إذ إنني لم أقم شخصيا بأية تجارب لأرى طريقة النمو البيولوجي تحت تلك الظروف الغريبة، ولا أملك أية معلومات تتعلق بالموضوع، وربما يتخذ النمو منحى آخر لا يعلمه إلا الله، غير أن معرفة هذا الأمر ليس هو هدفنا الآن. هدفنا هو المقارنة المفاهيم غير العادية التي يفترضها علماء النسبية ولا يكذبها الزنادقة، وبين المفاهيم الدينية الكونية التي لا يستوعبونها أو أنهم يدون صعوبة في تصديقها، بل ويشككون بها من دون أدلة مادية، بل بمجرد سفسطة منطقية كاذبة تستند إلى معلومات أولية بدائية ناقصة لا تضع كل شيء في الاعتبار.
الأمور التي نتحدث عنها أمور تقريبية لا تصلح إلا لإثبات النظرية النسبية الفيزيائية الرياضية، ولا يمكننا من خلالها حاليا على الأقل تفسير الأمور التي كتب لها أن لا تبقى في عالم الغيب. فثبات نمو الإنسان لا يعني أنه لن يموت، أو أنه سوف يخلد إلى الأبد، ونحن لم نقل ذلك. تحدثنا عن توقف الزمن وعن توقف النمو، ولم نتحدث عن الخلود أو عدم الموت، لأن لكل أجل كتاب، والأعمار بيد الله سبحانه وتعالى.
لا نعرف الكيفية التي يتوقف فيها الزمن، لكن ما قاله شيخنا الشعراوي رحمه الله بالنسبة للزمن عند الموتى بين الموت والبعث كلام منطقي موافق للقرآن والسنة، ولا نزيد عليه، والله أعلم.
ودمتم،
منذر أبو هواش
:fl:
أستاذ جواد ... صح النوم ...
أستاذ جواد ... صح النوم ... :)
والله إنني لأعجب لهذا الخلط، ولهذه الثقة الزائدة بالنفس التي تدفعك إلى قول ما تقول استنادا إلى معلوماتك التي أكل الدهر عليها وشرب. ألا يمكنك أن تنهي مقالك بعبارة "والله أعلم" لكي تحفظ ماء وجهك على الأقل.
رغم أن معلوماتك دقيقة، لكن يبدو أنها قديمة بعض الشيء، ويبدو أنك لا تتابع الأخبار العلمية، وتنتظر تحولها إلى كتب تقرأها وتترجم وتنقل ما فيها بعد عمر طويل تسخيرا لإلحادك ونفورك من الدين. فالقول الذي اعتدنا أن نسمعه منذ ولادتنا بأنه (لا يمكن لأي شيء طبيعي أن يتجاوز سرعة الضوء، وخاصة المادة التي تحتاج إلى طاقة لا متناهية لتصل إلى سرعة الضوء) لم يعد صحيحا.
لقد قرأت قبل أيام في إحدى الصحف المحلية خبرا عن نجاح العلماء في تسريع بعض جزيئات الذرة إلى سرعة تفوق سرعة الضوء. كما أن قناة «ديسكفري» عرضت برنامجاً عن العالم «نيمتس» من كولن في ألمانيا، وقالت أنه توصل إلى ما هو أسرع من الضوء خمس مرات.
وأفادت القناة بأن هذا الأمر ينقض حجر الأساس في نظرية النسبية، التي اعتبرت سرعة الضوء ثابتة، وأن كل تجاوز له يخلق استحالة رباعية: استهلاك طاقة لانهائية، وزيادة الكتلة إلى اللانهاية، وانضغاط الطول إلى الصفر، فلا تبقى أبعاد ثلاثية للموجودات، ويتوقف الزمن. وهذه طبيعة العلم أنه ينمو بالحذف والإضافة.
علما بأن ستفين هوكنز يقول أن الكون يتمدد في جزء من الثانية من نقطة الصفر (singularity) إلى حجم مجرة. وهذا أيضا يعني تجاوزا لسرعة الضوء.
صح النوم مرة أخرى، وأؤكد لك أن قيامة كل امرئ يوم مماته ... :)
منذر أبو هواش
:fight:
توظيف منطق آينشتاين من أجل فهم الإسلام ...
أخي جلال،
لست متخصصا في الرياضيات ولا في الفيزياء النووية، والنظرية النسبية لم تكن موضوعنا في الأساس، وليس في نيتي أن أقعد هنا لشرحها أو لنقدها أو لتأييدها والتفلسف في شأن تفاصيلها، كذلك ليس في نيتي أبدا أن أفسر آيات القرآن الكريم بها، ولا أن أفسرها من خلال آيات القرآن الكريم.
هدفي الأساسي والوحيد من كلامي هنا، ومن كلامي في الرد على المنطق الأعوج للمفكر المادي الإلحادي الأستاذ جواد البشيتي في معرض نقده المقصود والمستمر والمناهض لمفاهيم العقيدة الإسلامية وللمفكرين الإسلاميين (أنظر الرابط: التسيير والتخيير) أن أقول للمفكر المادي الإلحادي الأستاذ جواد البشيتي وللمنكرين والمشككين والمغالطين من أمثاله: (: َقِفوا من مسألة التسيير والتخيير كما تَقِفون، أو كما ينبغي لكم أن تَقِفوا، من منطق آينشتاين في نظريته النسبية) على حد تعبير المفكر المعارض المذكور نفسه، بغض النظر عن توافق أو تناقض أو مدى دقة المعلومات التي لدى كل منا حول هذه النظرية، وما تلاها من اكتشافات علمية مذهلة حدث آخرها في الأيام القليلة الماضية.
أعتقد في قرارة نفسي أن الأستاذ البشيتي يدرك تمام الإدراك ما أريده وما أعنيه، لكنه يحاور ويداور ويتجاهل ويتهرب ويتوسع في الأمور الثانوية، ويحاول أن يوظفها من أجل إضعاف موقف خصمه.
تحيتي ومحبتي وتقديري، وبالله التوفيق.
منذر أبو هواش
:fl: