لا تقل أقدر عالياً أو أثمن عالياً
لا تقل
(أقدّر عالياً) أو (أثمّن عالياً)
فهي ترجمة حرفية عمياء
وخطأ شائع شنيع
الأخوة الأعزاء
تسربت إلى لغتنا العربية في العصر الحديث أساليب كثيرة، دخل بعضها بفعل الترجمة أو نتيجة للاحتكاك والتفاعل بين اللغات، أو لعلها بدأت طريقها من اللهجات العامية إلى الفصحى، بواسطة العاملين في أجهزة الاتصال بالجماهير كالصحافة والإذاعة والسينما والمسرح والتلفزيون.
من هذه الأساليب التي شاعت على الألسنة والأقلام قولهم: (أقدّر عالياً) و (أثمّن عالياً)، وقد اختص أهل بلاد الشام بالتعبير (أقدّر عالياً) أما العرب الآخرون فقد فضلوا استخدام (أثمن عالياً) في معظم الأحيان. ولكنهم اشتركوا جميعا في هذا الاقتراض الحرفي الخاطئ من اللغة الانكليزية.
والمعروف في لغة العرب أن الحال وصف منصوب فضلة، يذكر لبيان هيئة ما قبله وقت وقوع الفعل. نحو: ظهر البدر كاملا. وتعرف دلالته على الهيئة بالسؤال (كيف؟)، نحو: كيف كان البدر حين ظهر؟ فيكون الجواب: كاملا. ولا يكون الحال وصفا في جميع الحالات، وإنما هو في الغالب، ولا يكون فضلة، ولكنه الغالب أيضا. لكنه يستخدم لإتمام المعنى الأساسي للجملة أو لمنع فساده. ولا يصف الحال في اللغة العربية الفعل كما هي الحال في اللغة الانكليزية مع الظرف (adverb)، وهو كلمة تصف الفعل بالدرجة الأولى من حيث زمانه ومكانه أو تكراره أو توكيده أو درجته أو كيفيته.
فضلا عن أن الظرف الانكليزي (highly) لا يعني (عالي) بل يدل عادة على العظمة أو الشدة أو الاستحسان.
لكن النقلة العرب، كعادتهم في الترجمة الحرفية العمياء, ترجموا الظرف (highly) في هذا التعبير بـ (عالياً) منصوبة على الحالية.
قال غاندي : "لا أريد أن تحيط الجدران بيتي من جميع جوانبه، ولا أن تكون نوافذي مسدودة. بل أريد أن تهب جميع حضارات الأرض حول بيتي بكل حرية. لكنني أرفض أن أُقتلع من جذوري".
وقال الدكتور عثمان أمين في كتابه "فلسفة اللغة العربية": "مَنْ لم ينشأْ على أن يُحِبَّ لغةَ قومِهِ، استخفَّ بتُراثِ أُمَّتِهِِ".
:quote:
بتصرف من مقال
المنظور العمودي في اللغة الانكليزية
وأثره في الترجمة العربية
لكاتبه المترجم الدكتور علي درويش
( أقدّر عالياً ) صواب لغوي لا خطأ ترجمي
(أقدّر عالياً) تشريفكم لهذا المنتدى، وأشكركم على رأيكم دون أن أخوض في الرد عليه، لأنه رأي في مسألة منقولة عن الأستاذ علي درويش أستاذ الترجمة والتواصل التقني والحضاري في جامعات ملبورن ـ أستراليا، وهو مؤلف وباحث ومترجم وكاتب تقني مرموق. وأدعو الزملاء الأجلاء الآخرين إلى المساهمة بآرائهم في إثراء هذا الحوار حول هذه المسألة تأييدا أو مخالفة.
والله الموفق، وكفى الله المؤمنين شر القتال
( أقدّر عالياً ) الرجوع عن الخطأ بأنه رأي في مسألة منقولة عن الأستاذ علي درويش، ولكنها ( أقدّر عالياً ) جاءت مستهل مداخلتي في موضوع حوار الأستاذ منذر أبو هواش مع الأستاذ نبيل عبد القادر البرادعي، فكانت تخطئة غير مباشرة لي، وردّاً عليّ، ولا ضير في ذلك لو كنت مجانباً للصواب، أما الأستاذ الكبير علي درويش فهو موضع احترام وتقدير، غير أنه، وإن كان أستاذاً في جامعات ملبورن بأسترالياً ومؤلفاً وباحثاً ومترجماً وكاتباً تقنياً مرموقاً، وما شئت من صفات أخرى لم يذكرها الأستاذ منذر، يستظهر بها على الحقيقة = حجة في اختصاصه، وليس حجة في اللغة العربية، ومثل ذلك الاحتجاج بمقاله، والإحالة عليه، وطلب قراءته قبل الإجابة، ليس بذي قيمة، فالقاعدة الفقهية والشرعية معروفة، وهي أن الحق لا يُعرف بالرجال، ولا يُقاس بهم، بل هم يُعرفون به ويقاسون، ولا شك أن هذا لا يقلل من قدره، ولا ينتقص من علمه، إذ لم يَعْرّ أحدٌ عن الخطأ أو السهو، والنقص شامل للمخلوقين، كما قال الزجاجي وغيره.
على أني وجدت هذا الرجوع عن الخطأ يخالطه إصرار عليه، مع قدر غير قليل من السخرية، تجلّى في وضع الصور، وتكرار وصف الترجمة الحرفية العمياء باللون الأحمر والخط الكبير بأنها :
( الترجمة الحرفية العمياء : ترجمة حرفية خرقاء حمقاء بلهاء بحسب تعبير المؤلف علي درويش )
أعتقد أن هذا إن دل على شيء فإنما يدلّ على عصبية للرأي، واتباع للهوى، وعدم السعي وراء الحق، والتنكب للحقيقة . يحضرني هنا قصة بليغة مؤثرة، فقد صرع سيدنا علي بن أبي طالب خصماً له من المشركين في معركة، ولما طرحه أرضاً استلّ سيفه ليقتله، بصق المشرك في وجهه، فما كان من سيدنا عليّ كرم الله وجهه إلا أن أغمد سيفه، وتركه لله، خشية أن يكون قتله للمشرك خالطه حظُّ النفس، من الثأر لها، لا للحق .