لحرية الرأي والموقف حدود
الدكتور عزت السيد أحمد

لم تختلف القيم في الرَّبيع العربي عما سبقه
ولٰكن رُبَّما مع الرَّبيع العربي ظهرت المفارقات بوضحٍ أكبر.
ومما برز بوضحٍ كبيرٍ في الرَّبيع العربي الدعوة إلى احترام رأي الآخر. وهٰذه وحدها في ثقافتنا العربية مشكلةٌ عويصةٌ. لا بُدَّ من القول فيها كلمةٌ عابرةٌ على طريق وصولنا إلى ما نريد قوله. وهي أنَّ العالم العربي دون غيره من عوالم البشر شهد ظاهرة مضحكة هي:
أنَّ أكثر دعاة احترام الرأي الآخر هم أكثرهم احتقاراً للرأي الآخر وأشدهم رفضاً له...
وأكثر دعاة الديمقراطيَّة هم أبعدهم عن ممارستها وأشدهم رفضاً للتسليم بنتائج الديمقراطية إلا إذا هم الذين نجحوا.
وأشد دعاة الموضوعية والفهم الصَّحيح للآخر هم أبعد الناس عن الموضوعية وأبعدهم عن فهم الآخر على حقيقته... وأكثرهم تلبيساً له ما لا يلبس، وتقويلاً له ما لا يقول...
وكان أشد المتفصحنين في القومية هم أعداء القومية، فالقوميون هم الذين كانوا يدعمون الحركات الانفصالية والقوميون هم الذين يعرقلون الجهود الوحدوية...
والسلسلة في ذلك طويلة...
ولكن في تلك السلسلة ظهرت تعبيراتٌ ترى في العلاقة مع الكيان الصهيوني حريةً واختياراً ورأياً خاصًّا، وهٰذا من عجائب المنطق الأعوج لأنَّهُ المنطق الأعوج لا يقبل بذۤلكَ.
هنا نقول ما قاله المنطق، وكرره الكثيرون: الخيانة ليست وجهة نظر. نعم الخيانة ليست وجهة نظر ولا حريَّةً فرديةً ولا جمعيةً... الخيانة خيانة ولا يجوز تمريرها تحت أيِّ بندٍ أو تخريجةٍ.
في الربيع العربي عادت النغمة ذاتها إلى الظهور في السياق الجديد. عاد الفريق القديم المذكور نفسه إلى إنشاء مقولاتٍ جديدةٍ في الظَّاهر، قديمةٍ في المضمون، تدور في فلك فكرةٍ واحدةٍ أساسيَّةٍ هي حرية الرأي والتعبير.
حرية الرأي والتعبير لا اعتراض عليها، ولٰكن عندما تكون وقفة ضدَّ الحقَّ فليست حرية رأي ولا حرية تعبير، إنَّها عدوان على الحق يجب القصاص منه.
إنَّ من يقف مع القاتل تحت عنوان حرية الرأي والموقف والتعبير هو قاتل مثل القاتل تماماً. من الممكن اختلاف الرأي في الوصف بَيْنَ أن تقول إنَّهُ شريكٌ في القتل أو قاتل. ولٰكن من غير الممكن قبول أنَّ الوقوف مع القاتل المجرم ينطوي تحت باب حربة الرأي والتعبير.
حرية الوقوف مع السلطان أو ضده تكون في الانتخابات، في السياسة التي يمارسها، في القرارات التي يتَّخذها... ولٰكن عندما يقتل الحاكم شعبه فلا مجال لقبول حرية القوف مع الحاكم، ولا مجال للاعتراف بهٰذا الحق. هٰذا ليس موقفاً ولا حرية إنَّهُ اشتراكٌ في القتل ودعمٌ للقتل، وتأييدٌ للقتل... اختر ما شئت من ذۤلكَ.
إنَّ الذين وقفوا مع القذافي، مع حسني مبارك، مع بشار الأسد، مع السيسي، مع المالكي، مع حسن نصر الله... لا يجوز بحالٍ من الأحوال القول إنَّهُم يعبِّرون عن مواقفهم ولهم الحرية في ذۤلكَ، أي حرية هٰذه التي علي أن أقبلها وهي تعني محاربة الشعب وقتله؟!
ومن ذۤلكَ نقول إنَّ موقف فيروز وزياد الرحباني مع القتلة ليس حريَّة، هو شراكة في القتل، تأييد للقتل... إذا كانت تجهل، هي أو الواقفين مع القتلة، ما يحدث فهذا ذنبهم وليس ذنب الأبرياء الذين يقتلهم السلاطين.
لفيروز وأي مثقف أو غير مثقف أن يقف الموقف الذي شاء متى شاء وأينما شاء... ولكن كيف يمكن قبول أن تأييد القاتل ودعمه يندرج تحت باب حرية الرَّأي والموقف والتعبير؟؟!!
إنَّها معادلة لا يمكن أن تتسق بحال من الأحوال.