خمس قصائد
للشاعر الدنماركي نيلس هاو
ترجمة نزار سرطاوي



1. الصمت



إنّه لَأمرٌ مُحيِّر: في شبابنا

نستطيع أن نتبادلَ الخبراتِ والهزائمَ

والانتصاراتِ بكل التقدير.

يمكننا من خلال الحديث أن نتواصل معاً؛

جميعُ الخياراتِ تظلّ مؤَقّتة

وليس لها عواقبُ وخيمة.



فيما بعدُ يصبح ذلك ضرباً من المستحيل.

يمكن لكلمةٍ واحدةٍ أن تصنع مسافةً لا يمكن تجسيرها.

يصبح الناس أعداءَ ألدّاءَ بسبب ملاحظةٍ عابرة...

الكراهيةُ تتأجج بين الأصدقاء القدامى.

التسامحُ أمرٌ مستحيل. انتهى!

مع التقدم في السن تَكتسِب الكلماتُ
ثِ
قَلاً لا فائدة ترجى منه! علاقتي بك وصلت إلى نهايتها!

يا لهذا العجزِ المتوحش.



الرغبةُ في الإيذاء، في القتل

تشبه في غموضها كراهيةَ المرءِ لنفسه.



ما لا نستطيع قوله

ينبغي لنا أن نصمت عنه.

لكن أعْيُنَنا تتحدث

مباشرةً من خلال الكراهية

والشعور بالوحدة.


2. المهمّة


ليس من التميز في شيء أن نصحوَ ليلاً وقد امتلأت عقولنا

بتكهناتٍ مجنونة،

معظمُ الناس لا بد لهم من مواجهة وحش. بعضهم يُضطرون

إلى تناول الأدوية كي يحتملوا الألم،

كي يتقبلوا الخسارة أو يتخلصّوا من حالة الاكتئاب.

إنهم يشعرون أنهم منبوذون تماماً وأنهم يقفون وحدهم

في مواجهة الغيلان – هكذا هو الموقف.

الشيطان يتجوّل مثلَ أسدٍ هائج.



هتاك آخرون يتقبّلون أيّ مخدر في السوق يُباع

بالتجزئة: التبغ، القهوة، والكحول، العربدات في الأطعمة

أو في الزهد. بعضهم ينجحون في الاستغراق

في العمل، أو في شيء آخر رائع هم به مولوعون.

فنحن نبني إمبراطورياتٍ صغيرةً على أمل أن تكون

بمثابةِ مصابيحَ لأرواحنا الهائمةِ يومَ

نترك أجسادَنا ونعبرُ إلى الخلود.



كلٌّ منّا يودّ أن يترك أثره – تعبيراً عن الامتنان

لأنه قد سُمح لنا بأن نخطوَ على الأرض ونستمتعَ

بجمالها؛ سُمح لنا أن نحبَّ ونكره

إلى الحد الطبيعي في جسدٍ له عنوان عادي.



المهمةُ بالنسبة لنا هي أن نتمكن من فهم تجاربنا المشتركة؛

الرعبِ والبؤسِ اللذَيْنِ يحيطان بنا، يتشبثان



بملابسنا ويتسربان إلى كل ناحية في أجسادنا.

أن نلاحظ ما يدور من حولنا، أن ُنسَمّيَ الأشياء

بأسمائها إن كان ذلك ممكناً.



3. مشاكل في القلب


تحدثنا حول مشاكلِ القلب

وحوادثِ الموتِ المفاجئ؛

ذُكِرتْ نوادر

عن رقائقِ البطاطس، والنبيذِ والسجائر.

أكلنا وشربنا. كانت لمستنا خفيفة

لأنّ أيّاً منا لم يساوره أدنى شك

في أنّنا نحن أيضاّ سوف نجد أنفسنا ذات يوم وقد استلقى

الواحد منّا على الرصيف أو على أرض غرفةٍ ما

وقد مثلت أمام عينيه أقدامٌ وأرجلُ كراسي،

بينما يعمد شخصٌ إلى قطع أزرار القميص

عن ملابسنا بجنون

ويصيح طالباً النجدة.



لا عيبَ

في أن نموتَ على الأرض،

طالما ان ذلك لا يحدثُ

عن قصد.



4. قل شيئاً


إنّ مَن

لا يقولُ شيئا

يتصور أن

الصمتَ

الذي يلفُّ صمتَه

يقول كلّ شيء.



لكن ذلك الصمتَ

يتحدثُ بصوته الخاصِّ به

تلك هي المشكلة.



الشيءُ الأكثرُ أهميةً يحدث

في المنطقة الصامتة

ولكن ليس بوسع أحدٍ التحكمُ بذلك.

هناك يتحدث الملائكةُ والشياطينُ معاً في جوقة واحدة.




إذا كنت تريد أن يُقال شيءٌ

فعليك أن تقوله بنفسك.


5. على الشرفة


كبارُ السنّ الذين سيقضون نحبَهم قريباً

يصبحون شفّافين في المقاعدِ القابلةِ للطيّ

لكنهم ما زالوا يستمعون إلى حركة السير.



لم أعدْ أذهبُ إلى أيّ مكان،

لا داعي لتذكيري بذلك. الجلدُ يعتريه الجفاف

شيءٌ ما يُلِحّ في الداخل ويريد أن يخرج.



يتوقفُ القلب / ينبض / يتوقف

مثل شيءٍ مستعملٍ أصابه العطب

في الواقع أنهم قد وصلوا الآن.



موتاهم واقفون ينادون

في ظلّ شجرةِ الخوخِ الأرجواني: لقد اختفى

اسمى من دليل الهاتف



أو بدلاً عن ذلك، يصادرون الصباح

بالأحلام والحنين

لكنهم ما يفتأون يستمعون إلى حركة السير.



كبارُ السنّ الذين سيقضون نحبَهم قريباً

يصبحون شفّافين في المقاعد

ثمّة من وضعهم هاهنا.


-----------------------------------

نيلس هاو شاعر وقاص دنماركي من مواليد عام 1949. سافر إلى عدد كبير من دول العالم في اوروبا وآسيا وأفريقيا وأمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية للمشاركة في مهرجانات شعرية. ترجمت أعماله إلى أكثر من ثماني لغات. يعيش هاو في العاصمة الدنماركية كوبنهاجن مع زوجته الرسامة كريستينا بيوركي.