غسان ابراهيم*
تشكل الموارد الطبيعية التي تمتلكها الدول العربية ثروات ناضبة مع الزمن، فالعالم العربي غني بالنفط والغاز ولكن هذه الموارد في طريقها إلى النفاد في غضون عقود قليلة، مما يطرح تساؤلا حول امكانية تأمين ثروة تحل محل هذه الثروات الطبيعية وتتيح الأمل بوجود مستقبل لما بعد الموارد الطبيعية.
الحل البديل المطروح يكمن باستخدام منتجات المعرفة الحديثة التي ستكون المورد "المستدام" والدائم والقادر على تجاوز مشكلة نضوب الثروات الطبيعية في المستقبل، حسبما صرح الدكتور أحمد حسنة، نائب الرئيس المشارك للتعليم العالي لدى مؤسسة قطر، الذي قال: "نتوقع أن نصبح مصدرين للمعرفة كما نصدر الغاز الطبيعي".
وجاء قوله هذا في المؤتمر الدولي والمعرض الذي وازاه عن مجمعات المعرفة الذي عقد في الدوحة بالتعاون بين اليونسكو ومؤسسة قطر والمجلس الأعلى للاتصالات وتكنولوجيا المعلومات الشهر الماضي.
وأشار حسنة إلى الكيفية التي قامت من خلالها مؤسسات مثل واحة العلوم والتكنولوجيا في قطر بتسويق الأبحاث والتطورات الحارية في البلاد، في إطار شراكة مع القطاع الخاص، قائلا "من الطبيعي أن يكون أملنا الأكبر في أن يكون اقتصادنا الجديد راسخ الجذور قبل أن تتهاوى الإيرادات من الغاز الطبيعي". وبكلام آخر يجب أن يعتمد المستقبل على المعرفة، وليس على موارد الطاقة.
وأجاب حسنة في مؤتمر صحافي عن تساؤل طرحته "العرب الأسبوعي" عن الكيفية والمراحل التي يجب أن يمر بها العالم العربي للوصول إلى مرحلة تصدير منتجات المعرفة وخلق مجمعات تصدر التقنيات إلى العالم سيما أن أغلب الدول العربية تعاني من نقص وضعف في مجال تقنيات المعرفة والتكنولوجيا، فقال: القضية تتطلب أن تكون هناك رؤية واضحة لكل دولة حسب امكانياتها وخصوصيتها وما ترغب أن تكون عليه في المستقبل من ناحية المعرفة... ولا يمكن وضع مراحل مسبقا بل هدف يتم السير نحوه، وكلما استجد أمر أو حدث يجب أن يتم النظر فيه بما يتناسب والطموح الموضوع إلى أن يتم الوصول إليه ضمن برامج وخطط قد تختلف من بلد إلى آخر حسب خصوصيته.
وتحدث الاستاذ عبد الله وحيد خان، مساعد مدير اليونسكو العام للاعلام والاتصال، في افتتاح المؤتمر، حيث اعتبر دور تكنولوجيا المعلومات والاتصالات حيويا جدا في عملية التأثير على حياة فقراء العالم والطريقة الوحيدة لتحقيق أهداف الأمم المتحدة التنموية لصالح الدول النامية، والمنصوص عليها منذ عام 2005 وما يطلق عليه أهداف الألفية الجديدة للتنمية في العالم الثالث.
وقال خان لـ "العرب الاسبوعي" إن مؤتمر اليونسكو انطلق من توصيات قمة تونس لمجتمع المعلومات التي عقدت من 16 إلى 18 نوفمبر-تشرين الثاني 2005 والتي أكدت على ضرورة الانتقال من مجتمع المعلومات إلى مجتمع ومجمعات المعرفة من بابها الواسع والعمل على تعميمها على مختلف فئات المجتمع حسب الاحتياجات المطلوبة والامكانيات المتاحة والطموح المرسوم.
كما تحدث رئيس مجلس إدارة واحة العلوم والتكنولوجيا في قطر الدكتور تيدو ماينى عن الكيفية التي ستركز من خلالها واحة العلوم والتكنولوجيا في قطر، والتي بنيت بتكلفة إجمالية بلغت 300 مليون دولار أمريكي، على قطاعات الطاقة والرعاية الصحية والبيئة، والتي تعتبر "منارات لتحسين نوعية الحياة" في قطر.
ومن خلال العمل المشترك مع بعض الشركات الرائدة في العالم، بما فيها شركة أكسون، شل، وشركة تاتا ومايكروسوفت، تعتزم واحة العلوم والتكنولوجيا في قطر استخدام تكنولوجيا المعلومات كوسيلة لتحفيز وتسريع خطى التنمية في قطر باعتبارها مركزا لأحدث الأبحاث.
وأوضح ماينى أن تكنولوجيا المعلومات ستستخدم كعنصر "مساعد" للأبحاث المتعددة التخصصات، أي أنه ستكون هناك تطورات مذهلة في مجال استخدام الرجل الآلي "الروبوت" في المجالات العلمية المتنوعة، فعلى سبيل المثال ابتكار روبوت لمساعدة في تفحص جسم الانسان واجراء العمليات، مما سيسهم في تحسين الخدمات الطبية دون الحاجة لاجراء عمليات تقليدية، أضف إلى ذلك استخدام تقنيات المعرفة في تطوير نماذج المحافظة على الطاقة واستخدام تكنولوجيا النانو في مجال أبحاث البيئة وإدارة المياه.
ويتوقع أن يصبح مركز الأبحاث الذي سيتم افتتاحه في وقت لاحق من هذا العام، من أكبر مراكز البيانات في العالم – والمركز الوحيد الذي يحمل تصنيف "Tier IV" خارج الولايات المتحدة والأكبر في المنطقة.
وتعتبر مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع منظمة خاصة غير ربحية. وقد تأسست سنة 1995 بمبادرة من الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني أمير دولة قطر وتترأس مجلس إدارتها الشيخة موزة بنت ناصر المسند.
وتسترشد المؤسسة بالفلسفة القائلة بأن الشعب أثمن ما تمتلكه الدولة وترمي بالتالى إلى تنمية هذه الطاقات من خلال إقامة شبكة من المراكز المكرّسة للتعليم المتطور والأبحاث والرفاهية الاجتماعية.
تقع مؤسسة قطر في قلب المدينة التعليمية التي مساحتها 14 مليون متر مربع وتضم العديد من المؤسسات التعليمية ومراكز الأبحاث من بينها فروع جامعية لست من أبرز جامعات العالم إضافة إلى معهد متطور للأبحاث والتطوير، كما تعمل مؤسسة قطر على تحسين نوعية الحياة في دولة قطر عن طريق الاستثمار في مجال صحة وتطور المجتمع.
مؤشرات عن مجمعات المعرفة
في ورقة عمل قدمها الدكتور محسن خليل مدير القسم الدولي لتقنيات الاتصال والمعلومات في مؤسسة التمويل الدولية والبنك الدولي، أكد خليل أن العالم بأسره قد تغير نتيجة التطورات في مجال انتشار ادوات المعرفة الحديثة مثل الانترنت واستخدام الهاتف المحمول حيث بلغ عدد الذين يستخدمون هذه التقنية حوالي 4 مليارات شخص.
وقد خلق انتشار الانترنت في الدول النامية فرصا جديدة لتحسين قضايا المعاشية والتنموية، وقال خليل نقلا عن امرأة التقاها في القارة الافريقية ان استخدام ادوات الاتصال العصرية أتاح لها فرصة لتسويق منتجاتها إلى العالم المتقدم من خلال شبكة الانترنت متجاوزة كل صعوبات التسويق والترويج التقليدية التي تقتضي تكاليف عالية للوصول إلى المستهلك بينما مكنها استخدام الانترنت من جعل العالم تحت إصبعها.
وأشار خليل إلى أن اللافت للذكر أن العالم العربي من أسوأ بلدان العالم في تأمين الانترنت من حيث التكلفة التي بلغت أعلى القيم في العالم نظرا لاحتكار مزودي هذه الخدمة وعدم توفر منافسة تؤدي إلى تحسين الخدمة وتخفيض الاسعار.
كما يعتبر العالم العربي من اقل الأمم في تقديم وابتكار منتجات المعرفة الحديثة حيث تبلغ نسبة مساهمته أقل من 1% بينما يقدم العالم المتقدم نسبا تفوق 80%.
وأكد خليل أن تخلف بعض الامم في هذا المجال ليس عائداً إلى ذكاء أو تفوق القدرات الفكرية لشعب على آخر، بل نتيجة البيئة التشجيعية المتاحة للابتكار في هذا المجال، فكثير من المفكرين العرب قدموا الكثير من المبتكرات الحديثة خلال دراستهم وإقامتهم في الغرب الذي وفر لهم مناخا يتيح سهولة الحصول على المعرفة بينما لم يتمكن نظراؤهم من المفكرين العرب في العالم العربي أن يقدموا نفس العطاء والابتكار.
وأرجع خليل اسباب عدم توفر مثل هكذا مناخ مناسب للابتكار لاسباب أبرزها:
- العالم العربي أمّة فتية، نسبة الصغار دون سن 15 سنة حوالي 35% من نسبة السكان.
-انتشار البطالة بمختلف اشكالها، أضف إلى ذلك البطالة الناجمة عن اسباب تعود لمنع او عدم تقبل عمل المرأة في بعض الدول العربية على الرغم من كون نسب تعلم النساء في كثير من الدول العربية أعلى بكثير من نسب تعلم الرجال. وبالتالي فإن البطالة الناتجة عن هذا السبب تجعل العالم العربي عالما غير موظف ومشغل بشكل منطقي حتى مقارنة مع القارة الافريقية.
- عدم عدالة توزيع الثروات في العالم العربي حيث تتركز الثروات في عدد محدود من الدول العربية التي تنعم بنسبة تفوق 53% بينما تحظى باقي الدول بنسة تقل عن 47% من إجمالي الثروات.
- مشكلة التوزع السكاني حيث يتركز أغلب السكان في العالم العربي في القسم الأفقر بنسبة تزيد عن 89% من السكان ويستقطب القسم الاغنى فقط 11% من السكان.
وبكلام آخر فإن توزيع الثروات على الفرد بشكل غير عادل يكبح آمال التنمية في العالم العربي ويحول دون خلق المناخ المناسب للابتكار مقارنة حتى في الدول النامية ايضاً، وهنا نورد الهند كنموذج:
-استطاعت الهند أن تزيد صادراتها من منتجات المعرفة إلى أكثر من 31 مليار دولار بينما كانت الصادرات لا تزيد عن 1.8 مليار دولار في عام 1998.
-ارتفعت نسبة مساهمة التكنولوجيا في الدخل القومي إلى حوالي 5.4% بينما كانت حوالي 1.2% عام 199.
-ارتفعت نسبة التوظيف في قطاع المعلومات إلى 4% بعد أن كانت حوالى 0.1% من نسبة التوظيف الكلى في عام 1998.
-ارتفع عدد الطلاب والخريجين في مجال الاتصالات والتكنولوجيا إلى 470000 طالبا بعد ان كان لا يزيد عن 70000 طالباً في عام 1998.
توصيات المؤتمر
وفي نهاية المؤتمر كان جوهر التوصيات الختامية للمؤتمر صادرة عن جيل الشباب الذين شاركوا في المؤتمر من خلال مسابقة نظمت للطلاب المشاركين من قطر وعدة دول من العالم لوضع تصميم مستقبلي لمجمعات المعرفة المثالية. فقد شارك في المسابقة طلاب من كلية شمال الأطلنطى والجامعة الهولندية وجامعة قطر اضافة إلى مجموعة من الشباب المشاركين حاليا في مشاريع خاصة بتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والشركات الاستثمارية في جميع أنحاء العالم. وقد قام باختيارهم للمشاركة في المؤتمر كبار المشاركين في مؤتمر مجمعات المعرفة، مثل مايكروسوفت، واتحاد الفرص الرقمية، برنامج المعرفة من أجل التنمية "البنك الدولي" وشراكة المعرفة العالمية..
وخلص المؤتمر إلى ضرورة تبني مبادرة مجمعات المعرفة في كل دول العالم وخصوصا دول العالم النامي لتواكب مبتكرات العصر ولتعمل على ردم الهوة التقنية وما يترتب عنها من دفع عملية التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولتصبح المعرفة متاحة امام الجميع وليدخل الجميع سوق المعرفة منتجين وليس مستهلكين فقط.
* مدير تحرير صحيفة "العرب الأسبوعي"
http://www.alarabonline.org/index.as...\04-04\866.htm
