القول بـ(الصرفة) معتزلي الولادة، شيعي الترعرع، حزبي التلاعب، منقوض بعقيدة السلف

القول بـ(الصرفة) معتزلي الولادة، شيعي الترعرع، حزبي التلاعب، منقوض بعقيدة السلف

ابن الأحمر
د. جمال بن عمار الأحمرالأنصاري

القائلون بالصرفة:
للصرفة معنيان؛ أحدهما مرفوض، جاء فيه "بأن العرب لو لم يصرفهم الله عن الاتيان بمثل القرآن لجاءوا به".

1- أول من قال به (النظّام) (ت224هـ) إذ جعل (الصرفة) أبرز وجوه الإعجاز، حسبما نقل عنه لا من كتاب.

2- وتبعه في ذلك المعتزلة (عباد بن سليمان)، و(هشام الفوطي)، ومن بعدهم (أبو إسحاق الاسفراييني)

3- وتبع النظام أيضا (المرتضى) المتلقب بـ(الشريف)(ت463هـ) من الشيعة، المتهم بوضع "نهج البلاغة" على لسان (علي رضي الله عنه). فشاع هذا القول بين بني ملته لأنهم في العقائد معتزلة نظاميون. وليس يقول بالصرفة اليوم سوى الشيعة، في غالب الأمر، إلا القليل النادر.

4- فنَّد (الجاحظُ) (ت255هـ) دعوى أستاذه (النظام) في كتابٍ مفقودٍ سماهُ "الاحتجاج لنظم القرآن".
ورجّح (الرافعي) في كتابهِ "إعجاز القرآن" (ص 102) أن الجاحظ تابع طائفته المعتزلة في القول بالصرفة، وإن كان له رأيٌ في أن القرآن في الدرجة العليا من الفصاحة. يقول عنه: "لم يسلم ... من القول بالصرفة، وإن كان قد أخفاها وأومأ إليها من عُرض". واستدل بقوله في كتاب "الحيوان": "ومثل ذلك ما رفع من أوهام العَرب وصرف نفوسهم عن المعارَضَة ِ للقرآن بَعْدَ أنْ تحدَّاهم الرَّسولُ بنظْمه".
وقال (العلامة محمود محمد شاكر) إن الجاحظ يقول بالصرفة مثل شيخه، وأنه هو الذي أظهر هذا القول وأشاعه، لكنه أضاف إليها الإعجاز بالنظم. ولما رأى الجاحظ التناقض بين قوليه كاد أن يتراجع. [محمود شاكر: مداخل إعجاز القرآن، ص 56-68]
وقد نفى (د. محمد أبو موسى) في كتابه "الإعجاز البياني" عن الجاحظ هذا الانتساب لمذهب الصرفة بتفريقه بين مراد الجاحظ ومراد شيخه. [الإعجاز البلاغي، ص 370]

5- وتابع (ابنُ سنان الخفاجي) (ت466هـ) قول (المرتضى الشيعي).

6- وتابعهم (الرماني) (ت386هـ) المعتزلي في كتابه "النكت في إعجاز القرآن"، قال: "وأما الصَّرْفة: فهو صرف الهمم عن المعارضة..."

7- وسار في الاتجاه نفسه (ابن حزم الأندلسي) الظاهري

8- وقد حرّش فويسق العرب (الوليد بن طلال من آل سعود) عبده الجاهل (د.المهندس طارق السويدان) لكي ينفخ في (الصرفة) مُستحْيَى الرماد. فبث فحيحه من خلال إحدى الحصص التلفازية في قناة سيده وولي نعمته.

**** أما المعارضون للقول بالصرفة المعتزلية:

9- وفند (القاضي عبد الجبار الهمذاني) المعتزلي (ت415هـ) رأي النظام هذا. "المغني في أبواب العدل والتوحيد" (16/234)

10- (الحاكم الجشمي) المعتزلي؛ من أبرز المعارضين للقول بالصرفة المعتزلية. [عدنان زرزور: الحاكم الجشمي ومنهجه في التفسير، ص 446-447]، لكن انتقد (شيخ الإسلام ابن تيمية) رده على أنه من أضعف الردود، ودعمه في ذلك تلميذه (ابن القيم) في "بدائع الفوائد" (4/1549).

11- (الزمخشري) المعتزلي رد القول بالصرفة.

12- وهكذا نفهم أن القول بـ(الصرفة النظامية) ليس قول جميع المعتزلة، وإن جرى خلفه كثير من لاهثيهم. وقد أخطأ (ابن حِجة الحموي) في "ثمرات الأوراق" (ص 18)، و(السخاوي) عندما نسبا إليهم جميعا هذا القول. [جمال القراء، ص 1/216]

11- و(الإمام الخطابي) (ت388هـ) أورد وجها في تفسير قوله سبحانه وتعالى: {قل لئن اجتمعت الإنسُ والجِنُّ على أنْ يأتُوا بِمِثلِ هذا القرآن،ِ لايأتُونَ بِمِثْلِهِ ولو كانَ بعضُهُم لِبَعْضٍ ظَهِيْراً} [الإسراء:88]. قال "إن الأمر في الآية يتطلب الاجتهادَ والتكلف، وسبيله الاحتشادُ والتأهب، والصرفةُ تخالف هذا المعنى، فدل على أن المراد غيرها!!".

12- قال (القرطبي) إن القول بـ(الصرفة) مصادم للإجماع؛ ذلك أن القرآن معجزٌ بنفسه. وعلل فساد هذا القول بأن إجماع الأمة قبل حدوث المخالف على أن القرآن هو المعجز، فلو قلنا إن المنع والصرفة هو المعجز يخرج القرآن أن يكون معجزاً، وذلك خلاف الإجماع. [نقلناه مختصرا من قول القرطبي في مقدمات تفسيره]

13- وأكد (الإمام الزركشي) قول القرطبي.

14- أما (عبد القاهر الجرجاني) في كتابه "دلائل الإعجاز" وخاصة في رسالته "الشافية في إعجاز القرآن" (ص 155) فيرد على القائلين بالصرفة، من الآية، بأن من لم يستطع هذا النظم في الذي مضى، ولن يستطيعه في الذي هو آت، وأنه لايقال لمن كان يستطيعه فيما مضى ثم صار لايستطيعه، والقولُ بذلك خروج بالكلام عن معانيه، وإنما يقال فيمن كان يقدر على الشيء ثم عاد لايقدر عليه... وبهذا يتبين بطلان القول بالصرفة على هذا الوجه".

15- وقد أشار (شيخ الإسلام ابن تيمية) في كتابه "الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح" (5/429)، و(الرازي) قبله، وتقله عنه (ابن كثير) في "تفسيره" (1/61) إلى تجويز القول بالصرفة على جهة التنزل مع الخصم في المجادلة فحسب، مع الإنكار لها وردّها. وهذا ما دفع بعض الكاتبين إلى القول بأن (ابن تيمية) و(ابن كثير) يقولان بالصرفة مطلقا، وهو غير صحيح.

16- وممن رد عليهم (الشيخ محمد الظاهر بن عاشور) في تفسيره "التحرير والتنوير" (4/396)

17- وقال (الرافعي): "وعلى الجملة فإن القول بالصرفة لا يختلف عن قول العرب فيه: {إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ}، وهذا زعم رده الله على أهله، وأكذَبهم فيه، وجعل القول به ضرباً من العمى ..{أَفَسِحْرٌ هَذَا أَمْ أَنْتُمْ لَا تُبْصِرُونَ}. فاعتبر ذلك بعضه ببعضه فهو كالشيء الواحد"

18- وقد رد على كل ذلك (العلامة محمود محمد شاكر) في "مداخل إعجاز القران" ص 56-61

19- وقج ساهم في بعض ذلك صديقنا وزميلنا المترجم الأديب (د. إبراهيم عوض) في كتابه "القرآن والحديث: دراسة أسلوبية"

20- قال (أ.د.صلاح الصاوي وزميله د. محمد سالم) من المعاصرين: "والقول بالصرفة باطل من وجوه: أ- لو صحت الصرفة لكان الإعجاز فيها لا في القرآن ذاته، وهو باطل بالإجماع. ب- لو صحت الصرفة لكانت تعجيزاً لا إعجازاً. ج- قول الله تعالى: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [سورة الإسراء - الآية 88]، يدل على عجزهم مع بقاء قدرتهم، ولو سُلِبوا القدرة لم يبق فائدة لاجتماعهم فإنه يصبح بمنزلة اجتماع الموتى، وليس عجز الموتى بالأمر الكبير الذي يُحتفل بذكره". [محاضرات في علوم القرآن، ص169]

21- يضاف إليها: أن قول (النظاميين) بالصرفة يتناقض مع قولهم بـ(العدل).

22- إن (الصرفة المرفوضة) عند أهل السنة المتبعين لفهم الصحابة هي "القول بأن العرب لو لم تصرف عن المعارضة لجاءت بمثل القرآن". أما (الصرفة المقبولة) فهي القول بأن "العرب انصرفت عن معارضة القرآن من تلقاء نفسها بعد تيقنها من عجزها عن الإتيان بمثله"

*******
مَصَادِرِ ومَرَاجِعِ :

الإتقان في علوم القرآن، تأليف: جلال الدين عبد الرحمن السيوطي، دار النشر: دار الفكر - لبنان - 1416هـ- 1996م، الطبعة: الأولى، تحقيق: سعيد المندوب .

الإعجاز البياني , تأليف : د. محمد أبو موسى , دار النشر : مكتبة وهبة , مصر , 1418هـ-1997م , الطبعة : الثانية .

الإعجاز البياني للقرآن ومسائل ابن رزق , تأليف : د. عائشة بنت عبدالرحمن _ بنت الشاطئ _ , دار النشر : مكتبة المعارف , مصر , دت , الطبعة : الثانية .

البرهان في علوم القرآن، تأليف: محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي أبو عبد الله، دار النشر: دار المعرفة - بيروت – 1391م، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم.

تاريخ آداب العرب , تأليف : مصطفى صادق الرافعي , دار النشر : دار الكتاب العربي , بيروت – لبنان , 1424هـ - 1996م , الطبعة : الأولى .

الحيوان، تأليف: أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ، دار النشر: دار الجيل - لبنان/ بيروت - 1416هـ - 1996م، تحقيق: عبد السلام محمد هارون.

سر الفصاحة، تأليف: الأمير أبي محمد عبد الله بن محمد بن سعيد بن سنان الخفاجي الحلبي، دار النشر: دار الكتب العلمية - بيروت - 1402هـ 1982م، الطبعة: الأولى.

الفصل في الملل والأهواء والنحل، تأليف: علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الطاهري أبو محمد، دار النشر: مكتبة الخانجي – القاهرة , دط , دت .

لسان العرب، تأليف: محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، دار النشر: دار صادر - بيروت، الطبعة: الأولى.

مباحث في إعجاز القرآن , تأليف : د.مصطفى مسلم, دار النشر : دار مسلم – الرياض , 1416هـ - 1996م , الطبعة : الثانية .

مباحث في علوم القرآن , تأليف : الشيخ مناع القطان , دار النشر : مؤسسة الرسالة , 1416هـ - 1996م – الطبعة : التاسعة والعشرون .

المعجزة الكبرى في القرآن : تأليف : الإمام محمد أبو زهرة , دار النشر : دار الفكر العربي ,دط, دت .