في لقائي الأول مع الطلاب
أ.د. محمد اسحق الريفي
في أول لقاء لي مع الطلاب في اليوم الأول من الفصل الدراسي الجديد، ذهبت إلى الجامعة قبل ساعتين من موعد المحاضرة الأولى، لأتمكن من طباعة بعض الأوراق الخاصة بمخطط المنهج الدراسي (syllabus) لإحدى المساقات الرياضية التي أقوم بتدريسها، حيث اعتدت على توزيع مخطط المنهج الدراسي على الطلاب في أول لقاء لي بهم، ليكون بمثابة عقد بيني وبينهم نلتزم به جميعاً أنا وهم على مدار الفصل الدراسي وحتى انتهاء التدريس. حاولت بمجرد وصولي لمكتبي في الساعة الثامنة صباحاً تشغيل جهاز الحاسوب، لأتمكن من طباعة أوراقي باستخدام طابعة متصلة بالشبكة، حيث لا يوجد في مكتبي طابعة. اشتغل الحاسوب، ولكنني لم أتمكن من الدخول إلى حسابي على شبكة الجامعة، لأن الشبكة كانت معطلة، فحاولت الاتصال بمكتب الدعم الفني لأخبر الفنيين بمشكلة الشبكة، ولأطلب منهم حلها، ولكن لم يرد أحد على الهاتف، ربما بسبب خروج الفنيين لحل مشاكل فنية أخرى.
انتظرت لبعض الوقت حتى تشتغل الشبكة، وبينما أنا في حالة انتظار وقلق انقطع التيار الكهربائي كعادته، فتعقدت مشكلتي، ويئست من محاولة الطباعة باستخدام الشبكة، فتوجهت إلى مكتب سكرتير الأقسام لطباعة الأوراق الخاصة بخطة المنهج الدراسي، حيث عاد التيار الكهربائي بعد دقائق قليلة، ولكن حاسوب السكرتير أصيب بتشنج عجيب عند محاولة فتح ملف خطة المنهج الدراسي لطباعته، فاضطررت للتوجه إلى مكتب سكرتير عميد الكلية، وأخيراً تمكنت من طباعته بفضل الله تعالى. توجهت بعد ذلك إلى ماكينة التصوير الخاصة بالكلية، ولكنها كانت معطلة، وعندما اقترب موعد الذهاب إلى المحاضرة، أخذت أوراقي بيدي وخرجت يائسا من مبنى الإدارة متوجها إلى مبنى قاعات التدريس.
من سوء حظي أن قاعة التدريس التي كان عليَّ أن أتوجه إليها تقع في الدور الخامس من مبنى القاعات الدراسية، ورغم أن عشرات الطلاب كانوا يتزاحمون أمام المصعد الكهربائي بانتظار الدخول فيه، انتظرت معهم، آملا أن يفسح لي أحدهم الطريق كي أتمكن من الدخول في المصعد. والحمد لله، من عليَّ أحد الطلاب المحترمين بإفساح الطريق لي، وامتلأ المصعد لحد الاكتظاظ الشديد، وضغط الطلاب على الأزرار، ولكن باب المصعد لم يغلق، بسبب تجاوز الحد الأعلى للوزن المسموح به، فاضطر بعض الطلاب للخروج من المصعد، فتمكنا من إغلاق الباب بعد محاولات عديدة. وصعد المصعد إلى أعلى، ولكنه توقف فجأة بسبب انقطاع التيار الكهربائي، فمكثنا هناك محجوزين في المصعد لمدة نحو عشر دقائق، تصبب فيها عرقنا، وظننا أننا لن نخرج أبدا من المصعد.
المهم، وصلت بسلام إلى قاعة التدريس متأخراً، ووجدت عدداً من الطلاب بانتظاري، فدخلت القاعة ورحبت بهم وعرفتهم على نفسي، ثم حاولت استخدام جهاز العرض LCD الموجود في القاعة لشرح خطة المنهج الدراسي لهم، ولكن جهاز الحاسوب المتصل بجهاز العرض كان معطلا، فاستدرت نحو السبورة البيضاء لشرح خطة المنهج الدراسي، ولكن السبورة كانت مملوءة بكتابة قديمة بقيت طول مدة الإجازة بين الفصلين الدراسيين. بحثت عن مسَّاحة لأنظف السبورة، ولكنني لم أجد، فأخرجت من جيبي منديلاً من الورق وتمكنت بصعوبة كبيرة من تنظيف جزء من السبورة لأكتب عليها. مع الأسف الشديد، كانت الأقلام الجديدة التي أحضرتها مع للكتابة فاسدة، رغم أنني لم أستعملها قط، فلم أتمكن من كتابة كلمة واحدة على السبورة، ولم أعثر على أي قلم في القاعة لاستخدمه، فطلبت من أحد الطلاب البحث في القاعات المجاورة عن قلم، ولكنه لم يجد، فأدركت أن المشاكل لا تنتهي، وأن قدري ألا أتمكن من إنجاز مهمتي في اللقاء الأول، فأعطيت الطلاب ما لدي من أوراق، ووعدتهم شرح الخطة في اللقاء القادم، وانصرفت وأنا أكاد أنفجر من شدة الغيظ.
لقد شعرت بالإحباط الشديد لدى عودتي إلى المكتب، وتساءلت عن سبب حدوث كل تلك المشاكل في لقائي الأول مع الطلاب، فهل كنت أنا السبب في تلك المشاكل؟ وهل كان عليَّ أن أزور القاعة الدراسية وأفحصها قبل اللقاء الأول مع الطلاب؟ وهل حدثت مثل هذه المشاكل مع كل الأساتذة؟ وماذا كان عليَّ أن أفعل حتى أتجنب هذه المشاكل المحبطة؟
من المؤكد أن الإدارة غير مطلعة على مثل تلك المشاكل! ثم نتحدث بعد ذلك عن جودة التعليم واستخدام التكنولوجيا في التعليم الجامعي! أرجو أن يساعد هذا المقال في نقل جزء من معاناة الأستاذ الجامعي في غزة لإدارة الجامعات.
16/10/2009
والله المستعان!
