ادّعى بعض الناس الظلم في حق الله، وذلك حين قالوا ”أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة فمن أظلم ممن كذب بآيات الله وصدف عنها سنجزي الذين يصدفون عن آياتنا سوء العذاب بما كانوا يصدفون” الأنعام 175. فكأنهم أرادوا التهرب من العذاب والوعيد لأنهم لم يحضروا تنزيل الكتاب وكانوا عنه غائبين أو مغيّبين عن استلام الرسالة، فلا ملامة عليهم، ويشبه هذا الطرح منطق الذين قالوا أيضا ”لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير” فادّعوا غياب العقل عنهم فتركوا اتباع الرسل، لكن الله فضحهم وقال ”ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة” الأحقاف 26 وقال: ”وما كان ربك بظلام للعبيد”. وقال في معنى مشابه لهذا ”وَقَالُواْ لَولَا يَأتِينَا بَِآيَةٍ مِّن رَّبِّهِ أَوَلَم تَأتِِم بَيِّنَةُ مَا فِى لصُّحُفِ لأُولَى وَلَو أَنَّا أَهلَكنَهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبلِهِ لَقَالُواْ رَبَّنَا لَولَا أَرسَلتَ إِلَينَا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ ءَايَتِكَ مِن قَبلِ أَن نَّذِلَّ وَنَخزَى قُل ُلٌّ مُّتَرَبِّصٌ فَتَرَبَّصُواْù فَسَتَعلَمُونَ مَن أَصحَبُ لصِّرَطِ لسَّوِىِّ وَمَنِ هتَدَى” طه.
فتفنّد هذه الآيات وغيرها الفكر السلفي ونبيّن لهم أصولا وقواعد غفلوا عنها ونجملها فيما يلي:
- إن الشريعة التي هي أحكام شرعية تكليفية، منزلة من الله، ولا دخل لمخلوق في تبديلها، ولا نتبع سواها، وليس لها أي شريك في الاتباع فبها يهتدي الخلق ومنها يستمدون هدايتهم.
- إن الشريعة تُنزّل في زمن ما وليس في كل جيل، ويلزم التالين ما لزم السابقين، أو يلزم الحاضرين لنزولها ما يلزم الغائبين عنها.
- إن حكم الشريعة على الأولين كحكمه على الآخرين، لا محاباة لجيل على آخر ولا تكون القسوة على الآخرين أو اللين على السابقين، إلا في حدود عامة تطبّق بالعدل والسوية بين المكلفين والرعية.
- قد يكون لفئات من المكلفين فضل على غيرهم سواء أعايشوا نزول الوحي أم جاءوا من بعده، بل قد يكون في الآخرين من هو أفضل من الأولين إذا أحسن العمل، ويؤيّد الحديث النبوي هذا المعنى ”إن من ورائكم أيام صبر للمتمسك فيهن يومئذ بما أنتم عليه أجر خمسين منكم، قالوا يا نبي الله أو منهم ؟ قال: بل منكم” رواه ابن نصر في كتاب السنة.
- إن الله قد زوّد كل مخلوق من السلف والخلف إلى يوم الدين بالحواس والأدوات اللازمة لفهم وتقبل الدين والتكليف بالعبادة، ولا يوجد أي نص نقلي ولم ينقل أي نص عقلي على أن الجيل الماضي أقوى عقلا وأكثر فهما وأذكى منا وممن سيأتي بعدنا، ومن ادّعى ذلك فقد حكم على نفسه أنه غبي، فلا يعمّم حكمه على غيره.
- إن من ادّعى ذلك صار يشبه المشركين من حيث اتهام الرب بتغييبهم عن شروط الإدراك وتقبل الإيمان والرسالة.
- إن مدّعي ذلك يريد فرض منطق التعبد بمنظور الغير، كما فعل فرعون مع قومه: ”ما أريكم إلا ما أرى”.
- إن مدّعي ذلك، مريض بعقد نفسية يحتقر بها نفسه، ومريض بعقد شركية، يعظّم بها المخلوق.
- إن مدّعي ذلك، قد قتل العقل، ومنع الأمة من استغلال قدراتها، وحكم عليها بعدم القدرة على التطور أحسن من الماضي، حتى في مسائل الدين، الذي تتغيّر فيه الفتوى حسب الزمان.
- إن مدّعي ذلك مقلّد أعمى، ضال مبتدع لأصل لم يقله الصحابة في أنفسهم، ويفتري عليهم.
- إن مدّعي ذلك، يريد أن يجعل للأمة أربابا من دون الله، كما فعلت اليهود والنصارى، ويجعل الكتاب والسنة محل تحكيم بعقول من مضى وإغلاق باب الاجتهاد على سائر الخلق.
- إن العلم يؤخذ عن أهل الذكر ولم يقل الله عن الصحابة وكفى.
- إن النصوص الشرعية تناقض هذه المقولة البدعية، بحيث جعل الله لكل زمان مجدّدا وعلماء يرجع إليهم الناس، والذين سيخالفون في الكثير من المرات ما كان عليه الصحابة لضرورة الزمان والمكان والأحوال.
- إن معنى كلامهم، يصيّر الآية الكريمة ”فاسألوا أهل الذكر” بمعنى اسألوهم عن أعمال الصحابة وأقوالهم فيما اجتهدوا فيه فقط ولا حاجة للنظر في عقولكم أو اجتهادكم.
- إن مدّعي ذلك قد ألقى الأمة في الفراغ، بحيث لو عرضت عليها مسألة ليس للسلف فيها شيء، لاستوجب علينا التوقف والبقاء في حال بلا حلول.
- إن مدّعي ذلك جعل الصحابة مصدر من مصادر الوحي، وضمن لهم العصمة، وأوجب فرضا الانقياد لهم وهي بدع وشرك في آن واحد.
- إن مدّعي ذلك، قد حكم بالفساد والضلال وبالتالي بالنار على كل من رأى في مسألة ما عكس الصحابة، وهذا هو الشرك الأكبر، بحيث يصير مخالفة المخلوق بمثابة مخالفة الخالق، كما حكم بضلال جميع علماء المسلمين والأمة لأنهم لا نجد واحدا منهم لم يخالف الصحابة في مسألة أو مسائل، ونتحدّى من يدّعي العكس.
- إن مدعي ذلك يوقع الأمة في خراب وضلال، من حيث إنهم سيتحيّرون بمن يجب التقيّد في حال اختلاف الصحابة وتناقض فتاويهم.
- إن اختلاف الصحابة لدليل على مشابهتهم لنا من حيث إدراك معنى الشريعة وتحصيل العلم، كما يدل على نقص الفهم لدى بعضهم وسقوطهم في الخطأ ومجانبة الصواب، ثم يأتي من يدّعي علينا أنهم أعلم بمصالحنا وقد أخطأوا في إدراك مصالحهم أنفسهم.
- إنه لم يكن معظم الصحابة ممن يحفظ القرآن أو من الفقهاء، فمن الغباء أن يصير مجرد التسمية بالصحابي دليلا على العلم ؟
- إن مدّعي ذلك ألقى بنا في أسفل السافلين ولم يجعلنا الله في السفلة، بل أخبرنا أنه كرّمنا وأننا الأعلون، ويريد هؤلاء إلقاء عقد نفسية في أنفسنا وتحقيرها أمام الصحابة، ومخالفة الشرع الذي يقرر أن لا فضل لأحد على غيره إلا بالتقوى، ولا ننكر فضل الصحابة ولا دورهم في حماية الرسالة، التي نواصل حمايتها كمثلهم من جيل إلى آخر، بصد الكفار عن ديارنا وتوريث الدين لأبنائنا، والخطر كل الخطر على أولئك الذين خالفوا الصحابة في التحالف مع اليهود والنصارى لاحتلال بلداننا وقنبلتها !!
- وقد أسست هذه النظرية التي تجعل الصحابة مقدسين للحروب التي تقودها أمريكا على المسلمين، بحيث عندما نواجه السلفيين بالحجج الدامغة على حرمة قتل المسلم ولو كان شيعيا ممن يسب الصحابة، يجيبوننا بقولهم: أولئك رافضة أي شيعة، فقلنا لهم وهؤلاء كفار ويهود ومسيحيون، فقالوا بأن من يسب الصحابة كافر يستوجب القتل، حسب مذهب الوهابيين، فضلّلهم الشيطان حين صوّر لهم أن قتل مسلم يسب مسلما آخر جائز. فقاسوا بين الأمرين وقارنوا واستنتجوا أن قتل مسلم عادي لإنقاذ مسلم عال أخف الضررين ؟ فهم يقتلون المسلمين لإنقاذ صورة الصحابة ولو بالتحالف مع أمريكا، فهانت نفوس المسلمين لما قدّسوا الصحابة، والغريب أنهم لا يغارون على الله ورسوله حين تشتمهم أمريكا والصهاينة. فهل صارت حرمة أبي بكر أعلى من حرمة الله ورسوله ؟


حسين قهام