الأخوان الأستاذان سليمان أبو ستة ود. عمر خلوف حفظهما الله إضافة لـ د. أحمد مستجير رحمه الله هم الأقرب للرقمي مضمونا، أما الدكتور عمر خلوف فقد كان لكتابه (فن التقطيع الشعري ) أكبر الأثر في ربط الأوزان في ذهني بالأرقام شكلا في البداية ثم كان لكتابه ( البحر الدبيتي ) فضل كبير فيما بعد في بلورة مضمون شامل للعروض العربي قائم على أنه صنفان متمايزان من العروض هما الخببي والبحري وتداخلاهما وفقا لقوانين رياضية غاية في الدقة. وأعكف الآن على دراسة موضوع للأستاذ سليمان أبو ستة كتبه منذ حوالي ربع قرن ووجدته الأقرب لمضمون الرقمي بين كل ما قرأت مع اختلاف في التعابير، وسوف أنشره بإذن الله لدى انتهائي منه.
للأستاذ سليمان مقولة تبنيتها وأنا دائم الاستشهاد بها مفادها أن دوائر الخليل بالنسبة للعروض العربي بمثابة الجدول الدوري بالنسبة للعناصر، وهذه العبارة تتداخل كثيرا مع موضوع هذا الحوار.
وفيما يلي استعراض لبعض النقاط الواردة في هذا الموضوع ووجهة نظري فيها.
1- دوائر البحور هي الأقرب تمثيلا لفكر الخليل بشموليته ، والعروض بتفاعيله وبحوره وسائل إيضاح لها. أدرك ذلك ابن عبد ربه في العقد الفريد عندما شرح خصائص المقاطع من أسباب وأوتاد بغض النظر من موقعها من التفعيلة أو البحر. وذلك بقوله :
فاسمع فهذي صِـفة الـدوائرِ = وَصْفَ عليم بالعَروض خابرٍ
دوائرٌ تعيا على ذِهْن الحَـذِق = خمس عليهن الخُطوط والحَلَقْ
فما لها من الخُطوط البـائنـهْ = دلائل على الحُروف الساكنـهْ
والحَلقات الـمُـتَـجـوِّفـاتِ = علامة للـمـتـحـرَكـات
والنُّقط التي على الخُـطـوطِ = علامة تُعـدّ لـلـسُّـقـوط
والحَلق التي عليهـا يُنْـقـطُ = تسكن أحياناً وحِيناً تَـسـقَـطُ
والنُّقط التي بأجواف الحَـلْـق = لمبتدأ السطور منها يُختـرقْ
فانظُر تجد من تحتها أسماءها = مكتوبة قد وُضعـت إزاءَهـا
والنُّقطتان موضعَ التعـاقـب = ومثل ذاك موضعَ التراقـب
فما أورده هنا صفات عامة دون أن يذكر التفاعيل أو البحور. ويجد القارئ في الشكل التالي:
http://www.geocities.com/khashan_kh/sa3ah.gif
تمثيلا بيانيا ورقميا لذلك .
وشرح لذلك على الرابط:
http://www.geocities.com/khashan_kh/...tulbohoor.html
2 – يقول الأستاذ سليمان :" إذ هي لا تتعدى في الواقع فكرة إيجاد سبيل محدد للتصنيف. والفكرة ذاتها طبقها الخليل في معجم العين وقد جعلته يحصر كل إمكانيات اللغة كما حصر كل إمكانيات العروض في دوائره" ويقول كذلك :" .............. وابتكاره لعلم العروض ووضعه لأول معجم في اللغة. ولم تقف حدود عبقريته عند هذه العلوم اللغوية فحسب ولكن تجاوزتها فألف في الموسيقى واتجه في آخر حياته إلى علم الرياضيات"
وواقع الحال يفيد بـأن نبوغ الخليل في كل من معجم العين والعروض والموسيقى كان تجليات لعقلية رياضية فالخليل في كل ما أبدع كان يطبق التباديل والتوافيق عن وعي ودقة تصور كاملين. وأبرز مظهر لذلك هو إحصاؤه الجذور المحتملة للغة العربية :
(نقلا عن كتاب المدار س العروضية لعبد الرؤوف بابكر السيد ص 101-102)
".......فعن حمزة الأصبهاني (ذكر أن مبلغ عدد أبنية كلام العرب المستعمل والمهمل على مراتبها الأربع من الثنائي والثلاثي والرباعي والخماسي من غير تكرير اثنا عشر ألف ألف وثلثمائة ألف وخمسة عشر ألف واربعمائة واثني عشر) "=[412 ,315 ,12]
ولم يذكر عدد الأبنية المحتملة للثلاثي فأضفتها وحسبت كل ذلك كما لا بد أن الخليل حسبه، وهذا الكلام لي أنا (خشان) فتم بذلك المجموع كما ذكر..
(عدد أحرف العربية=28)
والجدول التالي يبين كيف تم التوصل لهذا الرقم. بل ويبين أنه تم تقديم الاعتبار الحسابي على اعتبار الواقع. وربما وقع شيء من ذلك في العروض كما سنرى.
طريقة الحساب
"الثنائي سبعماية ووستة وخمسون"
28×27 =756
-----------
[الثلاثي =19656]
28×27×26 =656 ,19
----------
"والرباعي أربعمائة ألف وإحدى وتسعون ألفا وأربعمائة
28×27×26×25= 400 ,491
--------
"والخماسي أحد عشر ألف ألف وسبعمائة وثلاثة وتسعون ألفا وستمائة"
28×27×26×25×24 =600 ,793 ,11
----------
المجموع= 412 ,305 ,12
وهو مبسوط على شكل جدول في الرابط:
http://www.geocities.com/alarud/79-a...warraqamy.html
وذلك لا يمنع من تسجيل ما الفروق بين الدوائر والواقع، ولا تسجيل الملاحظة على قول الخليل بوجوب الجزء من أصل مفترض، وقد يرى بعضهم في هذا مأخذا، ولكن له وجها آخر هو أن نظام الدائرة الكامل هو المرجع الذي انطلق منه الخليل وقاس عليه الواقع، وحيث نقص الواقع عن المثال قال بوجوب الجزء. وهذا يوضح أن نظام الدوائر هو منطلق العروض ومبدؤه الذي أوجب الجزء رجوعا إليه، وليس طرفة من طرف العروض.
وفي ختام هذه الفقرة إليكم ما يقوله الأستاذ ميشيل أديب : في مجلة الموقف الادبي العدد 373 أيار 2002:"
وأكثر ما يعيب كتب العروض القديمة والحديثة، أنها، على الرغم من مظاهر العبقرية، التي لم يكشف الخليل عن أسرارها، لم تحاول تحليل العملية الذهنية لتي مكَّنت الخليل من بلوغ هذه القمَّة الرياضية التي لا تتأتَّى إلاَّ للأفذاذ. "
2- ذكر الدكتور عمر خلوف:" بل إنّ بحراً كالذي أسميناه اللاحق (مستفعلن فاعلن فاعلن) ليس له على هذه الدوائر مكان."
وهنا أقول إن اللاحق ( وأسميته لاحق خلوف تمييزا له عن لاحق القرطاجني ) توأم المخلغ- مخلع البسيط، فهو بهذا لاحق البسيط وذلك كالتالي
وهنا كنت أود أن اشرح الأمر رقميا ولكن لا وجه لذلك قبل معرفة مفردات الطريقة الرقمية.
مجزوء البسيط = مستفعلن فاعلن مستفعلن
مستفعلن الأخيرة في المخلع دخلها القطع فصارت مستفعلْ ثم دخلها الخبن فصارت متفعلْ = فعولن
مستفعلن الأخيرة في اللاحق دخلها القطع فصارت مستفعلْ ثم دخلها الطي فصارت مستعِلْ = فاعلن
وليس لأي من المخلع واللاحق بشكلهما المعلول المزاحف تمثيل على دوائر الخليل وإنما التمثيل لأصلهما وهو مجزوء البسيط. ولعل مصداق انتماء اللاحق لمجزوء البسيط أن تفعيلته الأخيرة (فاعلن ) لا تخبن ( فَعِلُن) لأن أصلها مستفعلن لا يحتمل أكثر من علة وزحاف، ولعلها لو كانت أصلية لجاءت على فعِلُنْ.
وهناك حوار ممتع حول الأزواج من هذا القبيل بعنوان ( أزواج في أفياء د. خلوف) على الرابط :
http://www.arood.com/vb/showthread.php?s=&threadid=426
والله يرعاكم جميعا.