سفراء غير مرئيين


كاظم فنجان الحمامي

لم يلبسوا طاقيات الإخفاء, ولم يرتدوا عباءات التنكر, لكنهم غير مرئيين, ولن تستطيعوا رؤيتهم, لأنهم غير مدرجين على لوائح البعثات الدبلوماسية, ولا توجد جهة رقابية تحصي تكرار سفرهم خارج البلد, ولا قاعدة انضباطية أو إدارية تضع المعايير القياسية لعدد السفرات المقننة بمقياس الرحالة ابن بطوطة, أو المصنفة بمقياس الملاح فاسكو دي غاما, فالمنافذ الحدودية مفتوحة لهم ولبطانتهم على مصاريعها في كل الاتجاهات, وسقوف الالتحاق بقوافل الإيفادات مهيأة لهم ولحاشيتهم في كل المواسم وفي كل الظروف, وصناديق المدفوعات المالية مستعدة لتغطية نفقات سفرهم وإقامتهم في أرقى الفنادق والمنتجعات, فليس هنالك ما يمنع الرحلات المتكررة لأصحاب الدرجات الرفيعة والثخينة والمترهلة.
موظفون كبار اتخذوا من المدن الأجنبية محطات شبه دائمية لهم, فربطوا مصيرهم ومصير بلدهم بمتوالية لا تنتهي من الإيفادات الرسمية المتعاقبة, أفواج تلتحق بقطارات السفر, وأفواج تهبط في المطارات المحورية, وحقائب تُشحن, وجوازات تُختم, حتى لم تعد في جوازاتهم صفحة فارغة إلا وتشوهت بأختام مكاتب الجوازات, بشتى الألوان والأحبار واللغات, في مربعات ومثلثات وثقوب ودوائر وملصقات وتواقيع, رسمت تواريخ العودة والمغادرة, وحددت فترات الإقامة, ومحطات التجوال حول العالم.
نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي
يقول الظرفاء: أن أحكام فريضة الصلاة توجب عليهم أدائها قصراً عند عودتهم المؤقتة إلى ديارهم بعدما صار بقائهم في الخارج أطول من مكوثهم في الداخل, ويقول آخرون: أنهم انغمسوا في جميع أنواع الملذات, وأسرفوا في الشهوات, فسقطوا في فخاخ الفساد.
صاروا يتقافزون من مطار إلى آخر, ومن دولة إلى أخرى في إطار ما يسمى بالإيفاد المركب, أو المتعاقب, أو المتعدد الاتجاهات, أو المتعدد الأغراض.
مضت عليهم أعوام وأعوام وهم يطوون الأرض براً وبحراً وجواً, من شرقها إلى غربها, ومن شمالها إلى جنوبها, من دون أن يرصد تحركاتهم أحد, ومن دون أن يوقفهم أحد, فهم غير مرئيين, ولا يمكن التعرف عليهم إلا بقراءة جوازاتهم المخرقة بالثقوب الرقمية, والمدمغة بالأختام المتداخلة, تاركين شؤون مؤسساتهم بيد أنصاف المتعلمين. .
ربنا مسنا الضر وأنت أرحم الراحمين